نيراريات – 39 –
في مثل هذا اليوم 28 / أيارو من عام 650 قبل الميلاد , وُلدتُ من رحم أمي التي كان نصفها آلهة والنصف الآخر بشرا , على ضفاف نهر دجلة في العاصمة الآشورية نينوى , كان أبي يحضر المعارك ويكتب على الألواح الطينية إنتصارات الملك سنحاريب وكان يرافقه في رحلات الصيد وغيرها , ترعرعتُ في هيكل الأله آشور وتحليتُ بروح قتالية وعشتُ قرنين من الزمان وآشور في أوج عظمتها , وبعد سقوط الحكم الآشوري حاصرني العدو وأخذ مني سيفي ورمحي وقوسي وسهامي ودرعي وحصاني وعربتي , و ضاعتْ أميرتي ابنة الملك التي كنتْ ولا أزال أعشقها , وهكذا أطلقني المحتلّ ونفاني إلى القرن العشرين بعد الميلاد , فأخذتُ بدل السيف القلم لأقاتل به , وسأنتظر عودة الأميرة .
الآشوريون يسكنون أوطانا عديدة , ولكن فيهم يسكن وطن واحد .
تركيا سبب مصائبنا , هذا الرجل المريض يجب أن يتمرّض ثانية .
اليوم زارتني شمس صفراء الشَعر , في وجنتيها ترقص أزهار الجلنار , خرجتُ من قوقعتي الراقدة قبل التاريخ في عمق البحر لأموت على الساحل محروقا , من قال كان لي تاريخ في كتاب البحر , لقد بدأ فجر تاريخي على الساحل .
نظراتكِ الصباحية تخدش سطح كبريائي , فأتخلّى عن فكرة اعتلاء العرش رغم هبوط الملوكية من السماء على حضارتي التي سمّيتها ل .... .
من المؤسف على الإختراعات التي ظهرتْ قبلكِ ولم يُعرف بالتحديد صاحبها , أما أنا بعد أن اخترعتكِ من وحي خيالي حصلتُ على براءة جمالكِ .
يوم أن أحببتكِ وجدتُ الفرق بين شهوة الحب والقدرة عليه , والفرق هو أنكِ قدرتي على الشهوة .
شكرا للسماء على عودة علاقتنا كالسابق , ولكن ليس كعاشقين بل كمجنونين .
كلّما حاولتِ أن تُروضينني بالدراسة , وتشددين عليّ الحراسة , إزدادتْ في طبيعتي الشراسة .
كم أنا غبيّ , أطارد كل يوم ظلّكِ وبالأخير أكتشفُ أنني هو .
حياتي قبلكِ مركب مقلوب , قعره مثقوب , ملقى على حافة النهر الفائض , حياتي بعدكِ مركب جديد , متين كالحديد , ولكن أين النهر ؟ .
لستُ محظوظا مع البحر , ألقي بصنّارتي فيه كل صباح فيلقي إليّ بسمكة حجرية , آه من هذا البحر الذي ماؤه سائل حجري وكائناته حجارة , من يدري ربما في الغد القريب سوف يجعل من الصياد تمثال حجر .
تدورين في دورتي الدموية كالكرياتْ , وتذوبين فيها كشموع الثريّاتْ , وتهربين منها كعطر الوردات .
وأخير استطعتُ انتزاع آثاري من جسدكِ , وتشابك جذوري مع جذوركِ , وشهيقي من زفيركِ , ويومياتي من تاريخكِ , ونجحتُ كذلك في انتزاع حواسي منكِ , حاسة ذوقي من لسانكِ , وحاسة شمّي من أنفكِ , وحاسة لمسي من أصابعكِ , وحاسة سمعي من مسمعيكِ , ولكنني فشلتُ في انتزاع حاسة بصري من عينيكِ .
أتفق معكِ يا أميرة السيداتْ , نعم أنا شقيّ وخالق الأزماتْ , أتلاعبُ بالمفرداتْ , أُزعج النجماتْ , أفترس الشهواتْ , أغامر بالكلماتْ , فلو لم أكنْ هكذا , ما كنتِ أنتِ أجمل الملكاتْ , وكنتُ أنا في عداد الأمواتْ .
