المحرر موضوع: مقالاات عن " أغصان الكرمة، المسيحيون العرب" لعبدالحسين  (زيارة 1148 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
على هامش صدور كتاب "أغصان الكرمة : المسيحيون العرب"
الغدر بالإنسان وتشويه الثقافات
عنكاوا دوت كوم / صحيفة الخليج (الاماراتية) د. عصام نعمان
يرى كثيرون على امتداد عالم العرب أن الأقليات، ولا سيما المسيحية منها، عرضة لحملة اضطهاد وتنكيل وتقتيل وتهجير. هذه، للأسف، حقيقة راهنة. لكن ثمة حقيقة أخرى لا تقل راهنية عنها هي أن الأكثريات، بمختلف تلاوينها، تتعرض أيضاً للاضطهاد والتنكيل والتقتيل والتهجير، وأخطرها جميعاً الغدر بالإنسان وتشويه الثقافات.
في كتابه الأخير، «أغصان الكرمة: المسيحيون العرب»، يتصدّى الدكتور عبد الحسين شعبان بعقل وعلم ومعرفة وجسارة لكشف أخطاء شائعة واستكمال معلومات مبتورة والتنبيه إلى تحدّيات خطرة ماثلة. ذلك كله يفعله شعبان إيماناً منه بالإنسان بما هو «مقياس كل شيء»، على حد تعبير الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس، والتزاماً بحقوق الإنسان بما هي شرعة الأمم ودستورها المعاصر.
لا يرتاح شعبان إلى مصطلح «الأقليات» رغم أنه مستخدم من جانب الأمم المتحدة، خصوصاً ب«اعلان حقوق الأقليات» الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18-12-1992، أو «إعلان حقوق الشعوب الأصلية» الصادر عن المرجعية نفسها في 13-9-2002. يفضّل عليه مصطلح «المجموعات الثقافية» الذي ينطوي على تعددية دينية أو إثنية أو لغوية، ويجده أقرب إلى مبادىء المساواة والتكافؤ وعدم التمييز في إطار الحقوق المتساوية، ولاسيما حقوق المواطنة. فمفهوم «الأقلية» و«الأكثرية» يحمل، في رأيه، معنى التسيّد من جهة، والخضوع والاستتباع من جهة أخرى، أي اللامساواة، وذلك سيكون انتقاصاً من دين أو قومية أو لغة أو غيرها من المكوّنات بزعم كونها أقلية».
الأقليات هي، إذاً، ثقافات. والثقافات تنطوي على عناصر ومكوّنات متعددة، منها الدين واللغة والإثنية والتقاليد. وقد يكون أحد هذه العناصر فاعلاً في بعض المجتمعات أكثر من غيره، فيصبح موضوعاً جاذباً للانتماء والتماهي، أي يصبح هوية، ومع ذلك يبقى جزءاً من كيان معنوي أكبر وأعم هو الثقافة.
لعلني، في هذا المجال، أذهب إلى أبعد من مقولة شعبان إن الأقلية هي في الواقع ثقافة. أقول إن الثقافة، ثقافة الإنسان الفرد كما ثقافة الجماعة، هي عامل رئيسي في الحياة، وبالتالي في تحديد مصلحة الفرد والجماعة. كارل ماركس يجزم بأن المصلحة، المصلحة المادية خصوصاً، هي العامل الأول المقرر في حياة الإنسان. لكن، كيف يحدد الإنسان مصلحته ويتخذ قرارات في ضوئها؟ ألا يفعل ذلك من خلال ثقافته، أي من خلال مكوّنات ثقافته المتعددة، ومن ضمنها بالتأكيد العامل المادي أو الاقتصادي؟
إلى ذلك، فإن المسيحيين العرب، وربما غيرهم من الأقليات أو الثقافات، ليسوا أقلية. إذا كانوا (وما زالوا) عرباً فهم، إذاً، جزء من الأكثرية الساحقة التي تعتبر نفسها عربية في عالمنا. إذا كانوا (وما زالوا) جزءاً من الثقافة العربية السائدة، فهم إذاً جزء من الأكثرية الساحقة التي تحملها وتمارس معاييرها في عالمنا. وإذا كانوا (وما زالوا) ينتمون كلياً أو جزئياً إلى جماعة سياسية تشكّل في زمان ومكان الأكثرية في المجتمع أو في البلاد، فهم إذاً ليسوا أقلية بالمعنى العددي المتعارف عليه.
