المحرر موضوع: في عيد الطبيعة قال لي أحد الطيور أنتم منافقون  (زيارة 942 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
في عيد الطبيعة قال لي أحد الطيور أنتم منافقون

شمعون كوسا
 
 بينما كنت نائما هذا الصباح ، سمعت احدى محطات الراديو ، تذيع بان اليوم هو عيد الطبيعة ، استغربتُ للنبأ لانه لم يسبق لي وان سمعت  بمثل هذا العيد . كان هذا في اليوم الثاني والعشرين من شهر حزيران . نهضت مستبشراً ، لاسّيماً حين ابصرت الشمس وقد نفذت بأشعتها الى كل بقعة  دون عائق ،   كانت السماء صافية زرقاء ، والجو لطيف،  والنسيم يمرّ بهدوء مداعبا وجه كل من هبّ للقائه .  كان هذا العيد سببا اضافيا يدعوني الى الخروج من جديد.
يمّمتُ شطر النهر وكنت أمشي الهوينى لكي اخصّ كلَّ ما تقع عليه انظاري بتمنيات العيد ، فكنت أتمتم للأعشاب كل عام وانتم بخير ، وللأشجار والازهار أيامكم سعيدة ، وللنباتات والطيور كل سنة وانتم سالمون ، وللشمس والغيوم  البيضاء  عيدكم مبارك . توقفت عدة مرات عند النهر لأطيل النظر الى مياهه التي كانت تنساب  بنعومة ، أرحّبُ بالمجرىً العالي هنا واودّع المجرى السفلي هناك ،  لان ماء النهر جارٍ وهو دائم التجدّد ، فما نراه يجري أمامنا  ذاهب دون عودة  .
رأيت بعض إشارات مرسومة على الارض تدعو السائر للتوجّه نحو موقع الاحتفال . تابعت المسير بهدوء ملتفتا ذات اليمين وذات اليسار لكي لا يفوتني شئ ممّا تبرّجت به الطبيعة  ، ولا أحرُمَ سمعي  من الحان ونغمات وتراتيل كانت تتناوب العصافير بشتى انواعها على أدائها .
أفضى بي السير البطيء الى الموقع الجميل المخصص لاستقبال المهنئين ، فوجدت نفسي عند عتبة مجلس يضمّ عددا من الطيور وبعض الحيوانات الاليفة.
استقبلني طائر غريب الشكل ، لم اصادف شبيها له قبل ذلك ، وكأنّه كان قد استُقدِم خصيصا  لهذه المناسبة ! بحركة من جناحه الايمن  قادني الى صخرة مخصصة للجلوس  ، كان يتقدمني مقلّداً سير مدير تشريفات مخضرم . جلست مبتسما لكل حيوان وشجرة وطير ونبات وقلت لهم بصوت جهوري : كل عام وانتم بخير ، واذا بنفس الطير الذي استقبلني يردّ عليّ بالعربية : وانتم بخير أيضاً . لم استغرب كثيرا للأمر لأني في مناسبة سابقة  كنت قد اجريت حوارا مع وفد من الطيور وكان أحد الطيور يتولّى الترجمة، وأغلب الظنّ كان الغراب ، لانه يُقال بان الغراب هو من احذق الطيور. 
استفسرت عن احوالهم قائلا : أرجو أن تكونوا كلّكم بخير.
اجاب العصفور المسؤول وقال :  نحن بخير وسعادة ونشكرك على اهتمامك . اننا بخير لأننا نسير وفق ما  رسمته  لنا الطبيعة ولا نحيد قيد انملة عن مسارنا . ننقاد للمواسم وننصاع  لأوامر الامطار  والرياح ، وفي وجودنا نحن مدينون للشمس واشعتها  . كل طير يشدو ، وكل حيوان يسير ، وكل نبات ينمو وفق قوانين الطبيعة   دون الحاجة الى تحريض أو إرشاد أو تأنيب . هذه حي حالتنا ، والان اسألك بدوري : ما هي احوالكم انتم ؟
قلت له : لا اعرف ماذا اقول لكم ، ان احوالنا هي بين بين . لقد حبانا الله بعقل وكان يفترض ان نعيش بسعادة دائمة ولكننا نستخدمه في اغلب الاحيان لتعقيد حياتنا ، لتعكير صفو عيشنا وعيش الاخرين . لنا قوانين ، والأهم من ذلك لنا ضمير يهدينا الى ما تضعه القوانين ويسمو عليها ، ولكننا نفضّل تجاهل كل هذا لنهبط بمستوانا ، ونعمل فقط  بما يخدم مصلحتنا دون تروٍّ أو تفكير .
