المحرر موضوع: معقل الأرمن وخيمتهم: برج حمود البداية  (زيارة 6540 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sound of Soul

  • الاداري الذهبي
  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 13100
  • الجنس: أنثى
  • اردت العيش كما تريد نفسي فعاشت نفسي كما يريد زماني
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.ankawa.com/forum/index.php/board,53.0.html




عنكاوا كوم \ الاخبار



بعد كل شيء لن يقبل الأرمن أن يضعوا ذاكرتهم على رفوف الماضي. قبل قرنٍ ــ والآن صارت التسمية صحيحة تماماً ــ كانت النساء تباع في حلب، وكن يصلبن على خشب الأشجار التي ربّوها حتى كبرت وعُذبت أجسادهم فوقها. وكان الجنود قتلة، والسماء تراقب آلام شعب يُلقى في نهر دمهِ

أحمد محسن
يحكي الوارثون قصصاً لا يمكن اختراعها ولا يمكن تصديقها. لا يمكن لتلك القصص إلا أن تكون صحيحة، وفي الوقت ذاته إنها قصص لا يرغب أحد بالقبول بحدوثها. غالباً ما تكون قصص الإبادة على هذا النحو، والأرمن لا يقبلون اسماً آخر للواقعة: إبادة لا مجزرة. إبادة لا مجازر. لا مذبحة ولا مذابح... إبادة.

وفي بلاد كبلادنا اعتادت على الإسقاطات ولم تعتد على المنهجيّة، قد لا يُعرف جميع الفاعلين. يقال إن للعثمانيين شركاء في المذبحة من كُردٍ وعرب تنصلوا كما تنصل المتهم التركي الأول. وقد لا يقال إبادة، فتمرّ التسميات وتنتهي، مرور «أراكس» بمحاذاة إيران قبل أن يصب في تركيا. لكن نهر الدم الأرمني وصل إلى لبنان ذات صبيحة يوم ربيعي في منتصف 1915.


وطن الأجيال الصغيرة


في دير الزور ما زالت هناك عظام شهداء، لكن لبنان بالنسبة إلى الأرمن صار وطناً نهائياً وحاسماً. لا يعني ذلك أنهم تخلوا عن أرواح الأسلاف، أو أنهم يقيمون في برزخ من الذكريات. أرمينيا وطن الأجداد، لبنان وطنُ الأجيال الصغيرة؛ بلاد للمستقبل. هكذا يعيش الأرمن داخل معادلتهم، وهم يعرفون ربما أكثر من غيرهم لعبة الهويّات وحجم التضحيات التي قد يضطر أهلها إلى تقديمها من عظامهم. تضحيات بأحجام كبيرة.

في حالة الأرمن الذاكرة لن تكون آخر التضحيات. يحتفظون بحق الذاكرة، وتركوا الردّ لمن يحبّون الثرثرة. قبل مئة عام، عندما وصلوا إلى برج حمود، كانت المنطقة الخلفيّة بغالبيّة شيعيّة، كما يقول آغوب، حارس البلديّة، وحارس ذاكرته من طوفان الهويّات على سطح المدينة. يتذكر، حكاية الاسم، الذي لا يفهم سرّه معظمنا.

لماذا لا يوجد «يان» في آخرهِ، لماذا الاسم ليس أرمنياً على الإطلاق. وعلى ذمة آغوب، ذلك لأن صاحب المبنى، في آخر النبعة، وأول برج حمود، كان من آل حمود. والمبنى المقصود، كان من طابقين. وعلى مقاييس ذلك الزمن، أي في عشرينيات القرن العشرين، كان ذلك يحسب بُرجاً، يتيح للنظر ما لا تتيحه المنازل الملاصقة للأرض كأنها تتشبث بها. غير أن الأرمن أحضروا الأسماء معهم. آنذاك، كان يمرّ نهر تحت الحديقة من ساحة البلديّة وتحت مطعم «بيدو». تحت المصارف التي كتبت لافتتها بالأرمنيّة، وتحت المحال التجارية المرصوصة إلى جانب بعضها بعضاً كما لو أنها وجوه متعددة لشخص واحد، تحت كل شيء في المنطقة، كان يمرّ نهر بيروت. جاء الأرمن ووجدوا كل شيء متروكاً على حاله منذ وقت سحيق: المستنقعات، الأعشاب الوقحة على أطراف الشارع الذي لم يكن شارعاً بعد، والنهر، الذي تُرك لكي يعيد إليهم مشهد الوقوف أمام الجريان، فأسمّو الحيّ «أراكس».

