المحرر موضوع: يحيى السماوي ، بين العدميّةِ والآيروتيك (3)  (زيارة 1028 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
يحيى السماوي ، بين العدميّةِ والآيروتيك  (3)


قَـصُّـوا فـمَ الـصَّـعـلـوكِ
خـشـيـةَ أنْ يـقـولَ لِـصـاحِـبِ الـعـرشِ الـمـقـدّسْ :
لـو لـم تـكـنْ كـالـصَّـخـرِ أخـرسْ
لـم تـجـعـلِ الـمـتـحـدِّثَ الـرسـمـيَّ بـاسـمِـكَ فـي الـحـواراتِ :
الـمُـسـدَّسْ !
ــــــــــــــــــــــــــــــ

مادام أمامنا مسدس فهذا يعني أنّ هناك ومضة موتٍ قادمةً لامحال ، أنً هناك رصاصا مقبلاً صوب الأجساد البريئة وغير البريئة على السواء ، صوب الجباه والقلوب ،  إنّ عزرائيل يدور حول رياضنا ولانعرف من ستنكسَر سنابله في الحين ، مادام هناك فوهة لقذف الحمم ،  فلابد لنا أنْ نستكين كي نستفهم ماالذي سيحصل ، مادام هناك زناد فعلينا أنْ نعرف على مَن سيُطلق الرصاص . في فيلم همنغواي كيلهورن ( همنغواي وحبيبته الصحفية مارتا كيلهورن) ظهرت هناك بندقية معلقة في الحائط ، فكانت هذه البندقية تريد أنْ تقول لنا ، لابد أنْ يكون المشهد القادم مشهداً للموت ، وبالفعل يمرض همنغواي ويشتد مرضه وفي لحظة يأسٍ قاتلة قام همنغواي وسحبَ البندقية ووضع الفوهة على حلقه وكان الإنتحار الذي أدى بموت أشهر روائي وصحفي في ذلك الزمن الرومانسي . مادام أنّ هناك شاجوراً وبيتا لترباس البندقية فعلينا أن نختبئ خلف متاريسنا وبيوتنا كي نحمي أنفسنا من شرور الإطلاقة القادمة التي تنوي قتلناعلى أيدي الصخور الخرسان ومتحدثيهم المجرمين ، لكنهم غير قادرين على أنْ يلجموا الومضة القصيدة التي أقرؤها الآن للشاعر يحيى  ، الومضة التي تشعل فينا كل معاني الثورية والإصرار والتحدي . مادام هناك رصاص ، يعني هناك متطرفون مثل أولئك الذين قتلوا المغنية الباكستانية ( غزالة جاويد) ظنا منهم أنهم سوف يقتلون الأغاني ، وقد كتب عنها صاحب المقال هذا ( هاتف بشبوش) نصّـه :

هدئي شَدوَكِ ياغزالة
فالرصاصُ
صائمُّ  وجائعُّ  وعطشُّ
ياغزالة
هدئي لَحنَكِ ياغزالة
فالليلُ غفا
على تسبيحِ طبولِ القتلِ  ياغزالة ..
النساءُ ياغزالة
لاتعرفُ  سوى أنْ تكتبَ أسماءها
بأحمرِ الشفاهِ
بينما هم
كتبوا حُبَ اللهِ بالرصاصِ
على لحم جيدكِ المعافى ياغزالة.
ـــــــــــــــــــ
كلنا كذكور نهب لنصرة الجنس الآخر اللطيف ، لكونها النصف الآخر الذي يشكل أجزاءنا وكل منحياتنا في الحياة ، إنها السراج الذي يلمع في سماء حياتنا على طول إمتدادها ، وهذا مايؤكده لنا الشاعر يحيى في تعبيرهِ الآتي  :

