المحرر موضوع: مشاكسة لا يسلم الشف الرفيـع  (زيارة 841 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مال الله فرج

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 558
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مشـــــــــاكسة
................
لا يســـــلم الشـــــــــرف الرفيـــــــــــع
..........................................
  مال اللــــه فـــــرج
Malalah_faraj@yahoo.com
  ....................................

منذ القدم كانت النزاهة والامانة والحرص على المال العام وعلى المصالح الوطنية عموما، لاسيما على حقوق المواطنين ورغيف خبز الفقراء تمثل الثوابت الاساسية في مقومات (الشــرف الرفيــــع) الذي كان وفقا لتصورات الفلاسفة والتربويين والمصلحين الاجتماعيين (لايســلم مـــن الاذى حتـــى يــــراق علــى جوانبـــه الــــدم)، وكان اي موظف حكومي مستعدا للمثول امام القضاء تحت طائلة الاتهام بأي جنحة أو جناية أو جريمة حتى لو كانت اتهاما بالقتل قد يؤدي الى التفاف حبل المشنقة حول عنقه، لكنه كان غير مستعد اطلاقا لتقبل اتهامه بـ (الفســاد والإرتشـــاء) لان مثل تلك الاتهامات حتى لو كانت ملفقة وربما تخضع للنقض القضائي ولاحكام بالبراءة الا انها  كانت (تـــخدش) الشرف الرفيع وتلطخ بالعار سمعة الموظف المعني وسمعة اسرته وعشيرته.
وتبعا لذلك حفلت صفحات التاريخ بوقائع توثق اقدام قادة ورؤساء وسياسيين ووزراء ومسؤولين كبار على إنهاء حياتهم انتحارا عند اتهامهم بالفساد حتى بعد ان يعلن القضاء براءة بعضهم ليغسلوا (بالــــدم) عار الاهانات التي الحقتها بهم وبعوائلهم تلك الاتهامات مجسدين بيت الشعر القائل (لايســـلم الشـــرف الرفيــــع مـــن الاذى حتـــى يـــراق علـــى جوانبــــه الــــدم)، ولعل اقدام وزير الخارجية الامريكي الاسبق (روبـــرت ديـــور) على الانتحار داخل قاعة المحكمة باطلاق النار في فمه بعد ان اعلن القاضي  براءته من تهم الفساد خير شاهد على اعتزاز امثال هؤلاء المسؤولين بكرامتهم وشرفهم المهني والعائلي، بل لعل الانبل من ذلك إقدام بعض المسؤولين على انهاء حيواتهم انتحارا ليس بسبب اتهامهم بالفساد وانما بسبب فشلهم في خدمة شعوبهم، ومنهم  وزير إسكان منغوليا الذي انتحر على الهواء مباشرة امام انظار الجميع بسبب فشله في الوفاء بوعد قطعه على نفسه لشعبه يقضي بإنشاء 100 ألف وحدة سكنية لكنه لم يستطع الا انجاز بناء 70 ألف وحدة منها فقط  في الموعد المحدد مما دفعه للانتحار احتراما لمصداقيته، وعلى الصعيد نفسه، أضرم زميله رئيس اتحاد التجارة المنغولي النار في نفسه أمام عدسات الفضائيات خلال مؤتمر صحفي احتجاجاً على بيع بلاده الفحم للصين، وكان قد دعا لعقد مؤتمر صحفي لشرح المخاطر والمتاعب التي يتعرض لها عمال المناجم في بلاده قائلا: (إن الحكومة لم تعد تدعم شركتنا، وعمال المناجم يتضورون جوعاً بسبب سياسات الحكومة، لهذا سأحرق نفسي من أجل الشعب المنغولي)، وما ان أنهى كلامه حتى اسرع بسكب النفط على ملابسه مضرما النار فيها.
ومن بين القائمة الطويلة لانتحار المسؤولين بسبب تهم الفساد إقدام رئيس جمهورية (بالاو) (هارو) على الانتحار عام 1988 بسبب اتهامه بتعاطي الرشوة، وكذلك انتحار رئيس كوريا الجنوبية (روه هيون) في ضوء ثبوت تورطه بقضايا فساد، كما اقدم وزير الزراعة الياباني (توشيكاتسو ماتسوكا 62 عاما) على الانتحار شنقا قبل ساعات من مثوله امام  البرلمان بسبب فضيحة تتعلق بتبرعات سياسية وعقود مزورة، هذا الى جانب انتحار رئيس الوزراء الفرنسي (بيار بيريغوفوا 67 عاما) بعد تنحيه عن منصبه باطلاق الرصاص على نفسه من مسدس مرافقه بسبب شكـوك وادعاءات بالفسـاد فضلا عـن انه اعتبر نفسـه مسـؤولاً، الى حـد بعيـد، عن هزيمـة الاشـتراكيين في الانتخابات النيابية الفرنسية آنذاك، حيث كان بوصفه رئيساً للوزراء، قائداً للحملة الانتخابية.
