المحرر موضوع: رقعة التحديات الأمنية تتسع في حوض المتوسط  (زيارة 832 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31477
    • مشاهدة الملف الشخصي
رقعة التحديات الأمنية تتسع في حوض المتوسط
يعد حوض البحر المتوسط من المناطق الأكثر حساسية أمنيا واستراتيجيا، وقد خلق ظهور جيل جديد من الأزمات جوا من اللايقين الأمني داخل جل دول المنطقة المتوسطية. وأصبح خطر انتقال الأزمات كبيرا، وأكثر مستوياته خطورة أضحى معولما متمثلا في خلايا الإرهاب وتدفق المهاجرين غير النظاميين. ويبقى كبح تلك الأخطار المتنامية والمتناسلة رهينا بمستوى تدفق المعلومات وفعاليتها وتحيينها وتحليلها وسرعة اتخاذ القرارات اللازمة والمتداخلة عسكريا واستخباراتيا وفكريا للتعامل معها بفعالية وأكثر إنتاجية ودقة.
العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 16/02/2016، ]


من ليبيا يأتي الخطر
الرباط- أضحت المشاكل والأزمات الأمنية معولمة بشكل متزايد وغير قابلة للقياس الهوياتي أو الأيديولوجي. ومن ثم بدا الهم الأكبر لدول جنوب وشمال البحر المتوسط على حد سواء هو تأمين الحدود وتفعيل خطط التحكم في البيئة الاستراتيجية لهذه المنطقة.
وقد طرحت “العرب” على مهتمين مغاربة في العلاقات الدولية والاستراتيجيات، أسئلتها الاستقصائية حول إلى أي حد يمكن اعتبار التدخلات العسكرية بجنوب المتوسط عاملا مساعدا في تمدد الخلايا الإرهابية خصوصا تنظيم داعش الذي يستفيد من خلخلة الأمن بالأماكن التي يتواجد بها، وحول الأدوار التي يجب على دول المنطقة الاضطلاع بها للتضييق على نمو الخلايا الإرهابية، وموقف المغرب، بالتحديد، من التحديات الأمنية بالمتوسط خصوصا ما يقع بليبيا وتونس وتاثير أي عملية عسكرية بليبيا على أمنه القومي.

اعتبر سعيد الصديقي، الأستاذ المشارك للقانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا، في حديثه مع “العرب”، أن التدخل الأمني الجزئي دون بناء مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية هو الذي يترك الفراغ للجماعات المسلحة لتستفيد من الفوضى القائمة كما حدث في ليبيا ويحدث حاليا أيضا في سوريا. وأضاف موضحا أن عدم التوافق بين المتدخلين الأجانب وتناقض مواقفهم ومصالحهم يكرس الفوضى الأمنية التي تلي انهيار مؤسسات الدولة القائمة مما يسمح أكثر لهذه الجماعات المسلحة بتوسيع نشاطها.

موقف المغرب
المعروف أن المغرب يقف على خط تماس مباشر مع أوروبا حضاريا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وجغرافيا من خلال مضيق جبل طارق، فهو معني أكثر بالحفاظ على أمن هذا المجال الجغرافي لأنه يعتبر من أمنه القومي. لهذا كان ضروريا معرفة موقفه من التحديات الأمنية بالمتوسط خصوصا ما يقع بليبيا وتونس.

وحول رؤيته لهذه القضية قال سعيد الصديقي إن استضافة المغرب لمفاوضات الصخيرات بين الفرقاء الليبيين ودعمه للحل السلمي يؤكدان سعي الرباط للحيلولة دون استمرار الانفلات الأمني في البلد الذي بدأ يتخذ أبعادا عابرة للحدود. واستبعد في هذه الفترة مشاركة عسكرية مغربية مباشرة في أي تدخل عسكري جديد في ليبيا لاعتبارات كثيرة، ولعل أهمها عاملان أساسيان وهما:

* القرب الجغرافي للمغرب من الساحة الليبية، وما يستتبع ذلك من خوف من احتمال قيام تلك الجماعات بعمليات انتقامية داخل التراب المغربي.