يذكّر شعبان الجاهلين والمتجاهلين بأن «المسيحية هي بنت المنطقة العربية وأن الثقافة المسيحية، منذ ألف عام ونيّف، كُتبت بالعربية، والأمر لا يقتصر على فرقة أو مذهب، أو طائفة، بل إن المسيحية بجميع توجهاتها وألوانها اختارت ذلك».
ولأن الحضور بشتى أشكاله وتعبيراته أوزن في ميزان الفعالية من العدد، فقد حرص شعبان على تذكيرنا جميعاً بأن كثرة وازنة من رموزنا وكبارنا وقادتنا وقدواتنا كانت، قديماً، مسيحية. ألم يكن حاتم الطائي، رمز الكرم، مسيحياً؟ ألم يكن كذلك امرؤ القيس والنابغة الذبياني وطرفة بن العبد، وهم أشهر الشعراء القدامى، من المسيحيين؟ ألم يكن كذلك عنترة بن شداد، وهو رمز الشجاعة والفروسية؟ أما في التاريخ المعاصر فإن قائمة الرّواد والقادة والمجددين والمبدعين في شتى ميادين الحياة تفيض بأسماء مسيحية ساطعة: البستانة واليازجيون والشدياق في اللغة، وفرح انطون وشبلي شميّل وأديب اسحق في التجديد والتحديث، وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وخليل مطران والأخطل الصغير في الأدب والشعر، والبابا شنودة والمطران جورج خضر في الفكر والممارسة الدينيين التوحيديين، وأمين الريحاني وأنطون سعادة وميشيل عفلق، وفهد (يوسف سلمان يوسف) وسلامة موسى وجورج حبش ونايف حواتمة وسمير أمين في الدعوة القومية واليسارية والتنظيم الحزبي، والعشرات غيرهم في ميادين العمل العام.
يلاحظ شعبان تعاظم التمييز والاضطهاد والتنكيل والتهجير بحق المسيحيين، وهم أكبر المجموعات الثقافية غير الإسلامية في عالم العرب. فقد أضحوا، بعد موجة ما يسمى الربيع العربي «هدفاً سهلاً للإرهاب وضحايا جاهزين لفرض نمط سياسي وديني واجتماعي معين، في إطار صراع أصولي وطائفي ومذهبي وإثني، وغالباً ما يتم التشكيك في أصولهم ووطنيتهم وولائهم». لماذا؟
يردّ شعبان حملة التمييز والترهيب والتهجير ضد المسيحيين ونتائجها إلى دوافع سبعة:
الأول، دفع المسيحيين إلى الهجرة ما سيؤدي إلى ترسيخ الاعتقاد السائد بتعصب المسلمين وتطرفهم ورفضهم للآخر.
الثاني، تمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمعات وشعوب ظلّت متعايشة على الرغم من نواقص وثغرات وسلبيات تتعلق بالحقوق وبمبدأ المساواة والمواطنة الكاملة.
الثالث، تعزيز الاتجاه القائل بعدم رغبة المسلمين في التعايش مع الغرب المسيحي، الأمر الذي سيضع المسلمين الذين يعيشون في الغرب في دائرة الشك والارتياب.
الرابع، الإيحاء بأن استهداف مسيحيي الشرق دليل آخر على أن المسلمين يعملون على استئصال الأديان الأخرى، ما يخدم ادعاء «إسرائيل» بأن صراعها مع العرب والمسلمين هو صراع ديني تناحري، إقصائي، لأنهم يريدون القضاء على اليهود.
الخامس، استهداف المسيحيين يؤدي إلى انحسار مساحة الديمقراطية وتدني مستوى الحريات العامة والشخصية، الأمر الذي يرسّخ الاعتقاد بأن بيئة كهذه تشجّع على الإرهاب والعنف والاستبداد والإلغاء.
