المحرر موضوع: برهان شاوي في المتاهةِ الخامسة ” متاهةِ إبليس”(3).....  (زيارة 1065 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

برهان شاوي في المتاهةِ الخامسة ” متاهةِ إبليس”(3).....

شخوص الرواية الآخرين....
(إيفا سميث) تتعرف على حواء ذو النورين في فندق الشام، هذه السميث( مسيحية) لبنانية قادمة من باريس ، هربت بعد أن أصابت عائلتها الويلات من الحرب الأهلية اللبنانية ، حيث يدخل عليهم الجيش السوري وأرادو قتل والدها الذي ينجو على يد عراقي فدائي مع الفلسطينيين . هنا حبكة رائعة من قبل الروائي حيث كان العراقي أنذاك فدائياً و يعمل جنبا الى جنب مع إخوته العرب في ذلك الزمن الجميل والمفتوح ، لا كما حال العراقي اليوم الذي يقتله الإرهابي القادم من شتى بقاع العرب والعالم ، أو العراقي الذي اصبح هو الآخر إرهابي وقاتل وذباح بدون رحمة لأخوته وبني جلدته نتيجة لإختلاف في مفاهيم الدين والطائفة والعرق .
تتحدث الرواية عن شخصية أخرى ( الدكتور آدم كارثة )الشخصية الخيانية الغادرة بأصحابها  وما أكثر هذا الشخصيات في العراق . الروائي برهان شاوي إقتبس هذا الإسم من الواقع العراقي ، حيث أننا كثيرا مانردد في حواراتنا حول شخص ما أو صديق له من الخصال الغريبة فنقول عنه ( فلان كارثة ) فما أروع الروائي هنا في هذه التسمية العراقية الصميمية . آدم كارثة ، دكتور في الفلسفة وفي جامعة صفاقس ، وبالفعل هو كارثة لما له من طبع الخيانة والغدر ، كما حصل مع زوجة صديقه ( آدم بوناروتي) والذي استقبله في إيطاليا وآواه ، وتصرف معه بكل شهامة الرجل الشرقي ، لكنه إنتهز الفرصة كي يخون صاحبه مع زوجته فكان سببا في فراق آدم بوناروتي وزوجته ، الذين كانوا يزخرون في حياة هادئة قبل ن تحلّ بهم هذه الكارثة التي أشعل فتيلها صديق العمر آدم كارثة  .
ثم هناك الشخصية البارزة في الرواية وهو آدم الشامي السوري ، مدير المطاعم والملاهي في أكثر من فندق ، وله علاقة مع كبار المسؤولين في الدولة وزير النساء الرهيب و المعروف في المصطلح الدارج ( قوّاد) ، حيث يقوم بإختيار النساء الجميلات وإرسالهن الى كبار المسؤولين في الدولة من رجالات الأمن والمخابرات وماشاكل ذلك من التسميات المخيفة في بلداننا البوليسية .
ملتقى الحواءات والآدميين......
هناك حواء سفكوني ( شامية) صديقة آدم الشامي ، الجميع يلتقون على طاولة واحدة في فندق الشام ، كل من حواء ذو النورين وإيفا سميث وحواء سفكوني ثم آدم الشامي . حواء ذو النورين تريد الخروج من سوريا الى أوربا ، وآدم الشامي مدير الفنادق وزير النساء والقواد الملعون ، تحركه شهوته إتجاهها فيقوم بإستغلالها عن طريق هذا الباب لما له من المعارف في الدولة وبأستطاعته تدبير جواز سفر مزور لها لغرض الهروب . شعوب مبنية على الإستغلال والنصب والإحتيال دون وازع من ضمير ولا أدنى أي إنسانية ، فيقوم آدم الشامي بمساعدتها وتخليصها من سوريا مقابل ثمن باهض وهو شرفها ومضاجعتها ، فيقوم بملاحقتها في الفندق على إعتباره مدير عام الفنادق في الشام ، هي تشد الحبل وترخيه ، هو زير نساء وهي التي لها من الطاقة الجنسية العارمة ، تتمنع وهي راغبة ، لكنّ المصالح تلتقي في آخر المطاف مهما كان الثمن ، مصلحتها معه في تهريبها من سوريا ، وأما مصلحته هو فهي الإفتراس والمضاجعة ،  فيحصل له ذلك بعد الصبر القليل  (آدم الخنزير يغتصب حواء ذو النورين برقة) ، ما أروع هذا الوصف من قبل الروائي ، كيف توافقَ وصف الرقة مع الخنزير ، قرأت الكثير من الروايات فلم أجد إغتصابا يتم برقة وأحاسيس ومشاعر ، هنا يلعب دور المرأة التي تريد أو لاتريد ، هنا حواء ذو النورين لاترغب في معاشرة هذا الرجل القواد ، لكنه مصدر خلاصها وفرارها ، هو شيطان ماكر ، يعرف النساء عن كثب لما له من خبرةٍ طويلةٍ في الرذيلة ، فلايجد شيئا سوى إرضاءها بالطرق السليمة للوصول الى مبتغاه ، فحصل الذي حصل ، فيكون له ذلك ويمارس معها الجنس أكثر من مرة ، ولكنه جنسُّ بصوتِ قناع الخنازير وبتأوه إمرأةٍ تحلم بجوازِ سفرٍ مزور ، هذا هو الحال في بلدان الإيمان والتقوى والورع النبيل  .
