بطريرك الكنيسة الكلدانية يُحاول محو الطقس الكلداني
بقلم : جلال برنوbarnoj56@gmail.com/ Sep.17,2015
قد يشك القاريء الكريم بصدق العنوان أعلاه ، ولكن مع كل الأسف هذهِ حقيقة ، وحقيقة مرة وصدمة رهيبة بالنسبة لِمَن لهُ دراية ولو بسيطة بما أنجزهُ عباقرة كنيسة المشرق من أشعار وميامر والحان خالدة جعلت كنيستنا المشرقية متميزة عن غيرها بسبب جهود أولائك الخالدون في ضمير و وجدان أتباع كنيستنا المشرقية .
لقد جاء في فقرة
مسألة الطقوس الكنسية من المقال المنسوب الى سيادة بطريرك الكنيسة الكلدانية لويس ساكو الجزيل الأحترام والمنشور في موقع البطريركية الكلدانية بعنوان :
"خارطة كنيسة الكلدان اليوم، متطلباتها وتداعياتها" نقتطف منهٌ ما يلي :
" مسألة الطقوس الكنسيةولما كنا بصدد نظرة مجملة لواقع الكنيسة وتحدياتها لا بد لنا من الانتقال الى موضوع آخر يضع ايضا على المحك، خصوصيتنا الكنسية والطقسية.
إن طقوسنا كانت بالسريانية الشرقية وبعضها ترجم الى العربية والى السريانية المحكية ( سورث). أما اليوم فإن الغالبية لا تفهم هذه اللغة، ليس فقط من المؤمنين، لكن لا يملك ناصيتها العديد من الكهنة ممن يمارسون الصلوات الليتورجية باللغة الطقسية الأصلية. المؤمنون بحاجة لا فقط الى ترجمة الطقوس ترجمة حرفية، بل الى التأوين والتجديد لتتلاءم مع ثقافتهم الجديدة وحساسياتهم وواقعهم. فنحن بحاجة الى طقس مفهوم بالعربية والإنكليزية والكوردية والفرنسية والألمانية والفارسية والتركية والهولندية والفلامكنية.... الخ. وهذا ليس سهلا فمعظم طقوسنا تعود الى القرن السابع واعدت لمجتمع زراعي ولا تتماشى مع ثقافة المجتمع الجديد وعقليته وتنوعه. المهم ان نساعد مؤمنينا على الصلاة وليس على أداء طقوس غير مفهومة ولا تشدهم وتغني روحيتهم. الطقوس من اجل الانسان وليس العكس كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم ." انتهى الأقتباس
وهنا أود أن أُلفت أنتباه القاريء الى مسألتين مهمتين
المسألة الأولى : يدعو سيادة البطريرك الى ضرورة ترجمة الطقس الكلداني لأن الغالبية من أبناء الكنيسة لا تفهم اللغة التي كتب بها .... وهذهِ حقيقة واضحة يعلمها الجميع ، ولكن هل الحل يكمن في التخلص منها واستبدالها بلغات أجنبية بحجة أنها غير مفهومة ؟
حسناً هذهِ اللغة الطقسية لم يكن آباءنا يفهمونها فهل أدى عدم فهمها الى ضعف ايمانهم وقلة أو العزوف عن الذهاب الى الكنيسة الكلدانية ؟
لا يا سيدي البطريرك المبجل ، ليس ابتعاد الشعب عن كنيستكَ بسبب عدم فهم المؤمنين لِلغة الطقس الكلداني ... لأن هذا الطقس الذي تحاول الأنتقاص من عظمتهِ قد تم ترجمتهُ الى العربية اللغة المفهومة جيداً من قبل غالبية أتباع الكنيسة الكلدانية منذ عقود خلت ... ورغم ذلكَ نرى أن الأقبال على كنيستكَ ضعيف و في تناقص مستمر لأسباب عديدة ومنها تطور نمط الحياة في العالم بصورة عامة وفي بلدان الأنتشار بصورة خاصة . ولست بصدد سرد أسباب أخرى كالخلافات بين رجال الكنيسة والأنقسامات وانعدام المركزية وضعف هيكلية الكنيسة الكلدانية .
