المحرر موضوع: التزهد في النصرانية تحول داخلي مرحلي تطوري روحي في الفرد المؤمن  (زيارة 1508 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل متي فيليب خوشابا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 358
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
التزهد في النصرانية
تحول داخلي مرحلي تطوري روحي
 في الفرد المؤمن
بقلم
متي ف البازي
المقدمة :
التطهير الداخلي النفسي مسالة انسانية قديمة جداً وتسبق مرحلة الاديان السماوية كما في الاساطير الرومانية حيث كانت شخصية ألبطل تتحول من "فكرة الهروب عن الواقع" المكتوب عليه من العالم الفوقي  ومحاولتة التخلي عن حدوثه إلاّ ان محدودية الطبيعة امام العالم الفوقي انما كان يجد الفرد انه امام ما كتب له رغم محاولاته . فيتحول الى فرد يجرّد نفسه من هذا العالم الذي يراه تافهاً فيقوم بأعمال "انسانية " ملؤها الندم  لمسح الخطيئة التي اقترفها دون ارادته وعلمه . فيتحول الى شخصية لا تأبه بهذه الحياة وملذاتها ويتحول الى "نفس"  إلهية فيقوم بعمل يخرق المعتاد والطبيعي فيندم وعليه فيفقأ عينيه – مثلاً - املاً في الفردوس المنشود الذي تكمن فيه الفرد راحته النفسية  وهذا واضح في قصة " الملك اوديب" .
إلا ان الامر في النصرانية اعمق واقوى فهو يتمثل بالحواريين ( الرسل) الذين لازموا حياة المسيح ( له المجد) وكان طول فترة بقائه معهم يروضهم على اكتساب ما يعرف بالأيمان المسيحي " الحب الالهي" لله . واذا ما تتبعنا سيرة حياة الحواريين فأننا سنكتشف مراحل التطور في حياة الحواريين الذين كتبوا الانجيل فهي النقطة التي تعرف بالـ بنتقوسط   Pentecost   وقد تعني  او تؤول   الى ما يعرف دينياً بالكشف الالهي manifestation/ transfiguration  .
مراحل التطور الداخلي للمؤمن :
المرحلة الاولى:             التخلي
اذا ما تتبعنا الانجيل في تحليل وايجاد مراحل التزهد لدى المؤمن فأننا سنرى المرحلة الاولى وهي دعوة المسيح لأشخاص عاديين يعملون بأعمال مختلفة لكسب ارزاقهم فمنهم من كان يصيد السمك والآخر نجار والاخر جابي ضرائب الخ .... فالاختيار كان نابعاً من نظرة المسيح  الى الحياة العادية التي قد تتحول مرحلياً الى التخلي عن ملذات الحياة او الاهتمام بالكسب من اجل تكوين حياتهم اليومية . فمن هنا بدأت المرحلة الاولى عندما ذكر المسيح ( ل.م. ) من يريد ان يتبعني ليترك اباه وامه وعائلته ويتبعني . فمرحلة التخلي من اجل كشف الحب الالهي انما هو قرار نفسي داخلي ويأتي قراراً داخليا خفياً بين الذات البشرية من اجل الولوج الى هذا الحب الالهي. والعبارة صيغت من قبل الحواريين لاحقاً : خذ صليبك واتبعني. ولعل كل القديسين الذين جاءوا بعد هذه الفترة انما كان لهم القرار في كشف هذا الحب الالهي النابع من الايمان في التخلي عن هموم الحياة وملذاتها.
المرحلة الثانية:        التحلي
اما المرحلة الثانية والصعبة هي التحلي . وفي الانجيل المقدس هناك الكثير للقول في مرحلة التحول الداخلي  العميق في الذات للحواريين ، فانتقادات المسيح  (ل.م.) لهم تكررت في مناسبات عدّة . اذ كان يؤنبهم في انهم لو امتلكوا الايمان بحجم ( خردل) لاستطاعوا ان يأمروا الجبل ليتحرك ، فيتحرك . فالقدرة الالهية هي الايمان بـمفهوم الهي قادر :  كن فيكن  وهذا هو الامر الذي يؤمن به الكثير من المؤمنين وبناءً عليه تحدث المعجزات غير العادية في  الطبيعة ولعل بالأيمان يتحول المؤمن او المؤمنة الى قديس قادر  او قديسة قادرة على القيام بالمعجزات في حين لا قدرة للأخرين من المؤمنين على هذا التحول.
 فالقديسون ممن كسبوا هذا التحول الى التحلي انما يؤهلهم ( التحلي)  للقيام بمعجزات خارقة للتفسيرات العلمية ولكنها غير خارقة لقانون الطبيعة . فالمعجزات الـتي هي خارقة لقوانين الطبيعة انما هي من صنع الله او الرب ( المسيح ل. م. ) وليس غيره  كإحياء اليعازر من بين الاموات ، أو القيام من بين الاموات بعد ثلاثة ايام . 
فاذا ما تتبعنا القدرة وعدم القدرة  في القيام بالمعجزة فأننا في قراءة الكتاب المقدس نرى عدم قدرة بطرس السير على الماء عندما  طلب منه المسيح القيام بذلك ، كذلك عدم قدرتهم ( الحواريين ككل)  في ايقاف الريح العاتية التي كادت قد تجنح وتغرقهم  في وسط البحيرة لولا تدخل المسيح ( ل. م .) .
