الاخ عزمي البير المحترم
سلام الرب معكم
الرب يباركك ويبارك كل الذين يهتمون ويحفظون مربي الاجيال صانعي العلم والمعرفة في ضمائرهم وقلوبهم , الاب والمعلم يوسف حبي رحمه الله هو فعلا من ملافنة الكنيسة الامعين لانه قدم الكثير في مجال العلم والمعرفة والايمان لكنيستنا وشعبنا والمجتمع بصورة عامة,رحيله كان فاجعة وخسارة كبيرة للجميع,انه كان وسيبقى نجما لامعا في تاريخ كنيستنا ومجتمعنا رغم انف الحاقدين.
اليكم اعزائي رسالة الاب والمعلم يوسف حبي رحمه الله عشية رسامته الكهنوتية والتي سبق وان نشرها العام الماضي الاخ والاستاذ العزيز جورج بابانا ,اتمنى ان يقرأها اصحاب الفكر المعقد والتفاهات الباحثون عن المال والورث ويقارنوا بين الذين ينذرون حياتهم للخدمة وبين اسيادهم الذين يبحثون عن الشهرة والمال عسى ان يفتحوا قلبهم للروح القدس لكي يغيّرهم لخدمة كلمة الرب.
رحمك الله يا ابونا يوسف حبي, انشالله تعجبكم هذه الرسالة ياريت تطبق اليوم
في الذكرى (14) لرحيل الاب يوسف حبي : كشف القناع عن حقيقة كاهن
عدد المشاهدات (1688) بواسطة Yousif 24/10/2014 05:46:00
حجم الخط:
جـورج بـابــانــا
في الخامس عشر من تشرين الاول عام 2000 وبسبب حادث مروري بين بغداد و عمان ( الاردن ) رحل عنا بالجسد الاب الدكتور يوسف حبي , اما روحه فأنها ترفرف في الاعالي وفكره المتوقد وآراءه المتجددة باقية ما دام هناك كتب واقلام وقراء وكتّاب .
في هذه الاسطر وفي ذكرى الرحيل اعتمد كلياً على رسالة للاب حبي كان قد ارسلها لصديق جامعي له عشية رسامته الكهنوتية في الاول من كانون الاول عام 1961يكشف فيها من هو الكاهن الحقيقي وما هي تطلعاته , وهذا مختصر ما يقوله الاب حبي في رسالته :
" الكاهن أقرب الناس الى الناس بيد أنه من يكرهه حتى الموت ومن يحبه الحب الجم . غداً أتقدم مع 46 اخرين من اكثر من 30 بلداً بيننا الابيض الوردي والاسمر والاصفر والاسود الفاحم نتقدم كلنا نحو المذبح بخطى وجلة مرتعشة ولكنها ثابتة شجاعة والفرح يغمر منا النفس فنضحى كهنة الى الابد بنعمة من الرب الذي اصطفانا ودعانا بسامي حكمته وتدبيره ان نصعد الى قدس الاقداس . انت جامعي كما انا ايضاً وانت تعرفني حق المعرفة اذ صداقتنا ليست وليدة الامس بل هي تعود الى ايام الصبا وانت تعرف ما انا عليه من فضل ربي من المؤهلات العقلية ولست اكتمك اني لو اردت لما صعب علي تحصيل اعلى الشهادات العالمية في حقول شتى مما يتيح لي مستقبلا باهراً في كثير من ميادين الحياة ولكن الرب يدعوني فما علي الا ان ألبي دعوته .
انت لك قلب وانا كذلك وانت تسعى نحو العظمة وانا كذلك وانت تحب الحياة كما انا احبها . اجل ان للكاهن قلب وأى قلب ! قلبه لم يعرف متاعب الحياة المادية وازمات الحب , وقلب الكاهن من لحم ودم يشعر بحاجته الى سمير الى رفيق الذي يشاطره آلامه وأفراحه فلا يلقاه بين البشر وعليه ان لا يلقاه بينهم , فهو ليس من العالم وان كان في العالم , والويل له ان راح يبحث عنه في العالم .
فالكاهن كرس نفسه لخدمة البشر وهل من خدمة ومحبة أجل وأسمى من تلك التي يقوم بها الكاهن في سبيل البشرية جمعاء ؟ فالكاهن هو اقرب الناس الى الناس وعليه ان يتفرغ كله الى الله والناس . وحب قلب الكاهن لا يقتصر على عدد معين من الناس صغاراً او كباراً ولا يتوقف على طبقة او جنس او لون فهو أب للجميع . ثم انت تسعى الى العظمة والعظمة في مفهومك تتلخص في تحصيلك كرامة لائقة بك من منصب رفيع وسمعة حسنة و مال طائل , ولكن هل أسمى من كرامة الكاهن ؟ فالكاهن جسر بين الخالق والخليقة .
