تباً للتأريخ - الأمة التي لا تخدم حاضرها . لا يمكنها أن تحفظ مجّد ماضيها
آشور قرياقوس ديشوتورونتو – كندا
كنت أحب تاريخ شعبنا وأتلذذ بقراءته دائما وأغوص في دهاليزه العميقة كلما أحتجت الى معلومة أو خبر معين لأغني بهما كتاباتي أو مقالاتي . ألا أنني اخيراً بتُّ أشمئز بل أتقزز منه. لأنني لم أعد أجد فيه نفعاً. ولان التاريخ لم يفعل فعله المنشود في شعبنا . فهو لم يجعلنا نتقدم ولو بخطوة واحدة الى الامام ولم يصبح لنا حافزاً حتى نتطوركأمة لها مكانتها وحضارتها في هذا التاريخ. ولا نجاري به الامم المتطورة والمتقدمة الاخرى والتي أصلاً لا تحمل ذكراً ولو طفيفاً في أية حضارة قديمة وعريقة مثلنا .
التأريخ الذي نستقتل من أجله في كل أحاديثنا ومقالاتنا والذي لم يعد لنا أوعندنا نحن الاشوريون غيره لنتكلم عنه لم يستطيع أن يجمعنا معاً أبداً في مشروع معين واحد نعوّل عليه ليزدهر به شعبنا في الوطن أو المهجر ولا أن يحوينا كشعب واحد أو حزب واحد أو مؤسسة واحدة أو حتى في رأي واحد ؟ . لم نستطيع أن نختارمن صفحات التأريخ المشّعة والكثيرة حدث معين أو قصة صغيرة واحدة لتقرب بيننا كأشوريين أو تقربنا من فئات شعبنا الاخرى من الكلدان والسريان . اصبحنا نسعى اليه فقط عندما نريد أن نستشهد بمقتطفات لنهاجم بها الاخرين ولنُسكت من ينافسنا في الكلام فقط وليس العمل . بينما كأمة وشعب لازلنا نراوح في أماكننا فلم نخطو بفضل هذا ( المكَرود) وأعني التاريخ ولو خطوة واحدة الى الامام . لا بل خلصنا الى ماهو أتعس لقد أصبحنا نعود الى الخلف لنعيش في وضع مؤلم ومزري جداً لأننا في كل السنوات 6000 الماضية كنا جالسين ( رِجلاً على رِجل ) ننتظر حتى يأتي الاخرون ويقولوا لنا : أنتم أصحاب حضارة وتأريخ خذوا هذه الارض لكم !!!!!.
هذا التاريخ الذي نتباهى به اليوم والذي نحاول به أن نغطي على تقاعسنا وفشلنا لم يعد الا وسادة مخدرة ندعوا به شعبنا الى النوم والغفلة . يخدعنا به السياسين والكتاب والمثقفين ليشحذوا به عقولنا البسيطة ويلقنوننا به بعد أن فشلوا في أن يقودوننا الى التجدد والتطور والازدهار ولأنهم لم يستطعوا أن يبتكروا شيئاً جديداً أو يرسموا خارطة طريق تجمع شعبنا معاً نحو مستقبل مزدهر أو يبنوا حاضراً آمناً وسالماً أو يقدموا لنا خيارات منطقية وواقعية نواجه بها تحديات اليوم وتقود شعبنا الى بر الامان .
هذا التسطير الذي نقرأه عن التاريخ كل يوم وصل الى درجة الأستخفاف بعقول شعبنا الطيب والبسيط ولم يعد الا رسالة مطرزة بكلمات جميلة تصلح لدرس القواعد والانشاء فقط . يحاول المدمنون عليه أن يدوسون من خلاله بأقدامهم على مشاعر أبناء شعبنا من المهجرين والهاربين الذين يفترشون الخيم والقاعات والساحات والذين أختُطفت وأغتُصبت عوائلهم وبناتهم وأبنائهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم . وبكل بساطة فأن هذه الكتابات والمقالات هي رسائل فشل تفتقر الى الابداع والالهام والرغبة الصادقة التي تدعوا الى التطور والتغيير والسعي الى خلق حياة جديدة وطريق قومي ونضالي نحو أهداف جديدة في حياة أية أمة .