يتذكر آغوب. يردد بين الفكرة ومثيلتها تعلّقه بلبنان. يردد مثل الذين يرددون: «وطننا وجميع الطوائف أهلنا ولم نقاتل في الحرب». تعلّمنا من حروبنا. بين مجموعة رجال في سن آغوب، أي جميعهم فوق الستين، يبدو صديقنا، الذي هو أكبرهم سناً، أكثرهم صدقاً وجموحاً للتصديق بأن «كل شيء سيكون على ما يرام». إلى جانب أراكس، كان يوجد «كامب»، تخشيبات وبيوت. «كامب الكرانتينا»، المكون من الهاربين. حتى الذين اتجهوا إلى أنطلياس وصور وبنت جبيل والوتوات ذهبوا من برج حمود. يقول مسنون إن أرمن زقاق البلاط والوتوات والحمرا وباب ادريس كانوا من الميسورين، أو صاروا لاحقاً كذلك فانتقلوا إلى قلب العاصمة. أما «معموديّة» الأرمن، فهي هنا، في برج حمود.

أيام «فورد أبو دعسة»


لسنوات طويلة، عاش الأرمن هنا، وصارت لهم حصتهم من «قطعة الحلوى». ولكنهم سمعوا في لبنان تلك العبارة السخيفة: «ك... اخت البابور لي جابكم». رؤساء سابقون وزعماء ميليشيات وعنصريّون رددوها بصيغ عديدة، كما لو أنها مزحة، كما لو أنهم لم يقرأوا أو يعرفوا كيف وصل الأرمن إلى هنا، أو يفهموا كيف صاروا جزءاً من المكان. في أية حال، الأرمن يحنّون إلى بلادهم، وفي جولة قصيرة ببرج حمود يتضح ذلك. لا أحد منهم يدّعي القحطانية. يكنون العاطفة إلى بلدهم الأم، التي يقولون إن الأتراك سلبوا معظمها، وغير المتحفظين منهم يسمّي من أخذ كثيراً من بيوتهم آنذاك: الكُرد. يحنون إلى أرمينيا التاريخيّة (راجع صفحة 6)، ولكنهم من جيل رابع وخامس.

يعني أنهم متمسكون بلبنانيتهم. لديهم شهداء في الجيش، وهذا يحسبونه دليلاً على تعلّقهم بالبلاد. وهذا ليس ذنبهم إنما من الشائع أن لا يجد الناس ما يعلّقهم في بلاد الحرب هذه سوى القتال والذين يقاتلون. وللأرمن شهداء في الميليشيات التي قاتلت، كما يقول نائب رئيس البلديّة، جورج كريكوريان، ذلك رغم أن الأرمن لم يقاتلوا في الميليشيات على حد زعمه. «ستيريو». هذا «ستيريو» يا ريّس. والحقيقة أن الأرمن لم يقاتلوا فعلاً في الميليشيات، باستثناء بعض الذين اتخذوا قرارات فرديّة، فتوزعوا تارة يساراً وتارةً أخرى يميناً. 30 ألفاً من أرمن حلب هاجروا إلى أرمينيا أخيراً، ولكن هذا لم يكن بسبب الحنين، بل بسبب الحرب. بقي 90% من الأرمن في حلب، والمنافس الأول للصناعي الأرمني هو الصناعي التركي. وإن كان معظم الأرمن لا يحبّون الحديث في السياسة على الطريقة اللبنانيّة، إلا أنهم يصبحون جميعهم لبنانيين، عندما يتحدثون كجماعة غير متخيّلة. في حلب مثلاً، يتفق معظمهم على أن الأزمة بدأت قبل الحرب، وأن الانفتاح السوري على تركيا، بدأ قبل الحرب، وأنه برأيهم، بطبيعة الحال، كان كارثياً على سوريا، وتالياً على الأرمن

