المحرر موضوع: سامي العامري في بعضِ شَــذراتهِ الساحرةِ الممتعة(3) .......  (زيارة 1101 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


سامي العامري في بعضِ شَــذراتهِ الساحرةِ الممتعة(3) .......

هاتف بشبــوش

يقولون إذا ضاقت العبارة إتسع المدى , وزادت الرؤيا , وهذه هي من الخصال الأولى في الشعر بشكل عام, وخصوصا في قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر التي تتسم بالتكثيف لكنها تعطينا في معانيها وتفاسيرها الكثير الكثير , العبارات المضغوطة ضغطا تاما , لكنها تطل على الشرفات ومدياتها وسموتها اللامنتهية, وهنا جاءت ( لقمة ضوء) وهي من شعر التفعيلة في غاية التكثيف لكنها ماذا تعني ؟ سمعنا بالمعنى المتداول لقمة خبزٍ , أو القول المأثور على لسان الفقراء ( نحن نريد أنْ نأكل لقمة ) . لكننا اليوم نسمع عن ( لقمة ضوء ) للشاعر الضوئي سامي , لهي وربي لها من المعاني العميقة جدا , أولها : الذي يغّيّب في غياهب السجون ودهاليزها وظلامها الحالك , وهذا ما حصل ولا زال يحصل للكثيرين من البشر على اختلاف الأسباب التي جعلتهم  مجبرين أنْ يقضوا أيامهم في الأقبية , فهذا الشخص بالذات يحتاج الى ( لقمة الضوء) أكثر بكثير من حاجته الى (لقمة الخبز) بأعتبار أنّ الجلادين يعطوه يوميا ما يكفيه من خبزهِ كفاف يومه , أنه بحاجة الى هذه اللقمة ( الضوء) , أي يعني بحاجة الى الحرية , الضوء هنا لدى السجين يعني الحياة خارج الأسوار , يعني التغريدة مع العصافير في أعالي السماء , يعني أعطني حريتي واطلق يدي . لقمة الضوء لدى الشهير ديوجين الذي حمل الفانوس في وضح النهار , أنه يريد أنْ يعطينا درساً حول ظلمة عقول بني البشر التي بحاجة الى إنارتها من ظلمتها وهي في النهار المضيء .  لقمة الضوء من الممكن أنْ نتكلم عنها ضمن عالم المناجم والعمال الفقراء الذين يعملون بأجرٍ زهيد , فإذا ما تهدم هذا المنجم وأصبحوا في داخل أنفاقه , فنرى العامل الفقير هنا يبحث عن لقمة الضوء أكثر بكثير مما يبحث عن لقمة الخبز , أقصد هنا حاجة المحتجَز في الأنفاق الى بصيصٍ من الضوء كي يصله الى بر الأمان , مثلما رحلة أورفيوس الى العالم السفلي في سبيل إنقاذ زوجته وخلاصها من ظلام العالم السفلي , وكان الشرط حينما يرى بصيص النور( لقمة ضوء) عليه أنْ لا يلتفت الى الخلف , وكان هذا السبب في رجوع زوجته مرة اخرى الى عالم الظلام لأنه التفت الى زوجته في اللحظة المناسبة عند رؤيته بصيص الضوء. أما بالنسبة الى ( لقمة ضوء ) التي تخص سامي العامري شاعرنا ذا الخيال الواسع , أعتقد أنه يحن الى شمس بلاده الكثيفة , لا كما في المانيا بلاد المهجر حيث يسكن الشاعر سامي في بلاد الصقيع لا يرى الشمس الأ ما ندر , وهذه من المسببات الرئيسية في الكآبة والحزن لدى الكثيرين من سكنة هذه البلدان ,  ولذلك أطلق سامي عبارته الجميلة هذه ( لقمة ضوء) , وكأنه يصرخ , أيها العالّم أنا بحاجةٍ الى لقمة ضوء , أنا أشتاق الى راحةٍ شمسيةٍ بدلاً من ظلام هذا المنفى , أنا أحنُّ الى أنْ ارى أمي وما يجاورها من الأحبة والأهل تحت أشعة الشمس وأفيائها , لا شيئا نزيرا منها أو لقمةٍ لم تعد تسد الرمق الضوئي , أنا لا يعوزني سوى رؤيا الله عبر هذا الضوء اللامتناهي في مديات السموت العالية , مثلما نقرؤها أدناه في عميق الأشياء الكاشفة لسر البائسين :