لقد سعّدَ أبناء شعبنا وأمتنا في العراق بسقوط االدكتاتورية في 2003 وحظي الشعب جميعه بالحرية والانتصار . ولقد توقع الجميع تغييرات جديدة وكبيرة في الوطن ونحن أيضاً كأشوريون وكلدان وسريان تأملنا تغييراً في أوضاع شعبنا. فمرت عملية التغيير سهلة على الفئات الكبيرة بعد أن أغتنموا بالسلطة والجاه والحكم ألا نحن فلم ندرك بان معظم مشاكلنا كشعب وأمة لا زالت قائمة ولم يفهم القادة السياسيين والدينيين أنهم أمام مهمة صعبة وعسيرة والتي هي بناء أمة متحدة ومتكاملة فبدأنا نواجه ضعفنا في المصالح الذاتية التي سعت أليها مؤسساتنا السياسية والقومية وصراع المذاهب وتجاهلنا مصلحة شعبنا العامة وخاصة بعد أن طرق الشعب وقياداته السياسية والدينية باب الانقسام والتشتت ليركزوا على ( نموذج ) التاريخ والتسميات والمذاهب وليبدأوا عليه صراعاتهم الجديدة القديمة .
سطور التاريخ وحدها ليست كافية لنيل الحقوق . قد يكون التأريخ في بعض الاحيان حافزاً ولكنه ليس السلاح المباشر للشعوب التي تريد أن تنتصروتحقق امنياتها بل يجب ان تمتلك هذه الشعوب ارادة وتصميم وأستراتيجية وتخطيط . فهنالك الكثير مما هو جيد في تأريخنا . ولكن أيضاً هنالك الكثير الذي يحتاج التغيير في واقع و حاضر شعبنا . ويمكن للتاريخ أن يكون فقط مصدراً للقوة والبأس في حياة شعبنا عندما لا نكون منعزلين بل نؤمن بأننا شعب واحد متكون من ثلاثة فئات وأن أحد ركائز قوتنا وعلاقتنا مع البعض هي أن نتعامل كأخوة وأحبة وأهل وعلى قدم المساواة والعدالة.
أن درجة تطور أية أمة وتصنيفها بين الامم الاخرى يأتي من مقدار التقدم والازدهار الذي يحدث في حياتها وما تخطط به للمستقبل و ليس فقط من خلال حقبات الماضي بل بما حضت به من التطور والتقدم الفكري والاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي ومن خلال أستراتيجيات وخطط وضعتها من أجل مستقبل مشرق ومزدهر . أن الحوار و نتائج اللقاءات السابقة والاختلاف في الرؤية التي حدثت بين قيادات كنائسنا قي الماضي ومهما أسفرت من نتائج يجب أن لا تقود الى الخيبة والانعزال ولا تتوقف الجهود عن رسالة الوحدة المنشودة التي دعت اليها قياداتنا الدينية دائما ً بل يجب ان يستمر الاتصال والحوار لخلق أرضية سليمة ومشتركة وان يشكلّوا فرق عمل من مستشارين وخبراء لفهم أسباب الفشل وعدم الاتفاق وجمع البيانات للحصول على المزيد من الدعم والمعرفة والتجربة لاعادة بناء حلقة الحوار والاتصال من جديد .