 مثل ضريرٍ يرى الطريقَ بعصاه :
أرى تضاريس جسدكِ بأصابعي ..
أجوب جباله ... سهوبه ... ووديانه ..
مهتدياً بقناديل عبيرك وشموس دفئك !
ــــــــــــ
نعم ضريرُّ ذاك الذي يدخل متاهات اللذة في الظلام ،عجيب غريب أمور أنثانا ، لاتحب أنْ يبدأ الغزل إلاّ بالظلام , ومن منا لايعرف هذه الحقيقة ؟ هذا دأب تعلمه كلًٌّ من الذكر والأنثى منذ القدم للإحتماء ، حيث كان الحب يتم في الكهوف أو في المغارات بعيدا عن أعين الناظرين .أما اليوم ، تغلق الستائر ، تفتح مصابيح المنام الخافتة  وتطفأ الأنوار المشعشعة ،  يسود الصمت ، يقل الكلام ، ولا يبقى سوى الهسيس , ثم يبدأ التجريد  قطعة  قطعة ، ثم مرحلة التجوال في معالم المجاهيل الخفية ، وكلها يتم الإستدلال عليها بالعصى( بالأنامل والراحتين)  لا بالعيون ، بالقلب  لا بالتحديق والزوغان ، بالإحتكاك لا بإختلاس النظر ، بالوصال الرهيب الذي يدلنا على كل المتاهات الجسدية الرخيمة ، على كل الأخاديد الناعمة ، على جميع اللحم المعافى ، على أروع مارسمه بيكاسو وما خطه لنا ريتسوس في قصائده الأيروتيك ، على الوادي المستقيم الماثل أمام إنتشائنا ، على كل القباب المرمرية التي ضحكت في صدر لوليتا نزار قباني ، على الأديم الأملس الريان . كل ذلك يتم ونحن نستدل بسراجها الضئيل المنبعث من دفء سريرها وأقراطها وأساورها الفضفاضة  لا بسراج مقلنا الدفينة بين الظلام . يحيى مثلما هو شاعر الجياع والسياسة منذ الصبا ، هو شاعرالمرأة بشكل دونجواني مثير  ، حينما نقرأ غزلياته نحس وكأنه كازانوفا السماوة ، لكن الحقيقة ليست كذلك ، هو الشاعر الذي لديه حبه الأوحد ، هو الشاعر القادر على أنْ يستفزنا في كل تبتلاته ، بمستطاعه أنْ يثير فينا كل النوازع التي من شأنها أنْ تجعلنا نحب النساء بما يرضي مبادئنا وعقولنا لا أهواءنا الرخيصة التي لايسجلها التأريخ ، إنه الشاعر ذو القلبين كما نقرأ أدناه  :
 
أيـتـهـا الـمُـتـبَـرِّجـة بـنـبـضـي
الـمُـعـطـَّـرةُ بـتـبـتـُّـلـي :
قـبـل أنْ تـسـكـنـي قـلـبـي
لـم أكـن أعرفُ أنَّ لـقـلـبـي قـلـبـا !
ـــــــــــــــــــــــــ
هكذا هي استراحة المقاتل  حينما يتعب ويهدّه السيف فلابد أنْ يربط الفرس في مربطه   كما قرأنا وعرفنا لأبطال الملاحم ، فتراه يأخذ قسطا من الراحة مع النصف الثاني من القلب ، مع إمرأة الحلم الأبدي  التي لاتغيب عن أي مشهد مع الفرسان ، فنرى الفارس ماركوس أنطونيوس يستريح عند أحضان كليوباترة  ، أوديسيوس بين ذراعي حبيبته بينيلوب في إيثاكا ، فالانتاين وسيليفيا ، باريس وحبيبته هيلين في إلياذة هوميروس وغيرهم .  أما ألأديب هو الآخر له إستراحته التي لابد أنْ يأخذها ويذهب بعيدا عن السياسة التي أتعبته حينا من الدهر ، مع هذا البلد الغارق في العنف والتشويه ، الذي تشعبت أموره وسط شلّة من السفلة المنحطين ، فيذهب الأديب في إستراحته كي يرينا من سطوعها النير ، كي يمدنا بالشميم وشذاها الطيب ، كي يكون النبض أكثر من المعتاد ونحن بالقرب من وترٍ حساس إسمه أنثى السعادة ، وها أنا أرى الشاعر يحيى  يستمد الراحة والإستراحة من تبرّج وجهها الجميل  المعَطر ببتلةِ السماوي البارع في وصفها أعلاه. فما بالنا إذا كانت أنثى السعادة أمهاتنا ومايدور حولها من الفناءات التي لايمكن نسيانها ، لنقرأ عبقرية الشاعر في فلقته الأمومية ( دخان)  :
 
