المحرر موضوع: المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 5  (زيارة 1057 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 5
تحت بند النقد والنقد الذاتي تمت تنحية عامر عبدالله مرات عدة وإعادته للحزب

وقد عكس ذلك التوجّه الكيدي والانتقامي ضيق أفق وردّ فعل لا يجمعها جامع مع لغة الحوار واختلاف الآراء، علماً بأن كثيرين كتبوا في نقد الحزب وسياساته، بل في التعرّض بالقدح والذمّ والإساءة لأسماء وشخصيات من طاقم الإدارة القديم وتاريخهم، وهناك من وجّه اتهامات خطيرة ضدهم يربأ الكاتب بنفسه من تناولها، متعكّزاً كما يقول على معلومات، وهي الطريقة التي يتبعها بعض الحزبيين حين يريدون إغلاق الحوار، لكن هؤلاء لم يتوقف أحد عندهم إلاّ بصورة عابرة،  في حين ما هو لافت أن يشمّر البعض عن ساعده لينال من الكاتب والكتاب وموضوع الكتاب "عامر عبدالله"، بسيل من الاتهامات والإساءات الشخصية ما أنزل الله بها من سلطان.
وبقدر ما في الأمر من شعور بالحزن والأسى إلى أن مستوى الحوار والجدل والتفكير ينحدر إلى هذا الحد، الذي كان أقلّ ما ورد في قاموسه تهمة المشبوهية والخيانة التاريخية، علماً بأن الأمر يستحق المساءلة القانونية والقضائية للقدح والذم والإساءة. وعلى حد تعبير صديقنا الروائي والصحافي الساخر شمران الياسري " أبو كَاطع" فإن أية تهمة، بل أدناها، سيكون أقلّها "الإعدام". وقد سبق لي أن رويت عن ناظم كزار والتهم التي يحضّرها ضد خصومه من السياسيين، ويبدو أن مثل هذا الأسلوب يعجب بعض أصحابنا الذين يقتبسون منه في إطار قرابة للضمائر المخرّبة. وهي تدلّ على خيال مريض وواقع مملوء بالحقد واليأس والعبث والخذلان.
أقول بقدر ما في الأمر من حزن، فإنه مفرح في الوقت نفسه أن يُظهر الناس على حقيقتهم وتنكشف أحجامهم الطبيعية بعد أن ظلّوا يختبئون لمدّة طويلة وراء عناوين مختلفة وينتفخون بألقابهم الحزبية. والأمر مفيد أن يستنفر المخلوعون ما تبقّى من قواهم للردّ على كتاب، وكاتب لا يمتلك سوى سلاح النقد، لفترة عاشها وخبرها، وكتب عنها من خلال شخصية شيوعية مثيرة هو عامر عبدالله، كجزء من مراجعاته الماركسية، ولا يهم البحث عن الحقيقة إن تعرّض للسباب والشتم والاتهامات والقدح والذم والتعيير، " فالإناء ينضح بما فيه"، وتلك إحدى مآثر علم النفس الحديث، ولاسيّما نظرية العالم سيجمند فرويد حول "الإسقاط" حين يحاول الإنسان أن يسقط ما عنده على الغير في مسحة لإبعاد الشبهات التي تظلّ تحوم حول أسئلة عالقة، حتى وإنْ احتمى "بالجماعة" وقبِلَ بالتدجين وسلّم بخنوع بالمقسوم، وصدق  الرسول محمد (ص) في قوله " إذا بُليتم  بالمعاصي فاستتروا"!.
والأمر مهم أيضاً حين يتم تناول كتاب لأنه يعود إلى مدى تأثير موضوعه والمقصود عامر عبدالله، ثم مدى تأثير كاتبه وصدقيته، خصوصاً لجمهور القرّاء، ولاسيّما لعدد واسع من الشيوعيين السابقين والحاليين، اتفقوا أو اختلفوا مع بعض توجهاته، لكنهم قرأوا باهتمام بالغ ما كتب، إضافة إلى شخصيات وطنية متعدّدة ومن اتجاهات مختلفة. وقد أبلغ الناشر " دار ميزوبوتيميا"، إن الكتاب قد نفذْ (فقد بعد ثلاثة أشهر من صدوره)، ولم يصادف أن نفذَ لديه كتاب بهذه السرعة وبهذا القدر من الطلب عليه، والأكثر من ذلك أن هناك كما نقل الناشر من قام بمحاولة استنساخ الكتاب وبيعه بطريقة غير قانونية ودون موافقة دار النشر، للطلب عليه، وطلب مني إصدار ما يشير إلى إن مثل هذا الأمر غير قانوني، وإن هذا الاستنساخ التجاري غير مرخّص من قبل الكاتب الذي لم يخوّل أحداً فيه، لكنّني اعتذرت عن ذلك وقلت إن ذلك من مسؤوليات دار النشر، وليس من مسؤولية الكاتب، وإذا اقتضى الأمر طبعه مرّة ثانية، فستكون طبعة محسّنة ومنقّحة.