والتحلي جاء واضحاً  في الكتاب المقدس عندما جاء احد الفريسيين للمسيح قائلاً : انا اعمل بالوصايا العشرة وماذا تريد ان اعمل اكثر من هذا  لأصبح حوارياً والتحق بك ؟  فقال له المسيح ( ل. م. ) :  اذهب ووزّع مالك وممتلكاتك للفقراء واتبعني . لكنه لم يفعل.   وهذا دليل واضح على عجز هذا الفرد  في التحول الكامل من داخله الى الحب الالهي حسب مفهوم التزهد الرباني. إذ حبه للمال يفوق ايمانه في الحب الالهي ففشل.
والفترة بين مرحلة التحلي الى مرحلة التجلّي جد قصيرة  لأنه تحول ذاتي وروحي سريع .
المرحلة الثالثة:     التجلّي
فالتجربة التي مر بها المسيح (ل. م. )  عندما طلب منه الشيطان ان يسجد  له وبعد الصيام أهلّته  التجربة ( كطبيعة بشرية ) ان  يذهب المسيح الى الجبل ويترك تلامذته يرون غمامة بيضاء على شكل خيمة  تجمعه مع ابراهيم ويعقوب واسحق  فتحوّل جسده الى ضياء ونور باهر  وسمي هذا اليوم بيوم التجلي .   
والتجلّي له انواعه . قيام المسيح من بين الاموات انما هو تجلّي ربّاني إلهي خارج ارادة الطبيعة لأن الايمان المسيحي يبدأ في الخليقة : كن ، فيكن  فهو الكلمة .
اما التجلّي من نوع القداسة  فهو معجزة داخلية في تغير الفرد داخلياً  metanoia     اي
 ( inner conversion)     فنراه جلياً   في الكتاب المقدس  عند زكريا وهو جالس على شجرة التين ينتظر مجيء المسيح . وعندما مرّ المسيح ( ل.م.) من ذلك المكان قال له المسيح  من بعيد : اليوم سأكون معك في البيت واقاسمك الطعام والشراب يا زكريا. فلما دخل المسيح والتلامذة الى داره كان زكريا قد وزّع نصف ماله الى الفقراء وكشف له الحب الالهي سعادته للعشرة مع الناس الاخرين ومعهم المسيح والتلاميذ في بيته،  فتكشف له الحب الالهي في الاثناء.
الختام
ان التزهد صفة مسيحية ولكنها انتقلت في المناطق التي كانت تنتشر فيها المسيحية الى الشعوب التي دخلت الاسلام من غير العرب فمثلاً في العراق في البصرة حيث الكنيسة الشرقية كانت لها اديرة والى جانب كل دير صومعة لقديس معين انما ازدهرت فيها مدارس التصوف الى ازمنة طويلة فكان منهم المعتزلة ومن ثم الخوارج وغيرها . وكذلك الامر لدىالاكراد فطرق التصوف والدروشة كانت مليئة بين القبائل اسواء في تركيا او في العرق او سوريا او ايران.
انتشرت الدروشة وطرق التصوف  بين الفرس في ايران والاتراك في تركيا  والبرابرة في بلاد المغاربة الامازيغ حيث تسلل الفهم النصراني في الحب الالهي الى مؤمنين منهم في الديانة الجديدة ( لا سيما في فترة الدولة الإسلامية في بلاد الاندلس ) واليوم تعتبر هذه الطرق ألصوفية قاسماً مشتركاً بين التزهد النصراني والمذاهب والطرق والزوايا الصوفية الاسلامية في اصقاع مختلفة من العالم الاسلامي ( باستثناء  العالم العربي في الخليج). 
فالتفكير الصوفي المتجدد في مراحله من التخلي والانقطاع عن ملذات الحياة والمرور بالتحلي ومن ثم التجلي انما لعب دوراً مهماً في توعية الفرد نحو تغيير نفسه الامر ألذي ادى الى نوع من الاستقرار ألثقافي الديني ومن ثم السياسي.  الامر هذا ولّد وسطية في الاسلام وهو تعبدي ذاتي ، سلوكي، لا يلجأ الى العنف تدعمها " الهبة" والبركة المتأتية من " الايمان في الحب الالهي" كما في النصرانية.
كما وان للصوفية نوع من المرونة للتفاعل مع الواقع وتعتمد على الوسائط كما في النصرانية استعانة بالاستقرار نتيجة للاطمئنان الروحي. فالتصوف منظومة اقرب الى الواقع وتلون طريقتها  لتلون تركيبة المجتمعات  التي ترعرعت فيها . فالتصوف كاجتهاد  يعطي مجالاً لما هو محلي ويخلق وسائط متغيرة بين الله والفرد .
فمسألة الاحتفاظ بالأضرحة والطرق الصوفية ( باستثناء الاسلام الرسمي في دول الخليج ) انما هو نوع من حرية الحفاظ على المعتقد  الديني المحلي على مستوي ايمان الفرد ضمن الزاوية الصوفية او الطريقة الصوفية للشيخ  في ذلك المجتمع . فالمذهب الحنبلي  والمالكي ايضاً على سبيل المثال لا الحصر يؤمن بنظرية : كن ، فيكن . والمؤمن الذي يمر بالمراحل الثلاثة : التخلي ، التحلي ، التجلي انما يؤهلّه  هذا الايمان القيام بمعجزات على المستوى الشعبي لمريدين ضمن زاوية المتصوف المؤمن  الشيخ او الصالح في مجتمعه، علماً  بان الأضرحة لهؤلاء المؤمنين مقدسة ( حسب المفهوم الصوفي طبعاً في الدول الاسلامية باستثناء الخليج)  وتجيب مطالب المعوزين من الاتباع والمريدين ان  كانوا  صادقين مع الصلحاء الصالحين من الائمة في مجتمعاتها وكذلك هو الامر في الفقه الشيعي العام ايضاً .   
Matti Philips Khoshaba
California
11/22/15



