المحرر موضوع: في دُجىَ الليلْ / إعداد سلوان ساكو  (زيارة 954 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في  دجُىّ الليلْ . إعداد سلوان ساكو
قصة قصيرة 
أراد جون ان يبلغ  بيته في القرية  بوقت أقصر ، لكن عليه  في هذه الحالة  أن يسلك الطريق الذي يمر عبرة الغابة . فقد كان يومه متُعب وشاق حيث ظلَ يعزف على آلة الكمان في البلدة الكبيرة  من بعد الظهر   الى ساعة متأخرة من الليل ، ولا بد ان يعود الى البيت الى زوجته وطفليه، حيث كان يحبهم حباً جماً، ولا يرى  في هذه الدنيا سواهم . فقررا  اخر الأمر دخول  الغابة ،  ذات الأشجار الكثيفة وعتمة الليل تغرق المكان في ظلام  حالك  وحفيف أوراق الشجر يعلو مع هبوب  الريح ، والقمر مُنحجب وراء سحاب  ابيض  من الرَّبابُ .  سار  ولحظة القدر له بالمرصاد . ففي وسط الغابة انقشع من  دُجىَ الليل ضوء ذهبي باهر يعمي البصر  ويشتت  الحواس ، وظهر من وسط الضياء فتاة شقراء جميلة ذات شعر ذهبي يغطي الاكتاف ، وعيون نجلاء  زرقاء مثل زراق مياه البحر ، وفم دائري وشفتان مكتنزتان وقامة رشيقة . حين رأى جون العازف النور  خاف كثيرا ، وارد الهربْ  ، ولكن حين شاهد  هذا الجمال الأخاذ توقف وتريث قليلاً ، خف النور المنبعث من الفتاة وقالت بصوت خافت ،  ساحر،  رقيق لا تخاف لن أئذيكَْ ، فقال جون  وقد وارتعدت فرائصه ماذا تريدين مني ، فقالت الفتاة  هدء من روعك  فأنت ترتجف  من الخوف  .  وأضافت برقة  اليوم هو عيد ميلادي   وأريدك ان تعزف لي في كوخي القريب ، قال العازف ولكن اريد العودة الى البيت فزوجتي وأطفالي ينتظروني،  والوقت قد تأخر كثيراً  ، قالت الفتاة لن أدعك تمُكث طويلاً ، وكوخي ليس بعيد من  هُنَا أرجوك  أن تقبّل طلبِ  ، اجاب جون  لا أستطيع  انا مُتعب من طوالَ  العزف من  النهار ، قالت الفتاة سأعطيك ماَلٍ  وفيراً ، وأخرجت صُّرة مملوئ ذهبً وأعطتها له وقالت  خذ ْهذه الان وبعد الانتهاء من العزف  لَكَ  واحدة اخرى مثلها. حين فتح  جون  قطعة القماش القرُمزية  ورأى لمعان النقود الذهبية والوعد الذي قطعته له ، انصاع  للأمر وذهبَ معها.  الكوخ لم يكن بعيداً  كما قالت . فتحتْ الباب دخلت هي قبله  وهو ورأها،  وقُفل الباب ورأهم  وحده.  شعور غريب انتابه  وأحساس مجهول  ، ولكن فسَر ذلكْ انه مجهود عمل ذلك  النهار  ، فلم يقلق على شيء.  دخل الكوخ  ليجد نفسه  بين مجموعة من العذارى الواحدة اجمل من الاخرى يلعبن ويرقصن ويشربن، قالت  إحداهن بدلال بالغ وهي تمسك بمعصمه اعزف لنا لحن مُفرحاً أرجوكَ  ، فأخرج  الكمان وعزف لهم،  على هز الاوتار تراقصن  الفتيات بغنج.  لم يعير للوقت انتباه ولا يعرف كم مضى  منه ، الى ان جائت فتاة الغابة وقالت لقد انتهت الحفلة شكرًا لَكَ استمتعنا بعزفكَ الشجيّ، وأخرجت صَُرةْ الذهب الاخرى وأعطتها آيها وأوصلته الى الباب . حين اصبح خارج عتبة الكوخ كان الفَجْر قد انبلج  والديجورُّ قد ولىَ ، وزقزقت العصافير تصدحُ في الأفقِ .اخذ المسار السريعْ الى قريته .كان مغبوط جداً  بصُرتان الذهب اللتان معه يتحسسها بسرور وفرح.   
