المحرر موضوع: فسحات في الاديان يستمد منها الجماعات الارهابية وحشيته رؤية في رواية " رقصة الجديلة والنهر" للروائية وفاء عبدالرزاق  (زيارة 1110 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوتيار تمر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 186
  • الجنس: ذكر
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

فسحات في الاديان يستمد منها الجماعات الارهابية وحشيته
رؤية في رواية " رقصة الجديلة والنهر" للروائية وفاء عبدالرزاق
جوتيار تمر/ كوردستان
29/1/2016
تتشكل المعالم الحقيقية للمجتمعات الواقعة تحت سوط الارهاب من خلال الادبيات التي تحاول رصد الحقائق من الواقع العياني وتوظيفها ضمن سلسلة من المنظومات الدلالية والبلاغية والتشكيلية المشهدية وفق تداعيات ومعطيات تمنحها صفة تجنيسية ادبية، والرواية ضمن هذه التشكيلات اخذت حيزاً كبيراً ودوراً مميزاً في احداث نقلة موضوعية وجدية وجدلية لجعل المتلقي يبصر وقع الارهاب على الناس وعلى جميع الاصعدة، باعتبار ان الارهاب اصبح يشكل احدى اتعس الحلقات البشرية على هذا الخراب المسمى الارض، فالانسان الذي يستمد قواه الروحية من الموروثات الدينية والميثولوجية نجده هو نفسه يجعل من هذه المصادر اداة بيده يوظفها حسب اشتهاءات ذاتية لاتنم عن وعي او اية انسانية، بحيث تصبح في صيرورتها اداة قتل وذبح واغتصاب وسبي، وغير ذلك من المصطلحات التي تتبناها هذه الفئات والجماعات الارهابية مبررة افعالها باسم الدين، وليس هناك شك بان الاديان نفسها تركت هذه الفسحة لهولاء بتبني هكذا افكار، حين اودعت شرائعها بين ايدي البشر ليقوم بتحقيق غاياتها، فاصبحنا نسمع هرطقات فاقت الغباء من اصحاب اللحى والعمامات تجاوزت حدود المنطق والحياة الانسانية، كمن يحرم لحم الارنب ويعتبرها من الحشرات واخر يحاول تغيير مسارات الواقع البشري باعتبارات لاتنم عن الحقيقة بشيء، وعلى هذا المنوال يتكاثر اصحاب الرقع والاقاويل وينسبها للدين، الامر الذي استوجب على الكثير من الادباء خوض معركة الرد على هذه الهرطقات التي خلقت جماعات لاتنتمي في واقعها الا للدم وهدم القيم الانسانية الوجودية، واديبتنا وفاء عبدالرزاق هي احدى الاديبات التي حملت في كتاباتها هم الوجود الانساني دون تصنيفات ودون حواجز جغرافية، فكانت الناطقة باسم الانسان اينما حلت، ولاشك بانها خصت وطنها بالكثير من كتاباتها ولكنها كتابات يمكن اسقاطها وتعميها لتصبح هويتها الانسانية هي الغالبة كما فعلت في روايتها " رقصة الجديلة والنهر" التي استطاعت فيها رصد ديناميكية هذه الاتجاهات والافكار الارهابية وتأثيرها الكبير على وقع الحياة بمجمل اتجاهاتها وحالاتها.
وحين نقول بانها خصت وطنها ببعض كتاباتها فلانها تعلم بان احدى اشرس موجات الارهاب الان تعصف بوطنها، حيث حلم اعادة الخلافة او الدولة الاسلامية اصبح هاجس بعض ضعاف النفوس فاحلت لنفسها فعل كل شيء واي شيء من اجل تحقيق مكاسب تدعم فكرها المتلبس بالدين كغطاء عام، ان حلم احياء الخلافة غطاء اتخذته الكثير من الجماعات وهي نفسها التي سفكت دماء البشر بابشع الطرق، فكأن موروثاتها الدينية انما مبنية على هكذا افعال شنيعة، وعلى هذا الاساس اتت الرواية كممر استكمالي لمعالجة ملامح المشهد الابداعي المقاوم للارهاب الديني الكاشف احتمالاته الخطرة، ودوافعه واسبابه وسياقاته، فكانت رؤيتها العميقة النافذة والناقدة معلماً واضحاً حول دورها الابداعي والفكري المقاوم لكل اشكال الارهاب الديني..لقد راهن النص الروائي الخطابي على إشراك المتلقي في الرؤية التي صدرت عنها الكاتبة انطلاقا من موقفها الثابت تجاه الإرهاب ، وكل ما يتعلق بأفعال الجماعات المسلحة التي تتخذ لها لبوسا دينيا.