  اما في بلادنا (الثوريــــة) التي تقودها، وفقا لتنظيرات مسؤول رفيع، (حكومـــة ملائكيــــة)، فان المعادلة مقلوبة تماما حيث ينتحر الفقراء والمعدمون، بينما يفخر (بانجازاتهــــم) اللصوص والفاسدون، فقد تناقلت وسائل الاعلام اقدام الكثير من النازحين والمهجرين قسرا من سكنة الكرفانات والخيام على الانتحار ومن بينهم افراد عائلة كاملة بسبب ظروفهم المأساوية ومعاناتهم الصعبة، فضلا عن انتحار العشرات من الشباب ومن خريجي الجامعات بالذات بسبب البطالة، في حين سقطت الموصل بايدي الارهابيين القتلة واحتلت تكريت واستبيحت الانبار بسبب فساد هذا المسؤول وفشل ذاك ولم نسمع عن انتحار احدا منهم، وتم تهجير المسيحيين والاستحواذ على دورهم وممتلكاتهم واستبيحت وسبيت واغتصبت قرابة خمسة آلاف ايزيدية ولم ينتحر احد ولم يحاسب احد ولم يتحرك ضمير اي من المسؤولين عن تلك المآسي لا انتحارا ولا اعترافا بالمسؤولية ولا اعتذارا للشعب عما حدث. 
في ظل هذه الانجازات (الملائكيـــة) امست بلادنا بعد ان كانت تطفو على بحيرة خرافية من النفط، بفضل همة وكفاءة ونبل ونزاهة وعبقرية وشراهة الفاسدين والفاشلين،تطفو على بحيرة خرافية اخرى، تلك هي بحيرة (الفســـاد واللفــــط) التي نجحت بامتياز في الاستحواذ على كل خيرات وموارد النفط  واشاعة الفقر والجدب والقحط، وبفضل السياسة الذكية العبقرية لحكومتنا (الملائكيـــة) فقد (نجحنـــا) في التحول من دولة واهبة (مانحــــة) الى دولة متسولة (نائحـــة) وصلت فيها نسبة الفقر الى 30% بينما تخطت اعداد المهجرين والنازحين حاجز ثلاثة الملايين ونصف المليون، تزامنا مع سرعة تناسل وتضخم ونمو ثروات عدد من المسؤولين الكبار الذين ربما كان بعضهم، سابقا، وفقا لوصف الحطيئة (حفـــاة عـــــراة ما اغتـــذوا خبــــز ملـــة... وما عرفـــوا للبـــر مــــذ خلقـــوا طعمـــا) لكنهم أمسوا (بعبقريتهـــم الفســادية) يمتلكون عشرات العقارات والشركات والمليارات وما زالوا يقاتلون على كل الجبهات من اجل المزيد من الاختلاسات والنسب والحصص والاستحواذات وتنمية الثروات دون ان نسمع عن اهتزاز شعرة شرف واحدة في أي منطقة من مناطق اجسام الفاسدين والفاشلين تدفعهم للانتحار لغسل (الشـــرف الرفيـــع بالـــدم) لاسيما وان بعض الفاسدين استهدف من قبل المتظاهرين بأشد انواع الاهانات بدءاً من اتهامهم بتعبيرات واوصاف مهينة  مرورا بالشعارات المخزية وانتهاءاً بضرب صورهم امام انظار الرأي العام بالاحذية ومطالبتهم بالرحيل.
في ضوء كل هذه (المكاســب والمـــلاحم والانجـــازات والانتصـــارات) التي حققتها بكفاءتها الثورية وبستراتيجيتها العبقرية حكومتنا (الملائكيـــة) فان الواقع يقول للمتظاهرين الذين ما انفكوا يطالبون بالاصلاحات ومساءلة الفاسدين والفاسدات، واستعادة ما تم سرقته من الثروات ( قــــد أســـمعت لـــو ناديـــت حيــــا... لكـــن لاحيــــاة ولا حيــــاء لمـــــن تنـــــادي).