في لبنان الظروف مختلفة. الأرمن جزء ساطع من النسيج المحلي. على التلفزيون مثلاً، تذكرون زافين؟... صاحب السؤال الشهير: «شو حسيت وقتها». لا أحد يرغب بالإجابة على هذا السؤال في برج حمود في الحديث عن المجزرة. السؤال ليس لائقاً دائماً يا زافين. وفي الملاعب أيضاً، يعرفهم اللبنانيّون. بابكين وكيفورك ووارطان وكوركين. جيل التسعينيات يعرف هذه الأسماء جيداً، من ملعب برج حمود، إلى كأس آسيا. لقد كان الهومنتمن بطل لبنان لكرة القدم لسنوات طويلة.

وجيل التسعينيات هو الجيل الذي أعلن نهاية الحرب. لقد ظهر الأرمن بعد الحرب، في أكثر من محطة. يعرف اللبنانيّون آرا كيشيشيان وميراي بانوسيان وجامعة هايغزيان وسيل من الأسماء التي كلها، في الأصل، هربت من الإبادة العثمانيّة للأرمن. تغيّر برج حمود، كما يقول آغوب بصوتٍ منخفض. لكن كنيسة الأرمن الأورثوذكس، في شارع الأربعين شهيد، الذي يؤدي إلى شارع مرعش، ما زالت في مكانها مُذاك. الجبل يبقى جبلاً حتى لو زرعت المنازل في أحشائه، وحتى لو تنامت على أطرافه مدن من ملحٍ وحرب. برج حمود، جبل الأرمن، وما زالوا يقطنونه، وإن اتسع وتمدد إلى محيط النهر القديم، وصار توأماً للنبعة، عاصمة الفقر في الضواحي الشرقيّة الشماليّة. والكرانتينا البداية، على أيام «فورد أبو دعسة». يقصد آغوب السيارة. يقوده الحنين دائماً إلى البداية، صور في ذاكرته للمستنقعات والنخيل. كان ذلك كالجنة، لأنه المأوى من جريمة الأتراك. الأرمن هم بناة برج حمود وعمّاروها. قبل ذلك كانت المنطقة عبارة عن مستنقعات، وكانت تسمى بأرض الواوية. في الواقع، بدأ التوسع بمحاذاة «جسر النهر»، وهو جسر قديم. لم يكن البقاء وارداً، ولكنه كان الخيار الوحيد، فكان البنيان. 3 كنائس ما زالت صامدة، وذلك البيت الأرمني الخشبي التقليدي. بيت مربع، كأنه منتفخ بالألم، أو مصمم على مقاس الجبال التي أتى منها الهاربون. إنه بيت شرقي بامتياز، وبقي منه بضعة عينات في برج حمود وحسب. البيت الأرمني الأول، ذلك رغم أن كثيرين من معماريي بيروت بين القرنين التاسع عشر والعشرين كانوا من الأرمن. بقيت ثلاثة بيوت من أيام «المخيّمات» فقط. بقيت أسماء: مرعش، أراكس، وبقي تمثال لوليام سارويان الكاتب الأرميني الشهير، الذي هاجر من برج حمود إلى أميركا، في محل النحات الذي ذهب لصيد السمك. وبقيت اللهجة الأخيرة، التي تختلف مع لهجة «العنجري» للقادمين من جبل موسى، وهناك لهجة أهل كسب، كسب المحتلة. وبقي العدو على حاله: تركيا.

