المحرر موضوع: زقُاقْ الحي القديم / إعداد سلوان ساكو الجزء الثاني  (زيارة 947 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الفصل الثاني :-
تدرج احمد في الرتب العسكرية  وتزوج ، وظل التواصل بين الاثنين قائم ومتواصل ،في كل خميس من الشهر الذي يكون فيه احمد مجاز  كانا يذهبان الى احد المطاعم ويشربان ويتسامران ويقضيان وقت ممتع.  ولكن مع مرور الأيام قلت اللقاءات  واصبح التواصل صعب  بسبب الحرب العراقية الإيرانية حيث ُنقل احمد الى الخطوط الأمامية لجبهات القتال . وأصيب أصابة مميتة  في معركة الحصاد الأكبر  بأحدى القذائف وبُترت ساقه اليسرى  وفقد عينه اليمنى وتشوه  وجهه من جراء الشظايا .  تم إعفاءه  من الخدمة  مع الإبقاء على راتبه التقاعدي ورتبته العسكرية . اصُيب أحمد بعد الحادث  بنكسة نفسية حادة واصبح اكثر انطواء وأكثر عزلة ،يجلس ساعت طويلة ساهم في المجهول ، ويصرخ على أتفه الأسباب ويتشاجر مع أهل البيت أو مع الجيران حتى ، أردا الانتحار اكثر من مرة ولكن لم يكن يملك الشجاعة الكافية. زيارات يوسف له لم تنقطع حاول ان يخرجه من أزمته الحادة فكان يزوره في الأسبوع مرتين  . خفت اثار الصدمة تدريجيا ، وأتفقا ان يذهبان الى البار القديم   ، جلس الاثنين في البار وطلبا المشروب والمقبلات  وعادت  بهم الذاكرة الى الوراء والى الأيام الخوالي وتذكر احمد كيف كان يدافعان عن بعض في المدرسة وفي الحي ، وضحكا على بعض المواقف الطريفة التي حصلت في الماضي البعيد ، مع توالي الكؤوس فعلت الخمرة فعلتها ، واصبح الحديث  ذات شجن محزن  وأيقاع مؤلم ، قال احمد  وهو ينظر  الى الكأس لقد أصبحت الان معاق مُقعد لا أنفع لشيء  الناس تنظر لي بنظرة عطف ، واصبح  يبكي مما استرعا انتباه الناس الجالسين على  الطاولة المجاورة. أخذ يوسف يهدئه  قائلاً له انت تمر بتجربة صعبة ويجب ان تتحمل وتشد من ازرك وهذا قدرك  انتٓ خدمة الوطن وأعطيت جزء من جسدك له وهذه هي حال الحروب   ،  هدأ احمد ونظر طويلاً الى الشخص الواقف خلف البار وقال ، لعنة الله على الحرب ومن أشعلها ومن تسبب  في أطالتها فقد ذهب خيرة الشباب على شيء تافه ، قال يوسف له أترك  الماضي ، الان انتٓ  في الحاضر الماضي ذهب ولن يعود ابحث عن حاضرك ، ضحك احمد مُستهزئ  وقال حاضر ! اين هو الحاضر ! ألا تعرف ان لا وجد للحاضر ألا في اذهاننا انه وهم نحن من اخترعناه ، والحقيقة المطلقة هي وجود ماضي ومستقبل ونحن على عبور متواصل بين الاثنين  ، خُذ مثلاً هذه اللحظة ان معك جالس أحتسي الخمر هو الملموس المادي ، الوقت القدم  من الجلسة بعد قليل يكون مستقبل فأين هو الحاضر نحن في عبور مستمر يا صديقي . اجاب يوسف هذه فلسفة عميقة معك كل الحق ولكن يجب أن تستمر الحياة وقطار العمر لا يتوقف عند محطة واحدة ، نحن في حركة مستمرة ، السكون يعني الموت ، المقابر فقط ساكنة وهادئة لأن لا وجود للحياة بها ، اسمعني جيداً  يجب أن تعبر من هذه المِحنة انت بعدك شاب ، ما ذنب أمك وزوجتك المسكينة  يجب أن لا تدع اليأس يُسيطر عليك . طأطأ احمد رأسه  في حركة تدل على الانهيار ، بعد قليل   طلب  من النادل المصري زجاجة خمر  اخرى  فعارض يوسف قائلاً لقد شربت كثيرا الليلة ماذا دهاك ، لم يعير احمد اهتمام ليوسف وظل يشرب الى ان تمكن الكحول منه. طلب يوسف الْحِسَاب  وحين اردا القيام ترنح احمد وسقط أرضا حاول احد الجالسين مساعدته بالنهوض فدفعه احمد بقوة الى الخلف وكاد أن  ينشب شجار بين الاثنين لولا تدخل الحاضرين . سحبَ يوسف بصعوبة احمد وأصعده الى السيارة المركونة جانبن ، حين سارت السيارة بهم وضرب الهواء العليل رأس احمد أصابه الدوار وطلب من يوسف ان يوقف السيارة على جنب فاستجاب يوسف له وأركن ، نزل المخمور من العربة وتقيء ما  كان في جوف المعدة ، وأستراح بعض الشيء ، قال له يوسف تريد ان أنقلك الى المستشفى فرفض احمد وقال أوصلني الى البيت ، عند باب بيته تقيء مرة اخرى ، وظل واقفين عدة دقائق  بعد ذلك فتح الباب بصعوبة بالمفتاح الذي كان معه ودخلا معا ، حين رأت الأم العجوز سليمة ابنها مترنح وسكران ، واضعا يده اليسرى حولة عنق صديقه مُحاولاً بذلك عدم السقوط ، جفلت الام المسكينة  ، ولكن يوسف استدرك الموقف وقال انه  ثمل قليلاً وسوفة ينام،  غدا صباحاً يكون بخير لا تخافي  ، لم تعلق سليمة على شيء ، ولكن أصبحت الان تبكي على وضع ابنها. وما هو به الان . ادخله يوسف الى مخدعه وخلع عن  قدمه السليمة الحذاء  وغطاه بشرشف كان على جنب وخرج ، وقال  لسليمة  لا تقلقي عليه فهو على ما يرام أنتِ ادخلي ونامي ، وقبل أن يخرج صاحت به يوسف  استدار وقال نعم ، قالت سليمة بسوط مُتهدج لا تترك أخاك أبدا هذه وصيتي قبل ما أموت . رجع يوسف وقبل رأس سليمة  ، وأحس شيء في صدره غامض يعتريه للمرة الاولى  وقال لن أدعه ،  وخرج .
في اليوم التالي استيقض احمد بعد الظهر وقد اصابه صداع شديد حاول ان ينهض من السرير فلم يقدر صاح على زوجته فلم ترد تذكر انهم تشاجرا قبل يومين وهي غضبانا عند أهلها، فنادى على  أمه فجائت مسرعة ، طلب  ان يذهب الى الحمام أوصلته الى الحمام وأجلسته على كرسي التغوط الخاص به ، أفرغْ كل ما كان موجد في المعدة من حمل ، وشعَر انه الان احسن ، ارتكز على عكازه الموضوعة جانبن ودخل وأستحم بماء دافئ ، ظل  يستحم اكثر من المعتاد حتى أمه قلقت عليه ، وطرقت باب الحمام فأجاب انا بخير لا تقلقي . خرج من باب الحمام الحديدي وهو مصم على شيء معُين  وأصبح اكثر اتزان وهدوء . طلب من أمه ان تعد له القهوة فأعته له ، وهو يشرب القهوة سمع صوت المنادي يرفع اذان الظهر، بدل ملابسه وأخذ عكازه وخرج سألته  أمه اين يذهب اجاب الى الجامع . اصبح يتردد الى المسجد كثيراً لا يترك فرض ولا صلاة ، ترك لحيته فنمت بشكل كثيف ، في البداية فرحت أمه بذلك وقالت مع نفسها ان الله قد هداه ، ولكن مع مرور الوقت أصبحت تخاف عليه فقد اصبح يعقد ندوات في البيت مع حلقة صغيرة من الشباب ويلقي عليهم محاضرات حولة الاسلام وتطبيق شرع الله في المجتمع ونشر الدعوة  . استمر على هذا النحو الى أن  داهم رجال الأمن البيت وفتشوه رأى الأمن  كتب محضورة مثل (المستقبل لهذا الدين  ومعالم في الطريق)  لسيد قطب وآلة طباعة قديمة واوراق فصادروا كل المحتويات واقتادوه  الى المديرية ، هناك تم التحقيق معه ، وأحيل للقضاء وصدر عليه حكم بالإعدام شنقا ، طلبت  سليمة مرحمة من المحكمة  قدمها المحامي بأسمها لتخفيف الحكم  لكونه ضابط سابق  في الجيش واصيب اثناء تأدية الواجب فقررت المحكمة   تخُفف الحكم الى المؤبد . قضى في السجن اثنا عشر عام  ، خلال هذه المدة التي قضاها في السجن   اصيبت أمه بأزمة قلبية حادة تركتها مقعدة لفترة  بعد ذلك  ماتت ، لم يوافق القاضي على طلب  قدمه احمد لحضور مراسيم دفن أمه  فلم يودعها قبل ان توارى تحت الثرى. كان من بين الحاضرين في التشيع  يوسف وأمه مرتا . خلال هذه المدة أصبحت القطيعة كلية بين الصديقين ولم يزر يوسف احمد في سجنه أبدا ،وأصبحت الذكريات الماضية طَي النسيان .
