اتْرُكْ أَرْضَكَ وَعَشِيرَتَكَ
عزمي البير
وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اتْرُكْ أَرْضَكَ وَعَشِيرَتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ وَاذْهَبْ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيك ، فَأَجْعَلَ مِنْكَ أمة كَبِيرَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً لِكَثِيرِينَ ، وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ وَأَلْعَنُ لاعِنِيكَ، وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ .
هذا النص الكتابي من سفر التكوين 12: 1-3 في هذا النص يهوى يدعو ابرام الى الهجرة (الرحيل) من اور الكلدانية الى ارض مجهولة ، موعودٌ بها ؟
كنت طالبا في معهد التثقيف المسيحي لكلية بابل للفلسفة والاهوت وكان مدرس مادة الكتاب المقدس انذاك الاب كوب المخلصي احد خمسة علماء في لاهوت الكتاب المقدس في العالم ، بلجيكي الجنسية ويعمل منذ خمسون عام في العراق ، طرحت عليه سؤالا بهذا الخصوص ؟ لماذا ترك ابرام ارضه وعشيرته ؟ لو كنا مكان ابرام وترأى لنا الله وباي وسيلة من وسائله ان كانت عن طريق اشخاص او الحلم ..الخ ، وطلب منا ترك مدينتنا او بيوتنا او وطننا هل سنترك ؟ اكيد لا ، فكيف ترك ابرام ارضه وعشيرته ؟ فاجاب الاب كوب انه الموت ! لو نتفحص النصوص التي تسبق هذا النص نلاحظ ان يهوى يعطي ميثاقا لنوح بعدم هلاك البشر ثانية ولكن بعد هذا الميثاق الذي قطعه يهوى اصبح موت في النص الذي يسبق دعوة ابرام .
عزيزي القارئ: لا اريد ان اخوض في الدراسة الكتابية ولكن هذا الحدث استذكرته خلال اليومين الماضيين بمناسبة مرور عام على ماساة شعبنا في الموصل وسهل نينوى لما تعرض له من تهجير قسري واستهداف مباشر وسلب جميع الاموال والمقتنيات والدور وقيام تلك العصابات الارهابية (الداعشية) ، وبسبب تلك الاعمال افترش شعبنا الساحات العامة وهياكل البنايات الغير منجزة وارصفة الشوارع وقرر القسم الاخر الهجرة باحثا عن وطن اخر يتوفر فيه عنصر الامان لياسس حياة جديدة له ولعائلته واحفاده من بعده ، حيث توزعت الاف العوائل بين دول الجوار طالبين منحهم حق اللجوء من المفوضية السامية لشؤون الاجئين ، لو نرجع الى ما بعد عام 2003 اي بعد سقوط النظام الصدامي نلاحظ ان عمليات الاستهداف التي طالت الاقليات الدينية منذ ذلك الوقت وخصوصا شعبنا المسيحي وراح ضحية هذه الاعمال العديد من الاشخاص واباء الكنيسة واختطافهم وتفجير الكنائس والاديرة وابرز تلك الاعمال هي حادثة كنيسة سيدة النجاة وسط العاصمة بغداد والتي راح ضحيتها ثمانية وخمسون مسيحيا ومن ضمنهم اثنين من الاباء ولا تزال عمليات الاستهداف الى يومنا هذا ، كل هذه الاعمال الا تعكس لنا ان هناك عمليات منظمة لتفريغ وطننا من هذه المكونات او الاقليات الصغيرة او استخدامهم كوسائل ضغط على العملية السياسية ، وبالمقابل تتصاعد دعواة من قبل المراجع الكنسية بعدم ترك الوطن والبقاء والتمسك بالارض ، وتعمل تلك المراجع بالضد من هذه العوائل التي فضلت الهجرة باحثة عن ملاذ امن لها او الالتحاق ببقية عوائلهم وابنائهم في المهجر هربا من بطش الارهاب والعصابات الاجرامية ، من جانب اخر تفاجئة تلك العائلات العالقة في دول الجوار بتوقف البرامج التي تمنح اللجوء ، وايضا جميع البرامج الداعمة لها ، واصبحت بين مطرقة الاعودة وسندان توقف برامج المفوضية السامية لشؤون الاجئين ، فهي تائهة ولايعرفون مايفعلون حيث لا عمل ولا اي مصدر للعيش ولا دخل يساعدهم للحصول على متطلبات المعيشة ، اما المساعدات الانسانية التي تطلقها بعض المنظمات الانسانية فهي بائسة جدا ، وهناك بعض الجهات لا اود ذكرها تصطاد بالماء العكر لاستقطاب عوائلنا وتحاول تسميم افكارهم لتركهم مذهبهم بمقابل حفنة من الرز والمواد الغذائية والقليل من الاموال .
