هل يمكن المحافظة علي إستقلالية كنيسة المشرق في ظل الشركة التامة مع الكنيسة الرومانية
تكاثرت في الآونة الاخيرة المقالات والردود التي خاضت في شكل وفحوى المبادرة التى أطلقها غبطة البطريرك مار لويس ساكو لوحدة فروع كنيسة المشرق ( الكلدانية والقديمة والآشورية) والتي اشترط فيها شركة الإيمان والوحدة مع كرسي روما باعتباره قاعدة أساسية وجوهرية للوحدة . وهذا الكم من الحوار ان دل على شيء فانه يدل على أهمية هذا الموضوع للكثيرين منا رغم الاختلاف في الاّراء. وما لمسته من قراءتي لما جاء به المتحاورون هو الوقوف مع او بالضد من المبادرة ولأسباب ذاتية وموضوعية شتى ولكن ما لفت نظري هو عدم المامنا بما تعنيه هذه "الشركة" وحتى ان البعض يرى انها مسالة يمكن التفاوض عليها ولكن في حقيقة الامر فهي محددة في اطر الوثائق الكنسية للكرسي الروماني كمرسوم مسكوني ( decree of ecumenism).
ولأجل ان نستوعب الية "الشركة" مع كرسي روما علينا ان نتعرف على مفهوم الشركة من وجهة نظر هذه الكنيسة لان هناك بعض الفروق بين الكنائس فيما يخص تعريف هذه الكلمة. كنيسة روما تحدد لنفسها نوعين أساسيين للشركة ( communion ) مع الكنائس الاخرى. النوع الاول منها يسمى الشركة التامة (full communion) وتعني الاتحاد الكامل مع كنيسة روما من حيث المعتقد والأسرار الكنسية والخضوع الرعوي لسلطة اسقف روما (بابا الڤاتيكان ) باعتباره ، وحسب العقيدة الرومانية، رأس الكنيسة المطلق في العالم لانه خليفة بطرس الرسول. اما النوع الثاني من الشركة فهو الجزئي (partial communion) والذي تعرفه كنيسة روما بانه رابطتها مع المسيحيين من اتباع الكنائس الأخرى الذين نالوا المعمودية الحقة ولكنهم لا يؤمنون بكل عقائد كنيسة روما او لا يخضعون لسلطة اسقفها. وطبعا هناك تفاصيل اخرى تحدد كيف تتعامل الكنيسة الرومانية مع الداخلين في الشركة الجزئية معها. وكأمثلة على النوع الاول اي الشركة التامة مع الڤاتيكان هي الكنيسة المارونية والكنيسة الكلدانية اما النوع الجزئي للشراكة فخير مثال عليه هو الكنائس الأرثودوكسية.
وبناء على التوضيح في الفقرة السابقة فان ابقاء الشركة الحالية مع الڤاتيكان بعد قيام الوحدة بين فروع كنيسة المشرق الثلاثة سيعني بالضرورة الخضوع لعقائد كنيسة روما لان شركة الكنيسة الكلدانية مع الڤاتيكان هي من النوع التام. وبضمن ذلك يدخل الخضوع لسلطة بابا الڤاتيكان. هذه السلطة قد حددت بعقيدة صدارة اسقف روما( doctrine of papal primacy) بدون لَبْس في القانون الكنسي (cannon law). ومن وجهة نظر كنيسة روما ، هذه الصدارة هي كاملة و فوقية وعالمية (full supreme and universal ) على الكنيسة برمتها. طبعا هذا المفهوم كان احد الأسباب الرئيسية لانفصال الكنائس الأرثودوكسية التي تنظر الى اسقف روما(بابا الڤاتيكان) على انه أول بين المتساوين (first among equals) من البطاركة فقط ولكن من دون سلطات فعلية اعلى. وتاريخيا فهذا كان حال العلاقة بين بطاركة الكنيسة (في روما والقسطنطينية والإسكندرية وأنطاكيا وأورشليم وساليق قطيسفون) في القرون الاولى قبل حدوث الانقسامات. ولكن بتوالي القرون وبزيادة سلطة البابوات اتخذت العلاقة منحى فوقي وهذا ما أدى الى المزيد من التشرذم.
وفي ضوء هذه المعلومات السؤال المطروح الان هو هل ستلقى مبادرة غبطة البطريرك لويس ساكو قبولاً من كنيسة المشرق الآشورية والمشرق القديمة او هل هي ممكنة التحقيق ؟ طبعا ليس بوسعي الرد على هذا السؤال لان هذا الامر متروك لسينودس الكنيستين. ولكني هنا سأعبر عن فهمي للموضوع لا اكثر. ان الدخول في اي شركة مع اي كنيسة اخرى يجب ان يحفظ لكنيسة المشرق عقائدها الأصلية بدون اي تغيير حتى وَلَو لفظياً. كذلك فان العلاقة بين بطريرك كنيسة المشرق بأسقف روما يجب ان تكون علاقة تكافؤ بدون تسلط او تسلسل فوقي. ولكن اذا اخذنا في الاعتبار ما ذكرناه أعلاه عن مفهوم كنيسة روما الحالية للشركة بشكليها فاني لا اعتقد ان هذا النوع الذي اعبر عنه من الارتباط سيكون اكثر من نوع الشركة الجزئية. وعليه فان الإبقاء على علاقة الشركة التامة القائمة حاليا بين الكنيسة الكلدانية والڤاتيكان كشرط لوحدة كنيسة المشرق غير ممكن اذا أردنا في نفس الوقت المحافظة على أصالة وروح كنيسة المشرق واستقلالية بطريركيتها التامة قولاً وفعلاً بعد تحقيق الوحدة.
وبعد كل ما قلته هل هذا يعني القطيعة ؟ كلا طبعاً بل على العكس فان ما يجب عمله الان هو بذل المزيد من الجهود لخلق اكبر قدر من التقارب والتعاون والتكامل بين فروع كنيسة المشرق وفتح قنوات اخرى للتفاهم مع شتى الكنائس في العالم وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة فالوحدة تتأتى من الأشتراك في الإيمان بالمسيح.
http://www.vatican.va/archive/hist_councils/ii_vatican_council/documents/vat-ii_decree_19641121_unitatis-redintegratio_en.htmlhttps://en.m.wikipedia.org/wiki/Full_communionhttps://en.m.wikipedia.org/wiki/Eastern_Orthodox_opposition_to_papal_supremacy