أن الصراع حول التاريخ والتسميات والسعي نحو السلطة والمصالح الفردية والحزبية والفئوية المذهبية والتعصب في العلاقة من خلال الجلوس على أقطاب متناقضة ومتعاكسة هي التي أدت الى جميع هذه التوترات التي نراها في العلاقة العامة بين الكتاب والمثقفين والساسة ورجال الدين . ويجب علينا اليوم التوجه نحو أعادة تعريف التبعية القومية والعمل الى صياغص ة شعورجديد يدفعنا الى الوحدة أو العمل المشترك من خلال التركيز على الاسس والعوامل المشتركة التي تجمع فئات شعبنا جميعاً في نتاج تاريخ وثقافة ودين وأرض واحدة والتي هي المرجعية الوحيدة التي يمكن أن تجعلنا جميعاً مسؤولين عن مصير وأهمية هذه العوامل التي نشترك بها .
أن الواقع والظروف القاهرة التي يمر بها شعبنا في الوطن يحتم على المسؤولين من السياسيين ورجال الدين من جميع الفئات الثلاث الانفتاح على بعظهم وترك أوراق التاريخ جانباً ولنقارن أنفسنا مع هذه المجتمعات المتطورة في اوربا وأمريكا وكندا ودول آخرى والتي تحاول أن تخلق أرضية جديدة لها مع شعوب تختلف عنهم كلياً وتجتمع بهم في مجتمع واحد من خلال جلب اللاجئين الذين يبحثون عن حياة أفضل لانفسهم ولعائلاتهم . والتي جاءت أصلاً من مجتمعات وثقافات مختلفة ووجهات دينية خاصة لتنافس معهم ولتختلط مع ثقافة مجتمعات هذه الدول ولكنهم وضعوا بالرغم من كل هذا كل الاختلافات التي تخلق الحواجز جانباً . بينما نحن الفئات الثلاث من الكلدان والسريان والاشوريين والذين نكون شعباً واحدا التي عاشت سوية لدهور طويلة وتشترك معاً بلغة ودين وثقافة وتقاليد وعادات وأرض واحدة نجد العيش المشترك معاً صعباً وغير وارد.
مهما كانت الدوافع التي جلبت هذه الشعوب الى قبول مجتمعات آخرى غريبة – أقتصادية أو سياسية أو انسانية بحتة - للدخول في أوطانها وتشجيعها للعيش المشترك . فهي لا تعبر الا عن رقي هذه العقول ونظرتها المتفاءلة نحو المستقبل في بناء مجتمعات جديدة بعيدة عن التزمت الذي يلازم شعبنا بدون وجه حق. أن فكرة العولمة التي تشغل العالم اليوم لابد أن تأخذ موقعاً مهماً في أفكارنا وعقولنا . وان نربطها بعالمنا الصغير الذي يمثل مكونات شعبنا الثلاث من أجل أن نخلق له عالماً خاصاً يجمعنا بعيداً عن قيود وأغلال التاريخ والتسميات .
أن جسد وكيان أية أمة وشعب كما هو جسم الانسان لا يمكنه أن يتكون من عظمة واحدة وأن فئات شعبنا الثلاث هي العمود الفقري لجسد أمتنا وشعبنا وهذا العمود الفقري هو الذي سيجعل جسد الامة كبيراً وقوياً ومتراصفاً. وشعبنا الذي يعيش هذه المرحلة الحرجة جداً من تاريخه يجب عليه أن يجمع أعمدته و أشلائه الممزقة والمنعزلة وأن يعمل جميع الكتاب والمثقفين والسياسيين ورجال الدين بجد وأمانة لتتفتق اذهانهم عن خطط وأفكار ووسائل تربط بين هذه المكونات الثلاث لشعبنا لتخلق شعباً واحداَ قادراً على التعايش معاً وليمكنه من مواجهة التحديات التي يواجهها شعبنا اليوم في الوطن من قبل أن نفقد حظوظنا في الحياة الحرة الكريمة حينها ستسقط كل الحجج والتبريرات .
فلم يعد هناك في الوطن قارباً كبيراً يمكنه حملنا الى بر الامان بعد الان فكل ما هو متوفر هو زورقاً صغيراً يجب على جميع فئات شعبنا أن تركبه سويةً وتعمل بالتجذيف فيه معاً وفي نفس الاتجاه .
02-05-2016