المحرر موضوع: سامي العامري في بعضِ شَــذراتهِ الساحرةِ الممتعة (2).......  (زيارة 871 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 
سامي العامري في بعضِ شَــذراتهِ الساحرةِ الممتعة (2).......

أمام هذا البؤس الرفيع
أمام عظمته المتمثلة بنبوغ شعلة ما
في زاوية من زوايا الروح المعتمة
أمام هذه الروح
هذا اليقين المعقد والمنبسط
أقف صامتاً ثم أنحني بخضوع وضراعة .
لا معنىً لأي جواب عن أسئلة قديمة مسدولة مقلِقة
مهما كان حاسماً وشافياً ما لم يكن طَبَقاً من سكاكين
تشرِّح هَيَف الجمال الكوني
لأنَّ طبع الجمال نازفٌ ومشعٌّ
وإذا كان الكل يصر على الحقيقة فلأنها ملفَّقة !
نعم عمرُ الإنسان هو تطويع ( الحقيقة ) حتى تتواءم وأغراضه
بل حتى الأنبياء حاولوا ( تلطيف ) الحقيقة لكي يقبل بها الناس
فالأنبياء الكبار ، وهم قلة ،
أدركوا بفطراتهم وحسن مراقبتهم لأحلام الناس
وما يتنازع دواخلَهم أن الحقيقة أكثر مرارة من زهرة الدفلى
ولكنها في الوقت عينه أبهى
من تلك الزهرة الوديعة المتروكةِ فريسةً لسوء الفهم !
ولكنْ أبهى لمَن ؟
لمن شطحَ جسدهُ قبلَ وعيهِ
ولمن فكَّرَ وتأملَ بلا أداةِ تفكير ...
إنه الخوف ،
إنه النهارات غير المكتملة لأن في اكتمالها زوالَها ،
والوعي لا يعي ذلك وإنما هو يستنتج هذا متأخراً
فالروح تُنتِج والوعي يستنتج ،
ومن خلال نتاج الروح تكون للذهن معياريتُهُ وكيفيتُه
وإلا فهو مسرحٌ وممثلون ولكن بلا جمهور
والجمهور هنا مصائرنا السابحة في أبدٍ ما
وبتغافلنا عن التأثير المخدِّر للومضات العاشقة وكينونتها السارّة مثلاً
أو التعبُّد في محراب اليأس الجهنمي للأشياء
يصبح أبدُنا أبداً طارئاً
أو بكلمة أخرى نصبح عبئاً
على الناموس .....
ـــــــــــــــــــــــ
في هذا النثر الذي أثار في داخلي بوحاً أكاديميا وإهتزازا في ثنايا القلب , في النثر هذا , رأيتُ الشاعر سامي زهاويا ( جميل صدقي الزهاوي) وقد أنثال علينا بفلسفةٍ ترفع شعلة الأولمب التي أنارت الكثير من النفوس الحالكة والكالحة , ورأيته  قد أماط اللثام عن الكثير من الحقائق الحساسة والتي تتطلب أنْ نتجاوز الخطوط الحمراء أحيانا . هناك أكثر من جانب في هذا النص التساؤلي الذي يدغدغ اليقين والشك والنفس البشرية وما يرويه لنا التأريخ المتعلق بالأنبياء والآلهة . في بداية تغيير نمط العبودية من قبل الأنبياء هو توحيد الآلهة المتعددة في إله واحد . كان البشر في ما مضى يحلفون بالآلهة المتعددة سواء أنْ كانت ذكورية أو أنثوية , وهذا كان واضحا في مسلسل سينمائي رائع عن الفايكنغ أو قراصنة البلدان الإسكندنافية قبل أنْ تترك الوثنية بلا رجعة وتتحول الى المسيحية , ثم عودة القتل والذبح من جديد بين الطوائف المسيحية أكثر مما كانت عليه في الوثنية . كانت الأضاحي التي تقدم الى الآلهة في الوثنية هي رؤوس بشرية بدمائها الحارة في تلك الأوقات التي كانت فيها الدماء تسيل كالأنهار عبر الذبح والنحر بالسيف كما اليوم في عراقنا المتراجع دهوراً , وكأن التأريخ يرجع القهقري في هذه البقعة العراقية التي تتسم بالعنف الأزلي .
