المحرر موضوع: عالم اليوم لا يقاس بعالم البارحة  (زيارة 860 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عالم اليوم لا يقاس بعالم البارحة
بقلم: ميخائيل ممو
عالمُ عَقدٍ ما من الزمن لا يقاس بعالم عقود أو حُقوب من الزمن الذي تليه وفق معطيات الطبيعة البشرية التي تمليها تجارب الحياة، ليكون مفادها التحكم بسلوك الفرد والمجتمع، أو تلك التزعات التي تمليها آليات التطور والتغيير من حقبة لإخرى من الدهر. ولهذا عادة ما نقول في أحاديثنا الذي تفرضه المقارنة لمسألة أو حدث ما بأن عالم اليوم ليس عالم البارحة أو الأمس البعيد، ليتم إثبات ما نحن بصدده، بغية إقناع المُقابل في حال إعتصامه وتجاوزه لحدوده بسلوك يتنافي ومنطق الواقع المألوف، رغم أن مفهوم البارحة هو اليوم الذي يسبق نهاره, أي أقرب ليلة مضت وانقضت، لتكون مثالاً يحتذى به للمقارنة والمفارقة بما هو عليه الفرد أو المجتمع مهما بلغ من وعي وإدراك.
لذلك عادة ما نستشهد بالمقولة الأخيرة في حديث عابر لنفند ما لا يتطابق أو يقاس وعالم اليوم, وهذه بديهة طبيعية لا يمكن نكرانها أو التغاضي عنها طالما الزمن في مسار طويل ودائم غير محدد كسريان الكوكب حول الشمس، وكجريان نهر ما إلى ما لا نهاية. ودليل ذلك ما واكب مجاراة ومعايشات مراحل التطور البشري منذ الخليقة, والتغير الحضاري الذي وَلّـدَ وأبرَزَ مكونات بشرية تجاري الأزمان التي إنقضى وجودها وانقرضت، ومنها ما زالت تحتضر من تلك المكونات التي تقولبت على معتقداتها اللاإنسانية, ولم يبق لنا منها سوى آثار مآثرها وتاريخها ـ سلباً وإيجاباً ـ الذي نشهد له في أمثالنا وحِكَمُنا وحكاياتنا. هذه حالة طبيعية يعيشها الإنسان أيضاً وفق متغيرات حياته الطبيعية إلى اليوم الذي يواريه الثرى، لتكون حياته مبعث الذكرى للأجيال القادمة من بني جنسه من خلال علاقاته الإنسانية ودوره في المجتمع بين أبناء جلدته، ومن الجانب الآخر لبني البشرية جمعاء إن كان من الذين أبدعوا في حياتهم وخدموا الإنسانية بأفكارهم وإبداعاتهم وتألقهم لتحقيق مشاريع معينة لها أهميتها ومكانتها وجدواها. وبما أن افراد المجتمع متفاوتون في طبائعهم وقدراتهم وطموحاتهم، ليس بوسعنا أن نقارن ونقيس أبناء البارحة عن أبناء اليوم, وفي كافة المراحل والعهود الزمنية التي عاشوها وتطبعوا على مآثرها وموروثاتها. لذا نقولها وبكل بساطة وسهولة بأن ابن اليوم يختلف كلياً عن ابن البارحة. ولو تساءلنا ما الفارق؟ وبماذا نؤكد ذلك؟ لتعددت الأسباب وتفاوتت الآراء والتأويلات برؤيا واجتهادات منفردة معتمدة على مفاهيم أسس التربية الدينية وتفاوت المعتقدات السياسية وإلتزامات المعايشات الإجتماعية وغيرها من المعايير والتفاسير.
