الزائر الـــعكروت الذي ظننته آت ٍ بدعابه نيسانيه
شوكت توسا مع ولوج كل عام جديد , نترقب بشغف حلول نيسان العطاء والتجدد بعد تباشير اخيتو بانبعاث التجدد في الروح و حب الدعابة في نفوس محبي جمال ودلالات نيسان , فتتوارد ضمن ملامح هذه البهجة انواع شتى من الكذبات بين مفرحة ومحزنه واحيانا مثيره للدهشة ,نتلقاها عبر مهاتفه او شفاهية من صديق او زائر او برساله مكتوبه , فتكون حلاوة المفاجأه بين التمازح والفكاهه وبين العتاب والزعل .
شاء حظي في منتصف ليلة الاول من نيسان عام 2016 , ان يطرق بابي زائر متنكر بقناع نيساني خلته جاءني بكذبة ٍ مازحه كتلكم التي اعتدناها في الاول من كل نيسان , لم يكن بالخفة والوداعه المتوقعه , بل ثقيلا بثقل جبل جثم على صدري , إذ لم أعهد بمثل مزحته العكروتيه في مزحات نيساناتنا التي اعتدناها في الاعوام السابقات ,كذبة لم اكن في وضع المتهيئّ لتصديقها وتحمّل شراهة وشراسة مخالب صاحبها ,إنقض ّ علي ّ كما ينقض ّالباشق الجارح على طير سارح في معالم نيسان ومروجه , ظننت ُ في بادئ الأمر بأنّ الكذبة بيضاء كبياض نيات المحتفين في الاول من نيسان , لم أكتشف سوء نية هذا الــ عكروت الخبيث الا بعد ان شعرت بطعناته تنغرس في ناحية صدري اليسرى , حاولت جاهدا ملاطفته بابتسامة وديعه في وجهه المقنّع دون جدوى سائلا إياه , ما بالك يا هذا و نحن في الاول من نيسان الحياة ! ليتك تكف عني وعن نفاق مزحتك الثقيلة هذه , لــِم َ لا تدعني اسمع منك غيرها؟
لم يمتلك هذا العكروت الخبيث سوى مخالب شهوته التي كشفت لي صدق ما أتى من أجله , وفجأة أحسست بشدة وسرعة غرسات مخالبه الموجعه تعبث بمناحي عده من جسدي , لم يترك لي فسحة الاتصال وطلب المساعدة من أحد سوى نفسي وارادتي التي إتكلت عليها في قيادة سيارتي بنفسي الى المشفى بعد ان اخبرت زوجتي باني ذاهب الى الطبيب لامر غريب يداهم جسمي, سألتني مندهشه ما الذي دهاك, قلت دعيني الان لا مجال لذلك , خرجت مسرعا الى سيارتي بجسدي المتهاوي تحت وطأة طعنات الخمباب المكروه , كان خروجي لوحدي مجازفة عاتبني عليها فيما بعد كل من سمع بها ,كانت فعلا مجازفه يصعب وصف تفاصيل لحظاتها التي استغرقتها وقدمي تضغط على مداس البنزين حتى باب قسم الطوارئ الذي وصلته منهكا لا اقوى على فعل شيئ سوى النداء : ساعدوني , سألني احدهم هل لديك موعد مع الطبيب ؟ اجبته كلا ... ساعدوني رجاء , واذا بملاك نيسانيه ( ممرضه شقراء) تسحبني على كرسي متحرك وتاخذني مسرعة الى حيث تؤخذ حالات كحالتي .
في غرفة المعالجه الفوريه لحالات القلب, كنت اسمع همسا من بعيد يردد بان ضغط الدم قد تسلق الى ضعف ارقامه المعتاد ه فكيف لجسمي النحيف ان يتحمل 240/ 115 , من دون ان احس بما فعلوه او اعطوه لي , ظهر انهم قد نجحوا في خفض ضغظ الدم خلال ربع ساعه بدأت أشعر بعدها بان اشياء تغيرت في وضعي بحيث استطعت ان اسمع أحداهن تسألني هل تشعر بأصبع يضغط على رجلك ويدك (اليسرتان)؟ , قلت نعم اشعر , حينها ابلغوني بان احد ابنائي اتصل للتو على تلفوني الخاص وهو في طريقه الى هنا بعد ان غادر قاعة حفلتهم في مدينة ايندهوفن التي تبعد قرابة 100 كم عن مدينتنا, وقد اخبروه بان وضعي في تحسن ولا داعي للقلق , بعد قرابة نصف ساعه وصل ولدي قلقا مرتبكا , قلت له أطمئن يا ولدي, لولا مجازفتي بالمجيئ الى المشفى بنفسي ولولا فضل ملائكة المشفى , لما عاد العكروت بخفي حنين دون تحقيق مراده . سألني من يكون هذا عكروت؟, اجبته انه الخبيث الشرير الذي يقطع أنفاس الناس وهي في غمرة فرحها.
