الحكم الذاتي المحلي بعنكاوا، البحث عن صيغة الحل النهائي
الجزء الاول
استمرار الاخفاق في إيجاد صيغة مناسبة لتنظيم العلاقة بين حكومة اقليم كردستان وأبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، على امتداد مناطقهم ادى الى تراكم المشاكل الإدارية والخدماتية في تلك المناطق، أضف الى ذلك مشاكل التجاوزات والاستيلاء على الاراضي وغيرها التي بدأت تتعقد باستمرار وفشل الجهات الرسمية في إيجاد حل عادل لها. بات من الملح والضرورة التفكير في اطار قانوني اجتماعي يضمن الحلول الناجعة لكل تلك المشكلات المتراكمة، كما يوفر الحياة الكريمة لابناء شعبنا في مناطقهم ويضمن السلم الأهلي فيها، وينمي في الوقت ذاته شعوره بالمواطنة الكاملة التي بات يعاني من نقصها، وبالتالي يضمن الاندماج السليم والفاعل في الواقع والحياة العامة ومن خلال دراستنا وعملنا السياسي والاجتماعي والميداني ، وبعد مناقشة الفكرة مع مختلف الفعاليات الفكرية والشبابية والثقافية في المنطقة ومن اتجاهات وانتمائات وتيارات متنوعة، فلم نجد انسب من الية الحكم الذاتي المحلي لنطرحها للنقاش كحل جذري لمشاكلنا المتفاقمة في مدينتنا عنكاوا، وبهدف تعميمه في مختلف مناطق تواجد شعبنا في الإقليم.
عنكاوا اليوم لم تعد كما كانت قبل عقد من الزمان، فهي اليوم منطقة تمثل المركز الرئيسي والثقل البشري ألأكبر للمكون الكلداني السرياني الاشوري، وأصبحت تجمع وتحتضن ابناء هذا المكون الاصيل القادمين من مختلف أنحاء البلاد، فنموذجها الديموغرافي الخاص ليس له مثيل في منطقة اخرى سواء في داخل الإقليم او خارجه وخاصة بعد خسارة سهل نينوى، لذلك فان طرح الحكم الذاتي المحلي لعنكاوا ، سيمثل خطوة جادة لتفعيل قدرات ابنائها الذين سيمثلون وبصيغة قانونية سكانها الأصليين ومختلف القادمين اليها من أبناء شعبنا، والذين يجب ان يفعل دورهم في ادارة و بناء مدينتهم وذلك بتحويلهم من وافدين الى مواطنين أصيلين وضمان دمج الجميع في بودقة واحدة، وبالتالي تحويلهم الى طاقة ايجابية لخدمة هذة الارض، فيما تعتبر هذة الخطوة محاولة حقيقية لتثبيت أبناء شعبنا في ارضه التاريخية بعد ان اخذ نزيف الهجرة يهدد بزوال هذا الشعب الحضاري العريق من هذه الارض.
أن ضمان التعايش السلمي في الاقليم، احترام هذا التعايش يقتضي احترام وجود المجموعات القومية والعرقية والثقافية الموغلة في القدم ألغير الكوردية، في شكل يؤمن استمراريتها وحريتها وانمائها.
على افضل نحو في الاطر الجغرافية والمؤسساتية والامنية والثقافية التي تسمح لها بالحياة ضمن منظومة قيمها وتراثها وعاداتها وتقاليدها، وفي اطار الاقليم الجامع، وهذا ما سيضمن بالتأكيد مشروعنا في الحكم الذاتي المحلي. كما سيمنح في الوقت ذاته القوى الكوردية المصداقية في طروحاتها وخاصة في قضية التعايش السلمي الحقيقي، كي لا تعتبر طروحاتها مجرد شعارات رنانة، بلا تطبيق على ارض الواقع، فالمشروع سيمثل امتاحانا حقيقيا لمصداقيتها في طروحاتها الدولية و المحلية، فيما يخص تعاملها مع مختلف المكونات بالإقليم، خاصة وان حكومة الاقليم حسب ادعائعها ليس لها اية خطة أونية لأحدات اللتغير الديموغرافي تجاه مناطق شعبنا وكل ما يحصل هو مواضيع وأفعال فردية يمكن حلها بالمحاكم.