تخرج حواء ذو النورين الى فلورنسا بجواز مزور بإسم فتاة روسية كانت تعمل في أحد الفنادق السورية ، تخرج بمساعدة آدم الشامي الذي يقوم بترتيب إجراءات سفرها في المطار لما له من علاقات واسعة مع الكبار ، وبهذا تنطوي صفحة حواء ذو النورين مع آدم الشامي وسوريا والعراق وما اصابها من ويلات.  وهناك في فلورنسا تتعرف على( آدم بوناروتي) الفنان العراقي الذي شرحنا قصته أعلاه  .
نفهم من الرواية حول الأنظمة العربية التي لاتحترم نفسها والكل لايحترم الكل ، بأنّ الجميع مهان ، موظف يهين أخيه الموظف الآخر وهكذا سلسلة مترابطة من الإهانات ، ولذلك نجد آدم الشامي زير النساء الزاهي ، واقفاً ذليلاً مهانا أمام رجال الأمن الذين يعمل معهم كوكيلٍ وقواد يجلب لهم أجمل النساء ، دون شكرٍ أو جزاء ، بل يخبرونه بكل وقاحةٍ عن زوجته وإبنته و عملهما لأدارة بيت دعارة للفتيات العراقيات والأفريقيات وتلقب أم قابيل، فيخرج مهزوزا محطما ومدمراً من أسياده الذين لم يعيروا لمشاعره أيّ ذرةِ إحترام .، هكذا هو الحال هناك في بلدان القساوة .
ابنُ آدم الشامي أعطاه الروائي اسم قابيل ، لما له من الدلالة على القتل ( قتل هابيل) والذي يتبين فيما بعد بأنه مجرم متطرف . ويالها من عائلة ، الأب حزبي قواد ، المرأة والبنت تديران بيت للدعارة ، الإبن متطرف إسلامي قاتل .
آدم الشامي هذا ينتهي النهاية المحتومة ، هو وعائلته بأكملها ، وكأن الروائي أراد لنا أن نرى يوم الدينونة التي أقرّها الروائي اليوناني الشهير ( نيقوس كازانتزاكيس ) ، أن نراها هنا في الأرض ، لا في أباطيل القيام . لانريد أن ننتظر كي نرى الطغاة يتحاكمون في الدنيا الآخرة كما يزعم رجال الدين لغرض تخديرنا والضحك على ذقوننا ، ولذلك راح الروائي برهان شاوي يرسم لنا النهاية المخزية لآدم الشامي ، هو وعائلته وكأن الروائي يريد لنا ان نفهم أن هذه الشخصية تستحق مما يصيبها ، لما فعلته بالآخرين ، زوجته تنتهي نهاية غير مشرفة بكونها تدير بيت للدعارة هي وإبنتها ، ولايوجد أسوأ من هذا الحال ، هو يقتل إبنه دون دراية منه كما سنبين لاحقا ، هو يصاب بالجنون و يظل يتحاور مع إبليس الذي يراوده بين الفينة والأخرى وفي حالات من الهلوسة والتخيل ، وفي بعض الأحيان يصور لنا الروائي شخصية هذا الآدم الشامي ، بأنه عطوف وحنون ، وهذا ظهر لنا من خلال تعاطفه مع حواء ذو النورين وتخليصها من المأزق التي هي فيه وإخراجها الى فلورنسا ، بالرغم من إستغلاله لها جنسيا ، وهنا نستدل بأن الشيطان يظهر أحيانا كفاعل خير فهو ليس شراً مطلقاً ، فهو الذي أتى الى آدم الشامي بهيئة رجل أشقر وسيم وأشار اليه بمساعدة حواء ذو النورين . كما وإنّ الروائي أراد إيصال رسالة لنا مفادها ، بأن كل إنسان في داخله من الشر والخير ، فأيهما يتغلب على الآخر تكون هي شخصية الإنسان المعني في الغالب ، وهنا هذا الرجل ( آدم الشامي) يبدو شريرا أكثر مما هو خيّراً .
