المحرر موضوع: غزوة باريس تحث العالم الى عولمة الحرب ضد الارهاب !!  (زيارة 983 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أوشانا نيسان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 322
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

غزوة باريس تحث العالم الى عولمة الحرب ضد الارهاب !!

اوشــانا نيســان
 
قبل أن تجف دماء الغزوة التي نفذت من قبل أرهابي ما تسمى بالدولة الاسلامية في العراق والشام"داعش" في عاصمة الجمهورية الفرنسية الثالثة باريس الجمعة السوداء 13 نوفمبر الجاري، وقبل أن تنتهي باريس من دفن أبناءها الذين قتلوا بدم بارد من خلال أكبر غزوة أرهابية وقعت بهذا الحجم في قلب مدينة الفن والفكر والاقتصاد منذ الحرب العالمية الثانية، أجتمعت قيادات الغرب وعلى رأسها وزراء خارجية كل من أمريكا وروسيا وفرنسا في فيينا وفي اليوم التالي التقى زعماء قمة مجموعة العشرين في تركيا بهدف ابداء موقفهم حول نقطة خلافية واحدة من بين جميع الفقرات المتعلقة بأجندة الاعمال الارهابية والدموية التي يواجهها العالمين الغربي والشرقي على حد سواء، الا وهي الفقرة المتعلقة بمستقبل الرئيس السوري بشار الاسد ودوره في سورية ما بعد الاسد.
الخلاف هذا يذكرني والمقولة الشهيرة للمفكر الانكليزي روديارد كبلنج، حين ذكر قبل أكثر من 150 عام أن " الشرق شرق والغرب غرب ولا يلتقيان". وقتها لم يصدقه أحد واعتبروه مجردعنصري من البيض الفوقيين، ولكن الاحداث الدموية المتسارعة والخطابات الاسلاموية المتشددة التي بدأت تعكر مزاج العولمة في عقر دارها هذه الايام، باتت تؤكد صحة المقولة أعلاه فيما لو أستمرت قيادات الغرب وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية في تجاهلها للواقع والتعامل مع الاحداث وفق خارطة مصالحها الاقتصادية من خلال تشجيع نهج التيارات الاسلامية المتطرفة بهدف ملآ الفراغ الذي خلفته الشيوعية المنهارة، رغم دور الخطاب الديني في انعاش أمال الخلافة الاسلامية التي سقطت بسقوط الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الاولى وشغف الاخيرة في البطش بأركان حضارة الغرب في بلدان الغرب أولا، ثم تسهيل مهمة قلع جذورالوجود المسيحي المتذبذب أساسا في جميع بلدان الشرق الاوسط اليوم قبل الغد ثانيا.

حيث التاريخ أثبت منذ أنهيارما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، أن الراسمالية العالمية لن تتوقف من دون مكابح أو روسيا جديدة ولن تنتهي قطعا بانتصار الليبرالية الاقتصادية والسياسية الامريكية التي بشّر بها فرانسيس فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ. لآن العالم الغربي المقّيد بسلسلة من القيود والقوانين الدولية العادلة التي أفرزتها خمس سنوات من الحرب العالمية الثانية، بات يواجه اليوم تحديات نوعية غير مسبوقة وعلى رأسها تحديات ذات طابع ديني - مذهبي "أسلاموي" من شانها أن تفلح في النهاية، في فرملة عجلة التطورالاقتصادي والفكري والتكنولوجي في جميع بلدان الغرب وتعيد عقارب الساعة الى القرون المظلمة، فيما لو استمرالغرب في غلق عينيه وسد أذنيه حيال كل ما جرى ويجري،خوفا من الانزلاق القانوني أو الدستوري في مستقبل الحقوق الانسانية والشعوب طبقا للمواثيق الدولية. رغم أن الغرب المتمدن جدا نجح في نقل بؤر التوتر ومواقد الصراعات المذهبية التي أذكتها نيران سياسته الاستعمارية "الغبية" من بلدان الشرق الاوسط وتحديدا في الشام والعراق وبلدان شمال افريقيا قبل ما يقارب من قرن من الزمان الى عقر داره وفي جنّات الغرب أوالحدائق الخلفية لكل من لندن، باريس وأمريكا وغيرها من العواصم الغربية.
 