لماذا الحكم الذاتي المحلي على اساس النظام المناطقي؟ إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الحكم الذاتي في القانون الوضعي، هو حماية قومية أو حماية جماعة عرقية معينة، تقطن في إقليم (مميز تاريخيا وجغرافيا) ضمن أقاليم الدولة التي تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقي والجغرافي، وبالتالي يرتبط مفهوم الحكم الذاتي بمبدأ القوميات ارتباطاً هاماً ووثيقاً، كما أن تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي لا تأخذ شكلاً واحداً، بل إن تطبيقاته تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والقانونية.
ويمكن القول أن المقصود بالحكم الذاتي الداخلي "Autonomie Interne" هو نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقيا داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية.
ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة. كما أشارت بعض المواثيق الجهوية إلى مفهوم الحكم الذاتي، فقد عرف الميثاق الأوربي الحكم الذاتي المحلي (Autonomie locale)، في مادته الثالثة بأنه "قدرة الوحدات المحلية، والإقليمية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون" وأن هذا الحق "يمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات، مشكلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشرا أو عاما، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه" لذلك ان الحكم الذاتي المحلي هو الواقع الانسب الذي يمكن تطبيقة لهذا المشروع،
وهنالك أربع أنظمة سياسية يمكن لبلد ما أن يتّبعها في سياق إعطاء المناطق أو المجموعات العرقية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونها وطمئنتها إلى وجودها المستديم وهي، اللاحصرية Déconcentratio، اللامركزية Décentralisation وهناك نوعان منها اللامركزية الخفيفة مثل النموذج الفرنسي والمناطقية Régionalisme وهي تشبه الى حدّ كبير الفيدرالية، والفرق بينهما هو فقط فلسفي، الكونفيدرالية، وأخيرا الفيديرالية
. وبحسب رؤيتي لواقعنا فان انسب شكل من الانضمة التي يجب ان تكون في دستور الاقليم هي اللامركزية المناطقية وليس الخفيفة فهنالك فرق كبر بين الاثنين فاللامركزية الخفيفة وتتلخص بتقسيم البلد إلى مناطق تحصل فيها انتخابات لمجالس تمثيلية محلية، ولكن الصلاحية المطلقة تبقى بيد الدولة المركزية، ففي فرنسا هناك ما يسمى بالمجلس المناطقي Consul regional والمجلس العام Conseil général ولكن الصلاحية المطلقة في يد الـPréfet الذي هو موظف معيّن من قبل الحكومة المركزية للإشراف على عمل المؤسسات وعندما يحصل أي إشكالٍ في الإدارة المحلية، يكون القرار النهائي للـ Préfet.
واليوم من خلال هذا الطرح ادعو الجميع للنقاش والتحاور وإغناءه بالافكار والاقتراحات والدراسات المستفيضة، كما أأمل من مؤسسات شعبنا الكنسية والسياسية والمدنية والاجتماعية، ومن المختصين اغناء الفكرة بكثير من الدراسات الجادة والعلمية وفق المعطيات على الارض، علما انني ساقوم في الاجزاء القادمة بدراسة التطبيقات العملية لهذا الطرح.
وختاما ارى ان هذا الطرح وفق رؤيتي يمثل فرصةاخيرة للنهوض بواقع شعبنا والحفاظ على ما تبقى منه، لذلك أامل ان نبتعد عن المزايدات السياسية في قرائتنا لهذا الطرح والتي قد تعمل الى إفشاله كما افشلت الكثير من المشاريع التي طرحت سابقا لخدمة هذا الشعب.
كلدو رمزي اوغنا
عنكاوا 25 نيسان 2016