أكرهُ الـدخـانَ ـ بـاســتـثـنـاءِ دخان تــنـُّـور أمي ...
فـهـو الـدخانُ الـوحـيـدُ الـذي لـه رائـحـة ُبـخـور الـمـحـاريـب
وبـهـاءُ قـوسِ الـقـُـزح !
 
يعني بمستطاعنا أنْ نقول على غرار ماقاله الكبيرمحمود درويش (أحنّ إلى خبز أمي / و قهوة أمي / و لمسة أمي / و تكبر في الطفولة يوما على صدر يوم )... كل مايقوله الشاعر هو عبارة عن ذاكرة ماضية ، قريبة او بعيدة جدا ، لولا الذاكرة لما عاش الشاعر العمر الذي يصب فيه كلماته على الورق  كي يستريح من حالة أصبحت مشحونة في أعماقه ودواخله ، فلابد لها من التفريغ الآني . أحيانا نترك كل مافعلناه سيئا أو خيّرا على المرآة .. الإنسان بطبيعته عاشق للمرآة بقدر النرجسية التي يحملها  في حب الذات ، فيظل ينظر في المرآة ، يتكلم معها في الصمت ، يترك أفلاما تخص حياته  وتعيش هذه كلها في داخل أو فوق سطح المرآة ، لكن المرآة كما يقول ( واسيني الأعرج) ليس لها ذاكرة ، لو كان للمرآة ذاكرة لفضحتنا . لكننا مجبولون من الذاكرة ، كما هذه الرائعة التي نقرؤها عن الأم ودخانها ، هي في الأساس مصنوعة من الذاكرة التي نسجت كل أغصانها من الطفولة والصبا ، حيث هناك الأم وكيف كانت تداعب كل مانرتديه أو مانطلقه من الأحاسيس . الدخان هو ذلك السمت الضبابي الخانق  المانع للحياة والطارد للأوكسجين ، القاتل لامحال لو  ظل فترة من الزمن ، القاتل للبعوض كما أيام زمان ، والقاتل للبشرية في هذه الأيام كما  دخان الدواعش ، أو المدمر كما دخان الحروب ، أو المزلزل كما دخان البراكين ، أو كما القول الشائع لدينا ( بس دخانك يعمي) . يعني بالمختصر لا أستطيع أنْ أجد دخانا أحبه أو أنْ أعيش بالقرب منه سوى دخان السجائر بالنسبة لفئةٍ كبيرةٍ من المدخنين وهذا نسبي إذا ماقورن بالدخان الذي حدثنا عنه الشاعر يحيى في هذه الشذرة الحنونة لأمهاتنا ( أكرهُ الـدخـانَ ـ بـاســتـثـنـاءِ دخان تــنـُّـور أمي) . أنه حب الأم (ذلك الحب الحر والطليق كدخان القلب .... شكسبير) ،أنها الأم وماتحت أقدامها من الفردوس ، وحتى هذه أنبأنا بها الشاعر ، أجادنا عن النساء بشكل عام بما فيها الحبيبة والأخت في بوحه الذهبي ( تفاحة الفردوس الأرضي):
 