الحل ، أعتقد أننا لسنا بحاجة الى ترجمة طقسنا الثر والرائع الى لغات العالم العديدة لأن التكنولوجيا التي في تطور مستمر ، قد تساهم في حل المشكلة وذلك بترجمة مفردات طقسنا وعرضها على لوحات أو شاشات كبيرة ، وهذا ما تستخدمهُ الكثير من الكنائس حالياً ، وأول مرة شاهدت هذهِ الطريقة لتسهيل ايصال المعاني الى الحضور الذي لا يجيد لغة الطقوس كانت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم ، في النمسا وفي كاتدرئية عريقة يأّمّها السواح من قوميات ينطقون بألسنة مختلفة حيث تظهر الترجمة من الألمانية الى لغات أخرى .
المسألة الثانية : تعليق على ما جاء في مقال سيادة البطريرك ساكو المحترم في نفس الفقرة :
" معظم طقوسنا تعود الى القرن السابع واعدت لمجتمع زراعي ولا تتماشى مع ثقافة المجتمع الجديد وعقليته " انتهى الأقتباس
هل أنك واثق يا سيدنا بأن معظم طقوسنا أُعدت لمجتمع زراعي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع الجديد وعقليته وتنوعه ؟؟؟
اذا كان الأمر كذلك ، هاتو لنا أنتم الحداثيون بأبلغ من ترتيلة " مارن ايشوع ... " ولحناً أعذب من لحن " أمرلي عيتا ... " وشعراً أكثر سلاسة من تلك الصلاة التي لا نَمّلُ من كثرة تكراها وهي الرائعة " لا خو مارن ... "
يا سيدنا هذا هو حال التراث والطقس انهُ يُكتب ليتماشى مع الزمان والمكان الذي يكتب بهِ ، فالشاعر في شمال أمريكا مثلاً يكتب عن سحر غابات الصنوبر والتنوب والبحيرات الخلابة ولا تجد في شعرهِ أية اشارة الى النخيل والبيداء ، واذا كتب في الخمسينيات من القرن المنصرم فلا تجد أية اشارة الى مصطلحات مثل " كَوكَل " و فيس بوك تويتر وانستكَرام وما شابه ذلكَ ، وها هو التراث الذي يملكهُ الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين رغم بدائتهِ الا أنهم يفتخرون بهِ ولا زال هناك من يهتم باللغة والتراث ، ولهم ولجميع القوميات والأقليات التي تفتخر بطوسها وتراها ولغتها وتحافظ عليها من الزوال والذبول والتماهي وسط الأكثرية ، ألف تحية اجلال واكبار ولكل كلداني سرياني آشوري أصيل أرفع قبعتي ... وأنا واثق بأن أبناء شعبنا لديهم قدر كافِ من الذكاء ليميزوا بين الذين يهمهم مستقبلهم كأمة حية ويترجموا من أجل تعريف الأقوام والمجتمعات الأخرى بطقسنا وتراثنا العريق وبين الذين يسعون لطمس تاريخنا وتراثنا متسخدمين عناوين خادعة بائسة بعيدة عن معانيها ومدلولاتها الحقيقية كالحداثة والتأوين وغيرها .
بعبارة أخرى وبأختصار ، اننا نقرأ مابين السطور ولن تنطلي مثل هذهِ الأساليب على أبناء وبنات أمة عمرها آلاف السنين .
وأخيرا ً ليس بوسعنا الا أن نقول ، وا حسرتاه على خراف ترزح بين مخالب الذئاب المحيطة بها تنهش لحمها وتُهجرها ورعاة تجردها من تراثها وثقافتها ووجدانها .