يروي لنا التأريخ حقائق عبادات الآلهة , حيث أنها تحولت من عبادة الآلهة المتعددة الى عبادة اله واحد بعد التوحيد , ويقال أنّ سقراط هو أول من دعا الى تحويل الآلهة المتعددة الى إله واحد , حتى قامَ المسيح بالتوحيد بشكله النهائي المعروف لدينا اليوم , وقامَ بتلطيفه الأول لشعوب تلك الأزمنة , وهذا التلطيف يتمثل : هو أنّ العطلة الرسمية لشعوب عبادة الشمس قبل المسيح كانت يوم الأحد , فلما جاء المسيح وأراد منهم تغيير عبادة الشمس الى عبادة الأله الواحد , إحتجوا عليه فيما يخص عطلة طقوس عباداتهم إذا ما عبدوا الإله الواحد , ولذلك أبقى على العطلة الرسمية لهم في يوم الأحد نزولا عند رغبتهم وإستمالتهم اليه , ولذلك نرى حتى اليوم قرص الشمس يزيّن صور المسيح والكثيرين من الأولياء الصالحين والأنبياء , حيث نرى في المسلسل التلفزيوني المذهل والأيراني المدبلج ( يوسف وزليخا) يظهر لنا النبي يحيى بهالة من الشمس تطوّق وجهه, يقولون عنه نوراني الوجه , لكنه في الحقيقة جاء من عبادة الشمس التي بقيت حتى اليوم في شعائرها لدى بعض الأقوام . هذه حقائق بسيطة وهناك الكثير منها في كتاب ديوان الزنادقة للشاعر العراقي جمال جمعة , كتاب قيّم جدا وجرئ لما فيه من حقائق عن الشعراء المشاكسين في ذلك الوقت حتى لقبوا بالزنادقة من قبل السلطة الدينية الحاكمة, حقائق عن الأنبياء وتماشيهم مع ما يريده الناس في سبيل التلطيف للحقائق المرّة كزهرة الدفلى , تلك الحقائق التي جعلت من مجرمي اليوم على سبيل المثال في ما يحصل في العراق وما حصل في فرنسا , جعل منهم في مصاف الملائكة إذا ما إستندنا على ما جاء واضحا وصريحا في الكثير من الكتب القيّمة والموثوقة والمقدسة . حقائق كما هي في بعض البلدان العربية التي تعتبر المرأة خطيئة تمشي على قدمين , وهذا ناتج من القراءة المنهجية للمقدس , حقائق تجعل منا أنْ ندفن رؤوسنا خجلا من الضمير(يصبح أبدُنا أبداً طارئاً/ أو بكلمة أخرى نصبح عبئاً على الناموس). هذا النص عميقُّ في المعاني , نص فلسفي يلحّ علينا أنْ نبحث عن الطريق الصحيح الذي لا يؤدي بنا الى المتاهة وأنْ نكون عنصرا فاعلاً في المجتمع , لا أنْ نكون كما ساسة اليوم , الذين هم أسوأ من النعاج الضالة كما نقرأ في الفلقة البديعة أدناه من نص ( سرائرُ شاعر).......,

النعجةُ الضالةُ
أكثرُ هدايةً من فردٍ يحتل مركزاً
غيرَ مركزهِ المناسب
ـــــــــــــ
من الطرائف , ماحصل مع نعجة كَريطع الشهيرة ( كَريطع هذا رجل فقير) في السماوة , في يوم ما وفي السماوة كان لي صديق محامي يكبرني في السن , هذا الصديق له أخ ( متخلّف عقلياً) إسمه مثل إسم رافع العيساوي( وزير المالية العراقي السابق والسارق) , هذا المتخلف عقليا وجب عليه أنْ يخدم جيش الملعون صدام حسين , اخذه أخوه صديقي المحامي الى مدير التجنيد في السماوة الذي هو الآخ ركان صديقا حميما للمحامي , فعرضه عليه لغرض المعاينة بأعتباره متخلف عقليا , مدير التجنيد قال لرافع المتخلف عقليا , يابني لو تركتك الآن وحدك , فهل تستطيع الذهاب الى أهلك بدون مساعدة أحد , فقال له رافع المتخلف عقليا ضاحكاً بأعلى صوته : سيدي إسألني سؤالاً غير هذا, وهل يوجد هناك مَن لم يعرف كيف يذهب الى أهله؟ , فألتفتَ مدير التجنيد الى صديقه المحامي ضاحكا ساخراً من هذا المشهد , وقال له : يا فلان أخوك ليس متخلفاً بل في كامل قواه , وهو قادر على الخدمة , فأجابه المحامي ضاحكا هو الآخر , أجابه جواباً يعيدنا الى موضوع ( نعجة كَريطع الشهيرة) وقال له :  يا حضرة المدير عندنا نعجة في السماوة معروفة وانت تعرفها وهي (نعجة كَريطع ), هذه النعجة ياحضرة المدير لو ترَكتها من دائرة التجنيد تذهب وحدها الى بيت كَريطع لفعلت وشقت طريقها بدون مساعدة كَريطع . فضحك الإثنان ومن يومها لم يلتحق رافع في الجيش , فهذه النعجة كانت سببا في إنقاذ رافع المتخلف من الخدمة العسكرية . مات المحامي ومات مدير التجنيد ورافع حي يرزق حتى اليوم.المقصد من ذلك رمزياً ووعظياً : أنّ النعجةُ الضالةُ/ أكثرُ هدايةً من فردٍ يحتل مركزاً/ غيرَ مركزهِ المناسب. وهذه الحالة تجعل من الفرد العادي ناقما ساخطا على الساسة والطواغيت متمنيا تفجير بطونهم الممتلئة بالمال المسروق , مثلما نجدها في السطرين المايكوفسكيين من نفس النصوص ( سرائرُ شاعر) :
ليتني أستطيع تفجير كروش الساسة
بالإبرة كالبالونات!
