المحرر موضوع: ثنائيات ـ الحكاية 7  (زيارة 1251 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
ثنائيات ـ الحكاية 7
« في: 00:02 15/05/2015 »


ثنائيات ـ الحكاية 7


برهان الخطيب
[/b]



 
خصوصية حواري مع نسرين يفسدها اقتحام. شرر، شك، تساؤل يتطاير من أمة إلى أمة، أي خير هذا في اقتحام ولو من متطفل نبيل، معلوم، أساس الاختلاف إدراك معنى الخير، كل منا يحقق خيره بطريقته، التفاعلات مستمرة على مختبر الأرض.
مرة أخرى تنبيه، من رافد هذه المرة، بسهو بمحبة بتبجح بتآمر بلا أدري ماذا، صورة أخرى غير ظاهرة تحت مرئية.. كيف أدري!
ومرة أخرى، مَن بطل بل أبطال رواية حديثة؟ أبناء ظل أو أبناء نور؟ أجيب أبناء فجور آن اختلاط النور بالديجور تأخذها الغالبية أبناء كيت كذا، الكلمة جمع فجر. وملامح الشبه بين رواية جيدة وواقع سيء كثيرة، كذلك بين رواية سيئة وواقع جيد، كيف؟ رواية جيدة ينظمها مؤلف حسب رؤيته، واقع سيئ تنظمه جهة سيئة، مستبدة، مقتحمة. والرواية السيئة مخترقة من عدة جهات، من بهرجة امرأة مزوقة فوق المعقول معاصرة، من واقع معاصر ملون، ناس حريتهم مقاس صغير ناس أكس لارج ناس عراة بلا مقاس. الخياط يرى زبائنه أبطالا طالما تحركوا بموديلاته.
في رواية جيدة أو سيئة، في واقع جيد أو سيئ، قد نجد "أبطالا" حقيقيين يتمردون على صانعهم مضيِّفهم على ساحة ورقية، رملية، جليدية، مؤدين رقصة خاصة مدفوعين من ظرف لا من طرف آخر، لحركتهم حدود أبعد حسب قدرتهم وإبداعهم نيابة عن إرادة شبه ميتافيزيقية، مستقلة أو غيره تلبس دور قدرة خارقة، يتمرد عليها متمرد ينسل متمردين عليها ثم عليه نسل عائلات طيبة يخرجون عليها ينسلون بدورهم آخرين، كما في رواية كبيرة منسابة من محافظة إلى تمرد وبالعكس، نهاية الفصول متوترة، كالحروب على منعطفات تاريخ، وبالنهاية احتمالات مفتوحة خارج جنة ونار.
في رواية جيدة أو سيئة ُتكتب عن حدث كبير، عن واقع سيئ أو جيد، ثمة تصور جوار مضاد، كلاهما يتفاعل يفعل في إنتاج حقيقة صعودا لحقيقة أكبر.
 التحولات المستمرة للحقيقة تعيق إحاطتها. يدهش شخص: تجاوزتَ الستين وما زلتَ تتكلم عن "الحقيقة"؟! أية حقيقة تقصد؟ ثمة مختبرات تحلل تحدد بمجهر وتفاعلات حقيقة فيروس وعيّنة، أوسع هنالك مخابرات، أما مَن يسيِّر عالمنا، فذلك بديدن رافد وغيره أيضا متفق عليه، رب العالَمين يمسك الزمام، تغض عن بشر يجرون وجودهم أشق من غزلان. أنتَ غير متدين فهو حكومات لها قوانين للنشاط الاقتصادي والاجتماعي. أنت متمرد متفرد تطلب الزمام إذاً أمامك تفكير في حقيقة ثالثة وأبعد، في روح أو مؤسسة خفية بيدها أِزمّة، تبحث فيها تُنبذ، خفية لا تكشف حجابها، تفرعها، تُنزل على الوجه صفعة بعدها لا حقيقة ولا حقيبة.
مجنون أو في مجون أو فكرة لا يخون مَن يتصدى لقوة أكبر منه، بطل، ومن حق عاقل بل واجبه تقصي المريب، وبعد نصف قرن قد يتبين رآه خطأ، كحمل طابوق في وقت عصيب، يدركه خافيا وراء سجف، يقترب إليه يمسك المصير، يكون سيد نفسه.. لكن عبثا يقترن ابن السبعين بابنة عشرين!
هنا هناك تختلط أوهام بوقائع، عليه أن يكون حذرا في تمييز بينهما، في فصل وهم عن نقيضه، يسقط في وهمه يصير أهبل مضروبا بنفسه عشر مرات، أو يتجاوزها يتعلم جديدا مجددا. البحث وراء حقيقة يميز مخلوقا في توتر عن آخر يميل لارتخاء، مع فرق ضئيل أحيانا بالإحساس تزهر إنسانيتنا أو تدمر.
 
