تجاوزات نمارسها مع سبق الإصرار
جلال مرقس
ليست محببة ولا قليلة بعض ما نؤدي من ممارسات في مناسبات خاصة أو عامة تسيء الينا أو الى غيرنا . مراجعة بسيطة لها ربما نتحاشى أو نخفف الى حد ما عن جزء ولو يسير . سأوجزها وقد تضيفون اليها المزيد إن أغفلتها.
أولا – إحترام الزمن
" ما بمقدورنا فعله ، بمقدورنا عدم فعله " .
بهذه العبارة التي أطلقها آرسطو أنبش ترسبات بعض ما نمارس من هفوات وزلات تكاد تكون منبوذة لدى أغلب الناس ، ونعلم أن مردودها السيء يُحسب على من يؤديها .
ما من إمرءٍ يأمل بتحقيق آماله وأحلامه إلاّ وله رغبات معينة تحثه للبدء بأول خطوة نحوها بغض النظر عمّا ستتحقق له شريطة الاّ تطال حدود رغبات الآخرين .وأنشطة المنظمات هي ما تعنينا .
في حياتنا اليومية حيثما نؤدي مهمة حضور دعوة مؤسسة أهلية أو حكومية أو جمعية ضمن منظمات المجتمع المدني سواء عن طريق دعوة خاصة منتقاة بعدد محدود من المدعوين، أو عامة يشمل من يريد الحضور، في كلتا الحالتين البعض يلتزم بالحضور والآخر يهمل التواجد عن تعمد .
الوقت أسير لدى البعض يستغله وفق متطلبات فرصه ، وطليق حر فوضويٌّ لدى الآخر يُخضِع ذاته لسيف زمنه ، والتعامل معه مرهون بمدى إحترام مشاعر المجتمع المصغر المعني . هل الإلتزام باحترام الزمن نوع من الترف لا نقدر على تطبيقه .! من المعيب إخفاء حجج البعض عندما يهينون حقوق الآخرين في تبذير أوقاتهم تحت مسميات (المسؤولية) ، لأن المتعالي المتكبر يُعَبِّر عن الفشل الحقيقي لعجزه تثمين الزمن .
ان الساعة لا بل الدقيقة المعلنة لبدء الموضوع الذي لأجله دُعِونا هي نقطة هامة لقياس مقدار إحترام صاحب الدعوة لمشاعر المدعويين الحاضرين ، بينما نرى أن آخر الحاضرين بعد مضي مدة عن الموعد المحدد هو من تحت رعايته يقام النشاط ، ومقدار تأخيره يقاس بقدر مسؤوليته الإدارية ، فكلما كان شأنه عظيما أضاف عدة دقائق على مهلة التأخير ، وعلى هذا المنوال ستتعرف على السيد ومركزه . وهنا أدعو الملتزمين الكرام بالحضور مع الموعد أو قبله بدقائق ، الإنصراف وترك المكان فورا بعد مضي دقائق قليلة والنشاط لم يبدأ بعدُ كي يتعظ الراعي المشرف على النشاط لدروس لاحقة ويكون في مقدمة الحاضرين ، إن كان هذا الإجراء قاسٍ ، فعلى إدارة النشاط البدء به مع إنتهاء آخر دقيقة معلنة بغض النظر عن عدد الحاضرين ، وهو إجراء نُعَلِّم المدعو بإحترام مواعدنا ، وإحترام الزمن دليل التَمَدُّن .
ثانيا - حجز المقاعد.
يقال: كَثِّر الصِعاب كي تُعَوِّد الناس تَحَمُّل العذاب .
عندما تقيم جهة ما نشاطا معينا عبر دعوات خاصة أو عامة ، تلجأ الى فرز المقاعد حسب نوعية المدعوين ومستواهم الوظيفي أو الحزبي ، كأنَّ مقام المدعو لدى البعض يوزن بترتيب مقاعد الجلوس ، فلا غرابة لصق أوراق بمسميات على المقاعد الأمامية وهي من جنس يختلف عن بقية المقاعد الأخرى ، وغالبا ما تبقى بعضها خالية من جالسيها لتخلفهم عن الحضور ، تَمَعَّن في المنظر وفسر ما تراه من ممارسات مؤلمة .
يقول الصينيون " السلوك السيء أساس كل مصيبة " أفلا تخجل مضايفنا بكل تشكيلاتها التي ذكرناها سابقا أن تطعن في عقل المدعو أن مركزه الإنساني أقل وزنا من المركز الوظيفي ، قيادة المسؤول لشعبه ليست بترتيب جلوسه في الدعوات بل بقيادته نحو تقديم الخدمات الضرورية له . موهبة الإنسان لا تنبع من الكرسي بل هي التي يجب أن تصنع كرسي المسؤولية ، ليست العبرة بإنجاز عمل يتيم أن تُبنى عليها إنطباعاتنا ، بل أن نأخذ من هذا العمل منطلقا لجعل غابة من شجرة واحدةٍ الى غابات مكتظة بالأشجار . ان على المضَيفين واجب إحتراف ضيفهم بأن له كرامة وحرية شخصية ككنز يحتفظ به ، شأنه شأن أي ضيف آخر . كإجراء ربما يفسره البعض بالعمل الإستفزازي ، لو أنَّ كلّ كرسي محجوز بقصاصة ورق وصاحبه تَغَيَّب إبقاؤه فارغا ولصق قصاصة أخرى الى جانب إسمه تحمل كلمة (غائب ) ويتم التركيز عليه أثناء تصوير النشاط مع تعليق مهذب .
ثالثا – الهاتف النقال ( الموبايل)
لولا للعدو الداخلي وجود ، فالعدو الخارجي لا يستطيع إيذاءك .
الأجهزة الأمنية في كل مؤسسة حكومية تستقبل المراجعين بالتفتيش والتحري الجسدي ، ثم حجز جهاز الهاتف لدى موظف الإستعلامات ، والإجراء الأخير هو محور إهتمامنا ، هل حقا أنها تتحرى عن إرهابي متورط ، أو هو إجراء إحترازي لتخويفهم وإشعارهم بألاّ يتقربوا من حدود غرفتهم .
على مدى عقدين أو أكثر من الإنتفاضة الكردستانية تُمارَسُ هذه الحجج الأمنية فهل ضبطت أو كشفت عن مُتَلَبِّس يبغي القيام بعمل إجرامي باستحدام الموبايل .؟ لسنا مع التسيب الأمني بعدم تفتيش المراجعين قطعا ، لكن ضد حجز الهواتف لدى الإستعلامات كونه عمل غير مبرر ، وهل هذه الحالة تشمل كل المراجعين .؟ ولا يُستبعد أن ينسى المراجع هاتفه لدى الإستعلامات أثناء مغادرته الدائرة . ومثل هذه الحالات قد حدثت معي لأكثر من مرة ومع آخرين أيضا .
الشاعر والفيلسوف الهندي "طاغور" تعلَّم من الأشواك ليتحسس أوجاعها فيتحاشاها ، بعض الإجراءات الدخيلة على الأمن دون مبرر تزيد من معاناة الناس .
كل إنسانٍ خَيِّرٍ يفيض تعبيرا بشكل ما عن هذه التجاوزات المعتمدة والتي تمارس في أغلب المؤسسات لأن في مسيرتها أخطاء .
فمن لا حيلة له حيلته الصبر وهو أنجع دواءٍ .
jalalmabdoka@yahoo.com