حاوره: جاني فالنتي (Vatican insider)، ترجمة عن الإيطالية: سامح مدانات
عن موقع ابونا
2015/09/16
"يقوم شعبنا بانتقادنا الآن، فهم يريدون منا أن نُؤمّن لهم رحلات الطيران، والتأشيرات، ومراكز ترحيب بهم في بلدان أخرى، وهذا مستحيل. كما أن الدولة لا تستطيع أن تفعل هذا، وكذلك ليس بإمكان الكنيسة أيضاً أن تفعل هذا"، هذا ما يقوله البطريرك الكلداني لويس رافائيل الأول ساكو، وهو يشعر بالقلق حيال ذلك. ويضيف بأنه غير مقتنع حول عواقب معينة من السياسة الأوروبية الجديدة بخصوص اللاجئين الفارين من سوريا ومناطق الصراع الأخرى. وقد شاركت العديد من الكنائس الشقيقة في أوروبا في تلبية هذه الدعوة. وقد كان حريصاً على مشاطرة الحيرة والقلق مع رعاة الكنائس الشرقية الأخرى.
ما هو رأيكم في تصرفات المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالشرق الأوسط؟ هل تم تحريك أي شيء أخيراً؟
"التقيت يوم الجمعة الماضي في الكاتدرائية الكلدانية، بجميع رؤساء الكنائس في بغداد، جنباً إلى جنب مع عدد من الراهبات والكهنة. وكنا نسأل أنفسنا كيف يمكن أن يحدث هذا الآن بعد أربع سنوات من الحرب في سوريا و12 عاماً من النزاعات والمجازر في العراق. بعد أن سُمح للوضع بالتدهور لفترة طويلة، أنا قلقٌ".
هل تشيرون إلى وضع اللاجئين؟ هل أنتم قلقون حول من يفتح أمامهم الأبواب أو يغلقها؟
"لا يمكن التعامل مع هذا الموضوع بطريقة عاطفية أو سطحية. المطلوب هنا هو التمييز. إن الحلول الدائمة الوحيدة هي تلك التي يمكن تنفيذها على أرض الواقع. هذه الأنواع من الحلول تحتاج إلى الوقت والصبر في تسيير الإجراءات وتوجيهها. ولكن يبدو أن هذا لا يحظى باهتمام قادة الدول والمنظمات الدولية. أنهم يفضلون ترك عواطف الجمهور تؤثر على أعمالهم".
يقترح البعض الترحيب باللاجئين المسيحيين والأقليات الدينية المضطهدة أولاً. هل هذه فكرة حسنة؟
"ينبغي ألا يحدث هذا. فإنه يشكل مشكلة بالنسبة لنا أيضاً. فهذا سوف يشجع أولئك الذين يقولون إنهم يريدون إعطاء مبررات دينية للحرب. وهؤلاء الذين من الجانبين يقولون إن المسيحيين لا يمكنهم البقاء. ويجب على الدول الأوروبية توفير المأوى لأولئك الذين في حاجة إليه فعلياً، بغض النظر عن الدين. ويجب عليهم عدم التصرف على نحو أعمى، مساعدين أولئك الذين وضعوا حياة المسيحيين على خط النار".
إلى ماذا تشيرون بذلك؟
"هناك وكالات وجماعات تساعد المسيحيين على الهروب. فتصبح مهمتهم تسهيل هجرة المسيحيين. إنهم يقومون بتمويلها. إنهم يعملون على تشجيع المسيحيين على مغادرة بلدانهم، وهم يعترفون صراحة بذلك، ويصورونها على أنها شيء لصالح المضطهدين. ولا أعرف ما هي سياستهم إزاء ذلك. ربما عندما تتمكن هذه الدول من إبعاد المسيحيين من طريقها، سوف يكون من السهل أن تعلن حروباً جديدة، وسيكون بإمكانها بيع وتجربة أسلحة جديدة. ويحتاج المرء أن يتفحص هذه الظواهر بدلاً من مجرد الدردشة عنها".
ولكن أيمكن للمرء أن يمنع الأمهات والآباء الذين يريدون إعطاء الأمل لأطفالهم بمستقبل أفضل؟
"نحن لا نمنع أي شخص. سيكون أمراً مجحفاً ومستحيلاً في نفس الوقت. ولكن من الناحية الأخرى، لا يمكننا تشجيعهم على المغادرة. يقوم شعبنا بانتقادنا الآن. يريدون منا أن نُؤمِّنَ لهم رحلات الطيران، والتأشيرات ومراكز ترحيب بهم في بلدان أخرى. هذا مستحيل. والدولة لا تستطيع أن تفعل هذا، كما أنه ليس بإمكان الكنيسة أيضاً أن تفعل هذا. ولا يمكن للمجتمع المسيحي الذي وُلد في هذه الأرض أن يقوم بتنظيم هجرة من شأنها أن تُمهد الطريق إلى انقراضه. يمكننا أن نحترم خيار المغادرة كخيار شخصي ولكن لا يمكننا أن نُحرِّض على ذلك".
إذن يقوم البعض بطلب الكنائس تنظيم هروب جماعي
"هذا يعني أن هناك خطر حقيقي جداً الآن في الشرق الأوسط والعراق وسوريا لفقدان جميع مسيحييها. إن أي إعلان يحرض شعبنا على الهجرة هو غير مسؤول في هذا الوقت. ولا يمكن للمرء أن يتكلم قبل أن يأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل والعواقب المحتملة، وكذلك كيف يمكن تفسير كلماتنا".
يدعي البعض أن المصالح الاقتصادية تكمن وراء الترحيب المفاجئ بالمهاجرين. هل لهذا الأمر حقيقة علاقةٌ بالموضوع؟
"لقد سمعت البعض يقولون إنهم يبحثون عن الشباب، وأنهم لا يريدون كبار السن والمرضى. حكومات اليمين واليسار تتفق في هذا الشأن. وهناك شيء غريب في هذا السياق. وأستطيع أن أجزم بأنه ليس مجرد المشردين من الناس هم الذين يغادرون. يخبرني بعض الكهنة أن هناك أيضاً أناساً بين المغادرين لا يعانون من ضائقة مالية، أفراداً يعملون في البنوك على سبيل المثال. وهم أناس لا يحتاجون حقاً لمغادرة البلاد. إنهم يشعرون بأن نافذة الفرص قد فُتحت وهم يخشون أن تُغلق هذه النافذة قريباً قبل أن يتمكنوا من استغلالها والاستفادة منها. وفي الوقت نفسه، هناك أولئك الذين هم أكثر فقراً ورغم ذلك لا يفكرون في ترك البلاد. الجميع خاسرون. أولئك الذين هم الأقدر يغادرون وهم الوحيدون الذين سيمكنهم إعادة بناء كل ما دُمِّرَ في السنوات الأخيرة. وهذا يؤثر علينا نحن المسيحيين بشكل خاص. كان بإمكان المسيحيين، ذوي العقلية المنفتحة، والإنسانية، القادرين على العيش جنباً إلى جنب مع الآخرين، أن يلعبوا دوراً حاسماً في الأرض التي وُلدوا فيها والتي عاش فيها آباؤهم أيضاً. في نفس الوقت، كان بإمكانهم أيضاً مساعدة المسلمين إخوتهم في المواطنة، لتحرير أنفسهم من الفكر الجهادي الذي يسبب لهم هم أيضاً الكثير من المعاناة. لقد فتحنا الكنائس والمدارس والعيادات والمستشفيات للجميع. هناك شبكة من الهيئات التي فعلت الكثير لتحسين العيش السلمي والحياة الاجتماعية بين المجتمعات، مما يجعل الخدمات متاحة للجميع. ويبدو الآن، كما لو كان كل هذا متجها نحو الاختفاء أيضاً".