ولكنها في الوقت نفسه، اتبعت اسلوباً خطابياً مغايراً بحيث جعلت من المتلقي لايعيش الحدث خارج اطار الواقع التساؤلي الذي بدوره يعد حلقة مميزة في العمل الادبي، باعتباره يفتح الكثير من الافاق امام المتلقي ليلج من خلالها الى ماهية الموضوع نفسه والحدث بترافقية وتلازمية مشهدية نابعة من الصور المعلقة مسبقاً في اللاوعي والتي يحركها صور اخرى منظورة ضمن نطاق الوعي الاني، فحين نحاول ان نلج الى ضمنيات الرواية نجد بأنها تراهن كثيراً على الانصات كموجب ملازم لادارك مقاصدها داخل ثيمات الحبكة نفسها، وذلك عبر توظيف شخوص يقومون بتحفيز التثويرات اللحظوية داخل المجسات المضمرة من الصور والمشاهد المرئية المتاحة، والتي تتطلب انتباهاً من المتلقي ومن ثم تثير تفاعلية واضحة حول حراكاتها لتنعكس بالتالي على سير الرواية والحدث الروائي اجمالاً.
لقد استطاعت الرواية من انتاج كم هائل من التساؤلات التي بدورها تمخض عنها تفاعلات بمستويات متعددة، " أنا أيضاً لديَّ تساؤلات .....ماذا سيحدث بعد هذا الرأس المقطوع ؟...... وأين تلك الكلمة، التي تهز السماء......" ، ان استجلاء صوت التساؤل هنا لايقتصر على المخالجات التي اثرت على نفسية الروائية وفاء عبدالرزاق فجعلتها تستجدي عبر سلسلة من التساؤلات ماهية الحالة التي رصدتها، فعمق التوحش والوحشية ليس فقط الهدف، انما هي مدخل للبحث والتقصي عن الكثير من التلازميات التي يمكنها ان تفي حق وحجم الواقعة التي رصدتها الروائية فتناسلت هذه التساؤلات عنها.. فالاسئبة تبدأ بأنا.. لتعيش وقع مابعد قطع الرأس.. لتتصاعد وتيرتها فتتوجه الى السماء.. انها بحق لوحة رسمت بتقنية مستفزة، وداعية للكثير من التأمل.. فالممأساة ليست وقتية، انما هي متجذرة في تاريخ الانسان منذ الوهلة الاولى التي وطأت قدماه الخراب" الارض" ، وتفشت بشكل مستمر وبتناوب عبر سلسلة من الاجيال.. مما جعلتها مادة خامة في محادثات النفس ضمن منولوجات داخلية واخرى برانيةي فاثارت منذ البدء كما كبيرا من التساؤلات والانفعالات والعواطف والمشاعر التي وصلت في الكثير من الاحيان الى الاحتجاج الضمني للسماء والاحتجاج الظاهري للواقع الديني وحاملي راية الارهاب الديني نفسه.. فريحانة لم تمثل لحظة نفسها، انما مثلت الوجود الانساني بكل تمفصلاته..ولكنها في الوقت نفسه تمثل المأساة الانسانية الضحية .. ان التضاد حين يتحكم بالانسان يصبح اداة ورهينة للواقع العياني الزمكاني، وهنا الزمكانية التي ابرزتها الروائية وفاء عبدالرزاق هي زمكانية مشبعة بالارهاب الدموي القائم على الذبح والنحر، والسبي والاغتصاب وفق اجندات خارجية، داعمة للقومية من جهة، وللدينية من جهة اخرى، فكان الضحايا بشر ينتمون الى بالدرجة الاساس الى الانسانية، فشنكال لم تكن مدينة وحوش، والكثير من المدن الاخرى وحتى سبايكر لم فيها وحوش من كوكب اخر انما هي كلها تنتمي الى الانسانية حتى وان كانت من قومية او مذهبية او طائفة مغايرة لاصحاب الفكر الارهابي الديني.
ولهذا من يقرأ رواية رقصة الجديلة والنهر للروائية وفاء عبدالرزاق سيدرك بانها من احدى اهم الروايات في العصر الحديث التي رصدت عمق المأساة الانسانية جراء تعسف الارهاب الديني بكل اشكاله وكل تصنيفاته، وفضحت بشكل جذري وواضح ذلك الرداء الواهي الذي يتخفى ورائه اصحاب اللحى، عبيد الجنس والدم والذي يتمثل بالدرجة الاساس ب" داعش" الذين اباحوا كل المحرمات وانتكهوا كل الاعراف ومارسوا كل اللاممكنات تجاه ابرياء، فتخطوا بافعالهم كل منطق وكل عقل، حتى اصبحوا وكما اظهرتهم الروائية ضمن احداث روايتها ابشع انموذج بشري موجود الان، حتى غدت الرواية انموذج حي وواقعي حول امثالهم فقد استطاعت وفاء عبدالرزاق بمهارة روائية تعرف كيف تؤثث لمشهدها الروائي الواقعي ان تستقطب ممكنات السرد الوصفي والصور البيلوغرافية كي تتحول الرواية الى معلم ادبي في التاريخ المعاصر..