المحرر موضوع: ناهز التسعين ونحن عنه غافلون  (زيارة 2700 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ناهز التسعين ونحن عنه غافلون



بقلم: ميخائيل ممو
الآشوريون المنسيون ممن حملوا مقاليع الفكر في عقولهم، وأثقلت الشيخوخة آمالهم ليعيشوا بين حالات من الشك واليقين، تراهم عادة وقد إنزووا في صرح معاقلهم لفترة تاريخية معينة من حياتهم الباقية، وردح من الزمن بعد أن يأخذ اليأس مأخذه منهم، تراهم وعلى حين غِرّة يستأنسون ـ رغماً عنهم ـ على تلبية نداء من يناديهم بهاجس الصمت للركون في عالمهم الجديد، فيرحلون وعلى أصداء نواقيس الكنائس يُستذكرون، ليجتمع شمل العارفين من المقربين ومن المدركين على فريضة التأبين بيقين من التبجيل والتثمين، وإلقاء النظرة الأخيرة على مشرف المسكن الأخير بما أوجبه الباري عز وجل على عباد البشر بما أمر وما نهى عنه. فعل الأمر بما يتوجب على كل إنسان من الإستجابة له بحسن النية الصادقة، والنهي عما هو خارج حدود العبادة والإلتزام، مروراً بالنيات التي تطعمها النفس التواقة للمآرب الذاتية بغية الإحتياج وعقدة الأمنيات.
بالأمس القريب في السابع من أفراح نيسان سلطت إلهة الموت قبضتها على رقاب وإرادة من عُمِّدَ وتلقب بمُسمى هيبة رئيس الملائكة وتيمن بإسم بهجة نيسان الخالد، أن تكون نهايته في رحلة أبدية بعد رحلته التي استغرقت عشرة عقود (90 عاماً) في تضرعاته المهيبة، وفي إيمانه الذي لا تساوره الشكوك في أية هفوة تلامسه لتدغدغ مشاعره، ولا حتى في مصداقية أحاديثه وأمثاله وكتاباته بلغة من آمن به وإمتثل بصفاته، إلى جانب تلك اللغات التي تسلح بها بحيث لا تستبين وتفرق لفظه قط من أبنائها الأصلاء، ومنها الفرنسية ذات النغمات الرومانتيكية، والإنجليزية ذات اللفظ البديع المشوب بواقعية التجميل.
عاشرته على مدى سنوات طويلة، ألفته إنساناً واقعياً، ما يضمره في صفاء قلبه يجسده في حلاوة لسانه، ما ينطق به يقربك من قلبه، ما يناجيك به وكأنه يناديك للمشاركة في محراب إيمانه وإنسراحه الفكري البليغ، بتلك صفاته المؤنسة وثقافته الواسعة الشاملة التي تجذبك اليه لأول وهلة من سماع همسات صوته بتموجاتها الهادئة التسلسل ذات المعاني الهادفة، وبتلك مآثره التي يشهد لها كل من زامله وتعرف عليه من قريب أو بعيد، ليحمل كل واحد في مخيلته نظرته الخاصة واصفاً أياه بالمُنَظِّر للفكر السياسي، ومرشد الإجتهاد الديني، وشاعر مناسبات الأفراح والأتراح، والسارح في الخيال التأملي وعاشق الجمال وغيرها من النعوت.
بعد كل هذه الأوصاف التي تدعك في حيرة من أمر هكذا إنسان، يحدوك التساؤل، من يكون؟ وهل لدينا من يتحلى بتلك الصفات والميزات؟! نعم، ليس من الغريب أن يتواجد بيننا هكذا أفراد، وليس من العجابة أن يحوم حوالينا من هم على مقربة منا، ولكنهم بعيدون عنا، كوننا نتعمد بأن نكون بعيدين عنهم، ولا نُقيّم وجودهم. مثلما يقول المثل: "مطرب الحي لا يُقَدَر" وغيرها من الصفات، أو كما تتم الإشارة لذات المعنى بأنه "لا كرامة لنبي في قومه".