ينتهي آدم الشامي الى الجنون ، ينتهي في صراعه مع نفسه ، نتيجة المهنة التي يمتهنها ، تلك المهنة التي تجعل منه إنسانا مسخا ، إنسانا عديم الكرامة والإحترام ، يخجل من نفسه لكونه قوادا ، يراوده إبليس على هيئة ( رجل أشقر وسيم) لغيرته منه أحيانا ، كما حصل وهو يتكلم مع حواء ذو النورين ، حيث يتخيل أن هناك رجلا وسيما يزاحمه على حواء ذو النورين ، فإذا به إبليس ، وفي مرة وهو ينظر من الشرفة يرى الناس جميعا وكأنهم أبالسة متشابهة . وصفُّ رائع من قبل الروائي ، وصف للحالة التي تمر بها الأمة العربية ، الغالبية العظمى من الشعوب العربية مدانة في كل تصرفاتها المخزية ، تصرفاتها التي لاتليق سوى بالشياطين الذين هم من صنع الشعوب أساساً . لنقرأ الجنون الذي حلّ بآدم الشامي في هذه الهلوسة الممتعة التي يخاطب بها  إبليس آدم الشامي :
( هل أنا عقلكم  هل انا إرادتكم ، هل أنا شهواتكم ، هل انا أملك مصانع الأسلحة في العالم ، هل أنا أشعل الحروب أم أنتم البشر الذين تشعلوها من أجل إرواء شهواتكم للمال والسلطة والهيمنة ، إنكم في صراع مع الله وليس معي ، أنتم تشاركوا الله في عملية الخلق ، تنتجون الأعضاء الإصطناعية ، تنقلون القلوب والكلى والأطراف ، تريدون خلق جنس بشري مثلكم ، وأنتم تتحدون الخالق ) .
  ثم يقول أيضا :
 (أديانكم كلها .. بل حتى الأديان البدائية ، هي التي إخترعتني ، خلقت إسطورتي ، وبرغم ذلك تؤكد بأني أغوي الأنسان ...أدفعه لفعل مايضر الإنسان نفسه والإنسانية جمعاء).
ثم يستمر أيضا :
(كيف لي أن اكون في أعماق ستة مليارات في الوقت نفسه ، ستة مليار إنسان ينتمون الى مئات الدول ، وآلاف اللغات ، وآلاف القوميات ، وهؤلاء ينتشرون في في مشارق الأرض ومغاربها , وأقوم بكل مالدي من موهبة لأغوائهم ؟ أأنا إله ؟ ....... أأنا اإله).
ثم تأتي براعة الروائي في آراء إبليس هذه المرة التي يعطيها الى آدم الشامي ودليله على أن الرب لا الشيطان الذي يقتل الناس فيأتي إبليس الى آدم الشامي في المنام فيوقظه ويقول له أدناه :
 (إستيقظ يا آدم ، لقد قام البعض بإسم الرب والدين والإيمان بجريمة كبرى في الفندق ، إستيقظ وانقذ ماتبقى من أرواح من قبضة هؤلاء المؤمنين القتلة ، كهنة الجحيم ) .