السادس، استهداف المسيحيين في الشرق ودفعهم إلى الهجرة يشكّل استنزافاً لطاقات علمية وفكرية وفنية وأدبية وكفاءات اقتصادية واجتماعية يمتلكها المسيحيون، وفي ذلك خسارة كبرى لشعوب المنطقة وطاقاتها البشرية.
السابع، استهداف المسيحيين في الشرق يؤدي إلى خسارة دعم كبير يقدّمه المسيحيون في الغرب والعالم للعالم العربي والإسلامي، ولاسيما من قبل الفاتيكان والأوساط الكاثوليكية التي تعتبر أرض فلسطين كلها مقدّسة بالنسبة إلى المسيحية.
إن نظرة مدققة إلى الدوافع السبعة المار ذكرها تشير بوضوح إلى أن «إسرائيل» ودوائر صهيونية أو متصهينة في دول الغرب الأطلسي هي التي تقف وراء الحملة الظالمة على المسيحيين العرب. غير أن شعبان يضيف إلى هؤلاء جميعاً عاملين إضافيين. الأول هو الاحتلال الأمريكي للعراق، وتأجيجه «الصراع» السني- الشيعي الذي غذّاه أمراء الطوائف بعد القسمة لمجلس الحكم الانتقالي التي قررها الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر. العامل الثاني صعود قوى الإسلام السلفي المتطرف، وفي مقدمها تنظيم «داعش» وجماعات «القاعدة» وقوى التكفير مهما اختلفت تسمياتها التي تقول «إن على المسيحيين الانصياع إلى قدرهم وعدم المطالبة بالحقوق المتساوية والمواطنة المتكافئة لأنهم «ذمّيون» و«لا ولاية لذمّي»، وإذا أرادوا البقاء في «دار الإسلام» وتأمين حمايتهم، فعليهم إما الأسلمة أو دفع الجزية». ويستنتج شعبان بحق أن هذا «ما تريده «إسرائيل» التي تسعى لتصوير الصراع في المنطقة بوصفه صراعاً دينياً بين المسلمين واليهود، وصراعاً طائفياً بين الشيعة والسنّة، وليس صراعاً بين الصهاينة من جهة والشعب العربي الفلسطيني المهضوم الحقوق من جهة ثانية».
ولا يتوانى شعبان في دحض مقولات ومدعيات الإسلاميين التكفيريين والتأكيد على احترام الإسلام للتنوع والتعددية والخصوصية الثقافية والدينية وتبنّيه لمفهوم «حلف الفضول» الذي كان أبرم في زمن الجاهلية وتعاهد بموجبه فضلاء مكة على ألاّ يدعوا مظلوماً من أهلها أو ممن دخلها من سائر الناس إلاّ ونصروه على ظالمه، وصولاً إلى «الصحيفة» أو «دستور المدينة» في المدينة (يثرب)، وصلح الحديبية الذي كان ضمن حقوق نصارى نجران، إلى «العهدة العمرية» التي ضمن بموجبها الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حقوق نصارى وطوائف القدس على حياتهم وأمنهم وكنائسهم وأموالهم.
كيف يمكن مواجهة هذه الحملة المغرضة على المسيحيين العرب؟ وكيف يمكن تأمين حاجتيهما الأساسيتين، في مفهوم شعبان، وهما التمتع بالمواطنية الكاملة، والمساواة في الحقوق والواجبات؟
يدعو عبد الحسين شعبان، كما غيره من العروبيين الديمقراطيين التقدميين العرب، إلى معالجة الاختلالات الجسيمة في الحياة السياسية العربية التي تمسّ المحكومين جميعاً، مسلمين ومسيحيين، ببناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحرية، والمساواة، والمواطنة، وحكم القانون، وممارسة الخصوصيات الثقافية، والتنمية. وقد ختم ابحاثه باستنتاج لافت وهو «إن الهوية العربية، المتعددة والجامعة، ستكون أشمل وأعم وأكثر انسجاماً وثقة كلما كانت حقوق المجموعات الثقافية، الدينية والإثنية واللغوية والسلالية مؤمّنة ومحترمة، وأغنى بالحقوق والحريات والمساواة».