خـفـيـفـةُّ كـجَـبَـلٍ فـي لـوحـة  ...
ثـقــيـلـةٌ كـحـصـاةٍ صـغـيـرةٍ فـي جـيـبِ قـمـيـصـي ...
مـلـيـســةة ُّ كـمـرآةِ عـروسٍ قـرويـة  ...
خـشــنـةٌ كـلِـحـاءِ شـجـرةٍ يـابـسـة  ...
هـادئـة ُّ كـالـنـعـاس ...
صـاخـبـة ُّ كـالـقـلـق ...
قـريـبـة ُّ كـالـشـمـس مـن عـيـونـي ...
بـعـيـدة ُّكـقـلـبـي عـن يـدي ...
مـنـذ سـقـوطِـهـا فـي حـضـن " نـيـوتِـن "
والـتـفـاحـة ُ لا تـُحـرِّكُ مـاءَ الـبـحـيـرةِ الـسـاكـنـة !
فـلا تـعـجـبـي لِـتـنـاقـضـي
مـادام أنّ خـريـفـي تـمـاهـى بـربـيـعـك ...
فأنا وطنُّ عاصمتهُ أنتِ!
أكـلُّ هـذه الـبـحـار والـجـبـال والـصـحـارى الـتـي بـيـنـنـا
ونـحـن أكثـرُ اقـتـِـرابـاً مـن شــفـتـيـن مـضـمـومـتـيـن ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
 
نزار قباني حينما سألته إمرأة عن كل التحف التي كان يكتبها وكيف له ذلك المخيال العجيب الغريب ، فقال  : ياسيدتي أنا كل مافي الأمر لديّ القدرة على إظهار الجمالات التي في جسمك وروحك وأكتبها على الورق  ،  فالفضل كل الفضل لها . لكنّ شاعرنا الكبير يحيى دخل الى عالمها بكل ماتملكه من سحرٍ فياّض ، بما لديها من فردوس بتفاحه الطازج سواء إنْ كان على الشجرة أو المعفر الأرضي ، أو تفاحة آدم . بما لديها من جبالٍ عجينية الملمس  محروسةٍ بخصالها الليلية فوق الصدور ، بما في حجرتها القروية من مرآة لم يدنسها الآخرون سواها ، مرآة لاتحوي من الذكريات غير صورة وجهها الطافح لمعانا وبهاء ، بما يهدأ حول ملاءاتها الليلية من نعاس . تلك الحبيبة القريبة البعيدة كالشمس المفروشة على سطوح ديارنا ، أوقات ما تنادينا أمهاتنا للنهوض باكرين . أنها المرأة الممغنطة حبا وشغفا وجاذبية ، إنها لم تسقطُ في حضن نيوتن ، انّما  لما فيها من الجاذبية الكهرومغناطيسية جعلت من القطب القريب لنيوتن ممغنطا فسقطت في الأحضان . إنها الأغنية الهندية الأسطورية التي تقول( إنّ الأرض لنا والسماء لنا)  فمهما ابتعدتْ واختفتْ بين الجبال والبحار فهي من ضمن أرضنا وسمانا ، هي القابعة في الوصال الممتد بين العين والقلب ، مثلما نرى في الكلمات الفسفوريةِ أدناه ( عطش) :