الله جمال الأشياء العميق النازف
وليس مزايدات وجهلاً في الدين
الله هو هذه اللحظة التي أرقب فيها صبية
وهي تشحذ ولكنها لا تعرف كيف !
ــــــــــــ
الأم تريزا التي خلعت زي الرهبنة ولبست الزي الهندي , قالت ( يتراءى لي الله وأنا أطرد الذباب عن وجه طفلٍ فقيرٍ متسخ ) , وبهذه الطريقة بنت لها مجدا كبيرا ظل صداه حتى اليوم , وأقيم لها تمثال عظيم في أميركا. سامي العامري الشاعر يحق له أنْ يدخل في الجدل المثير الذي يخص قيمة الإنسان والبشرية جميعا وماهيتها التي تجعلها في مصاف الإنسان المتحضر , أو القطعان البشرية التي سّيرّت من قبل الطغاة فأدت أسوأ أدائها في الدمار والخراب لنرّ ما أتحفنا به الشاعر القدير بهذا الخصوص :

سيري معي أيتها القطعان البشرية
وسألقي بكِ في أقرب هاوية
وسيري معي أيتها القطعان الحيوانية
وسألقي بك في أحضاني !
ــــــــــــــ
في مفهوم من مفاهيم الميكافيلية مفاده : يستطيع الطاغية أنْ يقنع قطيعاً أو حشداً من البشرية حتى لو كانوا الآفاً مؤلفة , يستطيع إقناعهم في لحظات , بمجرد أنْ يدس خمسة أشخاص أو عشرة بينهم أثناء خطاباته , وهؤلاء الخمسة أو العشرة مهمتهم التصفيق بين القطيع , فأنّ التصفيق سوف ينتقل الى القطيع مثل النار في الهشيم دون أنْ يعرفوا شيئاً من معنى الخطابة , وبهذه الطريقة إستطاع موسولوليني وهتلر , أنْ يسوقوا الملايين الى الحرب ( الهاوية ) , أضف الى ذلك قول نيتشه عن تدني الإنسان المتحضر الى مرتبات أقل شأنا وعلواً في كتابه الشهير ( هكذا تكلم زرادشت ) . أما بالنسبة للحيوان , فأنّ أول من أحترم الكلب هو الجاحظ وتسبب له ذلك الكثير من الكراهية من قبل الناس . لكننا وللآسف نجد هناك كبار الشعراء كانوا يحتقرون الحيوان لأسباب تقليدية ليس الأّ , ومنهم على سبيل المثال الشاعر الكبير محمد مفتاح الفيتوري حينما أراد أن يذم حافظ الأسد فقال له ( أنت كلبُّ وإنْ ألبسوك فروة الأسدِ) ظنا منه أنه يحقِّره , في حين أنّ الناس في هذا العالم المتحضر يضعون الكلب والقطة ليس في أحضانهم فقط وإنما في أسرتهم وأثناء منامهم ,  وفي السنوات الأخيرة أصبح الكلب يعطى كهديةٍ للرؤساء , الرئيس الفرنسي  ميتران حصل على كلب كهدية ,  الرئيس الروسي (بوتين) أهدى كلبا جميلاً الى المستشارة الألمانية ميركل . ولذلك الشاعر سامي يتذمر على سوء أفعال هذا العالم المتردي وما وصل اليه من ظلم ودمار واحتقار للأنسان الذي هو أثمن رأسمال , فقال هذا البيت العالمي الرائع :
ليست لي علاقة بهذا المخلوق الذي اسمه العالم
 ـــــــــــــ
  محمد الماغوط , الشاعر السوري الكبير يقول ( لا شئ يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء) , فلا غبار علينا حينما ندعو الشاعر سامي بالكبير , أنه على مقربة من أنْ يمسك النجوم في عالم الشعرعما قريب . سامي ذلك الشاعر المعطاء في نتاجه الأدبي وفي العاطفة المرسومة لنا من على ميناء قلبه , لايعرف سوى أنْ يهبَ الآخرين ومنْ يحبهم نبضَ الحياة , مثلما ندركه في البيت أدناه :