هكذا يتبّدى عبد الحسين شعبان في كتابه داعية ملتزماً بالحريات وحقوق الإنسان، ومحامياً عنيداً عنها في جميع الظروف والبلدان، ولا سيما في عالم العرب والمسلمين.

صحيفة الخليج (الاماراتية)، السبت 8/8/2015
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية


غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عبد الحسين شعبان* و(أغصان الكرمة)**
المسيحيون العرب – ثقل التاريخ وعبء الجغرافيا
عنكاوا دوت كوم /  العراق تايمز / علي السعدي


تبدو (حكاية )المسيحيين العرب ،كما تراجيديا تعاود الظهور على المسرح ذاته ،كلما خفتت مناسيب الأزمنة وتقلّبت أحوال أمّة ،قيل ذات آية انها كانت (خير أمة أخرجت للناس)
لكن الشواهد في مساراتها اللاحقة ،أشارت الى أنها أمة ولدت في مجالات إشكالية ، ثم بدأت بالانفتاق من مواضع عديدة ،ولم تجد ماترتق  به فتوقها ،لتصبح من ثم جسداً يتآكل من داخله ،أمّة جعلت للعنف فعل القداسة ،والقتل سبيلاً الى جنّة (عرضها السموات والأرض)فضجت السموات وامتلأت الأرض بمقدار ماسال من دماء الضحايا وما تمزق من أشلاء الأبرياء  واحتراق مدن تحت سنابك من وجدوا في قوة الشوكة ما يستوجب الطاعة.
من تلك الحيثيات التي تؤكد قدم وعراقة المسيحيين في بلدانهم العربية – خاصة بلاد الشام وأرض الرافدين- ينطلق الباحث الدكتور عبد الحسين شعبان لطرح الواقع المسيحي في بلدان المشرق العربي ،ذلك الوجود الذي تحمّل عبء ما يمكن تسميته (الإندفاع الأول) للمسلمين الأوائل .
الباحث بمنهجيته الأكاديمية ورصانته المعروفة ،لم يكن يحاول إخفاء تعاطفة مع ما يطرحه كتابه حول المسيحيين العرب (أغصان الكرمة)
فالباحث وبتعدد منافذه الثقافية وانغماسه التاريخي بمتابعة شؤون الإنسان وشجونه في العراق خصوصا والمنطقة عموماً، تعددت مؤلفاته التي تمحورت بمعظمها في جانب الإنسان بل وانحازت اليه بشكل تام ، سواء كان فرداً أو جماعة .
التاريخ بكل اشكالياته ،يتمايز عن ارهاضات الحاضر وايقاعاته المتسارعة التي ما كانت تتيح لمثقف كشعبان ،أن يقف متأملاً ومحللاً لما يجري ،إنه وسط اتون أحداث طاحنة ، يسابق الزمن والحدث معاً ليلتقط كل ما يمكن التقاطه بما يحضره البصر،ومن ثم  وتدوينه بما تستنطقه البصيرة التي لاشك تمتلىء رصدا وتوقعاً بما هو شديد الوطأة على من يحملون هموم الإنسان ،وهم يرون كل تلك الإنتهاكات التي تمارس ضد مجتمعيات ثقافية طالما لعبت دوراً مهماً في أوطانها ،لذا لايستسيغ عبد الحسين شعبان استخدام مصطلح (أقلية) في موضع حديثه عن المسيحيين لما في تلك المفردة من تعسف معنوي وحقوقي وبما يترتب عليها من سلوكيات سياسية وعنفية ضدهم .
لكن هل يأتي كتاب الدكتور شعبان المعنون(أغصان الكرمة) المقتبس من قول للسيد المسيح ، بمثابة بيان احتجاج على مايجري ؟ أم تدوين التفاصيل الحدثية كوثيقة للاجيال ممهورة باليقين ؟؟
المتابعة اللصيقة والدؤوبة للأحداث والإيمان المبدئي بمواقفه وكتاباته ،جعلت الكاتب أشبه بحركة كاميرا شديدة الوضوح تلتقط المشاهد بسرعة فائقة لكن بتركيز مرهف كذلك، فلاتترك مجالاً لأيما اجتهاد قد يبرر لما يحدث ضد المسيحيين من قبل القوى الأرهابية أو أن يجد له أسباباً مخففة ، لذا (تخلى )الباحث جزئيا – وفي هذا الكتاب خصوصاً – عن هدوء الباحث واعتداله ،وبدا كمن يمتشق سيفاً ويدخل الميدان ذائداً بقوة عن مواطنين لا ذنب لهم سوى انهم مختلفون دينياً .