مهلا بطلي المنتظر، لا تهمس وراء سور النص: واصل الفلسفة عادة المفكر السرية أتحرر من إساري أريك وقارئك أسراري وعندها تعرف مناقب الأحرارِ! 
فعلا.. تراودني رواية جديدة أنا الذي قلتُ غير مرة تبت عنها طلقتها بالثلاث!
 
وحدي في القطار العائد إلى ستوكهولم، في الانتقال إليه في النزول منه يتحلل الوقت بمطاردة تفاصيل هلامية واصطياد أفكار هاربة، أتعب منها تلاحقني أذرعَ إخطبوط هائل تتقاذفني بين إبداع وعدم، تُحشر معي في رأسي تجعلني دفتر ملاحظات، ألبوم صور، أمواجا صاعدة من كل صوب، يطلب صوت كبحها حصرها بمحيط، برواية مُحكمة تحتضن الإرادة تدجن العنف، فيها ينهض مطمور باعتياد تحت ركام الأمس مُستَفزا مستفِزا يجر معنى وراءه يطارده أمامه والصوت يهمس لتوفيق مسعييه في نسق متناغم.
وعالم آثار يتبين وجه الماضي أو جانبا منه يحوّله بضوء جديد إلى وجه معاصر، مواقف حوادث قديمة تبعث لا كجسر إلى الماضي ولا لنزهة حاضر ورقص تحت مطر الصور، لا، بعد مسح الأتربة أحجار الماضي المبعثرة جسر إلى مستقبل فوق مندثر.
 
 انتبه إلى صورتين أكثر لماض لحاضر واحدة تحت أخرى، يتحرك شك نحو يقين، يحدث بحث، تحدث معرفة، ثم يقين جديد وخلاص من لِبس. العقل بمفرده آلة صماء يحركها مظهر أو جوهر آخر أكثر تجربة أكبر معرفة، حركة الأول ذاتية في مسار يُحسب صالحا وهي مدفوعة من ثان، في هيأة شخص، في كتاب، في فيلم، في حديث غير عابر كحديث رافد ذي الشجون المشحون بالظنون، يفتح العالم الظاهر بمفتاح إلى عالم سري غير بعيد، بانتباه يحقق العقل الأول طفرة، أو يبقى لاهيا كعقل طفل كسول أو قاتل أو محقق غير مبدع يكتفي بموجود.
 
