مسؤوليتنا ليست لعبة بيد الضالين
بقلم: ميخائيل مموحين تغيب هيمنة المبادرة الجماعية لمشروع ما من أجل النهوض بمتطلبات الشعب المنتمي والمنضوي تحت راية التسمية القومية ، والتي عادة ما تتحمل مسؤولية تلك المبادرات التنظيمات السياسية المتمثلة بالأحزاب، ليس معنى ذلك التغاضي والتغافل عن همة المبادرات الفردية النابعة من الذين يتصفوا بحيادية وإستقلالية الرأي، وإستهجان فكرة المبادرة كونها لا تحتمي بإلتزامات مبادئ السلطة الحزبية أو القنوات السلطوية، أو ان أصحاب تلك المبادرات محتم عليهم أن تمر مبادراتهم من خلال نظرة مجهر سلطة الأحزاب لدعمها ، وعلى الأغلب تفنيدها وبالتالي تحويرها على نحوٍ من الماركة المسجلة بغية التباهي بأسبقية العمل التنفيذي ، بالرغم من أهميتها المعنوية المباشرة المستمدة من الفكر الحر للفرد المُبادِر الذي يعمد تفعيلها وتنفيذها دون أي شرط أو ارتباط مقصود، بغية تعميم جدواها للنفع العام وإصلاح ما ينبغي إصلاحه أو تقويمه لإثبات الوجود الوطني الشامل أو مستلزمات الوجود القومي .
إن ما حدا بي لتدوين هذه التوطئة المقتضبة هو نظرة السلطات الحكومية على تفنيد العديد من مقترحات ومبادرات إصلاحات أفراد المكونات ذات المذهب والإتجاه الحيادي أو المتمتعة بالإستقلال التام، بغية الإرتقاء بالواقع المألوف من نظرة الموازنة بمقارنة ما هو على الأرض، وما هو في ملفات أرشفة التعاليم التنظيمية المغبرة والمُلكئة لجمالية الرفوف المكتبية، وتلك مواد كراريس الدساتير المخفية في حقائب المُنَظر أو المسؤول المباشر . وكذلك هو الحال بالنسبة للأحزاب إن كان الرأي صادراً من رؤية النسيج الإجتماعي، وممن لم يلتزم رسمياً بالتنظيم المعروف ، ليتلق الرفض والمعارضة ، كونه لم ينبع من معين الفكر الحزبي ورؤيته الستراتيجية. هذا ما ألفناه ونألفه يومياً بين أروقة عمليات تنظيمات فئات الكتل السياسية والمكونات الحزبية في عراق اليوم، سواء بين الأحزاب السلطوية الكبيرة المشاركة على إدارة دفة الحكم في العراق أو بين أحزاب القوميات الأخرى كالقومية الآشورية مثلاً والمنضوية تحت أجنحة أطراف متعددة، كالطرف الفلاني لأسباب انتخابية بعلة محدودية عضوية الإنتماء ، أو لحساب طرف آخر لأسباب مصلحية، أو لخوف من الطرف الغالب، أو بدافع التواجد المناطقي وحوافز أخرى مغمورة في العقل الباطن، بدلاً من هاجس الشعور بمفردتي الوحدة والتوحيد لتصيبان المفردة الأم " الإتحاد "، بمواقف مشتركة وموحدة ووطنية من خلال ما يقره الدستور إن كان صريحاً وواضحاً في مواده، وذلك من أجل تشكيل قوة تضامنية واحدة بأرضية صلدة ورصينة لها أهميتها في إثبات الوجود، وعلى نحوٍ خاص في حال التحالف لأرجحية كفة الميزان على الوجه الأفضل في كافة المجالات التي تفرضها إشكالات التفضيل لشعب ما، وبشكل خاص ومتميز في المجال السياسي لتطبيق ما هو في الصالح العام والخاص. أما الإنجراف في تيارات الإستهواء دون الدليل اليقيني بتأثيرات إطماعية بغية الإستحواذ وفرض الرؤية الإنفرادية فهذه مسألة تردي الفرد المراقب في شكوك عديدة ليعيش في دوامة أربع حالات متفاوتة،
الأولى بإيجابية الدعم، والثانية بسلبية النفي، والثالثة بموقف الشك والحيرة والرابعة التنحي الى قاعدة التطرف.