مايلاحظ في كتاب (أغصان الكرمة)ذلك الجهد المبذول في تأليفه، جهد من طبيعة حركية امتازت بحيوية قد يستغرب القاريء ان تصدر عن شخصية قطعت مساحات ليست قليلة في الزمن ،وزرعت حقولاً معرفية في أمكنة كثيرة ،فكان من المتوقع أن يلجأ للراحة بعد عناء ، أي ان يقتصرالإبحار مع الكلمة المتولدة في الذهن وحسب ، لا تلك المشهدية التي تلتقطها الحواس ليفرزها الذهن فتتحول الى فكرة وموقف ، الا ان الباحث لايكتفي بمطالعة كتاب هنا ومقال هناك كي يجمع مادته، بل يستحصلها بنفسه (لوجستياً )إن صح القول ، انه يذهب الى الحدث ليراه عيانا كما بدا عليه الكتاب.
يستخدم  الباحث أدواته المعرفية الخاصة ، يوظفها ببراعة المتمرس ،واسلوبية الأديب المتمكن من لغته، لذا تأتي سياقاته سلسة تبتعد عن التعقيد والمفردات المضخمة ،انه يزيح عن كاهلها كل مايمكن أن يلتصق بها من انتهاكات المعنى الذي يشير الى أكثر من اتجاه ، لذا يلجأ الى استخدام المصطلحات ذات الوضوح حيث لاتقبل الاجتهاد وتوزع التفسيرات ،فهو يريد اظهار موقفه دون قابلية للتأويل (وإذا كان الشعار الكبير الذي واجه الأنظمة السابقة في العالم العربي ،ونعني به انتهاكاتها السافرة والصارخة لحقوق الإنسان--- فإن ماشهدناه في ظل الحكومات التي أعقبتها ،كان انتهاكاً لكامل منظومة حقوق الإنسان الدولية ،سواء للحقوق الجماعية أو الفردية)ص101.
الكاتب يشهر موقفاً مباشراً بمواجهة منتهكي حقوق الإنسان انظمة كانت أم منظمات ،لكنه في الوقت عينه ،يسيطر على كميات الغضب التي يمكن انفلاتها من اللغة ، فيميل الى تهدأتها قليلاً ربما كي يسهل للمقولة أمر القبول (أما التفتيش في العقول والمنازل والكنائس ،فهو أمر يسيء الى الإسلام وصورته السمحاء)ص 199 .
مسار المسيحين عبر الدولة الإسلامية في عصورها المختلفة ،كانت قد تخللته فترات مضطربة قاسية حيناً ،وميسرة حيناً آخر ،وكان ذلك يتعلق بشخص الحاكم ذاته ومدى التزامه بعقد الذمة او رفضه ،لكن في كل عهود الدولة الاسلامية ، لم يتمتع المسيحيون – ولاغيرهم - بأية حقوق سياسية ولا  تساووا مع المسلمين في هذا الجانب ،لذا لم  يحصل أيما مسيحي على ولاية أو وزارة أو منصب له علاقة بصنع القرار ،ومن ثم بقيت مهمة البارزين منهم والمتفوقين ،تقتصر على حضور مجالس الخلفاء كشاعر أو تقديم الخدمات ككاتب في الديوان أو طبيب أو ماشابه .
أما إلزام من يريد البقاء محتفظاً بدينه بدفع الجزية ،فهي تتنافى مع القول باعتراف الاسلام بالاديان الأخرى (تغيير دينهم وقبولهم بالأسلام أو التأسلم،ولانقول الإسلام ،لأن الإسلام يحترم الأديان الأخرى ويعترف بمكانتها)ص120.