بالأمس تناثر جسدي على جسدكِ كذرّات التراب , لا تغسلي جلدكِ , لا تُزيلينني من مساماتكِ , فأنا مخلوق مجهري أدمن العيش على قشرتكِ السمراء .
في العراق سياسيون يحملون قضية رائحتها كريهة , كم حاولتُ الوصول إلى لبّ القضية وفشلتُ , القضية تشبه البصل طبقات فوق بعضها بغير لب .
لستُ أدري لماذا بُنيتْ العلاقة بين معظم الحكام في العراق والشعب على مبدأ -توم و جيري - , فتكون نظرة الحاكم على الشعب كقطيع من جرذان , لذلك يقوم الحاكم المتأله - حفاظا على أمن الدولة - بنصب مصائد فئران في كل شارع .
كتبتُ قصيدتي على الحجرْ , ورسمتُ قلبي على قطرة المطرْ , ودفعتُ نسمة روحي إلى السفرْ , فلا تذهلي يا درّة الدُررْ , إذا سمعتِ أن شاعركِ الفضيّ كالقمرْ , إحترق في غابة وجدانه الشجرْ , وجاء إلى عينيكِ ليستأذن قبل أن ينتحرْ , ثمّ يبدأ ثانية من الصفرْ .
لم يبقَ لي كلام أوصفكِ به غير أن أقول : أنتِ مدخل لكلّ قصيدة أكتبها , ومخرج لكلّ موت أعيشه عند الكتابة .
لا تقارني بيني وبين غيري , هم يعشقون على الماء الراكد وأنا أعشق على الماء الجاري , هم يرسمون وجهكِ على سطح الكرة الأرضية وأنا أنحته على سطح السماء السابعة و هم ينسحبون منكِ إذا فشلوا فيكِ , أما انا هجوميّ الطبع ومقولتي هي " العشق من ورائي والعشق من أمامي فأين المفرّ " , أين ذو القرنين منّي ؟ .
إعتدتُ سابقا ان أُدخّنكِ قبل الكتابة , واعتدتُ لاخقا أن تُدخّنينني بعد الكتابة .
كيف لا أتغطرسُ إذا كانت زرقة السماء تشير إلى جفنيكِ , وخضرة الطبيعة تشير إلى عينيكِ , وشمس الأصيل تشير إلى خدّيكِ , وبساتين الرمّان تشير إلى شفتيكِ , كيف لا وأنا كرة بين يديكِ .
في الرقص الهاديء تنكشف إحدى غرائزي المخفية , هيا طوّقي خاصرتي كثعبان الأنكوندا الأفريقي .
أنا كالطبيعة أملك فصولا أربعة , والخيارات مفتوحة لك , تختارين شتائي أعطيكِ نيراني , تختارين صيفي أُسقط عليكِ ثلوجي , تختارين خريفي أكسوكِ بأوراقي , تختارين ربيعي أُعطّركِ بعصارة أزهاري .
جمالكِ قرصان متوحش يسطو ويسرق نظراتي , ما أحلى القرصنة .
أيتها المرأة النرجسية , هل رأيتِ كيف تقحّل جسدكِ بعد انقطاع مياهي عنه ؟ لا تنتظري عودتي , لقد تصحّر جسدي فكيف يأتيكِ النهر من قلب الصحراء ! .
وجودك معي منذ ولادة فجر الشمس جعل قصائدي تتناسل جيلا بعد جيل , أنا اليوم الجدّ الأعلى لقبيلة القصائد .
أتظاهر كالأمير المتباهي بفرسه , أنطلق به فيسقطني من على ظهره قبل الوصول إليكِ , وا عجبي كيف امتدّ تأثيركِ حتى على ربيبي .
ألعن زمنا تضعف فيه قوة النسور أمام ثرثرة الببغاوات .
عذرا أيها الديك , لا أملك صفة المجاملة لأكتب في - ذكوريتك - قصيدة مدح وأنت في كل صباح تصع بيضا .
القانون عملة ذي وجهين , إما أن يسحبك من المعضلة , أو أن يدفعك إلى المقصلة .
في دولة الدم قراطية إذا فكّرتَ , منكَ رأسٌ ومن الحكومة فأسٌ .