سأمنحكِ قلباً ثانياً ...
ـــــــــــــــــــــــــ
تمنيت الك كّلبين غمّك لهل الراي .....نص كَلب عندي عليل ...وانطيته لهواي ) , هذا رد أيام زمان على الشاعر الشهير الذي قال ( لو كان لي قلبان عشتُ بواحدٍ .... وتركت آخرَ في هواكَ يُعذَّبُ) . الشاعر سامي تنغرز فيه الوطنية بشكلٍ صارخ , ولم لا فهو ابن بغداد وقد فرّ منها هاربا من جحيم الطغيان , لكنه بقي مع الحنين الشبقي القاتل لكلّ ما كان يعزّ عليه في فراقه , لنستكشف مايقوله الشاعر ومايريد إيصاله لنا من رسالته العبثيةِ من نص شعري بعنوان ( العبث الحزين).....

شبقي لكُلِّكِ
مثلما شبقُ المذابح للمذاهبْ
ــــــــــــــــــــــ
بالفعل أصبح للذبح شبق , غريزة لقتل كل الأختلافات وكل الأفكار المخالفة , غريزة لايمكن كبح جماحها وإيقافها عند حدودها , هذا النوع من الشبق هو شبق إخصائي , بينما شبقُ البشر والآدميين وكل من يحمل الحب في دواخله هو شبق للإخصاب والتناسل والديمومة ونثر المحبة والحياة بشكلها الطبيعي , هؤلاء من هم على شبق المذابح , أعراب بارعون في صناعة القتل والذبح وآخرهم قتل اليابانيين في سوريا , لا لشئ وإنما لأختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم البوذية المسالمة . هؤلاء المجرمين الذين نصبوا أسواق النخاسة من جديد بعد أنْ ذهبت بلا رجعة منذ قرون , أولئك الأسلاف وها هم الأحفاد على دين آبائهم لايختلفون , لنقرأ رائعة المخاض الدامعة من نفس النص( العبث الحزين).......
هذا صباحٌ في مزادِ
هذا مخاضك مرة أخرى
كلحنٍ حائمٍ فوق الوسادِ
أنتِ انجبي
وأنا أبيعُ بَنيكِ
بَيْعي للحصادِ
ـــــــــــــــ
أنا أتذكر بعض الكلمات الجميلة المرادفة لهذا القول الجميل عن أم تناغي إبنها وهم في حالة الفقر الشديد فتقول له متأسية يائسة من كل شئ  , فقالت ( ياولدي ياحبة عيني ... لم يبق لنا مما يُعرضُ في السوق ..الاّ أنت بسوق الخدامين ... وأنا في سوق الحب ) , ولكن هنا وفي هذه الثيمة العامرية , لا تتكلّف الأم ببيع أبنائها, فيوجد اليوم المجرمون الدواعش ليقوموا بهذه المهمة الشنيعة , ليبيعوا النساء الأيزيديات والمسيحيات والشيعيات وكلّ من إختلف معهم في المذهب . لم يكتفِ الشاعر سامي بتوجيه سهامه تلك الى الأوغاد , ولم يرتح حتى يصيبهم في الصميم , فراح يكتب المزيد والمزيد على هذه الشاكلة المحرّضة ضد ساستنا الديماغوجيين , وما أجمله حين يضع أحلامه مع أحلام الفقراء والجياع , لنتمعّن جيدا في سريرة الشاعر سامي حينما يكون ساخراَ :