هذا ما يثبته واقع اليوم بشكل أوسع من خلال توجهات الدول الكبرى وإقدامها على ترضية أطراف مستضعفة بغية إنجرافها في تيار ألاعيبها الضمنية مقابل ما تمنحه لها من وعود لردع قوة ومكانة دولة ما، لها مركزيتها وكيانها كدولة مستقلة ذات سيادة أو جهة معينة، وذلك بكسب عواطف من لا يشعروا بإنتمائهم الشرعي المباشر لقوانين ذات الوطن رغم استيطانهم على أرضه، بفارق الإنتماء القومي والمذهبي واللغوي لا بدافع صراحة الوطنية المشتركة، ومن ثم انعكاس اللعبة بفرض المناداة بحقوق الإستقلال التام إن لم يتم تلبية المطالب التي تفوق حقوق المواطنين الأصلاء، وليس الدخلاء أيضاً من الذين تكاثر عددهم واستحوذوا على أراض بحجج واهية وغير شرعية لا يقرها القانون الدولي، وذلك بدافع استغلال الأوضاع السلبية التي فرضتها ظروف البلد السياسية بمؤثرات دوافع الأزمات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية وفقدان الثقة لتشتت الكتل البرلمانية وضعفها أو عجزها في خلق قيادة مشتركة تخدم الشعب والمصالح الحزبية والعلاقات الدولية بالتبادل الإقتصادي والتجاري والدبلوماسي والتحالف برضا الأطراف المقصودة وفق معاهدات واتفاقات خاصة. لا لتكون بالتالي طُعماً ولقمة سائغة بيد من يدرك لعبة الإستغلال من خلال المصطلح السياسي المتعارف عليه بـ " فرّق تسد "، حسب ما يبدو للعيان بالمعايشات اليومية في عراق وسوريا اليوم من الجانب الأمريكي والروسي والتركي والسعودي ودول الخليج. وهنا لا نستثني وضع التحالفات الإنتهازية التي تفرضها بعض التكتلات على إستمالة من لها ايديولجيات متعددة من أبناء شعوب المنطقة متمثلة بالقوميات الإثنية ومنها القومية الآشورية التي لها جذورها التاريحية الأصيلة في أعمق أعماق الأرض الرافدينية النهرينية ليتم استغفالها واستصغارها رغم أصالتها في إمتلاك التربة بتغيير مفهوم وفحوى التسمية التي تم انتحال الأسم الحالي للعراق من اوروك العريقة في القِدَم أو ميزوباتاميا أي بلاد ما بين النهرين، حيث لا زال لحد أيامنا الحالية يتغنى الآشوريون بالتسمية الأخيرة في محافلهم وأغانيهم أو أناشيدهم أينما تواجدوا إلى جانب تمجيد المستشرقين والباحثين اللغويين لذلك.
ولكي نربط هذا الوجود القومي الآشوري المتبع بالنهج السياسي العروبي القومي والصراع الديني المذهبي والقومي الإسلامي لبعض الفئات لا يمكننا مقارنته بالظروف القاسية والمؤلمة الكارثية التي حلت بالتكوين الإثني لشعب الإمبراطورية الآشورية ودويلاته العشر بعد السقوط ق. م. ولحد إيمانه بالمسيحية ليلق فيما بعد أبشع أنواع العذاب والقتل والتشريد مروراً بعهود المذابح التيمورلنكية ـ الجينكزخانية التترية والحقبة العربية الإسلامية والعثمانية والزمرة الداعشية وما لف لفهم في عراق اليوم، ومقارنة ذلك أيضاً بالصراع المذهبي الطائفي بين الشيعة والسنة، إن كانوا عرباً أو أكراداً وفئات أخرى. ورغم كل ما حدث وحصل على مر العهود بقي الآشوريون يكنون الإحترام والتقدير والتبجيل لكلا الطرفين في كافة مناطق تواجد المذهبين من الموصل الحدباء أم الربيعين والمناطق الغربية إلى البصرة الفيحاء.
ما الذي جناه الشعب الآشوري ليكون لقمة سائغة لمن هبّ ودبّ؟! هل هي مسيحيتهم؟ أبدا. هل هي انثروبولوجيتهم؟ طبعاً لا. هل هي عملياتهم الإرهابية؟ لا أبداً. هل هي مشاكساتهم؟ كلا. هل هو تواطئهم؟ مع من؟ هل وهل وهل تتكاثر، ولا هناك أي تساؤل تؤطره أجوبة الصفات السلبية.. إذن أين هو الخلل؟ وأين هي الدوافع لكل التجاوزات لحد يومنا هذا؟! والدلائل تفوق ما أشرنا اليه. وأقرب دليل هو حال اليوم في ديمقراطية العراق المصاب بسرطان التزييف وداء الفساد والترويع بهجرة أبناء الوطن المخضرمين من المسيحيين بكافة تسمياتهم الإثنية من الذين خدموا الوطن بعز وشرف وإخلاص بتسنمهم أهم الوظائف التي ترتقي بالبلد منذ العهد الملكي لتأسيس العراق، وبالتالي لتثمن خدماتهم بما وصفناه من صفات الإيجاب بعكس ما هو عليها، ليهُجّروا من ديارهم بعمليات التخويف والتهديد كالإختطاف والقتل والذبح ودفع الفدية والإستيلاء على عقاراتهم ومساكنهم بالعنوة وبالتزوير المفبرك ليتطابق فعلها فعل مضمون مقولة الشاعر الذي قال:
فَيَا عَجَباً لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً ... ألـقمُهُ بأطْراَفِ الْـبـَنَانِ
أعـلِّمهُ الـرِّماَيَةَ كُـلَّ يــوَمٍ ... فَلَمَّا اشتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَـظْـمَ الْقـوَافي ... فَـلَمَّا قَال قَافِـيَةً هَـجَاني
mammoo20otmail.com