غير متصل كنعان شماس

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1136
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
يا استاذ متى بين كل مسيحي العالم لايوجد مسيحي واحد يقبل ان تسميه نصراني  والنصراني تســـميه مهينـــة تستعملها داعش للمسيحيين هذه الايام وهي تسمية قرانية للمسيحيين وكانوا طائفة من بــــــدو الحجاز ونفر من تاركي اليهودية والرجاء تجنب هذه التسمية المهينة مستقبلا

غير متصل albert masho

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2017
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ العزيز متي المحترم: شكرآ على هذا الموضوع الجميل الذي نحتاج الى امثاله الكثير في هذا الزمن الصعب لاننا نحتاج الى مواضيع اكثر عمق في الحياة المسيحية لكي ننمو روحيآ ومن اجل تقوية الايمان(1 تس 5: 11

لذلك عزوا بعضكم بعضا وابنوا احدكم الاخر، كما تفعلون ايضا.)هناك الكثير الذين يتكلمون عن القداسة وكان القداسة هي من اجل ناس معينين فقط دون سواهم لاكن جواب ذلك هو واضح وصريح في نصوص الكتاب المقدس وهو ان القداسة هي يمكن ان تشمل كل الناس (لا 20: 7

فتتقدسون وتكونون قديسين لاني انا الرب الهكم.)كذلك(عب 12: 14

اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى احد الرب)والاخيرة مهمة جدآ وهناك الكثير من الايات التي توضح حياة القداسة(يش 3: 5

وقال يشوع للشعب تقدسوا لان الرب يعمل غدا في وسطكم عجائب.) والقداسة هي اهم من التزهد واشمل لانها تظهر الانسان الى الله والناس كما وتكشف ما بدواخل النفس لان حياة التزهد تكون من خلال الانفصال عن الناس لاكن حياة القداسة تكون من خلال العيش والاختلاط مع المجتمع لكي يره الاخرين ذلك(مت 5: 16

فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات.)تقبل محبتي.