بالامس اقامت كنيسة الاتين في الاردن ومنظمة كاريتاس الاردن صلاة مسكونية بمناسبة مرور عام على احداث الموصل ، وشارك في هذه الصلاة المئات من المسيحيين وحضر تلك الصلاة العديد من الاساقفة الاجلاء والاباء الافاضل والمسؤولين وكان على رأسهم سيادة المطران نونسيو غالانتينو السكرتير العام لمجلس اساقفة ايطاليا ممثلا عن الحبر الاعظم البابا فرنسيس وغبطة ابينا البطريرك مار لويس الاول روفائيل ساكو السامي الوقار ، اسبشرت العوائل كثيرا لهذا اللقاء ، على امل ان تتلقى بشرى فرج قريب لمحنتهم ، ولكن جائت كلمة غبطته صاعقة على رؤسهم بسبب خلوها من اي بصيص امل ، حيث كانت كلمة تقليدية استعرض فيها معانات شعبنا والاحداث التي مر بها وبعض المقترحات لمواجهة الارهاب والاصلاح السياسي لحل ازمة شعبنا والعودة الى دورهم ومدنهم ، هنا اوجه سؤالا هل هناك ثقة بين المواطن وتلك الحكومة في مواجهة الارهاب او توفير الامن والامان ؟ لايمكن فان الثقة مفقودة ولايمكن ان يثق المواطن بتلك الحكومات بتاتا ، استغل بعض الشباب هذا التجمع والتواجد الاعلامي الكثيف وتقدموا رافعين لافتات مناشدة تناشد غبطته بمساندته لابنائه والوقوف جنبهم ودعمهم بالضغط والمناشدة للمفوضية السامية لشؤون الاجئين لانتشالهم من الحالة المزرية التي تمر بها عائلاتنا الكريمة من خلال صفة الابوة والواجب الملقى على عاتقه ولكن ومع الاسف لم يحرك ساكنا ولم يكن له اي رد فعل تجاههم بل وعلى العكس جاء رد فعل سلبي من القائمين على هذا التجمع بسحبهم الى الخارج ، والاعتى من ذلك هو رد فعل احد اساقفتنا الاجلاء بتلويح بيده كي يمضوا بعيدا امام مرئى الجميع ، اريد ان اعبر عن حاله ، هذا الشعب هم ابناء لك ياسيدي صاحب الغبطة وانت اب لهم فلك حق الابوة وهم استجابوا لهذا الحق عندما دعوتهم وسمعوك الى الاخير ، ولهم حق عليك البنوة لخلاصهم من خلالك فانت الراعي وانت المسؤول عن القطيع بعد ان فقدوا ثقتهم بالدولة ورجالها الفاسدين ، فلم يبقى لهم خيار سواك ابا وراعيا ومسؤلا امام الله والتاريخ وعليك تضميد جراحهم بحنان ابوتك من جراحات داعش بعد ان فقدوا كل شيء،اعيد لهم البسمة والامل وعوضهم عن ما خسروه بسبب كونهم( ن ).