فينهض آدم الشامي ذاهلاً ، فيجد مجموعة من الإرهابيين المسلمين المتطرفين يهجمون على الفندق ، وهذه إشارة الى الحرب الأهلية الدائرة اليوم في سوريا ، فيشهر آدم الشامي سلاحه وتدور معركة بين من في الفندق والإرهابيين فيموت عددا من الطرفين ، ويتبين لاحقا أنه قتلَ من بينهم إبنه( فلذة كبده) الذي أصبح متطرفا ، وجاء هنا في غارته على الفندق مع هذه المجموعة الإرهابية ، وتشاء ألأقدار أن يقوم آدم الشامي بقتل إبنه دون دراية منه. هنا نجد دهاء الروائي وكيف ضرب عصفورين بحجر ، كلا من الأب والإبن هما في صف الجريمة ، الأب سافل منحط في جميع نواحيه ، والأبن مجرم إسلامي متطرف وقاطع رقاب ، فلابد لهم أن ينتهوا على يد أنفسهم لا من قبل الآخرين ، كعقوبة من قبل الضمير الروائي والإنساني ، كي لاتتلطخ أيدي الآخرين بدمائهم ، هكذا أرادها الروائي البارع برهان شاوي . وبهذا تنتهي حياة آدم الشامي زير النساء القوّاد ، محطما بين زوجة وبنت تديران بيتا للدعارة وابنا إرهابياً قاتلاً ومقتولا في النهايةِ من قبل والده . .وهذه الفبركة السينمائية تذكرني بالفلم الأمريكي ( يد الله) حيث الأخ يقتل أخاه نتيجة أختلافهم حول نبوة أبيهم ، الذي يخبرهم بأنه مكلف من قبل الله لقتل الأشرار ، فيقوم بإرتكاب الجرائم بإسم الله ، فأحد أبناءه يؤمن به وهو الأصغر ، بينما الكبير يتهم أباه بالمريض النفسي والمجرم والقاتل ، فأراد الأب أن يقتل إبنه لكي لايشي به للشرطة ، لكن أخوه الأصغر هو الذي يقوم بالمهمة ويقتل أخاه الأصغر لكونه مرتد وغير مؤمن بالله وبرسالة أبيه .
نهايــة الروايـــة .............
بينما حواء ذو النورين في فلورنسا ، تنقلنا كاميرة الرواية الى سوريا في فصلها ماقبل الأخير (قصيدة الموت ) ، حيث الحديث الدائر بين كل من آدم كارثة الدكتور الخائن لصديقه ، وآدم ابو التنك ، وحواء الكرخي وآدم الشبيبي الشاعر صديق حواءالكرخي وحديثهم عن عراق الموت والدمار ، يقول آدم الشبيبي ( صرنا نخاف النوم كي لاتأتينا الكوابيس المرعبة ، ونخاف الصحو لأنه يعني الإستمرار في الكابوس ) .
يموت احد العراقيين القادم من السويد في فندق في سوريا حيث كان مع الأنصار الشيوعيين ولم يمت في الحرب ، لكنه مات هنا بالسكتة القلبية حيث جاء لرؤية أهله وذويه ، وهذه من غرائبيات الموت الذي يلاحق العراقيين بشكلٍ لايصدق .
حواء الكرخي الشاعرة والصحفية تموت مقتولة في الفندق من قبل فرق الموت والتصفيات الدائرة اليوم في عراقنا ، بينما يرن تلفونها من قبل حواء ذو النورين من إيطاليا ، دون إجابة ، للدلالة على نهاية المطاف الحياتية بين الصديقتين ، فما أروع الروائي في صنع هذا المشهد الحزين  .
أخيراً نستطيع أن نستكشف من خلال الرواية عن حال العراقيين والعرب المشتت ، فالبعض هرب الى المنافي وقسم آخرُ في سوريا في أتعسِ حال ، وقسم آخرُّ يموت في الوطن من التفخيخ والمرض والجوع .
في النهاية حواء ذو النورين تذهب الى ايفا سميث وهناك يتراءى لها إبليس بهيئة رجل أشقر وسيم ، جالساً بالقرب من إيفا سميث في المقهى الباريسي حيث إيفا تنتظرها هناك ، فهو دائما يظهر بهيئته المسيحية أو المسلمة ، وهو نفسه الذي رأته في سوريا . إنها لازالت تبحثُ عن الجنس والمتع رغم كل ما أصابها من هول الفقد ، إنها تريد الحياة لا الموت الذي تركته هناك في تلك البقعة العنيفة التي إسمها العراق . 
ينطلق القطار من إيطاليا متجها الى باريس حاملاَ كلاً من الأنيقتين حواء ذو النورين وإيفا سميث ، بينما رجلُّ أشقرُّ وسيمُّ يجلس في الزاوية وأمامه الكتاب المقدس والقرآن الكريم ، وهذه آخر إشارة يبعثها لنا الروائي على إننا مازلنا في نفس التفكير المتخلّف والمدمّر ، والطريق الشائك ، حتى يدخل القطار بهنّ في (نفق طويل مظلم ) . بهذا يتوقف السرد الخلاّب  عن الكلام المباح بتلك الكلمات الثلاث.
إنتهــــــــــــــــــــــــــــى....
هــاتف بشبــوش/عراق/دنمارك