أيـتـهـا الـمُـتـبَـرِّجـةُ بـنـبـضـي ...
الـمـمـتـدةُ مـن أغـصـان أحـداقـي حـتـى جـذور الـقـلـب ...
الـمُـعـطـَّـرةُ بـتـبـتـُّـلـي :
لـمـاذا كـلـمـا شـربـتُ من زلال نـهـرك
أزدادُ عـطـشــا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
لون السماء لايتغير أينما ذهبنا ، وهاهو يحيى السماوي  يتنقل بين الواق واق في تخوم استراليا والسماوة حيث مقهى فائق وعبر كل المحيطات ، وكأنه الشخصية الكوزموبوليتية  . وحينما يحس بيباس الريق ، لايليق به غير ريقها العذب وشهدها وماء جبينها ، ولايرتوي الاّ بكأسِ ماءٍ قراح من يديها الصافيتين ، وكلّما يحدقُ في نجوم عينيها صامتا واجما منذهلا ، أراد المزيد من التحديق والنظر  مثلما قال الكاتب الأنكليزي الشهير شكسبير (في الليل لايغني العندليب/ ولايمر عليّ النهار / إذا لم انظر في وجه سيلفيا) أو قول جميل بثينة ( لا والذي تسجد الجباه له ، مالي بما تحتِ ثوبها خبرُ / وبفيها  وماهممتُ بها الاّ الحديث والنظرُ) . حينما يعطش الشاعر الحبيب راجيا اللقيا بعد طول غياب , وحينما يتحقق له ذلك ويفتح أزرار الزيق يحترق حبا وشوقا ، والذي يحترق يزداد سخونة وتعريقا وجفافا في الريق ،  وهكذا هي دورة الحب والأشتياق ، وهكذا هي الحياة في دائرة الصبابة ، دائرة مغلقة  لكنها لاتحتوي على الروتين الممل ، بل كل يوم عطش وعطش وعطش دائم ، حتى يسقط في فراشه عليلا بداء الحب  وما من شفاء  سواها ، تظلّ على مقربة من كل جوانحه ، تمسد الجبين وهي الطبيب المداويا ، لكن النتيجة مامن ضحايا سوى من يعنيه الأمر ، وهو الشاعر نفسه فقط  ، وما للآخرين من لومٍ وعتاب ، لنرَ الشاعر وإدانته المطلقة للذات المجرمة ، ولكن أي جرم وأي جريرة إرتكبها الشاعر الشفيف والبريء والضحية ، لنرَ الشاعر والتهم الموجهة اليه من خلال الأسطر أدناه ذات المعنى الكثير والقصيرة حروفا والجميلة شكلا في شذرة ( مجرم) والتي يدين بها نفسه فقط  :

أنـا أخـطـرُ مـجـرمٍ فـي الـدنـيـا ...
لـكـنَّ الـذي يُـمـيِّـزنـي عـن كـلِّ الـمـجـرمـيـن
هـو أنَّ ضـحـايـايَ هـم : أنـا وحـدي !
ــــــــــــــــ
الجنون الذي ساق قيس بن الملوح الى مثواه الأخير ، لم يأخذ غيره معه ، الاّ بعد حينٍ من الدهر حيث التحقت وراءه ليلى حسب ماتقوله الرواية المعروفة ، فما من ضحايا سوى الشاعر يحيى حينما يسهر الليالي في سبيل إعلاء كلمة حب تبقى تصهل عبر الدهور . ورغم كل ذلك المصاب والشقاء وجلد الذات أحيانا ، الشاعر يندم لأنه قد تسبب في زرع بذرة الحزن في قلب من أحبها حسبَ مايعتقد ، فهو هنا على خطى الكثيرين من الشعراء الكبارعبر التأريخ ، لنقرأ كيف كان الشاعر في رائعتهِ ( ندم)  :
 