وعندما قاربت الساعه حدود الثالثه صباحا جاءت طبيبه شابه لا اتذكر اسمها , جلست قرب سريري وابلغتني بأن الطبيبه الاخصائيه اوصت تلفونيا بوجوب مبيتي في المستشفى الى حين قدومها في الصباح , ثم طلبت مني السماح لها بتوجيه سؤالين , اولهما : ماذا لو توقف قلبك عن النبض يا شوكت, هل ستسمح لنا بكبسات الكفين على صدرك او النفخ في فمك او الرّج كهربائيا لاستعادة النبض ؟ اجبتها بالتأكيد لاني لا اريد ان اموت . ثم عادت وسألتني , و ماذا لو توفيت؟ هل تود التبرع باجزاء من جسدك , اجبتها نعم بكل اعضاء جسمي وبالمجان لمن سيحيا من بعدي.
كان ولدي الأصغر (26 سنه) جالسا بجانبي ويداه تمسكان بكفي بينما عيناه تتنقلان بين وجهي وبين شاشات الاجهزه , وعندما عرف بانخفاض الضغط , القى فكاهة من شدة فرحه قائلا لي : هل تعلم يا بابا كيف كنت اسابق الريح بسيارتي من شدة قلقي ؟ عاتبته على ذلك خاصة وقد عرف بان وضعي في تحسن , ثم اضاف: عليك يا بابا ان تتوقع ما لا يقل عن ثلاث غرامات مروريه لاني تجاوزت حدود السرعه طيلة مسافة المائة كيلو متر.
بعد التاكد من استقرار وضعي نوعا ما , اعطوني حبة ثم ابلغوني بوجوب النوم لان وضعي في تحسن وسيتحسن اكثر عند النوم على امل ان تأتي الاخصائيه لمعاينتي في الصباح , لذا تم ابلاغ ولدي بوجوب المغادره, طلب منهم السماح بالبقاء, لكنهم إعتذروا مؤكدين له بان واجبهم مراقبة وضعي من غرفتهم .
كنت انام واستيقط بعد كل ربع ساعه بسبب عمل جهازفحص الضغط الاوتوماتيكي , و في الساعه الثامنه صباحا دخلت إحدى الملائكه لتطمئن على حالي وتطمئنني , يا له من صباح نيساني مشرق وأكيتو اخضر عندما يكون ملاك الرحمة اول زوارك , سألتني هل نمت جيدا , اجبتها ليس كما مطلوب بسبب جهاز الضغط, ثم اخبرتني وهي تبتسم بان وضعي الان جيد و بانتظار وصول الطبيبه الاخصائيه الايطاليه ( دي لا أغاتا ) خلال ساعه , ثم جلبت لي إنائين من الماء وصابونه وفرشاة اسنان مع معجون ومخملين ابيضين كبياض ملابسها , تركتني عشر دقائق ثم عادت تسألني عن ماذا افضل تناوله كفطور, طلبت منها قدح شاي وقطعة خبز اسمر مرطبه بقليل من المربى , وحين سالتني هل هذا كل ما تريده؟ اجبتها وماذا لو طلبت الاذن لشهق ونفخ دخان سيكاره في البالكون بعد هذه الوجبه؟اجابتني ساناقش الامر مع المسؤوله بشرط ان توعدني بان تكون اخر سيكاره(اغلب الظن كانت تمزح معي) , لذا لم استطع ان اجيبها , فتركت الامر.
في التاسعه والنصف صباحا جاءت الاخصائيه الايطالية الاصل , دي لا اغاتا , وقد أطلعت على تفاصيل ما جرى وعلى الفحوصات التي اجريت والعلاج الذي تلقيته حسب نصيحتها لهم تلفونيا , بدأت تتحدث معي مستفسرة عن حالتي وعن سبب مجازفتي بقيادة السياره لوحدي , اجبتها باني بخير شاكرا اياها وطاقمها ثم قلت لها نعم كانت مجازفه مني , لكني فعلتها اعتقادا مني بان سأصل للمستشفى اسرع مما لو اتصلت باسعاف او بصديق يساعدني , ابتسمت ثم اوعزت بسحب بعض الدم لاجراء فحص التأكد مرة اخرى من الانزيمات التي لها علاقه بالنوبات القلبيه حسب كلامها , ثم طلبت السماح بالذهاب لجلب جهاز الايكو لمعاينة عمل ووضع القلب و الاحشاء الاخرى , بعد اجراء المعاينه اوصت ببقائي تحت المراقبه من اجل التأكد من سلامة وضعي اولا قبل التحدث عن موعد مغادرتي .
لن أطيل اكثر من ذلك , لان التفاصيل الاخرى هي اكثر مما يمكن تغطيتها في هذه المقاله ,المهم أبلغتني الأخصائيه في المساء بامكانية المغادره و بتناول حبه يوميا ( نايفديباين) واعطتني رساله للعودة بعد يومين لاكمال فحوصات اخرى من اجل المزيد من التأكد حسب قولها.
في الختام , تمنياتي اولا لكافة الاهل والاصدقاء والمعارف بوافر الصحه , ثم مبروك على ابناء شعبنا أعياد نيسان وأكيتو,متمنين لاهلنا النازحين قرب الفرج وسرعة العوده الى بلداتهم سالمين معافين , كعودتي بعيدانية قبلتي على خد حفيدتي أكيتو الصغيره " مريم "
نيسان الحياة واكيتو التجدد من وراء القصد