لي طريقتان في الأستمتاع بالكوميديا , الطريقة الأولى هي مشاهدة أفلام إسماعيل ياسين , والطريقة الثانية هي الإستماع إلى تهريجات السياسيين .
يكون المرشّح ديموقراطيا قبل الإنتخابات فيدفعه الشعب إلى القمة , ويكون دكتاتوريا بعد الإنتخابات فيدفع شعبه إلى الهاوية .
إنعدام التطوّر في الأمة يعني أنها تستنسخ ماضيها , فيكون اليوم نسخة من الأمس , ويكون الغد نسخة من اليوم .
شاهدتُ قبري فجلستُ وبكيتُ عليّ , وبكيتُ أكثر على حبيبتي التي قبرها بجواري وكان إسمها – حريّة .
العراق ملوّثٌ , يحتاج إلى هواء نقي وماء نقي وعقل نقي وحكومة نقية .
قبل أعوامْ , وفي غياب الإعلامْ , صدرَ ضدّ الشعب الآشوري قرار الإعدامْ .
مجتمعنا الشرقيّ يرجم إثنتين : المرأة العارية والحقيقة العارية .
أكره أربعة : الأول هو الخائن لأمته , والثاني هو المستغلّ لأمته , والثالث هو المُحبط لآمال أمته , والرابع هو أنا إذا سكتُّ على هؤلاء الثلاثة .
أرى في أمتي من أصابه مرض انفلونزا الحمير , فيعلو نهيقه بترددات عالية ومزعجة .
أخشى أن يأتي جيل يُسفّه العظماء ويُعظّم السفهاء .
العلاقة بين سعر الإنسان وسعر النفط علاقة عكسية , فكلّما ارتفع سعر النفط انخفض سعر الإنسان , والعكس ليس صحيحا .
رغم أن الحكومة وبالأدلّة القاطعة اكتشفتْ بأن الغوغائيين هم الذين حرّفوا مسيرة الثورة الشعبية السلمية , لكنّها قد برّأتهم وأعدمتِ الثورة .
للعراقي مراحل إنتقالية عديدة : تلميذ - طلب جامعي - خريج - جندي - عاطل عن العمل - مطرود من الوطن .
المثل ينطبق علينا ولكن بصيغة أخرى : إبكي تبكي لوحدك , إضحك يضحك العالم عليك .
يصبّ النهران دجلة والفرات في الخليج , وفي النهرين تصبّ جثث العراقيين .
الكلّ متساوون في الحقوق والواجبات , حقوقهم هي دفع الضرائب للسلطة , وواجباتهم هي الموت دفاعا عن السلطة .
أقبل بأية مساحة في وطني حتّى وإن كانت بحجم العدالة التي فيه ( إنْ وُجدتْ تحت المجهر ) .
ينشغل الغرب بتعدد الإختراعاتْ , وينشغل العرب بتعدد الزوجاتْ .
الإنصهار في بوتقة الشعوب داء يباغتنا من غير أن نتدبّر الإحتياطات لأنه داء دكي لا يعطينا أعراضه .
تبقى القضية مخفية تحت اللحافْ , إذا كان حاملوها يُساقون كالخرافْ .
الوطنيون يُسوّدون وجه السلطان , والوصوليون يُبيّضون حتى وجه حذائه .
لستُ متفائلا لأنني أرى أننا ننحرف عن مسيرة الشهداء , والمُحبط اذا سألني إبن الغد " هل فعلا كان لنا شهداء "؟!
نُقتل كلّ يوم من غير حربْ , وينبحُ على جثثنا ألف كلبْ .
أوقف الحرس الحرية عند الحدود وسألوها عن أوراقها الثبوتية وكيف تثبت أنها هي فقالتْ : " ألستم ترونني أهرب من الوطن وابكي بعينيه " ؟ .
أطلق الحاكم سياسته الجديدة في نظافة الوطن , فأكّد على ضرورة غسيل الأمتعة وغسيل الأدمغة وغسيل الأموال .
قديما عندما كانت تُباع الأوطان كانت الشعوب تتشرد , واليوم طمأنوا الشعوب ووعدوها بعدم التشرّد ثانية لأنها تُباع مع الأوطان بسعر أقل .