ربما مصطلحات من مثل يحترم ويعترف ،بحاجة الى إعادة تعريف لاكتشاف جوهرها الحقيقي ،خاصة في تجربة المسيحيين العرب في التاريخ الإسلامي ،ذلك لأن بعض شواهد النص المقدس (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ) تشير في بعض تفسيراتها، الى انها تقطع على أتباع الديانات الأخرى ، أن يتساووا مع المسلمين في بلاد مسلمة،وبالتالي فأقصى الإحترام انما يقوم على السماح لغير المسلم بالبقاء في بلاد الاسلام شرط دفع الجزية.
كما إن الأعتراف بالمكانة يقتضي المساواة في الحقوق السياسية ،وهو ما انتبه اليه الإمام علي حينما حاول أن يكسر احتكار المسلمين للحكم بقوله ( الناس صنفان ،أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) والنظير المكافيء والجدير بالمكانة والحقوق بما فيها الوصول الى الحاكمية ،هذا مايفهم من مجمل تجربة وأقوال الخليفة الرابع في الإسلام ،حين ربط بين العدل في الإنسان والإيمان بما جاء به الدين خاصة في مسألة الحاكمية (حاكم كافر عادل – خير من حاكم جائر مسلم) .
وربما كانت تلك المقولة هي الإشارة الأولى – والأخيرة- لمعنى المواطنة في دولة الاسلام التي انتشرت وقامت بالسيف ،حسبما يقوله التاريخ عن الفتوحات ،ذلك مايخالف قول الدكتور شعبان ((إن المسلمين استخدموا السيف في بناء الدولة والدفاع عنها وليس في نشر الدعوة الإسلامية )ص135، فالاسلام دين ودولة معا ،ولايمكن تصور قيام حكم اسلامي في بلاد أكثرية سكانها ليسوا مسلمين، لذا حمل الفاتحون عبء مهمتين متلازمتين نشر الدعوة للإسلام ، واقامة دولة الاسلام.
يفتح الكتاب مجالاً للحوار، فقد أراده المؤلف أن يكون كذلك ، لذا ترك المجال رحبا ًللأخذ والرد حول بعض القضايا الفكرية الإشكالية ،خاصة فيما يتعلق بالسلوكيات بين المسلمين ومدى اقترابهم  أو ابتعادهم لما جاء به الدين الاسلامي ، لكن مما يخفت فيه الجدال ،إن الكتاب يمثل اضافة مهمة حول المسيحيين العرب وما باتوا يواجهونه من مصير يزداد قتامة في ظل ابنعاث همجية ارهابية اتخذت من الاسلام دعوة للقتل .
 
 (*) الدكتور عبد الحسين شعبان مفكر وباحث وناشط حقوقي عراقي ،له مايقرب من خمسين مؤلفاً مختلفاً ،يعد من أبرز المفكرين العراقيين والعرب .
** عنوان الكتاب " أغصان الكرمة- المسيحيون العرب"
إصدار مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بيروت/بغداد، 2015.
نشرت في العراق تايمز، 17/8/2015
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عيون وآذان (ثلاثة كتب صادقة في زمن الرياء)


عنكاوا دوت كوم / الحياة / جهاد الخازن
 عندي للقارئ اليوم ثلاثة كتب من أعلى مستوى مهني ممكن.
أبدأ بكتاب بالعربية هو «أغصان الكرمة، المسيحيون العرب» من تأليف الدكتور عبدالحسين شعبان، وهو مفكر عراقي صديق له أيضاً كتاب «المسيحيون ملح العرب». العنوان هذا مأخوذ من قول السيد المسيح لتلاميذه «أنتم ملح الأرض»، وعنوان الكتاب الجديد مأخوذ من قوله لتلاميذه «أنتم أغصان الكرمة».
أجد صعباً أن أفيَ الكاتب والكتاب حقهما في عرض مختصر. فأختار فقرات أرجو أن تفي بالموضوع. وهكذا:
المسيحيون العرب ليسوا أغراباً، بل هم أبناء هذه المنطقة، قبل مجيء الإسلام إليها وبعده، لأنهم في بلادهم وقد اشتركوا مع المسلمين في تاريخها وساهموا بقسط وافر من حضارتها...
لذلك لا يمكن تصوّر موطن السيد المسيح، ومسقط رأسه فلسطين، فضلاً عن العالم العربي، بلا مسيحيين...