استنفار واستفزاز
وثمة أمر يثير التساؤل: هل يستحق كتاب لكاتب مثل هذا الاستنفار؟ أم إن وراء الأكمة ما وراءها، بمن فيه لبعض من لم يقرأ الكتاب أو يطّلع عليه أو مرّ عليه مروراً سريعاً أو تصفّحه، دون مناقشة الإشكاليات التي تتعرّض لدور عامر عبدالله وأطروحاته ومساهماته بخصوص الحرب العراقية – الإيرانية، والمؤتمر الرابع والظواهر الغريبة في حياة الحزب وصولاً إلى حالات تعذيب وقتل تحت التعذيب، ثم باستدراج عناصر من إدارة الحزب إلى بغداد وبقائها لأسابيع تحت رحمة الأجهزة المخابراتية العراقية، ثم مغادرتها أو غضّ الطرف عنها خلال وجود وفد "الجبهة الكردستانية" للمفاوضات مع الحكومة العراقية بعد فشل الانتفاضة العام 1991، والأمر ليس افتئاتاً أو إساءة لأحد أو إشاعة يتم تردادها أو تهمة تتم محاولة إلباسها بغرض التشكيك، بل واقعة حقيقية مضى عليها اليوم أكثر من عقدين من الزمان، وهناك تفاصيل أخرى لا مجال لذكرها، وهو ما نقلته بعض القيادات الكردية العليا وأكّده بعض من خضع لمثل ذلك " القدر"، ولكن إدارة الحزب السابقة سكتت عنه ولحد الآن.
وشمل الحديث عن عامر عبدالله بعض آرائه وتوجهاته كجزء من تاريخ الحزب والكونفرنس الثاني العام 1956 والنزعة العروبية والتجديدية التي سادت بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي وتغيير أساليب الكفاح من التوجّه السلمي إلى الخيار العنفي بعد انتفاضة العام 1956 انتصاراً للشقيقة مصر.
وليس بعيداً عن ذلك العلاقة مع سلام عادل بما فيها من عناصر وصل وعناصر فصل، وود قبل الثورة ونكد بعدها والعلاقة مع قاسم وملابساتها ، وخصوصاً موضوع إشراك الحزب الشيوعي بالحكم وتظاهرة 1 أيار (مايو) واجتماع تموز (يوليو) وأيلول (سبتمبر) العام 1959 للجنة المركزية والنقد والنقد الذاتي، وصولاً إلى عقوبات عامر عبدالله وتنحياته المتعدّدة وعودته، وغيرها من القضايا ذات الطبيعة الإشكالية، التي حاول الكتاب مناقشتها بشفافية.
تلكم ملخّص مكثف للقضايا التي تناولها الكتاب، فضلاً عن جوانب شخصية تخصّ عامر عبدالله وطفولته ومدينة عانه وعائلته ودراسته وترجماته وكتبه وغير ذلك، إضافة إلى عدد من القضايا الشائكة والملتبسة، بما فيها خط آب العام 1964 ومسألة "العمل الحاسم" العام 1965 والتحالف مع البعث العام 1973 ودور عامر عبدالله وانفضاض عهد الجبهة وفترة المنفى واشكالياته ومشاكله، وهي قضايا تحتاج إلى حوار هادئ ومفتوح، وبقلب حار ورأس بارد، بعيداً عن الزعم باحتكار الحقيقة أو إدارة الظهر عن مشكلات حقيقية عانى منها الحزب، وهي التي أوصلته إلى ما وصل إليه الآن من أزمة بنيوية مستفحلة، قبل وبعد انهيار الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية وانحلال الاتحاد السوفييتي وارتباك الخطاب الآيديولوجي، والانتقال من ضفة الولاء المطلق للسوفييت، إلى الحديث عن مقتضيات العولمة والتكيّف مع النظام الدولي الجديد ودور واشنطن فيه.
