المحرر موضوع: الدين والمجتمع  (زيارة 1211 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدين والمجتمع
« في: 23:18 06/03/2007 »
الدين والمجتمع
في شرقنا العزيز غالبا ما يكون للدين ركناً أساسياً في المجتمع ويختلف موقعه وتشابكه مع أساسيات المجتمع، كما تختلط صيَغ وأساليب هذا التشابك من دينٍ إلى آخر؛ فالإسلام كما يشرحوه لنا هو دين سياسة ودولة بحيث لديه الحلول السياسية ... كما يتضمن حلولا لكافة مشكلات الحياة. من هنا نجد الدين الإسلامي في كل زاوية من المجتمع، والدولة التي يكون فيها الأغلبية. أما الدين المسيحي، فبعد القرون الوسطى ومحاكم التفتيش اقتنعت السلطة الكنسية أن للدين طريقاً لا يتوافق مع السلطة المدنية، بل في أحيان كثيرة يتعارض معها أو قد يتقاطع خاصة عندما تنجرف السلطة المدنية كثيراً نحو المدنية والعولمة .. وما نشاهده في عصرنا من قوانين كثيرة لا توافق عليها الكنيسة، لكن السلطة ليست بيدها، لذلك فإن الكثير من القوانين يتم تمريرها بالقرار المدني؛ كالإجهاض وزواج المثليين وغيرها من الأمور التي لا يقرها الدين أي دين وخاصة السماوي منها.
لكن المجتمع يبقى بحاجة للدين كقانون اجتماعي ينظم العلاقة ما بين البشر أنفسهم وبينهم وبين القوة الخفية التي هي علّة هذا الكون والذي تعجز كل العلوم والقوانين الإنسانية من الوصول إلى الحقائق الروحية البحتة والبحث عن كنهها، وبعضهم يطلق عليها علم ما وراء الطبيعة، والآخرون يعتبرون الجري وراء الدين شيء من العبث لأن الصدفة وحدها هي التي قادت إلى ما توصل أو وصل عليه الإنسان، وهناك قوانين طبيعية للتطور ونظريات أخرى إن جرينا خلفها لسلكنا طريقا مغايرا تماما لما يريد الله لنا وما خططه من علّة لوجودنا المادي في هذه الأرض.
ورغم كل هذا وذاك يكون الدين هو الملاذ الذي يجمع حوله المتعبين والثقيلي الأحمال؛ فتأمل بسيط مع موسيقى هادئة وصلاة قصيرة تنقل الإنسان من حال إلى حال، وترتاح النفس ويهدأ البال ويعود الإنسان إلى تفكيره الطبيعي. ولو كان الدين شيئا عبثيا لما أثّر هكذا في الإنسان وأصلح ما أفسده الدهر من نفسيته المتعبة، وأمثلة كثيرة في الحياة نشاهدها؛ فزوار المراقد المقدسة تنهمر دموعهم بغزارة وهم يلمسون الشبابيك والأسيجة المحيطة بالأضرحة، وهكذا أيضا نجد من يحضر اللقاءات المؤثرة من خلال خطيب بارع أو إرشاد ديني يلمس الجروح التي قد أدمت النفس الإنسانية حتى دون أن يشعر وخاصة عندما يتفاعل الإنسان مع الإرشاد لنجد النتائج الباهرة وتحرر النفس من قيودها لتعيش براحة وحرية مع خالقها.
إنه التأثير العظيم للدين في المجتمع الذي حدى بأحد المفكرين الماديين أن يصفه بأفيون الشعوب لأنه لم يفهم دور الدين فهما صحيحا بل عكَسَ سلبيات رجال الدين على الدين نفسه وحمّله أوزار أولئك الذين نسميهم العلماء والذين يكون حسابهم عند الله أعسر بكثير من البسطاء، وهكذا المؤمنين أو الناس الذين ينهجون مذهبا دينيا معينا؛ فهم أيضا يكونون سببا لجذب الناس إلى دينهم أو نفورهم منه، ويحضرنا هنا كلام غاندي حين قال لولا المسيحيين لأصبحت مسيحيا!!! حيث كان المسيحيون الذين يعرفهم في عصره سببا بإعطاء صورة عكسية لما جاء به المسيح من مباديء، وهكذا أيضا نجد اليوم من يعطي صورة سلبية عن دينه سواء كان الإسلام أو المسيحية أو أي دين آخر. وهذا ليس سببا يجعلنا ننفر من الدين ذاته لأنه براء من الأمور والتصرفات التي تصدر من أتباعه خاصة عندما يقومون هم بالإجتهاد فيما يخص النصوص وتفسيرها حسب أهوائهم.
إن المجتمع بحاجة كبيرة للدين لكي تصبح المعادلة الاجتماعية متوازنة خاصة عندما يكون للدين علماء أذكياء وأتقياء بذات الوقت يتحلّون بالنزاهة ويبتعدون عن حب السلطة والمال ويزهدون بالدنيا ويكونوا طموحين بالفوز بالآخرة حيث النعيم الإلهي وجنة تجري من تحتها الأنهار. كما لهؤلاء القادة الدينيين دوراً ليس سهلا على الإطلاق؛ فعليهم نقل التوعية إلى أتباعهم لأن شعبنا مؤمن بالفطرة ويستمع لرجال الدين بانتباه واهتمام وما يقوله رجل الدين ليس مثار نقاش عنده بل يكون من الأمور الثابتة والتي لا نقاش فيها.
من هنا فنحن بحاجة لرجال دين تكون القداسة ميزة لهم لأن بيدهم صلاح المجتمع وبيدهم ممكن قيادة المجتمع إلى الخراب الحقيقي، أو العكس، فلنعمل لكي نجعل من دور العبادة مراكز للإشعاع والنور كي ينهل منها مرتادوها الحب الإلهي والأمانة والإخلاص والتضحية والإيثار ونكران الذات أمام الذات الجماعية وإن الإنسان هو بوضع يكون أقوى من خلال الجماعة وخاصة عندما تمتد جسور علاقته بالآخرين من خلال الطيبة والصدق والأخلاق الحسنة.
إذن فالدين هو ركن مهم في المجتمع وعلينا وعلى رجال الدين يستوجب العمل أن نجعل من هذا الركن سبيلا لفائدة المجتمع وبنيانه وهذا السبيل يكون من خلال المراجع العظام ورجال الدين المخلصين وكذلك من خلال المؤمنين أتباع الديانة الذين كل من جانبه يعمل لكي يصبح إيمانه مؤثرا في الآخرين؛ ليصبح الميدان الديني والتدين ميدانا رحبا للتنافس مع الأديان الأخرى لأنها جميعا تسير نحو الإله الواحد الأحد ومن دون شك في هذا الإله الواحد الأحد سيفرح بنا وهو يشاهدنا نتكاتف ونعمل ونبشر بالمباديء السماوية السمحاء وحينها سيمنحنا بركاته ونعيش في مجتمع مزدهر مثمر ومتجانس لا فضل لواحد فيه على الآخر إلا بالتقوى، هذا هو الصراط وعلينا أن نفهم كيف نجعله مستقيما.
عبدالله هرمز النوفلي
2 كانون الثاني 2007