مع حلول الثاني من شهر أغسطس عام تسعين دخلت القوات العراقية دولة الكويت  واحتلتها معلنة انها المحافظة التاسعة عشر بعد سبعة شهور تخرج هذه القوات مهزومة ومذلولة ، واحمد قابع في سجن ابو غريب المركزي.
مع تقدم العمر اصيبت مرتا بمرض السكري من النوع الاول مِمَّا جعله ضريرة لا ترى ، ولكن تحتفظ بذاكرة حادة ، السيد اسحق زوج مرتا بعد ان تقاعد من العمل اصبح يقضي النهار بطوله في البيت  ، وافته المنية يوم احد وهو راجع من قُداس الصباح حيث أعد الشاي والفطور له ولزوجته ، بعد الانتهاء من وجبة الفطور جلس يقرأ في الإنجيل1 وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». على هذا الفصل ظل الكتاب المقدس مفتوح ومات السيد إسحق وهو جالس ، مرتا زوجته شعرت ان رياح غامضة تضرب البيت  فصاحت على زوجها ولكن لم يرد،  الان هو في عالم أخر ، عند العصر  جاء الأولاد لزيارة الوالدين فشاهدوا أباهم على هذه الحالة، عند صباح يوم التالي كان جسد اسحق مُسجى داخل  تابوت خشبي في الكنيسة والكاهن يُصلى عليه . انتقلت مرتا بعد وفاة زوجها للعيش مع ابنها البكر يوسف الذي اصبح الان مساعد عميد كلية الهندسة ، بعد سنتان ونصف من الشقاء الذي كانت  به تموت،  وصيتها أن تدفن قرب زوجها فحقق يوسف وصية امه الطيبة .     
مع نهاية عام سبعة وتسعين اطُلق سراح احمد بعفو رئاسي أطلقه  الرئيس صدام حسين بمناسبة عيد ميلاده الستون . خرج احمد من السجن أشد تطرفاً وأكثر تشدداً من ذّي قبل ، ناقم على الحكومة وعلى المجتمع ، ولكن اكثر حذرا وهدوء يُفكر  قبل ان يفعل أي  شيء،  قليل الكلام ، يُحسب لكل صغيرة  وكبيرة لا يفوته شيء .
 في سجن ابو غريب تعرف على جماعة من المتطرفين الإسلاميين وجماعة تنتمي الى حزب التحرير والجهاد   وجماعة تنتمي الى الاخوان المسلمين ، في المستقبل سوفة تجمعهم  مصالح مشتركة .