عند مدخل القرية كان كل شيء  يبدو  طبيعي  من الوهلة الأولى ، ولكن مع الاقتراب شاهد أن الناس قد تغيرت ،وصلَ  أولاً الى محل البقالة  الذي على ناصية الشارع ،نظر من الخارج فلم يرى  نفس الشخص الذي كان  يوم  أول أمس  يعمل به ، هذا الان  شخص كبير في السن  ، عند الركن الاخر من سوق البلدة  كان الحداد يعمل والكُورُ مشعولة ولكن الحداد كان كبير في السن حين سلم عليه يوم أمس قبل مغادرة القرية هذا الان الذي يضرب المطرقة على السندان  شاب  في ربيع العمُر، استغرب ، فعزا هذا الهذيان الى التعب والعمل المتواصل  . اتجه الى البيت مسرعٍ الخُطى لكي ينام ويصحوا بعد ذلك نشيط  . البيت كما تركه، فقط الطلاء الخارجي  بدء يتساقط ، اخذُه العَجَبْ،   وقطب حاجبيه . جرب المفتاح الذي كان معه فلم يُفتحْ الباب ، استغرب !! ليلة أمس كان يعمل ، طرق على الباب ولكن لم يجب احد ، طرق مرة اخرى الى ان فتُح الباب ومن ورائه بان شاب جميل  الطلعة مليح الوجه رشيق القوام ، قال الشاب تفضل   سيدي ، هل تسأل عن شيء ، كيف أسطيع  ان أسُاعدك ، نظر له جون بتمعّن عميق  وقال هذا بيتي ، ضحكَ الشاب ببراءة وقال لا يا سيّدي انت مخطأ   ، يبدو عليكَ  غريب عن هذه البلدة ، حين سَمِعَ جون ذلك  ذهل ، هل يحلم أم هو في عالم اخر ام  ماذا،  وقال بصوت مبحوح رجاءاً من يسكن في هذا  البيت ، اجاب الشاب انا وأختي وأمي. قال جون اقصد ما اسم أباكْ ، قال الشاب بحزن  آه  انه جون كان عازف كمان وقد ضاع  في الغابة  قبل عشرين عام .  في هذه الأثناء وحين اطال الابن الوقوف  عند الباب صاحت الام  من الداخل، آرثر  من في الباب مع من تتحدث ، اجاب الشاب انه شخص يسأل عن اصحاب البيت ، فخرجت الأم مُتكئة على عُكاز  وتسير ببطأ وقد احنى الدهر ظهرها ، وتقول  من هذا الذي يسأل عنا، عند الباب وقبلة ان تنظر الى جون جيدا قالت بعصبية تفضل  ماذا تريد، نظر العازف الى المرأة وعرفها على الفور ولكن لماذا شاخت بهذه الصورة،
ناداها بأسمها ، فنتفظت حين سمُعته ، وانتظرت قليلاً وخلعت نظارتها السميكة الدائرية وتقدمت خطوة الى الامام حيث أصبحت على مقربة منه، وقالت برواية انت من ، اجاب العازف وهو مشدوه انا جون زوجكِ ، سكتت المرأة وظل الشاب واقف لا يِحرك ساكن مسُتغرب من هذا الحِوار ، قالت السيدة بعد أن استجمعتْ شتات أفكارها جون آه أكيد انكَ مجنون ، أجاب العازف نعم انا جون ألم تعرفيني يا ليانا  . قالت ليانا وهي تجر الحديث من فمها جراً،  جُون حقاً !! اين كنت كل هذا الزمن ،  لقد تركتنا منذو عشرين عام اين اختفيت، قال جون  بنكسار لم اختفي غير يوم  واحد ، وهنُا ارتفع صوت ليانا  ماذا تقول  يوم  واحد آه ياإلهي، لقد بحثنا وبحثنا  عنكَ في كل المعمورة  وفي البلدات المجاورة  وفي  الغابة  ولم نجد لك  أثر ، تركتني  وحيدا  أئن من حمل أعباء البيت والأطفال لقد كنتُ أعمل ليل ونهار لإعالتهم وتربيتهم وانتَ تقول لم اغبْ عنكم  غير يوماً  واحد ، وتكلمت  الزوجة  ألفاظ  غير مفهومة .