بعد هذه التقدمة، حتماً ساورتك الشكوك، وحاصرتك المشاعر لمعرفة من تكن هذه الشخصية التي لها تلك الميزات، ولكن الفهيم العليم من الإشارة يدرك. نعم، وليس من الغريب أن يتواجد بيننا المئات ممن لهم ذات الإعتبارات... غيبهم الدهر، أبعدهم القدر، وتم عزلهم وإهمالهم بدوافع من أبناء جلدتهم من بني البشر، من الذين تتلاعب في نفوسهم جذور وخزات الحسد والأنانية والغيرة القاتلة. وحيث أني لا زلت لا أقوى على الفصح بإسم هذا الإنسان الذي عنا قد رحل، لا زلت وأنا أدبج عنه وما نوهت عنه أشعر بالخجل. كونه كان يخاطبني دوماً، يا رفيقي هل سنظل نعبد مفردة الأمل بأقاويل الوجل؟! ونحن بعيدون عن توظيب حقائب العمل؟ وحتام نظل نطلب النصر من عنده تعالى؟ وهو الغافل عنا ونحن كسالى!!
كفى أن أقول: بأن كل من إقترب منه من الصغار والكبار يحمل في ذاكرته ما كان يلاطفهم به شعراً ونثراً، ومن الأقاويل والأمثال، ولا يستثني أي محفل أدبي وأية مناسبة مهما كان مستواها وحجم حضورها إلا وتراه قد إستل من غمد سترته سيفه المرصع برصيد من المفردات اللغوية الهادفة ليعلن عن مضمون تلك المناسبة بصوته الجهوري الجذاب وحركاته التعبيرية الدالة على رمزية ما يُمطره على آذان ومرآى الحاضرين.
رغم أن الحديث قد جاوز حدوده، ليس لي إلا أن أتوقف بخشوع لأعلن بأنه المرحوم " ميخائيل إيشاي داود نيسان" الملقب بـ " أبو كاندي – غاندي" لتأثره منذ مطلع شبابه بهذه الشخصية الفذة التي ألزمته أن يكني ابنه الوحيد بذلك الإسم.

ميخائيل نيسان، استنشق نسمة الحياة عام 1926* في إحدى قرى منطقة كراسنادار الروسية، بعد أن هاجر والداه من ديار أرضهم التاريخية "حكاري" بسبب الأحداث التعسفية المظلمة، وفي عام 1930 هاجروا إلى أيران، وبعد مكوثهم ما يقارب السنة فيها حطت بهم الأقدار في شمال العراق، ومن جراء أحداث سميل عام 1933 ألزمتهم العودة إلى سوريا ليستقروا فيها بمنطقة الخابور. وفي تلك الفترة بعد استقرارهم بشكل رسمي التحق بإحدى المدارس ليتعلم العربية، فتعلم من مبادئها ما يكفيه إلى جانب لغته الأم التي أتقنها قراءة وكتابة بحكم مطالعاته على يد بعض الأساتذة، وبما أنه كان من المتفوقين في تحصيله التعليمي فقد تم إلحاقه بمدرسة الدومينيكان الفرنسية وفرزه في الصف الرابع لمؤهلاته اللغوية التي أهلته لذلك. فأتقن اللغة الفرنسية بسهولة جعلته أن ينال المرتبة الأولى في منطقة الجزيرة السورية لقرى الخابور في فحوصات تلك اللغة من خلال الإمتحانات الرسمية لسلطة الحكومة الفرنسية آنذاك في سوريا، ومن خلال حديثه الشخصي إتضح لنا بأن اللجنة الإمتحانية كانت قد قدمت من بيروت. وفي عام 1945 ينتقي شريكة حياته، وبعدها بعام واحد وهو آنذاك في العقد الثاني من عمره عام 1946 يشد الرحال للمرة الثانية إلى العراق وعمل هناك بصفة مترجم في إحدى الشركات الفرنسية. وفي تلك الأثناء شدته غيرته وإمكاناته اللغوية على إتقان اللغة الإنكليزية بطلاقة. إهتماماته اللغوية جعلته أن يتبحر في العلوم الفلسفية والأدبية والدينية وعلى إقتناء ما يتيسر له باللغتين الفرنسية والإنكليزية ليقدم على