ما كانَ
كما أصبحَ
ما عاد كما باتْ
قتلٌ نهبٌ تشريدٌ سلبٌ
ومصادرة للحرياتْ
إرهابٌ حتى في الإحلام ،
وتتويجاً
يأتي محتلٌّ داعوشيٌّ قَزِمٌ
كي يفضحَ ماخورَ الحكامِ
فهذي عَشرُ حكوماتْ
تتعاقبُ ، تتكالبُ
تتصالحُ ، تتناكحُ
والشعبُ الجائعُ
ينظرُ لهمُ وهُمو
صفّاً صفّاً
مع مجلس شعبٍ
حول قطار المشويّاتْ !
ــــــــــــــ
وفي ثيمة أخرى رائعة يقول :

أنا والغصةُ ندري كلَّ أسرارٍ تخفَّتْ
في ليالي الموت والإذلالِ
حتى قمرُ الصيف تدلّى
طالباً من بَسطة الباعة خبزاً
ومن النخل نواةْ !

ـــــــــــــــ
مثل ذاك الذي قال من غصةٍ في القلب ( بكَلبي حجي / بكَد البجي/ المضموم /بعيون الناس) , في تلك الأيام المغبرة وفي أيام الطغيان كانت الناس تخاف من الحيطان , ظنا أنّ لها من الآذان ما تسمع وتنقل الأسرار الى الجلواز المرابض في ذلك الزقاق أو أي دهليز آخر بعيد عن عيون الناس . فما بالنا إذا كان كل ذلك يحدث في زمن الكوليرا والطاعون أو الحرب  , حتى عزيز القوم ( قمر الصيف) ينحنى , في زمنٍ يكون فيه الحب والطاعون قد تعاضدا , ولابد لهما ذلك للتخفيف من حدة المأساة والألم اللذين يعصفان  بالبشر , يتدلى مَن في الأعالي كي يشاطر البسطاء والعامة بما يليق بهم وحياتهم وما يتطلب مساعدتهم بالطريقة المثلى التي لا تخدش الشعور . فكم في عراقنا اليوم ما يشابه بما جاء في هذه السمفونية العامرية البحته , وهي تصف لنا شيئا مأساويا مرادفا لما قاله الروائي الكبير ماركيز في رائعته ( الحب في زمن الكوليرا) ,  في ليالي الموت والإذلالِ/ حتى قمر الصيف تتدلى . سامي العامري يكتب لنا لوحة فنية يتعانق فيها الفقر والأذلال , والموت مع الحب المنقذ أو المخفف من حدة ما يلاقيه المرء من فاقةٍ وضيق نفسٍ واعتداءٍ ومهانةٍ من قبل الآخرين الأوغاد . كان من المفروض على الشعب هذا أنْ يكون في أجواءٍ ترفيهيةٍ بدلاً من البؤس هذا الذي جلبه لنا جلاوزة السياسة , كان عليه أنْ يكون في تلك الليالي الكاتمة لأسرار الهوى , لا تلك الليالي الكاتمة لأصوات الطلقات النارية , كما القول الأندلسي الجميل (   في ليالٍ كتمتْ سرَّ الهوى/ بالدُّجى لولا شموسُ الهُرَرِ/ مالَ نجمُ الكأسِ فيها وهوى /مستقيمَ السيرِ سعدَ الأثر) .
كلمة أخيرة عن الشاعر سامي/........
سامي العامري لا يملك قلباً شاعرياً فقط وإنما قلبا فناناً يهتم بأعمال المشاهير من الفنانين العالميين الكبار , وكذلك قلباً طياراً, يحلّقُ مع الطيور , نراه مهتما لتلك الحيوانات الأليفة الرقيقة التي لا يمكن لقلب شاعرٍ أنْ يخدشها , تلك الطيور التي تستحق التأمل فيها وفي ألوانها وعاداتها والسلام الذي تتصف به , مثلما إشتهرت حمامة بيكاسو , وطيور الملحن الكبير كوكب حمزة ( ياطيور الطايرة ,,, مرّي بهلي ) , وطيور الأغاني الجميلة لأم كلثوم في رائعة الشاعر الراحل أحمد رامي (أنا طيرُّ رنان / في دنيا الأحلام/ أنا ثغرُّ بسّام / في صفو الأيام) . وهكذا رأيتُ كيف كان سامي العامري يميلُ علينا بين الفينة والأخرى معطاءً شفيفاً لا ينضب .



/عراق/دنمارك