التجربة تؤكد أن التركيز على الحملات العسكرية الجوية دون إيجاد بديل عسكري مقبول من قبل السكان لن يؤدي إلى نتيجة

* تناقض مواقف بعض المتدخلين الأجانب في الأزمة الليبية والتي يرتبط معها المغرب بمصالح مشتركة، حيث يريد المغرب أن يبقى حاليا على مسافة واحدة مع مختلف هؤلاء المتدخلين، وقد ظهر هذا واضحا في مساهمته الفاعلة في مفاوضات الصخيرات التي كانت تسعى بعض القوى الخارجية إلى إفشالها بطرق مختلفة.

ولم يخف الصديقي أن بناء سياج شائك على طول الحدود الشمالية للمغرب مع الجزائر وتزويد هذا السياج بآليات رصد متطورة، يعد إحدى السياسات الاستباقية التي ينتهجها المغرب للحيلولة دون انتقال هذه الفوضى الأمنية التي يعد المغرب البلد المغاربي الوحيد الذي لا يزال في منأى عنها.

تداعيات العمل العسكري بليبيا
تصنف ليبيا داخل منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بؤرة خطيرة تتمركز بها أخطر الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش، الذي يهدد تمدده بشكل قوي أمن المتوسط ودول الجوار، لهذا روّجت دول غربية والولايات المتحدة للتدخل عسكريا في هذا البلد، الذي انهارت مؤسساته ولازال الفرقاء السياسيون يبارحون أماكنهم في إيجاد مخرجات حل متوافق عليه.

وأكد عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، في حديثه لـ”العرب”، أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية اتخذت قرار توجيه ضربات عسكرية لتنظيم داعش فوق الأراضي الليبية، والآن تعكف قيادة الحلف الأطلسي على إعداد سيناريو طريقة التنفيذ.

وأضاف منار اسليمي، أن الملف الليبي بات دوليا أكثر منه محليا، موضحا أن المساحات التي اكتسحها تنظيم داعش وتزايد عدد مقاتليه الذي يصل اليوم إلى ما يفوق 8000 مقاتل بقيادة أبوعمر الشيشاني الذي انتقل في الأسابيع الماضية إلى سرت، كلها عوامل جعلت سقف المخاطر الأمنية يرتفع حول حوض البحر المتوسط في تقييم الأميركيين والأوروبيين.

ولفت الخبير الاستراتيجي المغربي إلى أن الخطر سيكون أكثر على دول الجوار من مصر إلى موريتانيا، لكون الضربات العسكرية ستساعد على اندماج خلايا داعش والقاعدة، مضيفا أن هذا الاندماج شرع فيه مختار بلمختار منذ يونيو الماضي، ومن المتوقع أن تجمع ليبيا سيناريو مختلطا سوريا –عراقيا.

واعتبر أن الموقع الجيو استراتيجي يُساعد في هذا الإطار لكون ليبيا تطل من سرت على شريط البحر المتوسط وتتوسع نحو مناطق النفط، إضافة إلى أن السلاح منتشر بقوة، حيث تضاعف مقارنة بما تركه القذافي إذ يصل إلى ما يفوق 40 مليون قطعة سلاح، زيادة على مستودعات الغازات السامة التي قد يصل إليها تنظيم داعش في أي وقت.

المغرب من الدول المطلة على جنوب البحر المتوسط الأكثر واقعية في تعاطيه مع مخرجات المشاكل الأمنية المتعلقة بشكل خاص بالإرهاب والهجرة غير الشرعية
وأشار عبدالرحيم المنار اسليمي إلى أن الخطر يبدو كبيرا على الحدود المغربية لكون الجنوب التونسي منفلتا ويسوده نوع من الفوَضى من منطقة الكفرة على الحدود الليبية السودانية إلى منطقة الزويرات شمال موريتانيا، وهو شريط واسع يقطع الجنوب الجزائري الذي تنتشر فيه الجماعات الإرهابية وشمال مالي وصولا إلى المنطقة العازلة بين المغرب وموريتانيا.