 ـــــــــــــ
وأنا بدوري كاتب المقال , أقولُ حتما سينفجرون مثل تلك الضفدعة في تلك المقطوعة الصغيرة من أدب الأطفال الساخر , أو الأدب الذي يتخذ من الحيوان موضوعا للوصول الى الغاية المنشودة , كما في كليلة ودمنة للشهير عبدالله بن المقفع . المقطوعة الصغيرة كنا نقرأها يوميا ونحن أطفال في الصف الثاني إبتدائي على ما أظن , والتي تخبرنا عن الضفدعة التي ظلّت تنفخ نفسها كي تكبر في الحجم وتكبر زهوا وفخرا وغطرسةً , حتى إنفجرت , بم ,,, بم ,,,, بم ,,, بم . هؤلاء الساسة حتما سيلعنهم التأريخ , بينما تظل الأسماء الأدبية شامخة عالية مهما طال الزمن وتأريخه , مثلما نقرؤها في قصيدة ( مونولوج قرب نار)  التي هي أقرب الى نصوص السيرة الذاتية :

 الليل تأريخي
وتأريخ النهار
......
ولي نبضُّ تجمّد كالجدار
ــــــــــــ
أنا أقرأ هنا ثلاثة تواريخ في أربعة كلمات ( تأريخ الليل, وتأريخ سامي , وليلُّ ...تأريخُ نهار)  , اي إبداع هذا من شاعر كلّ تأريخه منفى , وحب يتهادى بين الورود والشبابيك , وقرع طبول الأماني التي لازالت معلّقة في أذيالنا جميعا , وفي دمائنا الحائرة التي تثلـّجت ونبضنا الخافت (وليْ نبضٌ تجمَّدَ كالجدارِ) , ولا نعرف كيف لنا أنْ نجرفَ ما تعثر حول أقدامنا , كما الشاعر سامي الذي لا يملك من الحلول , إنه الشاعر الذي يسأل ويسأل ولربما في صدى الأغنية الشهيرة ( كَلبك صخر جلمود ماحن عليّه ,,, بس الخزر بالعين والبيّه بيّه !), لم أجد اي خلل فيما يقوله الشاعر الكبير سامي , أحيانا نجد من يركض ويركض بشدة وبقوة كي ينال الشئ بأسرع وقت , يركض ولا يستدير كي يلحق بما يصبو اليه , يركض بأقصى ما أعطته الطبيعة من نبض حي , لكنه وأثناء جريه يرى جدارا يلوح له أمام مرأى عينيه , ورغم ذلك يستمر في الجري سريعا كي لايُحبط , يركض ويلهث , حتى يصطدم ,  فيقف النبض أو يتجمد ويختفي في ما وراء الجدار , إنه الإختفاء أيها السادة , الإختفاء الرهيب الذي لا نعرف أسراره ولا نفهم منه الاّ القليل . هناك اختفاء عجيب غريب رسَمه لنا القاص والروائي المبدع علي بدر في روايته ( الركض وراء الذئاب ) , رواية تحكي عن الشيوعيين الذين فرّوا من طغيان اللعين صدام الى أثيوبيا , وكيف كان يجري العراقي في أثيوبيا وراء الذئاب لاصطيادها من أجل الحصول على جلودها وبيعها , يركض وراء تحقيق الأماني والمستقبل , لكنه في الحقيقة يركض وراء حتفه ونهايته , يركض العراقي المسكين ويركض وراء الذئاب ( المستقبل ) وهو تعبير مجازي رهيب خطه لنا الروائي علي بدر حول العراقي القاطن في بلدان المنافي من أجل العيش , وهل هناك من يركض وراء الذئاب , نعم إنه العراقي الذي يجري سريعا وسريعا,  وفي لحظة ما تستدير الذئاب وتنهشه وتجد فيه اللَحمة السائغة الطرية فتقطعه أربا . هذا هو العراقي ولهاثهُ الذي توقف بطريقة اخرى تختلف عن الصورة الشعرية الباهرة لسامي , لكنها في نتيجة المعنى واحدة  . هذا هو العراقي وحاله المشرّد والضائع , بينما العالم الآخر مترف ومتخم في خمّاراته ومقاصفه . لنرَ ماذا قال الشاعر سامي بهذا الخصوص الترفي في نص ( شرارات من قاع العتمة) والمهدى الى الشاعر الجميل والأسم على مسمى ( جميل حسين الساعدي).......