لقد كافحتم أنتم وكنيستكم في العام الماضي، ضد ظاهرة هجرة الكهنة والمكرسين الدينين إلى الغرب دون موافقة أساقفتهم
"الكهنة والمكرسين الذين يهربون من منطقة الشرق الأوسط" يصنفون على أنهم’ مهاجري الفخفخة‘ إنهم يستفيدون من وضعهم، واتصالاتهم ودعم الكنيسة في عملية هروبهم، ويقدمون أنفسهم على أنهم أشخاصاً مضطهدين ويستخدمون هذه التسمية لكسب المال في بعض الحالات. وفي بعض الأحيان، يتمكنون من إقامة مشاريع تجارية مربحة ومدنسة باستغلال كلمة الاضطهاد. وقد هرب العديد منهم من الملاذات الآمنة التي لا يوجد فيها اضطهاد ثم قاموا بمساعدة أسَرهم بأكملها على الاستقرار بشكل مريح في أمريكا الشمالية، دون الحصول على إذن من الأسقف، وخانوا روح الراعي الصالح".
ولكن هناك حاجة أيضاً لرعاة للجماعات المسيحية الشرق أوسطية الذين هاجروا إلى الغرب
"لا يجوز للأساقفة الذين يخدمون الجماعات في المهجر أن يقوموا بسرقة كهنة الشرق الأوسط. بل بإمكانهم أن يبحثوا عن كهنة هناك بين جماعاتهم المحلية، التي يدَّعون بأنها مزدهرة. وكوننا انخرطنا في سلك الكهنوت في هذه البلاد، فهذا يعني أننا قدمنا حياتنا للرب، ويجب علينا ألا نبحث عن حياة ترف لعائلاتنا. وقد أعطت هذه الهجرة’ هجرة الفخفخة‘ مثالاً سيئاً لبقية الناس. وكثيراً ما يأخذنا كهنوتنا إلى أماكن حيث الناس يعانون من الصعوبات والبلايا. لكي نكون على مقربة منهم، ونظهر بأنه بإمكاننا أن نعيش فرح الإنجيل المقدس حتى هنا، في هذه الحالة".
كنتم تنددون مؤخراً بسرقة المنازل والأراضي المملوكة للمسيحيين الذين غادروا. وليس فقط في الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من قبل الخلافة
"لم يتم تحرير المناطق المحتلة من قبل’ داعش‘. ربما يناسب هذا الأمر بعض الناس. وفي هذه الأثناء يجري الآن مصادرة منازل وأراضي المسيحيين بشكل غير قانوني في بغداد وكركوك. وهناك خطر من إجراءات تغيير التوازن الديموغرافي بشكل نهائي جار تنفيذها في هذه المناطق. لا بد من تدخل دولي من أجل ضمان واحترام حقوق وممتلكات الذين أجبروا على المغادرة وربما لديهم النية بالعودة يوم ما. ينبغي على الأمم المتحدة التعامل مع هذا".
هل هناك طريقة للخروج من البؤس الذي يجتاح الشرق الأوسط؟
"هذا ما قلت في اجتماع جماعة سانت إيجيديو في تيرانا، وكذلك في باريس: لا يوجد ’كبسة سحرية‘ "تضغط عليها فيجعل كل شيء حسن وجيد في لمحة البصر. وسوف يستغرق التئام هذه الحالة الرهيبة وقتاً طويلاً. إن هزيمة ودحر الفكر الجهادي يتطلب مشاركة السلطات الإسلامية والحكومات العربية. ولكن الدوائر الغربية للسلطة كانت تساند القوات والدول التي طالما تمتع الجهاديون فيها بمزيد من الدعم. والآن، مع وضع اللاجئين المحرج، يناشدون الأحاسيس الإنسانية التي، والحمد لله، لا تزال حية في قلوب كثير من الناس. بينما في الوقت نفسه، يتم إخفاء التواطؤ والحماية وتدفق الأموال والأسلحة التي ما زال يتمتع بها الجهاديون حتى الآن. بدأت الحروب ضد الإرهاب ولصالح الديمقراطية في عام 2003، وكانت النتيجة ولادة الوحش الذي هو’ داعش‘. ومن المؤكد أن هذا يجب أن يعني ويقول لنا الكثير".
رابط الموضوع
http://saint-adday.com/permalink/7886.html