ظل احمد يواصل الذهاب الى المسجد واصبح معرف بالحجي احمد وأصبح اكثر احتراما وتقديرا  بين الجماعة  ، الان هو يقود مجموعة مِنْ الشباب يحرضهم على الدولة ونظام الحُكم ،  وكل فترة يعقدون ندوة في بيت احدهم كل مرة في بيت،  تحسباً لعدم اثارت الشبهات . سارت الامور على هذا النحو الى أن سقط  العراق وحلُت مؤسسات الدولة  وتفشة الاٍرهاب والتطرف واصبح المجال مفتوح للتيارات الجهادية الاسلامي المتشددة  وأصبحت هناك   عصابات للقتل والابتزاز و مقاومة مسلحة لضرب الأمريكان، ودخل البلد في دوامة الارهاب ، وكان احمد احد اقطاب هذه التيارات وزعيم إسلامي كبير يُجند  الشباب من اجل مقاومة المُحتل ، يُكفر من  يتعامل مع قوات الاحتلال ، يقود عمليات تفجير وتفخيخ  في امكان تواجدهم  يضع الخطط العسكرية لضربهم . بوشاية من احد أنصاره ألقت القوات الامريكي القبض على حجي احمد  سجنته أولاً في مطار الموصل بعد ذلك رُحل الى مُعتقل بوكا في البصرة ، بعد سنة ونصف اطلق سراحه  مع مجموعة من الإرهابيين المتطرفين ، في سجن بوكا تعرف على جماعة أنصار السنة ،  وجماعة تنظيم القاعدة وجماعة بيت المقدس  ، وصبح له شبكة واسعة من الإرهابيين والأصوليين .  اختفى احمد عن الأنظار لمدة من الزمان لا أحد يعرف اين اصبح حتى أقاربه ومعارفه  .  الى أن عاد مرة ثانية الى الموصل  بعد أن سقطت الموصل  بيد تنظيم الدولة الاسلامي  داعش واصبح هو احد أمراء التنظيم الكبار ، مسؤول عن تصفية المعارضين . في هذه الفترة كان يوسف قد اصبح  شخصية  مرموقة  وذو شأن ، عارض بقوة  تنظيم داعش وتواجدهم في المحافظة وطريقة تعاملهم  مع الناس وأسلوب القمعْ والترويع في الحكم ، وكان يصرح يذلك علناً وأمام الطلبة والأساتذة  في الجامعة  . وفي يوم مشؤوم جائت مجموعة من عناصر داعش الى منزله وهجموا عليه  أمام زوجته وأبنائه ووضعوا على رأسه قطعة قماش سوداء واقتادوه ، بعد مسيرة نصف ساعة وصلت السيارات رباعية الدفع الى مكان أشبه بكنيسة ، ادخلوه وهو مربوط الرأس الى داخل غرفة متوسطة الحجم به مكتب جميل ، أجلسوه  على الارض  ونزعوا  عن رأسه الغطاء. حين فتح عَينَاه  لم يرى  شيء من  حوله من شدة الضرب الاهانة ، بعد أن تعود النظر على الإضاءة، رأى أن المكان كبير ونظيف ذات اثاث راقي ولكن ثمة يد قذرة قد عاثت بالمكان، في أقصى الزاوية عند النافذة إطار خشبي لصورة ممزقة زجُاجه مهشم، قرأ بصعوبة عند أسفل الإطار عبارة سيادة ابينا البطريرك ، ولم يستطع  قراءة باقي الجملة ، فقد حجب السلاح النصف اوتوماتيكي  الموضوع  عند الزاوية مجال الرؤية ، فأيقن أما انه في كنيسة أو دير .   سمع سوط مألوف يقول له أهلاً استاذ يوسف في البداية لم يتعرف على المتكلم  ولكن مع استرسال الشخص الجالس وراء الطاولة أيقن ان هذا السوط قد سمعه من قبل، اجاب يوسف ماذا تريدون مني ، قال له  انت لم تعرفني بعد ؟ وهنُا صعق يوسف حين عرف ان الجالس وراء المكتب هو احمد نفسه ، صرخ يوسف احمد !!!، واحد من العناصر كان واقف على مقربة منه فصرخ عليه حيوان قل الامير احمد وضربه بكفه الثقيلة على قفاه  ، وقع الصدمة والكف الثقيل كان كبيرا  على يوسف توقع كل شيء ألا أن يأتي يوم يصبح فيه متهم واقف أمام الجلاد ، ومن هو الجلاد انه صديقه القديم  أو اخوه بالرضاعة ، سنوات الطفولة والدراسة والصُحبة كلها الان في  ماضي . والان هو واقف في حضرة الامير وهو يقرر مصيره ، دارت كل الحوادث والسنوات الماضية في رأسه أصابه الغثيان وكاد أن يغمى عليه ولكن تماسك . قال احمد للعنصر الواقف عند الباب اخرج ودعنا وحدنا فستجاب الرجل