إن الضرر الذي يقع على المسيحيين بإجبارهم على الهجرة بعد الاعتداء على مقدساتهم لا يقتصر عليهم فحسب، بل يمتد ليشمل الحضارة العربية - الإسلامية التي اتسمت بالانفتاح والمرونة والتفاعل مع الآخر...
(الكاتب يتحدث عن خمسة أخطاء كبرى في التعامل مع المسيحيين العرب): تجاهل أن غالبيتهم عرب، السعي إلى فصل المسيحيين عن عروبتهم، استصغار دور المسيحيين، عزلهم عن حركة التنوير التي ساهموا فيها، إنكار مساهمتهم في نضال أمتهم وشعوبها.
وهكذا أصبح حرف نون (نصراني) المكتوب في أعلى أبواب المنازل، تهمة بحد ذاتها إذا لم يبرّئ صاحبها نفسه، بالتأسلم أو الجزية أو الرحيل...
أنتقل إلى الكتاب «عن فلسطين» من تأليف نعوم تشومسكي وايلان بابي، وهما لا يحتاجان إلى تعريف، فجهد كل منهما في الدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم يقصر عنه العرب.
بابي يدين في مقدمة الكتاب انتهاك اسرائيل حقوق الإنسان وتأييد الدول الغربية لها، ويقول إن حركة التضامن مع الفلسطينيين فشلت في التركيز على الفكر الصهيوني في نقدها اسرائيل. هو يريد من الحركة تغيير لغتها والعمل لإنهاء استعمار الأراضي المحتلة.
تشومسكي يؤيد حركة مقاطعة وسحب استثمارات وعقوبات، لكنه يقول إنها لم تستعد جيداً للمعركة وواجهت تهم انتهاك الحرية الأكاديمية.
المؤلفان يتفقان على أن مفاوضات السلام كانت خدعة سمحت لاسرائيل باستمرار استعمار الضفة الغربية، وتشومسكي يرى أن الدولة الفلسطينية المقترَحة تعني قيام «كانتونات» فلسطينية ذات حكم ذاتي فقط في الضفة، أما بابي فيقول إن حل الدولتين ليس حلاً لأنه لا يواجه الصهيونية كحركة استعمارية، واسرائيل كدولة عنصرية وابارتهيد.
ثمة إشارات في الكتاب إلى بعض رموز الفلسطينيين مثل إدوارد سعيد ومحمود درويش، إلا أن المؤلفَيْن لا يقدمان أي مفكرين فلسطينيين أو يحاولان مناقشة مواقف هؤلاء.
الكتاب الثالث هو «ضد القرار الأفضل» وهو عنوان أترجمه بتصرف عن الانكليزية لأنه يتوكأ على عبارة مستعملة. المؤلفة اليسون وير من أرقى مستوى فكري وإنساني ممكن، وهي ترأس جمعية «لو عرفت أميركا» لفضح ما ارتُكِب من جرائم بحق الفلسطينيين.
المعلومات موثقة في شكل قاطع، والمؤلفة تقول إن زعماء الولايات المتحدة، من نوع دين اتشسون، عارضوا قيام اسرائيل في أراضي الفلسطينيين لأنه يعرض للخطر مصالح أميركا والغرب في المنطقة. الرئيس هاري ترومان أيّد قيام اسرائيل لأسباب انتخابية اميركية.
كانت هناك جماعات لوبي معلنة تملك المال وميديا معروفة تؤيد قيام اسرائيل، وكانت هناك جماعات ضغط سرية ضمن شخصيات بارزة، مثل اليهودي الأميركي لويس برانديز، عضو المحكمة العليا.
وتشرح كيف خطف الصهيونيون بلادها ودمروا أعظم قيَمها. هم نجحوا رغم محاولات وقفهم، والسيناتور وليام فولبرايت فشل في جعل الجماعات الصهيونية تسجل نفسها بصفة «عملاء» لاسرائيل. هو كتاب مؤلم في صدقه.
الكتب الثلاثة من نوع نادر في صدقها وجرأتها وتوثيقها، وأحض القارئ على طلبها.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية