أما ان الاوان أن تهدأ نيران ثقافة شطب الاخر؟
أوشـــانا نيســـانيستغرب المرء كثيرا حين يتابع النتاجات الفكرية والطروحات القومية للعديد من كتاب أبناء شعبنا، لالاعتبارات المنافسة المنتظرة بين هذا الكاتب أوذاك في سبيل طرح البدائل التاريخية التي تقرب وحدتنا وتمكننا من تجاوز المسافات التي زرعتها أجهزة النظم الشرقية بين ظهرانينا، بهدف خلق المزيد من الاحقاد والقطيعة المبنية تارة على المذاهب وأخرى على الانتماء التاريخي. كل ذلك من خلال تغليب كفة المصالح الفردية والحزبية الضيقة على حساب مصلحة شعبنا بهدف تسهيل مهمة المراهنة على أسوأ الخيارات المتاحة لنا ألا وهو خيارثقافة شطب الاخر والغاء القدرات الفكرية والاخوية لهذه التسمية أو تلك من دون التفكير بعواقب واسقاطات ثقافة التزوير والاستهلاك الجماهيري على مستقبل وجودنا وحجمنا المتذبذب في الشرق.
اليوم وطبقا لمخططات زعيمة النظام العالمي الجديد ونهج الاخيرة في وجوب تغيير خارطة الشرق الاوسط وتاثيرات استراتيجية هذا التغييرعلى شعوب الشرق وتحديدا مسيحي الشرق منذ غياب الخصم التقليدي الاتحاد السوفيتي السابق عام 1989، يفترض بالشعوب المغلوبة على أمرها وعلى راسها شعبنا الكلدواشوري، الاسراع في طي ملف الخلافات الجانبية والحزبية واطفاء مواقد الصراعات المذهبية من خلال اختيار كل ما يوحدنا من أوراق التاريخ أكثر مما يفرقنا بهدف الاسراع في رفع أثار الظلم والاستبداد الذي طال جميع أبناء شعبنا وبجميع تسمياته في زمن البعث وقبل البعث وحتى قبل تشكيل الدولة العراقية عام 1921 ولحد الان.
حيث التاريخ أثبت خلال ما يقارب من مائة عام، أنه مثلما أخفقت عقلية النظام السني العراقي في ترسيخ دعائم بنيّة الدولة المؤسساتية "العصرية" القابلة للتوجه نحو دولة العدالة والديمقراطية النزيهة رغم مرور ما يقارب من قرن، كذلك أخفقت القيادات السياسية في الاقليم الكوردستاني في خلق المناخ السياسي الملائم لتثبيت الاستقرار السياسي المطلوب لآنجاح التنمية الاقتصادية في الاقليم تمهيدا لاطلاق مسيرة الحوار السياسي الشامل بهدف تقريب ساعة المطالبة بحق تقريرمصير الشعب الكوردي بأعتباره حقا طبيعيا ودستوريا له ولجميع الشعوب الكوردستانية المتحالفة معه. الامر الذي أكده جمال كوجر نائب عن ائتلاف الكتل الكردستانية في البرلمان بقوله" حل المشاكل بين بغداد واربيل سيبعد خيار اقليم كردستان بالتفكير في الاستقلال عن العراق"، نقلا عن وكالة كل العراق الاخبارية 29 كانون الثاني 2016. علما أن ظاهرة تعاظم الاخطار المتمثلة بداعش والتي ترتبت على تراكم أخطاء العقلية السياسية والادارية للسياسين الجدد، كانت بمثابة أرضية خصبة لتنامي الصراعات المذهبية بين سنة العراق وشيعته بحيث بات الصراع يشكل خطرا جديا على وجود ومستقبل الشعوب العراقية بجميع انتماءتها العرقية والمذهبية. فالوضع السياسي السيئ دفع باول رئيس وزراء للحكومة العراقية المؤقتة بعد الاطاحة بالطاغية صدام حسين السيد أياد علاوي أن يعترف علنا ويقول في حديث لجريدة الشرق الاوسط "أننا مسؤولون عما حدث في العراق بعد السقوط"..وأضاف" العراقيون صاروا يترحمون على النظام السابق بسبب اداء الحكومات التي أحرقت العراقيين بنار الطائفية والمحاصصة"، جريدة الشرق الاوسط 25 يناير 2016.
أما بقدر ما يتعلق الامر برؤيتنا القومية والوحدوية تحديدا بعد أشتداد حدة الخلافات المذهبية والحزبية وحتى العشائرية التي تؤججها الزعامات الحزبية وتدخلات دول الجوار هذه الايام، فأن مستقبل وحدة شعبنا الممزق والمنحل أصلا سيتعرض في ظل استمرارهذا الصراع اللاعقلاني، الى نكسات اكثر صرامة مما كنا نعتقد حتى في زمن العولمة والعراق الجديد في حال المضي قدما وراء سياسات زرع التفرقة والغاء الاخر ونهج تاجيج النعرات الطائفية والمذهبية من خلال بث المزيد من التفرقة والتشتت والاختلافات بين أبناء الشعب الواحد.
حيث يفترض بالعقل الاشوري الناضج أن لا يؤرقه هاجس نهوض أخيه الكلداني او السرياني ولايجعلهما خصما ولا مصدرا لشقاءه المتواصل عبر قرون، بل يفترض به أن يشعروفي قرارة نفسه بانهما مكملان له ولتوجهاته الوحدوية والسياسية والامر نفسه ينطبق على السرياني والكلداني على حد سواء.
عليه يفترض بالعقل الاقلوي أو"المسيحي" الملاحق تاريخيا في الشرق، أن يتسامى ولو مرة فوق جراحاته المثخنة ويعترف من دون تردد، ان العقلية السياسية التي سهلت للحاكم السني الذي لم يفرد بندا واحدا ولا حتى فقرة واحدة تخص حقوق أقدم مكون عرقي عراقي ألا وهو شعبنا الكلدواشوري ضمن دستور العراق خلال أكثر من ثمانين عام، يجب أن تكون حقيقة العقلية تلك عبرة لكل اشوري كلداني سرياني أن لا ينتظر قرنا اخر ليستيقظ "هذا اذا قدر له أن يستيقظ داخل الوطن" ويحس ان الاقلوي للاسف الشديد مستغرق في الخسران وغافل عما يجري حوله بسبب دفاعه عن مجرد حفنة من الشعارات الوطنية. فلو أن سيف التطرف الاسلامي لم يفرق يوما بين رقاب مسيحي العراق، سوريا،لبنان أو أي
بلد من بلدان الشرق الاوسط، فلماذا يفترض بنا ونحن الضحية ان نفرق بين أشقاءنا يا ترى؟
أما الامر الذي قد يثيرالدهشة الكبرى هذه الايام، هو أمر السرياني "المثقف" الذي يجتهد ويتسابق في تقديم الوثائق المستعربة حد النخاع من أجل الغاء وجود شقيقه الاشوري وانتماءه التاريخي المكمل له ولوطنه باعتبار الاشوري طبقا لتلك الدراسات المستعربة والمزورة عدوا لدودا للانسانية والحضارة التي خلقها بنفسه على ضفاف دجلة والفرات قبل 6766عام، طبقا لمعظم الدراسات والبحوثات التاريخية القديمة منها والحديثة وأن الاشوريين الحاليين انحدروا من الاشوريين الذين بنوا الامبراطورية الاشورية " سقوط الامبراطورية الاشورية لم يعن نهاية شعبها بل أنهم عملوا في الزراعة واصبحوا مسيحين بعد سبع او ثمان قرون"، يذكر هنري ساغس أحد أهم علماء الاشوريات،
الحقيقة التي أكدها عالم الاشوريات البروفسور سيمون بربولا في جامعة هلسنكي بقوله " أن اكتشاف رقم أرامية تحتوي على أسماء آشورية في منطقة الخابور بسوريا بعد سقوط نينوى بقرون يؤكد وجود قرى آشورية بتلك المنطقة.. وان دمرت المدن الرئيسية لاشور لكن هذا لايعني ان كل الشعب الاشوري ضاع وانقرض".
وفي الختام يجب القول والتأكيد، أن أكثر ما يقلقني ويثير الاستغراب والتساؤل لدى القارئ الكريم والمثقف الكلدوأشوري العضوي على حد سواء، هو مغزى السر الذي تحمله الاحقاد أوالعداء الذي زرعته أجهزة النظم الشرقية الاستبدادية في عقلية "حفنة" من أشباه المثقفين المحسوبين على أبناء شعبنا الابي، لينتهزوا كل فرصة مواتية للتسابق في التضامن من جديد مع أعداء شعبنا ومضطهديه كما فعلوا حتى الامس القريب في سبيل الانقضاض على أشقائهم ونهش لحمهم ودمهم وهم أحياء ؟