الإستنسابية الشيوعية
إن عقدة احتكار الوطنية لدى صدام حسين وحزب البعث، ولاسيّما خلال الحرب العراقية- الإيرانية، تتلبّس بعض إداراتنا وإداريينا، لاسيّما الذين تم الاستغناء عن خدماتهم تلك التي تزعم حقها في احتكار اسم الشيوعية وحق النطق باسمها، وكأنها عقار تتصرف بملكيته بموجب سند بالطابو أو علبة من زجاج تخاف عليها من الكسر،وتحاول حملها معها أينما حلّت وارتحلت، "حفاظاً"على نقاوة الماركسية، حتى وإن انتهى أمرها بتقديم أوراق اعتماد امتحان الكفاءة إلى بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، حسب تعبير الروائي والكاتب سلام عبّود، من جانب الأمين العام السابق والأمين العام الحالي، ليختار من يجده مناسباً، وهو ما حاول بريمر أن يطرق عليه في كتابه " عام قضيته في العراق".
لم يعد أعداء الحزب من الإمبرياليين والصهاينة، فهؤلاء أصبحوا بعرف بعض إداريينا وذيولهم "المجتمع الدولي" والقوى الكبرى، ولا يمكن مواجهة الولايات المتحدة بعد تبدّل ميزان القوى وانهيار الكتلة الاشتراكية، وكأنها قدر أقرب إلى "الحتمية التاريخية" التي كان البعض يتشبث بها، مثلما يتشبث المسلمون بالبسملة. وأصبحت "إسرائيل" لديهم جزءًا من القدر الحتمي الأمريكي، ويتحدث بعضهم عنها بصفة أقرب إلى الاستشراق والمستشرقين، وكأننا لسنا أبناء هذه المنطقة وشعوبها التي عانت من عدوان وإرهاب وعنف الصهاينة وحماتهم الامبرياليين، لدرجة إن منظمة حماس وحزب الله وحركة الجهاد ومنظمات مقاومة أخرى، هي منظمات إرهابية بعرف هؤلاء وذيولهم ومتفرعاتهم، لا تختلف عن داعش والقاعدة وجبهة النصرة، بل ويذهب بعضهم حتى دون حياء إلى اعتبار سبب عدوان "إسرائيل" على غزة في عملية " الجرف الصامد" العام 2014 يعود إلى استفزازات حماس ، ولا فرق لدى البعض بين حركة تحرّر وطني ، وإنْ كانت تحمل في خطابها وممارساتها نواقص وثغرات وعيوب، وبين حركات إرهابية لا برنامج لها ولا وسيلة لديها سوى العنف والقتل والإرهاب، وإذا كانت المقاومة تلتجئ إلى العنف اضطراراً، فلأن الوسائل الأخرى انعدمت أمامها من أجل التحرير واستعادة الحقوق، علماً بأن القانون الدولي أعطى للشعوب المستعمَرة والتابعة ، حق اللجوء إلى القوة وإلى جميع الوسائل المشروعة لنيل استقلالها وانعتاقها.
لكل قاموسه
سأهمل جوانب التجريح الشخصي والتطاول والإساءة المقصودة والاستفزاز ومحاولة إبعاد الحوار عن هدفه وهو إجلاء الحقيقة، وجرّه إلى لغة مهاترات لا تغني ولا تسمن من جوع، وأكتفي بالقول إن لكل شخص قاموسه ومن يريد التخويض في مثل تلك الأوحال، فلينتظر ما شاء، فلن يجد ردّاً، وقد خبرت مثل تلك الأساليب التي تحاول إيذاء الآخرين وقد سبق أن استخدمت بما يخجل الإنسان عن ذكره بحق نوري عبد الرزاق في رسالة حزبية مذيّلة من المكتب السياسي في العام 1989 ، وضد مهدي الحافظ على مدى زاد عن عقد من الزمان (كل عقد الثمانينيات)، وضد باقر ابراهيم وصلت درجة الشتائم والاتهامات الصريحة وضد عامر عبدالله وحسين سلطان وآرا خاجادور وحميد برتو وعدنان عباس، وقبل ذلك ضد بهاء الدين نوري وماجد عبد الرضا وخالد السلام وثابت حبيب العاني وصاحب الحكيم و"أبو عليوي (المناضل الفلاحي هاشم محسن)" ومظفر النواب وسعدي يوسف والقائمة تطول لتشمل عشرات ، بل مئات الكوادر وعلى مدى فترات زمنية مختلفة.