هذه الاستراتيجية الرعناء سهلت بشكل أو بأخر عملية تحقيق البنود المزنرة على أجندة كل أرهابي أو داعشي يحلم بدخول الجنة من أوسع أبوابها، ذلك بالاستفادة من التقنيّة الغربية المتاحة وأستغلاله للعدالة الانسانية والقوانين الاجتماعية والاقتصادية في بلدان الغرب.
ومن المنطلق هذا يمكن التأكيد، أن امال الشعب الكلدواشوري "المسيحي" في العراق، والشعوب المسيحية في كل من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر راحت ادراج الرياح بعد أصرار المنتدب البريطاني والفرنسي على فرض شروطه القاسية على الشعوب والمكونات العرقية الاصيلة في المشرق العربي بموجب اتفاقية سان ريمو لعام 1920. ثم أستمر تخاذل القيادات الغربية تجاه الملوك والانظمة الدكتاتورية في الشرق وبدأت تأثيرات التخاذل الغربي تتغلغل في البنية الاساسية للانظمة الطامحة بالديمقراطية والعدالة وفي طليعتها جمهورية لبنان، بأعتبار الاخيرة الدولة الوحيدة ذات الاكثرية المسيحية في الوطن العربي حصلت على استقلالها عام 1943.
حيث لم يتردد الغرب وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية على حشر نظام لبنان الطائفي ضمن الصراعات المذهبية التي نجحت في جعل لبنان دولة بلا رئيس جمهورية منذ مايو 2014 ولحد يومنا هذا، لا لشئ الا نزولا عند رغبة حزب مذهبي وموقعه ضمن خارطة المصالح الامريكية وارتباطاتها مع الجمهورية الاسلامية في أيران.
هذه السياسة التي مهدت بقوة على تشجيع سياسة تفريغ الشرق الاوسط من مسيحيه أثرتشجيع التنظيمات الاسلامية المتطرفة وعلى راسها تنظيم داعش الارهابي وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الارهابية، على رفع شعار قطع رؤس المسيحين "الكفرة" أو حرق وتدمير ديارهم الاصيلة أواجبارهم على ترك بلدانهم والتوجه نحو الغرب المسيحي. النهج الذي مثلما سهل مسيرة الهجرة المليونية من مواطني الشرق بمن فيهم عناصر من التنظيمات الاسلامية المتطرفية على التوجه نحو بلدان الغرب، بالقدر نفسه سهل نهج القيادات الدينية المتطرفة في الغرب على استغلال أزمة المهاجرين واستقطابهم لتنفيذ عمليات التنظيم في دول الغرب، كما جرى في باريس يوم 13 نوفمبر الجاري.
وفي موازاة تنامي ارهاب الاسلام السياسي الذي زرعته زعيمة العالم في عقلية زعماء الحركات الاسلامية المتطرفة جدا في الطرف الافغاني المحاذي لحدود الاتحاد السوفيتي السابق قبل ما يقارب من نصف قرن، لا يمكن للغرب أن ينجو هذه المرة من المارد الذي تحرر من قمقه بمجرد التضحية بتأشيرة  "شنغن" الاوروبية أو منع الهجرة الى هذا البلد الاوروبي أو ذاك، بل يفترض بزعيمة العالم أن لا تكرر أخطاء الاستعمارين الانكليزي والفرنسي في بلدان الشرق الاوسط وتتسارع في تفكيك الحدود التي فرضها الاستعمارين وتطلق مشروع اعادة رسم خارطة دول الشرق الاوسط من جديد وعلى أسس عرقية، طائفية ومذهبية هذه المرة. بموجب الخارطة هذه يجب اعادة صياغة القوانين والدساتيرالوطنية التي تشّرع وترسّخ الوجود المسيحي في الشرق بأعتبارالوجود، تربة خصبة لآخصاب المنطلقات الفكرية للتعددية السياسية والمذهبية وقبول الاخر باعتبار الوجود منبرا لرفع راية الحوار الحضاري الحقيقي بين جميع الشعوب والحضارات.
أما الاستراتيجية الدفاعية في الغرب تعوزها ارادة دولية صارمة تتجاوز حدود القرارات الدولية السابقة وتتمركز حول الواقع الحالي وفي مقدمتها: يجب وقف العمل بالقوانين والدساتير التي عفى عليها الزمن، ولا بد من التضحية ببعض الحريات الفردية بهدف تأمين حريات الشعوب والاعراق، ذلك من خلال اعادة تعميق روح المواطنة لدى المواطن الغربي وغلق منابر الحقد والكراهية وأستعادة المواقع الاليكترونية من قبضة مروجي الافكار والمفاهيم التكفيرية والجهادية الهدامة وغيرها من الاجراءات.