هو نور العالم وملح الارض ... حقا لو عرف الكاهن عظمته لمات لساعته فوراً كما يقول القديس خوري آرس ... اما المال فيعيد الى الكاهن مفهومه الصريح فهو آلة و واسطة وعبد , وليس محركاً وغاية وسيداً . وتتيح عزوبة الكاهن له ان لا يسعى بتكالب الى جمع الاموال إذ لا عقب يخلفها له . وانت تحب الحياة مع ما فيها من مشاكل وتضحيات , فلا شيء اجمل من عطية الحياة وتريدها ابدية لا انتهاء لها . والحياة للكاهن شوط يقطعه متسابقا مع الزمن اذ ليس اغنى من حياة يقضيها المرء في خدمة الله واخوانه كل البشر ولا سيما ان خدماته هي في الطليعة من الخدمات .
والكاهن مع ذلك رجل اذا وجهنا عدسة الكرامة الظاهرية وحدها عليه نلقاه كأنه عالة على الغير , يستجدي قوته اليومي ولا بيت له ولا مال ولا ارادة يتمتع بها بملىْ حريته , ولكن متى كان المظهر ليكون حكماً صريحاً كاملاً عن الواقع ؟
ان رجل العصر لا يستطيع ان يفهم كنه الحياة الكهنوتية , لأنه تعود قياس الامور بميزان المنفعة المادية واللذة والاعتداد بالذات فيما الكاهن يعلن بأتضاع ولكن بشجاعة وعلى رؤوس الملأ , انه للفقر والفقير الاكبر و للصليب الذي هو عثرة لأهل العصر وشك , وللتواضع الذي يعتبره عالم اليوم ضعفاً وسخفاً . انه يترك الاب والام والاخوة والاموال والجاه واللذات ويحمل الصليب كل يوم ويتبع الناصري تلبية لصوت تردد في اعماقه ولم يقو ولم يرد اخماده , إنه صوت الرب يدعوه . فالكهنوت دعوة الهية والرب يدعو من يشاء ويختار من يشاء كهنة يواصلون رسالة الرب يسوع رسالة فداء البشرية وسعادتها . الكهنوت ليس حرفة او مهنة كما هي الصحافة او الطب او التجارة إنه تكريس ذات , بذل ذات و انه حب . ( وهل حب اعظم من أن يبذل الانسان نفسه عن احباءه )
انه الراعي الذي يعرف خرافه واحداً واحداً وان ضل احدهما بذل النفس والنفيس حتى يجده ويعيده الى الحظيرة , انه الاب الذي لا تكل اكتافه من العمل ولا يكل قلبه من الحب والتضحية في سبيل ابنائه وهو الام تعصر ذاتها لتقدم لفلذات احشائها اجود طعام واسلمه , وهو , إذ استسلم الناس للراحة , إنزوى عاكفاً على الصلاة والتأمل , هو نور العالم , هو ملح الارض إذ زال او فسد فسدت الاخلاق , والكاهن يعيش كالشمعة المتقدة تنير لللآخرين اما هي فتذوب . والكاهن رغم هذا كله يبقى بشراً فيشعر بالتعب وخور القوى وتجتاحه هو ايضاً موجات عارمة وغيوم حالكة , فحاول اذ ذاك تفهم وضعه ومطاليب حالته , ولا تقيس الكهنوت بمقياس هذا الكاهن العاثر الحظ , فيا ايها الناس ... ان كنتم ممن يدينون الدين بأثام رجال الدين فيا ضياع الجهود التي تبذلون والاحكام التي تصدرون ! فما رجال الدين إلا منكم وفيكم وهل هم غير بشر مثلما انتم بشر ؟
وتسالني اخيراً يا عزيزي لماذا انا أعتنق الكهنوت ؟ فأجيبك بصراحة و إخلاص لأنني أشعر في قرارة كياني بصوت يسر إلي إن في الكهنوت طاقة اكبر من الطاقة التي تؤهلني للصيرورة طبيباً او محامياً او قائداً او معلماً او صحفياً او أديباً او عالماً , ولان قلبي يضطرم بالحب لله ولاخواني ولكل البشر . وامنيتي ان تدعو لي لكي لا تستنفذ الاتعاب طاقتي قبل اوانها ولا تخمد العواصف لهبتي المتقدة .
وتقبل خالص تحياتي .. "
هكذا كان يوسف حبي عشية سيامته الكهنوتية 1961 , بدأ نجماً يتوهج بشدة كالشمس و أستمر في اضطرامه متزايداً , فكيف وكم يكون يوسف حبي من الكم الهائل في اضطرامه وعطائه وحبه وانسانيته وفكره وفلسفته ومؤلفاته وبذل ذاته بعد تسع وثلاثين سنة قضاها في خدمة الرب وكل البشر والعلم وعلى طريق الرب ؟
جـورج بـابــانــا
تشرين الاول / بغداد