 دارت الأفلاك  في رأس جون أرادا  ان يُعقب ولكن لم تخرج الكلمات، آرثر الشاب أراد ان يفهم ماذا يحدث فلم تدعه أمه يقول شيء وصرخت عليه صّه لا تتحدث معه .  وستأنفت قائلة  أتعرف من هذا انه ابنك آرثر لقد  اصبح شاب ولكَ أيضا فتاة شابة بعمر الورد هي الان في المدرسة.
شَرد بعيدا جون وعاد مرة اخرى الى الواقع الغريب الذي هو به .  أيقن انه في حلم  ما من طريق لتحسس طريق الواقع غير صُرة الذهب فمد يده أليهما فوجدهما ، عرف انه لم يكن في حلم .  أخرج القطع النقدية البراقة وبحركة غير متوقعة اخرجها  واعطاه الى زوجته وقال خُذي هذا الذي أخرني كل هذا الزمان  .
حين  شاهدت النقود مع الحركة ، فقدت رباطة جأشها وتملكتها حالة من العصبية وصاحت بنفعال ، لا نريد نقودكَ اغرب عن هذا البيت انت بنسبة  لنا قد مُت الى الأبد  اذهب هي، وجرت ابنها الى الداخل وأغلقت الباب بقوة . أرواد آرثر الشاب  قول شي،  فقالت له امه صَهْ انه رجل مجون وأحمق. جُون واقف الان عند الباب والذهب في يده لا يعرف ماذا يفعل ، صوت الرعد في السماء منذّرا بهطول الأمطار ، مد يده ليطرق الباب من جديد ولكن تردّد، كأنة سِكّين انغرزت في قلبه.
 سار  نحوا البحيرة  القريبة من القرية ووقف أمام الحافة،  فعكس ماء البحيرة الرقراق وجه جُون الأجعد  والشعر الابيض، حين رأى السحُنا معكوسة على سطح الماء صُعق وأصابه الذهول.  إيقن الان الشعور الذي انتابه حين سُدَ الباب ورأه في بيت تلك الفتاة   ، للتو علمَ انها ليست  أنسانة عادي وإنما مخلوقات اخرى تعيش بين  الأبعاد التي لا يراها الإنسان ،  ادرك بعد فوات الاوان أن الوقت الذي قضاه برفقتهم يختلف عن الزمن الذي يعيشه الناس ، لقد ذهب كل شيء ادراج الريح ، الزوجة،  أبناؤه ، عمره  الذي ذهبَ هباءاً  منثورا ، لم يبقى غير القطع  الذهبية معه . 
بدء الغيث يهطل  وتلاشت صورته المعكوسة على ماء البحيرة وأصبحت  شبها مسخ ، فأخرج الصُرتان وألقاهم في وسط الماء بقوة وصرخ صرخة قوية ، وبكى،  وسالت الدموع و  وجَثَم على ركبتيه ويديه ، والمطر الغزير يَصْب على ظهره كأنما  يُريد أن يطهره ، بعد أن تبلل بالكامل ، وتوقف هطول المطر  ، نهض من كبوته ودخل  الغابة من جديد ولم يخرج منها  قطْ.