على الفور وخرج واغلق الباب ورأه ، نهض احمد من وراء المكتب  وسار  نحو يوسف على رجلتين ببطأ  دون عكاز ، دُهشَ يوسف وتوقع أن يكون متوهم في أن يكون هذا صديقه القديم ، ولكن حين اصبح احمد على مسافة قريبة منه ، قال أنا احمد ،  ورفع عن ساقه المقطوعة الجلباب الذي كان يرتديه فبانت الساق الاصطناعية التي وضعها مكان ساقه المقطوعة ،وقال لقد وضعو لي ساق مكان التي بُترت ، قال يوسف مُنكسر الخاطر من تقصدي وضعو لي ، اجاب احمد لقد سافرت الى دولة عربية عالجوا جروحي الداخلي والخارجي ،  وضحك بتهكم ، لم يستغرب يوسف من الحديث فقد كان يعرف ان الكثير من الحواث الكبيرة والغامضة كان ورأئها دائما خيانة عربية . ذهب احمد امام النافذة ونظر الى الأفق واصبح يوسف خلف ظهره وقال تعرف بين حين وأخر أتذكر الماضي والى ايام الصِبة والدراسة ، لم يتكلم يوسف ، وأكمل احمد زمان كُنتَ  تقول لي سوفة تخرج من محنتك وتتجاوزها فأنت ذو عزيمة ، تتذكر ؟ صحيح  ما قلت أني  تجاوزت المِحنة وخرجت أقوى  بكثير من قبل،  والآن انا أمير مجموعة ومسؤول كبير في دولة الخلافة وأملك النساء والمال والرجال .  جاوب يوسف بكلمات ثقيلة ، ولكن انتم تقتلون الأبرياء  وتهَجرون الناس وتفرضون قانون الغاب على المجتمع ، اجاب احمد نحن نُطبق شرع الله حسب ما جاء في تعاليم الاولين من السلف الصالح  ونضع نظام جديد يقوم  على دولة الخلافة وأمارة ألأسلام . أجاب يوسف  انتم جزء  من مشروع كبير تقوده دول  كبيرة منها  أمريكا لتفتيت وتغيير خارطة المنطقة وأضعاف دول كانت قوية ، انتم تفرضون على السكان  الأصلين الهجرة ، أتستطيع ان تقول لي ما ذنب هؤلاء الناس الذين رحِلوا  وهِجروا  قسرا من مساكنهم ومناطقهم دون جريرة وذنب . اجاب احمد وقد اصبح الان اكثر حدة ، نحن طبقنا حد الله  عليهم خيرناهم اما البقاء ودفع الجزية أو الدخول في الاسلام ، ففضلوا الهروب . يوسف : انتم لستمْ اكثر من عصابة لصوص ومجرمين اجتمعت فيكم كل الصفات الرديئة ومصالح قذرة انت تنفذونها بدقة ،  أخبرني من أين جاء ابو بكر البغدادي ألمْ يكن معتقل لدى قوات الاحتلال في سجن بوكا وأطلق سراحه  وجُند  وأصبح الخليفة المنتظر . وهنُا استشاط الامير غضبا وصرخ في وجه يوسف بقوة وقال احمق قل الخليفة أمير المؤمنين ابو بكر البغدادي ، وأصبحت عينه تقدح شرارة وغضب ، انت بأفكارك هذه سوفة تعرقل نشوء وقيام دولتنا يجب أن نتخلص من الجيل السابق  ونصنع جيل جديد يؤمن بقيام الخلافة وتطبيق الشريعة  ، يوسف : لا تتصور أبدا ان ترى دولتكم البائسة هذه  النور يوما تعرف لماذا لكونكم تعيشون خارج الزمان في عصر التخلّف عصر الظلام  انتم جهلة وفاسدون  همكم المال والنساء . وصرخ احمد به اخرس ، صاح على احد عناصره الذي كان ينتظر خلف الباب وقال له خذه الى الغرفة السفلية لحين صدور قرار حكمه من المحكمة الشرعية . فأخذه العنصر وانزله الى غرفة سُدت بأحكام ، حين أغلق الباب ورائه اصبح الظلام دامس ، تلامس يوسف الممسكين  طريقه بصعوبة الى ان وصل الى زاوية الغرفة وجلس هناك والالم  والذلة والمصير المجهول  واليأس  يمزق أحشائه . لا يعرف كم مضى عليه من الوقت وهو على  هذه الحالة .
 في احدى الليلي تراءت له من شقّ الظلام أمرأة جميلة وعارية ، وذات نهدين كبيران واحد يدرّ حليب طازج وعذب والآخر يدرّ حليب فاسد ، أعطت المرأة بكفها من الحليب العذب وقالت اشرب حاول  ان يأخذ منها ويشرب لأنه كان ظمآن ، حين وصلت يده الى يدها  اختفت المرأة خلف الظلام ، لم يعرف هل كان يحلم أم انه سراب أو سكرى من سكرات الموت ،  وذهب في غيبوبة  .