الصياغة الشعرية بهما إلى جانب ما نظمه بما لا يحصى من القصائد باللغة الآشورية وعلى شكل خاص ومتميز بعد هجرته وكافة أفراد عائلته من الوطن الأم إلى السويد وهو في العقد الخامس مع العمر. ومن الجدير ذكره بأنه عادة ما كان في أغلب الأحيان يعمد على ترجمة ما ينظمه بالآشورية إلى إحدى تلك اللغتين، بدلالة ما كان ينشره في مجلة " حويودو " الغراء الصادرة عن إتحاد الأندية الآشورية في السويد ومجلات أخرى في المهجر. وإن تساءلنا عن ما أصدره من نتاج مطبوع، لم نجد له سوى باكورة عمله الشعري الموسوم باللغة الآشورية تحت عنوان "سواخي" أي بمعنى "مُبتغاي أو مُرادي" على هيئة قصيدة في ثلاثين صفحة مطعمة بالصور التراثية القروية، يفصح فيه من العادات والتقاليد برموز من التعابير الأخاذة. حيث يقول في مطلعها:
اصيخوا السمع لأمثالنا وحكاياتنا الشعبية... يحلو طعمها سرداً بإصولها الشعرية
في آخر بيت شعري يختتم القصيدة بقوله:
لا أستسيغ سماع الثناء، ولا روح الإرتقاء... لننهي الأمواج  بصف يوحد البقاء


قد يستغرب البعض من القراء مما دونته عن هذه الشخصية التي تميزت بالعديد من الصفات النادرة التي تستكشفها من خلال معاشرتك له. لذا ومن خلال علاقتنا الأخوية وإهتماماتنا الأدبية، ولكل من كان على معرفة به، وجدنا فيه طيبة الحديث، رزانة الكلام، متانة الخلق، هادئ الطبع، كثير المطالعة، غزير النظم وغيرها من الصفات. وفي سنواته الأخيرة رغم نشاطه المكثف وحيوته الدائمة جعلته ظروفه الصحية قعيد الكرسي اليدوي المدولب ليلازم دار المسنين، فاقداً لقوة ساقيه ما بين الركبة والقدم بسبب ما داهمه من مضاعفات داء السكر اللعين ليوقف تلك الإرادة التي كان يتحلى ويتنعم بها في جريه يومياً أوقات الفجر لأكثر من عشرين كيلومتراً، وما أن تشده المراوحة الوقتية فيعمد ليقضيها في إنتقاء ما ينمو من نباتات الطبيعة والأعشاب التي تعيد به الذاكرة لأيام استعمالها في القرى الآشورية، وإجراء التجارب على طبخها وتناولها وفق ما إحتواه المصدر الطبي الشهير الذي إعتمده من " كتاب الأدوية " باللغة الآشورية المترجم أيضاً إلى اللغة الإنكليزية، وربما لغات أخرى لأهميته الكبيرة وقِدَم معلوماته النباتية العلاجية.
ولطالما نحن في سياق هذه السيرة الذاتية، تحضرني الذاكرة حينما كنت مشرفاً على القسم الآشوري والعربي في مجلة "حويودو" ورئيس تحريرها فيما بعد، كان المرحوم يزودني في بداية كل شهر بقصيدة لمناسبة ما قبل إصدار العدد الشهري المعتاد عليه، وحين انهي طباعتها على الآلة الكاتبة في حينها لتبويبها، كان يخاطبني ويطلب مني بعد يوم أو يومين أن أحذف كلمة أو عبارة لأضيف غيرها. وبالرغم من إيجاد حل بطريقة ما لذلك كنت أنفذ ما يبتغيه، ولكن الأصعب من ذلك حين يبعث لي أكثر من رسالة تصحيح وتغيير في مدة اسبوعين والقصيدة قد اتخذت طريقها للنشر. ولا زلت لحد اليوم احتفظ بأغلب تلك الرسائل والقصائد التي إن تم جمعها وتشذيبها ونشرها لشكلت ديواناً شعرياً كاملاً. بعد أن استعضنا الآلة الكاتبة بالحاسوب أي الكومبيوتر خفت المتاعب علينا من حيث التصويب والتشذيب.