قال لي : اننا نسمع بمشاكلكم لاسيما في هذه الايام . لنا طائر زميل قد تعمّق بدراسة علومكم وتبحّر حتى في شعيرات اديانكم جميعا . اننا نستغرب لما يرويه لنا عنكم زميلنا . إنّ ما بحوزتكم كان يجب ان يهديَكم الى طريق الحق والعيش بسلام . الا تدعوكم شرائعكم كلها الى فعل الخير ؟ لماذا تقرّون بشئ وتفعلون عكسه، ألا ترى انكم متناقضون قبل ان تكونوا منافقين؟!! 
اجبته : ان كلامك ثقيل جدا ، انه مباغت ومباشر ، غير انه  والحق يقال ، ينطوي على الكثير من الواقع . لقد بحث الكثيرون من الكتّاب والحكماء والفلاسفة والاكاديميون ومنذ القدم موضوع تصرفات الناس واخلاقهم ،انا ايضا بدوري اتناول بقلم خجول بعض جوانب هذا الواقع ، غير اني لا ألقى إلا الاستخفاف . بتُّ أخشى الخوض في هذا المضمار ،  والتطرق لما يدور حوله ، لان كلمة الحق أضحت مفردة دخيلة ومستهجنة !!
قال لي الطائر: نحن حريصون على سلامتك،  ولأجله ندعوك لالتزام الصمت ، ودعنا نتبنّى نحن إبراز الحقيقة التي رواها لنا زميلنا العلاّمة . إن  الخلاصة التي توصّلنا اليها بعد مقارنة ما قاله لنا وما تقومون به انتم في حياتكم الواقعية تجعلنا نقول : لقد سخّرتم حتى الدين والله لأطماعكم ، ألا ترى بانكم منافقون ؟ 
واضاف أيضاً ، أودّ أن أطرح عليك سؤالا في غاية الاهمية : هل تؤمنون بان خالقكم واحد ، وبأن شرائعكم تدعوكم جميعا لفعل الخير ومحبة الغير ؟
قلت له : باعتقادي ان المبدأ مشترك ، لا جدال فيه ولا خلاف عليه .
قال لي :  لماذا إذن هذه التسميات والمذاهب والطوائف والاقسام والانشقاقات والانقسامات والعناوين المتجددة التي تدعو كلها الى مزيد من الفرقة والتباعد والانشقاق؟ تتحرك شفاهكم  لتصرح بصوت عالٍ : نحن متفقون ، ولكنكم ،عندما تأزف ساعة الحقّ حول هذا المبدأ المشترك ، تنزوون كلّ في ناحيته بحساسية غريبة واستعداد للغضب والتجافي والحقد والخصام والعداء وحتى القتال ، بالأيدي والسلاح الابيض والسلاح الناري وقد يصل بكم الامر يوما ال إشراك النووي في اختلافاتكم . لم يعد لأحدٍ الاستعداد للتخلي عن عاداته ورغباته الخاصة ، وبهذا تبدون وكأنّ لكل فصيل إلهَه الخاص جدا ، يختلف عمّا للأخرين ،  أليس كذلك ،  ألا ترى فعلا بانكم منافقون ؟ 
التزمت الصمت وخفضت عيوني كالشخص الذي  ضُبط  بجرمٍ ليس بمقدوره التنصل منه ، وقلت في سرّي ، ما الذي أتى بي الى هنا !!
وختم الطائر الفقيه ملاحظاته قائلا : انا اعتذر لكلامي القاسي ، ولكننا لا نعرف المجاملة فالحقيقة بنظر الطبيعة يجب ان يُعلن عنها  . ودعني  اردد مرّة أخرى بان تصرفاتكم لا تدع لنا أي مجال آخر الا القول بأن أنانيتكم هي التي تمنعكم من الاقرار بالحقيقة المشتركة بينكم ، وكيف تريدنا أن نصفكم،  والحالة هذه،  بغير الكذابين والمنافقين ، وارجو ألاّ تغضب من الحقيقة .
لم أشأ ان يستمر هذا التجريح الساخن والصادق ، وقمت مكررا تمنياتي الحارة بهذا العيد، وقبل ان اغادر طلبت من الطير اللاهوتي ان يوقع على اقواله خشية ان تُنسب إليّ ، ويُنقل الحديث النابي هذا عن فمي ، وإن كنت مؤيدا لجزء كبير منه . تركتُ المجلس وكلام الطير الفيلسوف يدوّي في آذاني : انكم فعلا منافقون .