نـهـرُكِ الـذي شــرَبْـتـُـهُ قُــبــلـةً قُــبـلــةً :
ذرَفـْـتـُـهُ نـدَمـاً دمـعــةً دمـعـة
حـيـن أحـزنْـتُـكِ ذاتَ جـنـون !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
هنا الشاعر  يهرب من الإستقرار ، كل شئ لديه متحرك دائما وأبدا ، لاينهل من ماء النهر مرتين ، وحينما نقرؤه نرى القيم والأبعاد الرومانتيكية في أكثر أعماله . نراه هنا في هذه الندميّة الحزينة النازفة  والذارفة حتى الوشل ، نراه فارترياً متألما ( آلام فارتر ... غوتة)  فارتر ذلك الشاب الذي أعطى تلك الأمة في ذلك الزمان الكلاسيكي العذب وحتى اليوم درسا في التضحية ،  درسا في الحزن الساحب لكل دمعةٍ بقيتْ في المآقي ، ذلك الشاب في تلك الرواية التي ظلّت أصداءها تتناولها الأجيال  لما فيها من ندمٍ وحرقةٍ على فراق حبيبٍ قد ذهب وخلّف وراءه إستحالة الرجوع ، تلك الرواية وذلك الزمن وأؤلئك الشباب الذين لم نجد لهم شبيها اليوم ..  لم نجد ممن يذرف الدمع وهو يهيل التراب على الجسد الهامد لحبيبة القلب التي يأسف حبيبها لأنه لايستطيع في أوان الوقت أنْ يعتذر لها عن الجنون الذي سببه لها عن غير قصد ،  لايستطيع أنْ يقدم البدائل التي من شأنها أن تكون المعجزة في إحيائها مرة اخرى ، لايستطيع غير أنْ يفعل مايفعله النادرون اليوم من أمثال الشاعر يحيى ، وهو يحاول أنْ يعيد الشرف الفارتري المؤلم والمخلص والوفي حد اللعنة ، الى حبيبٍ قد أرغمه الدهر على أنْ ينام في العميق  والى الأبد  .
 
يحيى السماوي في سطور ...
يحيى السماوي أشجعُ شاعرٍ في جعل اللغة تنحني أمامه لمجرد إشهار نصل التحدي  فنراها مطواع يديه وقلمه، فلايمكن لنا أنْ نقرأ يحيى من دون اللغة وفي اللغة ذاتها . أنه يخلق لنا جيلا جديدا من المفاهيم والمعاني التي لاتخطر على بال من يقرؤها ، انه معلم في مدرسة الشعر العليا كما هو في الحياة ، له من الدروس الكثيرة  التي تقوّم الأنانية  واللامبالاة وعدم أحترام الأنسان . يحيى ينظر بعين المأساة والواقعية الشديدة ، بارعُ في إكتناه الأوجاع الجلية لشعبه بشكل مثير للغاية ، يكتب الآيروتيك لابقصد الأثارة وانما بقصد العمل الادبي الوجداني بحد ذاته ، وإعطاء الجنس اللطيف بما يستحقه من مستحقات إنسانية محضة ، لايحب التفخيم ولا التضخيم في هذا الفردوس الإنثوي . يحيى له من النوازع الرومانسية ما تجعله متفوقا بشكل كبير على الآخرين في غزلياته ، كما هو حال (هاينرش هاينه) الشاعر اليهودي الألماني 1797 ـ 1856 وهو أهم شاعر ألماني بعد غوته ، والذي كان ينشر أكثر نتاجاته في الصحف التي يحررها( كارل ماركس) . المدّ التقني في قصائد الشاعريحيى  يصل الى درجة الجمالية الخلاّبة ، أما البعد المعنوي فإنه يشكل الركيزة الأساسية لجميع أعماله ، أما الوضوح فإنه عمود أساسي من أعمدة وأركان القصيدة اليحيوية المذهلة . يحيى رجل لايطلق أحكامه على الآخرين جزافاً ، لكنه يتآزر مع قولة علي بن أبي طالب ( كن من تكون فأنت من تراب والى التراب) . يحيى له القدرة على سحرالقرّاء واستمالتهم وهذا هو دليل ذكائه وفطنته . أما دأب الشاعر الممارساتي والشخصي فهو مدخن شرهُّ وعلى غرار الروائي الألماني الشهير الحائز على جائزة نوبل (إريك ماريا ريمارك) حيث يقول (  حمدا لله هناك سجائر ، فهي أحيانا أفضل من الأصدقاء ، لاتوقع الإنسان في حيرة ، إنها خرساء وطيبة) . في النهاية أقول الى رمزنا، الشاعر يحيى ، ماقاله (بالاماس) في رباعيته الى (يانيس ريتسوس) ...( نتنحى أيها الشاعرالكبير ، كي تمر أنت) .
 رابط الحلقة الأولــــــــى:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=467896
رابط الحلقة الثانية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=468861

هــاتف بشبــوش/ عراق/دنمــارك