ولأنهم فقدوا حاسة الشمّ , فضّلوا العيش في المستنقعات .
جوني يمضي قُدُما إلى دار الثقافة , و حمدان يعود إلى دار الخلافة .
يفشل مفهوم دارون في هذا العصر , البقاء لا يكون دائما للأصلح النزيهْ , إنما للفاسد الكريهْ .
يحتلّ داعش مساحات كثيرة من الأراضي , و تحتلّ الحكومة شاشات كبيرة من الفضائيات .
إنّ ما يفعله الغرب في حربه ضدّ داعش هو تقليم أغصان شجرته عوضا عن إستأصالها من جذورها .
لو كانت كوكب الشرق المطربة أم كلثوم باقية على قيد الحياة لغنّتْ " يا فؤادي لا تسل أين العراق "
مَن يُغذّيك بآراء كثيرة , ليس له رأي .
كيف يصدرون قانون إجتثاث البعث وهم يسيرون على خطاه !
قالوا كش ملك , ثمّ دفنوا الشعب حياً .
أستاذ الجغرافيا : أين مسقط دولة آشور ؟
أستاذ التاريخ : سقطتْ سنة 612 ق.م .
استاذ الفلسفة : لأنه دخلها الساقطون .
لا ينفعنا أن نتباهى بأننا أعطينا للدنيا الحضارة , ولكن علينا أن ندرس كيف ننزع عنا ثوب الحجارة .
فتح رجال الأمن التحقيق مع ثلاثة مشتبهين , ثمّ أعدموا عشرة , وأطلقوا سراح الثلاثة , ولم ينتهِ التحقيق , فالهدف هو إعدام نصف الشعب .
في دولة الرعب مفروض على الشعب أن يطيع القانون , وعلى القانون أن يطيع الحاكم , وعلى الحاكم أن يشنق القانون إذا عكّر مزاجه .
أحيانا يكون تغيير الحاكم في النظام الديمقراطي أسهل من تغيير حارس المرمى في كرة القدم .
السياسي إزدواجية حتى في الحياة الزوجية .
لا فرق بيني وبين الرئيس , كلاىا نأكل ونشبع , أنا أأكل خبز التنورْ , وهو يأكل أموال الشعب المقهورْ .
الشعب الذي يتطرّف في الدين , لا يتقدّم فيه غير التأخّر .
أخذتُ حبيبتي إلى المطعم ودفعتُ أنا الحساب , وأخذ الرئيس الوطن إلى الحرب ودفع الشعب الحساب .
هم يتبنّون الجرائم ضدّ الإنسانية , ونحن نتبنّى الإنسانية ضدّ الجرائم .
شبابنا محتارْ , كيف يُميّز ويختارْ , بين الثوّار والتجّارْ , ولكنه بالعزم والإصرارْ , حائط الزيف سينهارْ , ويُكشف الأبرار والأشرارْ .
كلاهما أخوان , الدخان الأبيض والأسود , وكلاهما يطيران نحو الأعلى , ولا يبقى في الأسفل سوى المحروقات .
الكثيرون ممن لُقّبوا بالقبضة الحديدية , كانت ضرباتهم زجاجية هشّة .
عندما ترتفع درجة حرارتي ويغلي دمي , تتصاعد مني أبخرة القصائد الغاضبة .
بذرة السياسيّ المحنّك إذا ماتت في الحكومة الحالية , ستنمو في الحكومة القادمة .
من حقّكِ كلّما رأيتِ وجهي غاضبا تذكّرتِ جنكيزخان , ومن حقّي كلّما رأيتُ وجهكِ مبتسما تذكّرتُ موناليزا .
في القرن العشرين كان الطرب الأصيل في الصوت والإداء واللحن والكلمات , وفي القرن الواحد والعشرين الطرب الأصيل هو في الرقص وموديل الفستان والصدر المفتوح والمكياج وعمليات التجميل .
يؤسفني أن أرى أحزابا شاطرة في عملية القسمة وكسلانة في عملية الجمع .
يُعاقب القضاء الذين يغتصبون النساء , ولكن من يُعاقب الأنظمة التي تغتصب الأوطان ؟
• * *
نينوس نيراري . 5 / 31 / 2015