المحرر موضوع: ما هو مستقبل الحياة النفسية للأنسان  (زيارة 665 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عادل فرج القس يونان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 473
    • مشاهدة الملف الشخصي
ما هو مستقبل  الحياة النفسية للأنسان

من الواضح ان الانسان المعاصر يسير في غمرة ثورة من العلم ، وهو في نفس الوقت صانع هذه الثورة ومسيرها وليس هنالك ادنى شك في ان الثورة العلمية قد رفعت الكثير من المعاناة التي لاضرورة لها في حياته ،وقد انعكس ذلك بالتخفيف الى حد كبير من وطأة المعانات العقلية والنفسية بالتقليل من اسبابها احيانا وبعلاجها وتأهيل اصحابها احيانا اخرى . غير ان التقدم العلمي قد احدث في حياة الانسان تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية بعيدة المدى ( كان لابد من حدوثها بسبب التقدم العلمي) والكثير من هذه التحولات ادت الى التغيير في علاقة الفرد مع محيطه كما ادت لدى الكثيرين من الناس الى قيام لديهم شعور الغربة عن المحيط وعن النفس المألوفة ومع ان مثل هذه النتائج هو امر متوقع لأي حالة من التغيير وان بالأمكان التغلب عليه واحتواء اثاره ، الا ان الظواهر تدلل على ان عمليات التغرب النفسي في المجتمعات المتقدمة والآخذة بالتطور هي اسرع وأعم وأعمق من عمليات التطبع والاحتواء التي يعيشها الانسان وقد كان من شأن ذلك ان يزيد من الارهاق في حياته وان يعرضه بشكل اوسع للوقوع في مختلف الاضطرابات النفسية والسلوكية ( لاسيما بالنسبة الى المهاجرين) .) واذا كان هناك من يجادل في ان حدة هذه الامراض وانتشارها هي في مجملها اقل مما مضى فأني اجد بان هذا الجدل أكيد يغفل الواقع بان معظم اضطراباتهم النفسية والسلوكية قد تسترت عن الظهور المباشر بوسائل متعددة منها اللجوء الى تبليد الاحاسيس بالادمان والتعود على الكحول والادوية والعقاقير ، ومنها الانصراف الى الاستهلاك بشتى انواعه وعدم الاستقرار في السكن او العمل وتخدير الفكر عن طريق الاستسلام للترفيه الثقافي بوسائل البث والاعلام المختلفة .. ولنا ان نرى لذلك بان واقع الانسان النفسي لابد ان يكون مرعبا لو حدث وتوقفت فجأة جميع هذه الوسائل التعويضية السائرة لمعاناته النفسية ، وقد لايحدث مثل ذلك في القريب العاجل ، غير ان الذي هو حادث الان هو ازدياد الحاجة الى جميع هذه الوسائل التي تعين الفرد على تحمل وضعه الحياتي ، وبتزايد هذه الحاجة فان الانسان سيسعى بالضرورة للتوصل الى وسائل اكثر فعالية لتجنيبه هذه المعاناة ، وقد يفعل ذلك باي ثمن حتى ولو جاء على حساب انسانيته ، وقد يكون في اتجاه العلم نحو اكتشاف آفاق جديدة من التقنية ما يسهل عليه اللجوء الى استعمال ما ليس في صالحة . وما يخرج عن سيطرته من اجل التخفيف عن معاناته (وهذا هو الامر الذي يجلب الخشية والحذر في اذهان الكثيرين من العلماء والمفكرين )
ان الانسان في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين وبالرغم مما يتمتع به من علم ومعرفة واخلاقية لم يتمتع بها من قبل في تاريخه الطويل . فأنه يقف مع ذلك على (عتبة ) عالم جديد يجفل من عبوره ، فملامح هذا العالم الجديد غير واضحة وهي تعطيه الشعور بالغموض ، وتعطيه فوق ذلك شعورا بعدم الوثوق ، وهكذا فقد توجب علينا بالضرورة ان نتعايش مع مثل هذا العالم الجديد الغامض وغير الموثوق وقد نجد في هذا التأمل (مناقضة ) لما جاء به العالم دارون في كتابه { الانسان في المليون سنة القادمة } وفي عنوان الكتاب ما يدلل على وضوح الرؤيا عن مستقبل الانسان لمليون سنة قادمة وقد اورد دارون الرأي ان الانسان لاسيد له ولن يكون له مثل هذا السيد على الارض ، وقد لانجادل في هذا الرأي ، فقد لايكون للأنسان في المستقبل سيدا غير الانسان غير ان الخطر ان يكون عبدا لنفسه اكثر مما يكون سيد لها .وهذا هو ما يبدو لنا في ملامح المستقبل وقد يكون في ذلك مجرد تحذير اقتضته ضرورات البقاء للانسان ، وما ينذره ، ولو بدون تأمل واع ، على ضرورة التوصل الى معادلة افضل تضمن له الطمأنينة والانفراج النفسي في تعامله مع نفسه ومع محيطه في آن واحد . ومن الواضح ان الانسان في هذا العصر الذي نعيش فيه ، بما امتلأ به من عوامل ومتغيرات ، لايستطيع اقامة مثل هذه المعادلة بمفرده
وبانه سيكون اكثر عجزا عن اقامة ذلك في مستقبل اكثر وفرة وامتلاء بهذه العوامل والمتغيرات وهو لذلك مجبر الى ذلك عن طريق تخليه عن جزء كبير ، وربما هام ، من فرديته الذاتية ، وهذا يعني بالضرورة الاتجاه نحو الانضواء الجماعي لضمان قيام مثل هذا التعادل وقد لايكون في مثل هذا الاتجاه ما يمكن اعتباره تحولا جديدا في حياة الانسان ، فهو نمط الحياة منذ بداية الانسان ، وهنا اعبر عن قول مأثور (( بأن الذي يدفع الناس بعضهم الى بعض بعاطفة الحب ،ما هو الا خوفهم من الاذى )) ولنا لذلك ان نجد في مثل هذا الخوف ما يدفع بالناس بعضهم الى بعض في انضواء اجتماعي اكثر وثوقا في مستقبل ينذر باذى اعظم للانسان من اي وقت مضى ، وقد يحدث ذلك ، غير ان ما يخشى من المستقبل هو ان يفقد الانسان من فرديته اكثر بكثير مما يستقيم مع انسانيته ، وقد يؤول الى الحد الذي يخلو فيه من اي قابلية على الاندفاع بعاطفة الحب نحو الغير حتى تحت وطأة الخوف من الاذى ،وفي هذا الاحتمال يكمن في اعتقادي مستقبل الحياة النفسية للأنسان
عادل فرج القس يونان
20 حزيران 2015