رغم التفاوت الذي نعوّل النفس على الفَتِه, فإن التقنيات الحديثة تفرض وجودها لتزيد من حدة الوعي لدى الفرد والمجتمع في أية بقعة من أرض المعمورة على المقارنة والمقايسة, ومعرفة كل شئ عن كثب حين تم الإعلان عن العالم بأنه أصبح قرية صغيرة مسيجة بتكنولوجيا أو تقنيات أطر المعلوماتية التي قيضت للبشرية كل شئ وما لا يمكن اخفاءه بالسر, وبتلك بوادر ومظاهر العولمة التي قرّبت شعوب العالم من بعضها, ليصبح كل فرد على مقربة ومعرفة مباشرة لكل ما يسود في الحياة اليومية، وأكبر دليل على ذلك وسائل وقنوات التواصل الإجتماعي التي أزاحت أقنعة الإختفاء خلف أسوار الحياء وجدران الممانعة المتوارثة لمجتمعات معينة، وكشفت عن المظالم التي تفرض بالعمد على العباد في أصقاع من العالم غير المتمدن الذي ما فتأ يتنفس الصعداء بالخفي في عقر داره للإفراج عن همّه وضيقه بإزالة الحسرات والتنهدات المُسوّرة بتأوهات الألم والكآبة، وبعلانية التستر التدويني والصوتي المدبلج أحياناً خلف ستائر الأسماء المخفية في ظروف معينة تفرضها عدة عوامل كالبيئة الإجتماعية، المُعتقد الديني وطبيعة العادات والتقاليد الموروثة المُسورة بالتحريم كما في السعودية واليمن على وجه الخصوص, وكما يتضح ذلك عِـبْر تلك القنوات التي لا حصر لها من خلال سلطان العصر المتمثل بالهاتف المحمول وأجهزة الأنترنيت على سبيل المثال لا الحصر التي استعاضت عن معاشرة الصحاب أو المخالطة بالمواجهة العلنية المباشرة عن كثب من القريب والبعيد. ليعيش الفرد أسير ذلك الواقع دون معرفته المباشرة عن الزمن الذي استلب شغاف قلبه وحصره بلهوٍ دائم في عالم تلك الدائرة المُسيجة بالأشواك والورود أحياناً متى ما تم الترفيه عن النفس خفية، ولتكون في عرفه الأماسي التي يطول أمدها أضعاف وضح النهار في غياب من يتحكم عليهم بالمحظور لا تنطوي على اسس حرية الرأي, غير آبه للجهد اللاإرادي الذي ينتزع من ديمومة وجوده رويداً رويدأ بهدوء وتؤدة والتصرف بدون رَويّة من غير شعور مباشر قد يؤدي أحياناً إلى ما لا يحمد عقباه بالقرصنة على أسرار المتحدث والإطلاع على الخفايا المخزونة بفك رموز التشفير للإسم المُشفر بطريق المراوغة المبطنة بأساليب الإطمئنان والقناعة للطرف الآخر، وبالتالي يتسلح به المُقرصن للغرض النفعي أو التشويهي بالإشهار الصوتي والرسائل النصية والفيديو وغير ذلك بغية التخويف والتهديد والفضح لتحقيق المآرب والمقاصد المخفية التي تخالج نفسية المُقرصن من المصابين بداء النرجسية اللاأخلاقية، واستغلال ذلك بمطالب السوء ومن كلا الجنسين على ضوء نتائج الإحصاءات والبيانات التي تكشف عنها إدارات المؤسسات والشركات المشرفة على مواقع الإتصالات الإجتماعية ومنها الفيس بوك، توايتر، سناب شات (المحادثة السريعة)، سكايب، بالتولك وغيرها المميزة بعدد زوارها البالغ بالآلاف إن لم يكن فوق المليون يومياً من كافة أنحاء العالم, دون التمييز ما بين الغث والسمين لتكون نتائجها الطامة الكبرى للذين وقعوا في شِباك تلك المواقع من الشبكة العنكبوتية. والأغرب من كل ذلك أيضاً أن يستقبل أصحاب البريد الألكتروني بين فترة وأخرى رسائل إغراء في غاية السرية من مؤسسات ومصادر لا علم لهم بها، وبتصورهم على انها رسمية تتمتع بالمصداقية، حيث تقوم بإغوائهم لتبلغهم وتبشرهم فيها عن فوزهم بمبالغ نقدية غير متوقعة وبجمل عديدة منها " عنوان البريد الخاص بك قد فاز بكذا مبلغ " مطالبين فيها معلومات شخصية ومن ضمنها الرقم الحسابي بغية تزويدهم بتلك المبالغ الخيالية، فيتم الإستحواذ على قرصنة المعلومات المخزونة واستغلال ذلك بالتعهد على الضمان بالأمان بوسائل النصب والإحتيال التي تبعد الشك من المبتدئين الذين لا علم لهم بها وتنقصهم الدراية الكافية من حقيقة تلك القنوات رغم تكرار المحاولات بأساليب متنوعة.