وأضاف أن هذا الشريط يشهد تحالفا كبيرا بين المهربين والجماعات الإرهابية يقوده في المثلث الممتد بين الحدود الليبية الجزائرية والجزائرية المالية مختار بلمختار، وفي المنطقة العازلة شمال موريتانيا أبوالوليد الصحراوي الذي بايع أبوبكر البغدادي منذ سنة.

وشهد جل المراقبين أن المغرب من الدول المطلة على جنوب البحر المتوسط الأكثر واقعية في تعاطيه مع مخرجات المشاكل الأمنية المتعلقة بشكل خاص بالإرهاب والهجرة غير الشرعية، عبر مقاربة فعالة وسياسة استباقية تراكمية، فكيف ستكون تداعيات التدخل العسكري ضد دواعش ليبيا على المغرب، حول هذا الواقع اعتبر سعيد الصديقي أنه يتوقف على حجم التدخل وطبيعته.

وأوضح وجهة نظره بأنه، إذا كان التدخل العسكري شاملا وحاسما فلا شك أنه سيكون في صالح المغرب وباقي دول المنطقة، أما إذا كان التدخل جزئيا فسيؤدي لا محالة إلى توسيع الفوضى الأمنية القائمة، وقد ينقل نشاط هذه الجماعات إلى مناطق أخرى.

ولفت إلى أن التجربة أكدت أن التركيز على الحملات العسكرية الجوية دون إيجاد بديل عسكري مقبول من قبل السكان لن يؤد إلى نتيجة مهمة، ونموذج ليبيا شاهد على هذا، كما أن التدخل البري المحدود دون الحصول على رضا السكان سيحول ليبيا إلى مستنقع لجنود الدول التي ستشارك في هذه العملية العسكرية، وهذا هو أحد أهم أسباب تردد الدول الكبرى في التدخل المباشر حتى الآن.

من أولويات دول حوض المتوسط التصدي لكل ما من شأنه أن يمثل تهديدا للسلام والأمن والاستقرار، كونه تهديدا وجوديا لكافة المنطقة

ساعة الصفر والأولويات
تحيط بمنطقة حوض البحر المتوسط الكثير من الأزمات المتراكبة والمتداخلة ليس أقلها تمدد العمليات الإرهابية وعدم مركزيتها، الشيء الذي يجعل هذه الرقعة الجغرافية أكثر حساسية أمنيا واقتصاديا لكونها محلّ تنافس من طرف القوى العظمى.

وتعتبر ساعة الصفر للتدخل المزمع في ليبيا بعيدة نسبيا، فهل يمكن أن تكون لهذا الأمر علاقة مع وجود اختلاف في وجهات النظر بين المتدخلين الغربيين والولايات المتحدة، وصراع هذه الأخيرة مع روسيا حول المصالح والنفوذ والقواعد العسكرية سواء في شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط؟

سؤال أجاب عليه عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، في حديثه لـ”العرب”، قائلا إنه في تحليل التنافس الدولي يبدو أن الأزمة الليبية تهم الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، ولازال التأثير الروسي فيها ضعيفا عكس ما يجري فوق الأراضي السورية.

واستدرك مشيرا إلى أنه من الممكن أن تدخل روسيا التنافس الدولي في النزاع الليبي وسيكون ذلك عبر بوابة تواجدها في البحر المتوسط، أو عبر بوابة مصر من الشرق في حالة إحساس مصر بخطر التدخل أو عبر بوابة الغرب من الجزائر نظرا للتعاون الكبير بين الروس والجزائريين.
ومن أولويات دول حوض المتوسط التصدي لكل ما من شأنه أن يمثل تهديدا للسلام والأمن والاستقرار، كونه تهديدا وجوديا لكافة المنطقة في ظل ظروف الفوضى والصراعات المتنامية، ولكون ما يقع في ليبيا يمثل قنبلة خطيرة شظاياها قابلة للانشطار شرقا وغربا، فهذا الأمر يهم كافة الدول المطلة على حوض الأبيض المتوسط.
محمد بن امحمد العلوي