الحنين إلى أرمينيا التاريخيّة


وإن كانت الدعوة إلى سلام وتصالح بين الإثنيات اليوم، على الطريق البابوية، بمثابة المزحة، فإن ثمة إشارات يلتقطها بعض الأرمن تقول إن «المجتمع التركي يتقدم». والمجتمع التركي يتقدم ــ برأي الأرمن ــ يعني أنه ضدّ الإبادة، وجاهز للاعتراف بها. ثمة فئة متحفظة من الأتراك. الاتحاد والترقي هو الذي ارتكب المجازر.

ولذلك تفاءل بعض الأرمن بالاسلاميين الجدد، الذين رفضوا «دولة أتاتورك». لكن هذا «حكي جرايد». بالنسبة لهم، الأتراك أتراك، وأردوغان أتاتوركي. وفي آخر زيارة لبرج حمود، يتجلى بوضوح أن أردوغان هناك، بمثابة نتنياهو في الضاحية الجنوبيّة، أو بشار الأسد في طريق الجديدة. سرعان ما يوضح كريكوريان أن الأتراك ليسوا كتلة واحدة، يستضيفون تانِر أكشام ويتحدثون معه أحياناً. يحترمونه كثيراً.
وأكشام، هو كاتب ومحاضر تركي، يتفقون معه ويختلفون. وهو منفي من تركيا. يتساجل مع الجمعيات والحاضرين لكنهم يستضيفونه ويتحدثون معه. وبعد فيلم The Cut ثمة ما هو جديد أيضاً. الأرمن تعاونوا مع المخرجين الأتراك ومدوهم بالوثائق التي تدعم أفلامهم، إن كانت هذه الأفلام ضدّ الإبادة التركيّة بحق أجدادهم. حتى «أن بعض المخرجين لم يردوا الوثائق»، يقول الأرمني ممازحاً.
الإبادة لا تنتهي بسرد القصص، وصناعة حيوات بديلة في أماكن بعيدة عن الوطن. ذات يوم، ارتكب أحد البارزين في حزب الطاشناق جريمة بحق والده. جريمة، يسمي الحادثة هكذا.

في آخر مراحل حياته، أجريت له عمليتان جراحيتان، وطلب أن يزور أرضه في «سيس». أرض الأجداد في «سيس». ولكن ذلك كان يقتضي أن يحصل على تأشيرة دخول من المحتل التركي. وهكذا يسمّي الأرمن المناطق التي نزحوا منها في تركيا، «الأراضي المحتلة». لم يقبل أن يضع والده على جواز سفره تأشيرة دخول من تركيا لزيارة أرضه، وهدده أنه في حال فعل ذلك، فإنه لن يذهب إلى دفنه. ولم يذهب الوالد إلى أرمينيا، نامت القصة في قلبه. مات مقهوراً، والآن، يندم الابن على ذلك، وفي الوقت عينه، يفتخر بأن لا تأشيرة دخول من تركيا على جواز سفر والده. لم يأخذوا توقيعه. آغوب لم يعد إلى أرض الأجداد، وعلى عكس كثيرين، لم يفكّر في زيارتها طالما أنها تحت السيطرة التركيّة. تنتهي الجولة الهادئة في أزقة برج حمود على هذا النحو، تركيا ما زالت تحتل الجزء الأكبر من أرمينيا التاريخيّة حتى اليوم. يخفض آغوب صوته، يلوح بإصبعه وينهي المقابلة باعترافٍ لا مفر منه: «بس حق ما بيموت».



http://www.ankawa.org/vshare/view/10418/god-bless

ما دام هناك في السماء من يحميني ليس هنا في الارض من يكسرني
ربي لا ادري ما تحمله لي الايام لكن ثقتي بانك معي تكفيني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,603190.0.html
ايميل ادارة منتدى الهجرةsound@ankawa.com