النتيجة واحدة وإنْ تعدّدت الأسباب، وباختصار فإن ذلك يعني في سلوك الإداريين إخراج غير المطيعين والمتمردين من " مجتمع المؤمنين" أو "جنّتهم" حتى وإنْ كان بينهم ما صنع الحدّاد، وهذا يعني حسب منطق المقدّس والمدنّس "الحكم على الخارجين بالذهاب إلى جهنم"، وهي الوسيلة التي استخدمت في جميع الأحزاب الشمولية في الحكم وخارجه، وفي أوروبا الشرقية بشكل خاص وفروعها ما أطلقنا عليه " دول التحرر الوطني" ، مثل التجربة البعثية والناصرية والقذافية والبومدينية واليمنية الجنوبية وغيرها.
ولنا من تجربة أفغانستان وأثيوبيا والانقلابات والمؤامرات "الماركسية" الدموية خير دليل على ذلك، مضافاً إليه تجربة الحرب الأهلية بين القبائل "الماركسية" اليمنية في 13 كانون الثاني (يناير) العام 1986، التي راح ضحيتها أكثر من 13 ألف مواطن شهيد وضحية، وقد حاول عامر عبدالله في حواراته مع الكاتب مقارنة مجزرة قاعة الخلد بحق القيادات والكوادر البعثية في العام 1979 بمكيدة "المؤتمر الرابع" والتي عصفت بنصف القيادة الشيوعية وعدد من الكوادر الحزبية في العام 1985، وإنْ كان الفارق أن البعث في السلطة، وأن المؤتمر الرابع انعقد والشيوعيون بين المنافي والجبال البعيدة والمناطق النائية.
وقد انقلب السحر على الساحر لاحقاً فأطيح بعدد من المشاركين المتحمسين لخطة المؤتمر الرابع واعتبروا فائضين عن الحاجة وأصيب بعضهم باليأس والمرارة والاندحار لكنهم استمرأوا سياسة الخنوع وأوجدوا لأنفسهم أدواراً لمداراة حرصهم وطريقة إخراجهم من الإدارة.
لا زال البعض من إداريينا يتشبثون ببعض المقولات الستالينية حتى وإن كانت صدئة وعفا عليها الزمن، وهم يرددون: إذا وجِدَ حزبان شيوعيان في بلد واحد، فأحدهما انتهازي، بل ويزيدون على ذلك بدمغه بالخيانة، فكيف الأمر إذا كان فرداً يعتز بحمله راية الشيوعية، ولكن ليس على الطريقة العاطفية، ويستخدم عقله وضميره ويعترف بتقصيراتنا ونواقصنا ويحاول وضعها في سياقها التاريخي وهو يكتب عن الحزب وتاريخه. إن حالة التطيّر التي تصيب بعض الإداريين، حتى وإن كانوا بدون إدارة حالياً، هي دليل على أنهم لا يزالوا يعيشون في الماضي ولا يريدون الخروج منه.
كتب وإشكالات!
وقبل أن أنتقل لمناقشة بعض الموضوعات ذات الصلة، أذكر أنه عندما صدر كتابي "الصراع الآيديولوجي في العلاقات الدولية" في العام 1985، ولقي إقبالاً واستحساناً، على الرغم من منعه في عدد من الدول الخليجية في حينها، علّق أحد الإداريين أنه " ترجمة" وليس تأليفاً، ونسي أن الترجمة علم بذاته، ولست بقادر عليه، ولم أزعم أنني مترجم، حتى عندما ترجمت كرّاساً (أعددته مع مقدمة) ونشرته على خمس حلقات في مجلة الهدف الفلسطينية بعنوان " مذكرات صهيوني" أشرت بهذه المناسبة إلاّ أنني لم أقم بترجمته حرفياً، بل بإعداده، وقد صدر لاحقاً بكرّاس عن دار الصمود العربي في بيروت.
ولأن الموضوع كان مثيراً بالنسبة لي، فبذلت جهداً لإطلاع القارئ العربي عليه، وهو بالأساس أربع حلقات نشرت في صحيفة " المنبر" التشيكية في السبعينيات، وتتحدث عن علاقة الصهيونية بالنازية والتنسيق بينهما عن طريق إيغون ردليخ أحد قيادي المنظمة الصهيونية ماكابي هاكير، حتى وإن كان في السجن وقد أعدم في وقت لاحق، لكن مذكراته عُثر عليها في سقف أحد البيوت الحجرية في مدينة غودوالدوف بعد 23 سنة على إعدامه، ونشرت بعد حين.