وفي اليوم المصادف 15 نيسان أقيم له القداس الرباني عن روحه الطاهرة في كنيسة مار جورجيوس في هالوندا، ومن ثم مواراته الثرى في مقبرة ليلا دالين في إحدى ضواحي ستوكهولم بالقرب من مثوى شريكة حياته المرحومة صبيحة داود المتوفاة عام 2004. وبعد مراسيم الدفن في الوداع الأخير لجثمانه، إجتمع المشيعون في قاعة أورهي بمنطقة فيتيا لمواساة ابنه الملقب غاندي وبناته زينا وهيلان وميلينا ونينا.
ومن الجدير ذكره بأن السيدة الوقورة سلوى التي أولته الرعاية الدائمة في دار المسنين تفضلت بقلب حزين وبعبارات مؤثرة متحدثة عن خصاله الحميدة وبأنه في الأشهر الأخيرة قضى وقتاً طويلاً في الكتابة، مدوناً ما لا يحصى من الأوراق في ملف خاص. وبعدها بأيام قبل رحيله الأبدي كان قد قرر أن يمزق كل ما إحتواه الملف دون أن يشير للدوافع التي حذت به لإتلاف ما دونه.
 المرحوم هو شقيق شقيق المرحوم باول نيسان من مؤسسي جمعية آواصر العلاقات العراقية السوفيتية في الستينيات في العراق و الدكتور داود نيسان في شيكاغو وبنيامين.
وفي خاتمة المطاف علينا أن لا نتجاهل ونستغفل هكذا شخصيات من بني شعبنا الذين سعوا في حياتهم من أجل إعلاء شأن لغتهم وآدابها، وعلى وفق خاص من اوحي لهم ما لم يتسنى ذلك لأي من كان، وكفى أن نهديهم وردة واحدة وهم على قيد الحياة بدلاً من باقات الزهور التي ترمى على لحدهم.
رحم الله زميلنا المعطاء، الذي كان من رجال العلم ورجال العلم مهما تقادم العهد وتعاقبت السنون فهم أحياء.
•    يذكر البعض بأنه من مواليد 1923 أو 1924 ولكن الأصح هو 1926 حسب ما ذكره لي من خلال لقاء موثق بالفيديو أثناء مقابلتي له.


غير متصل اوراها دنخا سياوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 687
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: ناهز التسعين ونحن عنه غافلون
« رد #1 في: 12:14 21/04/2016 »
الاستاذ القدير والكاتب النحرير ميخائيل ممو المحترم
شلاما
شكرا لتسليطك الضوء على هذه الشخصية الوطنية والقومية، لكن اليس من الافضل ان نقوم بتدارك الامر الان والبحث عن مثل هكذا شخصيات قومية ووطنية وتكريمها قبل ان يرحلوا عنا على الاقل عرفاناً بدورهم الرائد (المنسي !) لعقود.
انها دعوى الى جميع ابناء شعبنا الذي يهمه الثقافة والمثقفين القوميين من ابناء شعبنا للقيام بهذا الدور في كل مكان... تحياتي

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ناهز التسعين ونحن عنه غافلون
« رد #2 في: 04:41 22/04/2016 »
اخي الأستاذ الفاضل اوراها..
شلاما اومتانايا مردوتانايا قبلون...
ما أحلاك حين تقول: " اليس من الافضل ان نقوم بتدارك الامر الان والبحث عن مثل هكذا شخصيات قومية ووطنية وتكريمها قبل ان يرحلوا عنا على الاقل عرفاناً بدورهم الرائد (المنسي !) لعقود." 
نعم .. لقد أصبت عين الحقيقة، وهذا ما يستوجب على أبناء شعبنا، وهناك المئات ممن هم أمثال فقيدنا المرحوم تناثروا كأوراق الخريف دون أن نعر لهم أية أهمية أو أن ندعم أفكارهم التي بُنيت على أسس منطقية ودستورية في المجال السياسي من أمثال ايوان كوكوفيج على سبيل المثال الذي كان قد سعى لتشكيل حكومة في المنفى ورصد كرسي في هيئة الامم وفق المقاييس والمعايير الدولية الدستورية لتكون بالتالي مواقفه على هجر كل شئ والإنعزال عن بني شعبه في جزيرة ما ليلق حتفه فيها بعد أن وثق أفكاره في آخر مؤلف ثري له بعنوان "سميل"  مثلما هي اليوم مؤلفات المئات الراكنة على الرفوف المنسية إن كانت هناك.