ولا يفوتنا هنا أن نشير على ضوء ما شاع وقيل عن الإرهاب العملي والفعلي المباشر بحصد أرواح البشرية في البلاد العربية بشكل خاص، أن لا ننسى بأن من مسبباته الرئيسة هو الإرهاب الإلكتروني كما يتم وصفه بدليل صراعات الدول, وما يسرت له تلك القنوات من مجموعات القرصنة على كشف الحقائق والتشهير بما تضمنته الوثائق التي كانت محمية في غاية السرية. وكما قيل أيضاً بأن الربيع العربي الذي هجج مشاعر الشعب الثائر على سلطنة حكامه ومن بيدهم زمام الأمور هو من ولادة تلك القنوات، قلبت الربيع إلى صيف قائظ وشتاء قارص، لتكون نتائجه تكالب مكونات القوى المهيمنة على بعضها, وتجاهرهم بالعداء والتواثب على السلطة والثروات ومال الشعب الذي سُلِبَت حقوقه، وحًرّمَ من قوته، وهُجّرَ من مسكنه وأرضه ليلتحف العراء ويتأسى من حالات المرض والجوع والتشريد في أرض وطنه، وأكبر نموذج لذلك شعب العراق وسوريا بشكل عام، وتلك المكونات القومية من الآشوريين والمسيحيين قاطبة والايزيديين والصابئين والأرمن وغيرهم...  فحدث ولا حرج عن تلك الملايين التي تعاني الموت النفسي البطئ وهم أصحاء في ديار الإغتراب، يشكون حالة الإغتراب الذهني وهم بعيدون عن بلدهم ومجتمعهم وتقاليدهم لشعورهم بالتيه والضياع والإستعباد والإستلاب. تؤججهم مشاعر الذكريات المزدوجة المشحونة بحياة الماضي البعيد لأيام النعمة المباركة والأيام التي أسرتهم لتوخز حياتهم بالكوارث.
إذن دعنا نعلمك ـ عزيزي القارئ ـ إن كنت من الرواد الزائرين لتلك المواقع أو القنوات ولم يكن على بالك ما أشرنا إليه رغم اطمئنانك الساذج على التواصل والمحادثة والإنفتاح، أن تتسلح بالحذر من الأقاويل المغرية التي تمزج السم في العسل دون معرفتك, أو كلسعة الثعبان المباغتة التي تقودك لعض أصابع الندم, وحينها تنطبق عليك مقولة ( لاتَ الساعة ساعة مندمٍ ) أي ( ليست الساعة ساعة مَندمٍ )، وكما يقول المثل العراقي الشهير (الفأس وقع بالراس, وما مِنه الخلاص).
فالحذر كل الحذر من تستهويه عواطفه لخوض مياه البحر الهادئ في جوّ مستلطف بطبيعته المستدرجة للأمواج  المتلاطمة دون علمه بالتيارات التي تجرفه إلى الأعماق المهلكة.   
mammoo20otmail.com