في اللغة القديمة يُسمّى المجونُ واللهو وتبادل الأنخاب : قصفاً
والسماء هنا منذ ثلاثة أيام في رعدٍ وبرقٍ وقصفٍ
فهل يا ترى يتبادل قاطنوها الأنخابَ بصحة لهفتي وضياعي !؟
ـــــــــــــــــــــ
تسمى الأماكن التي يتم فيها ممارسة المجون والعربدة ورفع الأنخاب: بالمقاصف , وما أكثرها هنا في أوربا حيث يسكن الشاعر, وما أجملها وما أترفها في صخبها وموسيقاها وكثرةِ سكاراها الثملين حتى انبلاج الفجر , فتراهم يرعدون , يتعانقون , يتقاصفون , يغنون , أما أنا العراقي وفي منتصف المقصف الراقص تحملني ذاكرتي الى ضياعي في تلك السنين الغابرة , فتجعلني لا أعرف , هل أنا هنا نكرة أم بشر يحتاج الى الإندماج في ممارسة الحياة السعيدة ومباهجها التي لابد لها أنْ تكون على هذا المنوال القصفي الرهيب , على هذا التراشق العناقي فيما بين الفتية والفتيات , على هذه الأضواء القزحية التي تنثر الوانها بين الوجوه الممتلئة بالغبطة والسرور , على هذه الأغاني التي تتبدل بين الفينة والأخرى كي تعطي مذاقاً آخراً يغيّر الروتين في اللحن والأيقاع , على هذه الناس التي تظل ترقص وترقص وتحرك أقدامها كي لا تبقى في السكون , على كل هذه الجلجلة الرهيبة في برق المكان والتي تجعلني ألعن كل ما يمت بصلة الى الذين أذاقونا ما لا نشتهي , الى كلّ الأوغاد الذين ساهموا في وضعنا الضائع , لكنني ورغم ذلك أرفع الأنخاب في هذا الأوان مع الشاعر الشفيف سامي . أسكر ثم أسكرُ بالشعر حتى تتسع مداركي وأرى العالم الخفيّ في جميع نواحيه من خلال عنوان القصيدة السراجيّ( لقمة ضوء) :
ــــــــــــــــ
الأمرُ للأشواق يومئذٍ فَقُرِّي
عيناً 
وقد أهوى كحُرِّ
ولقد تفاجئكِ الظهيرةُ وقتَ عصرِ !
أياميَ الأنهارُ لا زمنٌ لها
وكأنها فصلٌ سها
أو طفلةٌ تعدو
وأين الطفلُ من نفعٍ وضَرِّ ؟
أو قد أضرُّكِ بالقُبَلْ
وأريحُ ريقَكِ من لجاجات العَسَلْ !
والصيفُ أبقى جسمَهُ
نُصباً لإيزيسَ المعتقة البريقِ
ووليمةً للّونِ
تحكي عن غيابي ,
عن تَعبُّديَ الأنيقِ
هي توبةٌ أخطو بها
وألاحقُ الوديان هاربةً من الغفران
دون هوادة وبلا زفيرٍ أو شهيقِ
وهناك أمي إذْ تُرى

شمساً علتْ شمسَ القرى
ماذا جرى ؟
ويلوحُ جذع النخلة الفرعاء ساقية
وأتبعها علَّواً , ألقطُ القمر النديَّ مواظباً
وأظل أسترق المدى والسمع
والألحان في الزمن الصديقِ

يتبــــــــــــــــــــــــــع في الجـــــــــــــــــــــــــزء الثالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــث..........

هــاتف بشبـــوش/عراق/دنمارك