مستفزا يفر الانتباه سنين عديدة إلى موقع وآخر، إلى ذروة غير التي تحت سماء نعرفها، بيت مدرسة لا تنبّه لذرى غير منتظرة فوق وجود مادي اجتماعي معقد، لتداخل عوامل ونوازع مدروسة غير ملموسة مما يُسمى خير و شر، يُكتشف ذلك بحدث صغير، بكبير، سقوط تفاحة نيوتن لا مناص لتغيير، والأكبر سقوط تلفزيون من طابق عال على رأس يتجنب ذلك المصير.
 الحفر في الذاكرة عند الكتابة محتوم، في كلام الناس، في ثرثرة إعلام، كثير مستفز، غريب، شائع، يصير الغريب معتادا والمعتاد غريبا. والاصطدام بالمستفِز بالغريب منذ الصغر له عدة أسماء، هكذا تجد داخل غريب أغرب.
تقرر اقتحامه، المركب كبير مهجور جانح إلى شاطئ كريطعة جنوب الحلة. أختي الكبيرة، فضيلة جارتنا، وأنا، في الطريق الطويل إلى بيت خالتي لجلب حليب البقرة كريمة نتمهل عند المركب الجانح العالي المخيف.. أمضي إليه.. تتبعني فضيلة..
تخاف النزول معي إلى قعر المركب، تبقى على السطح شبه المقوض جزعة، أنزل في حذر إلى غرفة صغيرة ظلامها كثيف بعد سلّم قصير. فضيلة من السطح تنظر مشمئزة إلى خراء الضفادع، داكن منتشر على الألواح والماء، تنذرني:
_  ارجع أو أعود إلى أختك.. المكان مسكون عيون عفاريت تشع.
دافعي ليس استعراض شجاعة، البنت غير جميلة، يشغلني ما في غرفة المركب، أمشي وحيدا على أعمدة غاطسة في طين وماء متهيبا لسعة أفعى، شيئا خارقا، يسمّرني مشهد غير منتظر.. ساقا البنت على العارضة فوقي متباعدان، ما بين فخذيها غريب، تنادي في ذعر لأعود.. طرف فستانها منحسر.. لا لباس داخلي هناك.. ما لها مفتوح قرب وجهي.. سينما سكوب.
عرض فسيح أمام عيني أول مرة، عفاريت هائمة ضفادع متواثبة تتلاشى..  فضيلة مستغربة سكوني سكوتي تصيح مفزوعة أخيرا: شيء بك؟!
تلبط سمكة قربي، تمساح غير موجود قد يفترسني، أصعد إلى سطح المركب، نلتحق بعد قليل بأختي على الشاطئ. تسألنا: ماذا هناك؟ ترد فضيلة ممتعضة: هذا المالح عين أخوك يقول عفريت ظهر له ينصحه لا تخف نحن مثلكم طبقات بيننا شرير وطيب، تعارف تم ومن اليوم يحرسه كصديق تصدقيه؟!
تجيب فريال: برهان لا يكذب ولا يصادق الجنون ماذا أصدق!
فضيلة قربها: لماذا بقيتِ على الشاطئ هنا؟
_  لأصيح يبو.. إذا حدث شيء لكما هناك.
 
 مساء نعود إلى البيت. ساكت إلى ما قبل النوم. تسأل أمي ماذا رأيت في كريطعة. أحكي أخبارا أخرى أنهي تقرير النهار بسؤال عن أعجوبة فضيلة: لها فم بين ساقيها طولاني لا يتكلم لا يغني. أمي تنهرني: عيب تنظر إلى ما يظهر من الناس عرضا، وجهك يختلف عن وجهها كذلك ما بين أرجلكما.
من الوهم  يبدأ الفن مطعما بأخلاق، أكتب بعد فترة قصة "بكاء البحر".. عما وراء ذلك المركب، عما يتفتق عن مجهول. الواجهة المركب نفسه وما فيه.. كشف يجر إلى كشف من طبيعة الأشياء في غرابة عابرة إلى كشف حقيقي، إخفاء متعمد، سرقة مثلا، هيمنة.
 سرقة العقل أخطر مَرتبة، مُرتبة عقلانيا فنيا  لهدف لا يظهر.
نرى الوالد يكشف مكيدة في لعبة مع ابن موظف دولة، بداية لا شك في باطن حتى ينقض الظاهر، كحزب وطني له قادة همهم صالحهم يصير ضد الوطن.
وبعد عودتي من غوتنبرغ أرى لصورة نسختين متشابهتين مع اختلاف بسيط يغيّر الموضوع، تغير اللون يغير الإيحاء، وجه إنسان ملامحه الأساسية ثابتة مع الزمن يتغير.. لحقيقة أكثر من حقيقة تحت أو فوق قاع.
من الماضي يتشكل للحاضر فصل أول.. لرواية المستقبل.
إنما في صعود على غلاف سابق: حين صدرت (الجسور الزجاجية) أول مرة في بيروت وهي عن بيت عراقي يتصدع لم أتوقع لها أن تكون رصدا لانهيار ايدولوجيا كبرى في هذا العصر مثلما لا أتوقع لها الآن أن تكون رصدا آخر لانهيار أو قيام وهم آخر من مسلسل أوهام حياتنا المتعدد المتداخل حولنا حلقات في حلقات..