 عند أول خيط من ضياء الشمس  دخل ثلاثة من عناصر داعش يغطيهم السواد من الرأس الى اخمص القدمين  وأقتادوه خارجا أصعدوه  في سيارة رباعية الدفع   في خانة الوراء وصعدا معه اربع عناصر على كل جنب أثنان ،   لم يضعوا غطاء على رأسه هذه المرة ، وكأنمة يقولون له شاهد الحياة للمرة الاخيرة ، على الجسر الحديدي القديم الذي يربط بيت الساحلين  ، وإيقاع  فواصل الجسر المعدنية يدق في  رأسه  اخذه طيف عاد به الى الوراء تذكر ذلك الشعور الغامض الذي انتابه عندما قبل رأس سليمة في تلك الليلة ، الأن فقط عرفةَ معنى ذلك الشعور ، وتذكر ايضاً حين كان يذهبان  هو وصديقه احمد وينزلان الى النهر  يسبحان وكاد مرة ان يفرق  فساعده احمد ، تحولت الذكريات الى كابوس وتحول نهر دجلة الى دماء  وبانت الجثث تطفوا  فوق سطح الماء . في ساحة لبيع الخضار والفواكه  نصُبت المشانق وعلقت الحبال ، حين وصلوا الى المكان لم تكن الحركة قد دبت بعد ولكن مع مضي الوقت اصبح الموقع يعج بالناس ، أنزلوه من حوض السيارة واقتادوه الى منصة الإعدام ووضعو الحبل على رقبته دون غطاء  ، وقرأ واحد من عناصر داعش التهمة ، وكانت تقويض أركان دولة الخلافة  . في ركن وقف ثلاثة من قادة التنظيم   وكان احمد واحد منهم ، في لحظة خاطفة من لحظات ما قبل الموت  تقابلت النظرات   تحمل كل معاني الحياة من الولادة  الى لحظة الموت ، قبل ان يصرخ بصديقه يا جبان  دفع الإرهابي برجله  الخشبة التي كانت تسند يوسف فمزق الحبل الغليظ أنسجة رقبته  واسلم الروح .
طلبتْ مجموعة من الأساتذة معه في الجامعة جثته فلم يوافق تنظيم الدولة ، وقالوا  دعوه هناك معلق تنهش الكلاب جثته انه خائن ، ومن يحاول أن ينزله يعُلق مكانه. ظل  يوسف هناك أربعة ليالي  الى تعفنت الجثة وأصبحت نتنة ،  جائت مجموعة من الدواعش الاوغاد وأنزلتها ، في  وادي لا يبعد كثيراً عن المنطقة  فتح العنصر الداعشي   باب الحوض الخلفي ورفس الجثة فتدحرجت الى أن وصلت القاع ، أغلقوا باب السيارة وذهبوا. قبل غروب الشمس جائت مجموعة الأصدقاء والطلبة  كانت تتابع المشهد من لحظة تنفيذ الإعدام الى رمي الجثة فأخرجوها من ذلك الوادي بصعوبة بالغة  وغسلوها ثمة دفنوها ، حضر مراسيم الجناز والدفن عدد قليل من الأشخاص كان بينهم زوجته وابنه الكبير  وأثنان من أصدقائه في الكلية . رحل يوسف عن  هذا العالم  وصورة صديقه الخائن يبتسم  بحقد مطبوعة في  وعيه ، أراد أن  يَقُول  كلمة واحدة  قبل الإعدام  (لماذا كل هذا)   ولكن كانت عقدة  المشنقة أسرع من الكلمات ،  وساعة  المنون أتتْ  مسرعة.
 بوشايا من  أحد اعوان احمد استهدفت غارة أمريكيا مقر زعماء تنظيم  الدولة   حيث كانوا مجتمعين،  من عدد العشرة المتواجدين في المكان   قُتل سبعة ، الثلاثة الباقي اصيبوا بجروح خطيرة نقلوا  على وجه السرعة الى مقر أمارة الدولة الاسلامية في ولاية الرقةّ ، كان احمد من ضمن المصابيين  ، بعد فترة  تعافة من جروحه ، وأختفى عن الأنظار مرة اخرى .