حتام نبى نلوذ في دائرة " القيل والقال " والمناوشات الحزبية، ونحن بعيدون عن نتاجاتهم التي خلفوها لنا بعصارة جهدهم  ولم يلقوا أي تقدير في حياتهم، بحيث لا يمكننا من حصر اسمائهم. فإن لم نقم نحن بمد يد العون لهم أينما كنا، سواء في حياتهم أو رحيلهم فمن الذي ننتظره ليقوم بتلك المهمة والرعاية. حقاً ا،ها حالة يرثى لها. مع بالغ شكري وتقديري لرأيك الصائب.
ميخائيل


غير متصل هنري سـركيس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 976
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: ناهز التسعين ونحن عنه غافلون
« رد #3 في: 22:01 22/04/2016 »
الاستاذ والاديب القدير رابي ميخائيل ممو المحترم
تحية طيبة
اهنئك على حسن اختيارك وحسك العالي وتميزك المطلق ومجهودك الرائع، على هذا الاختيار وهذا الاتجاه الجميل الذي بالتاكيد سوف يخدمة مسيرة ثقافتنا كثيرا، كما انني اعجبت باتجاهك حول سرد المعلومات التاريخية عن هذه الشخصية القومية والثقافية المنسية. مرة اخرى اشكرك وتقبل مروري والرب يرعاكم
اخوكم
هنري سركيس

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: ناهز التسعين ونحن عنه غافلون
« رد #4 في: 00:26 23/04/2016 »
الأخ الأستاذ هنري سركيس
شلاما اومتانايا وسبرايا وليشانايا فبلون
شكرا لك على الأوسمة المعنوية التي قلدتني أياها على الواجب الذي حفزني للتعريف بشهدائنا من الأدباء المجهولين أيام حياتهم الطبيعية، وبعد رحيلهم الأبدي يهرع المعزون على عض أصابع الندم لعدم معرفتهم بهم. وحتى من الذين يهتفون بالوعي القومي من السياسيين والأدباء أيضاً. وأقل ما يمكن قوله رحيل الشاعر الذي عرف بإسم على علم المرحوم سركون بولص حين نذكر اسمه يباغتك المستمع ومن يكون؟! وبعد رحيله وما كتبه ونشره الإعلام العربي لم يحظ به الكثير من الشعراء العرب. وكذلك الشاعر جان دمو الذي لـُـقب بثاني صعلوك في العراق بعد الشاعر عبد الأمير الحصيري، لإتصاف جان بجرأته وقلمه الحر وكتاباته الراقية التي يشهد لها كبار الشعراء، مات وهو لا يملك داراً للسكن، كرحيل سركون بشكل غامض بعد معاناته في مرسم الشاعر مؤيد الراوي. علماً بأن الشاعرين كانا من أعمدة جماعة كركوك الأدبية ومنهم الشاعر الأب يوسف سعيد.. كتب الشاعران بالعربية، ولكن لا ننسى مشاعرهما كانتا بأحاسيس آشورية، ودليل ذلك ما ترجمته من قصائد الشاعر سركون كل ما كان يقصده عن عالمنا ونشرته بالآشورية وكذلك لجان دمو. علماً بأن أبناء شعبنا في العراق وسوريا يتقنون العربية ولكن يتجاهلون هكذا ادباء.
هذه هي حالنا أخي هنري.. حتام نظل نتحجج بالتغافل ولا نقيمهم وهم أحياء، وبعد مماتهم نأسف على رحيلهم، ومن ثم نستطمع في اقتناء نتاجاتهم للإطلاع عليها، والأمّر من ذلك أن لا نجد أبناء شعبنا من الأدباء أن يكتبوا شيئاً عن هكذا جنود الوغى الأدبي.
لدي الكثير للحديث ولكن أكتفي بهذا القدر. آملاً أن يكون ردي هذا محفزاً للذين يجهلون واقعنا ، علهم يستيقظون.
مع بالغ شكري وتقديري لمداخلتك التي حفزتني للإشارة بهذا الشكل.
ميخائيل ممو