عار على النائب الذي يخون قسمه الدستوري
أوشـــانا نيســـانحقيقة يعجز القلم عن وصف معاناة الشعوب العراقية بجميع انتماءاتها العرقية والمذهبية في العراقيين الجديدين خلال 13 سنة مضت. الواضح أن اشكاليات الهوية الوطنية"الجامعة" التي فرضها الاستعمار البريطاني على عموم الهويات العرقية العراقية بضمنها الاكثرية في عراق متعدد الاثنيات والاعراق، باتت على المحك بعدما عادت تلوح في الافق مساعي التقسيم والتفتيت من جديد. فالعراق العربي وعاصمته بغداد أنسلخ والحمدلله والشكرعن محيطه القوموي والعروبوي، والعراق الكوردي وعاصمته أربيل تضعه التحديات المستقبلية أمام مفترق طرق، أما دولة عراقية مقسمة على ثلاث فيدراليات، شيعية، سنيّة وكوردية أو اللجوء الى خيار الاستفتاء واحترام قرارالشعب وحقه في تقريرالمصيرالذي تفرزه صناديق الاقتراع في الاقليم، فأما البقاء ضمن سيادة العراق القديم أوالانفصال عن جسد العراق العربي نهائيا.
حيث يذكرنا ملف تاريخ الدولة العراقية منذ تاسيسها عام 1921 ولحد الان، كيف تم سحل أخرملك من ملوك المملكة العراقية وهو الملك الشاب فيصل الثاني في شوارع بغداد فجريوم 14 تموز عام 1958. هذه الثورة التي فتحت ملف الانقلابات العسكرية والاطاحة بعدد من رؤساء الجمهوريات في عصر الجمهورية العراقية وأخرهم الطاغية صدام حسين، حيث سيق الى حبال المشنقة فجر 30 كانون الاول 2006وهو يهان ويشتم من قبل جموع عراقية غاضبة تعودت أن تنعت العملية بالغضب العراقي "بأمتياز"، ولكن نادرا ما شاهد المواطن العراقي أو سمع عن أهانة متلفزة ومنقولة حيا على الهواء على رئيس وزراء عراقي وهو القائد العام للقوات المسلحة العراقية، بحملة من قناني الماء أو سماعات المقاعد النيابية أو غيرها من الاسلحة الممنوعة، مثلما جرى تحت قبة البرلمان الوطني العراقي يوم الثلاثاء الموافق 26 نيسان 2016!! هذا وبالاضافة الى تمزيق صور رئيس الوزراء السابق وهوحي يرزق، هذا التاريخ الذي يمكن تسميته باليوم الاسود في تاريخ عراق لم تتضح ملامح خارطته السياسية بعد.
فالنظام السياسي في العراق الجديد كما يكتب رئيس تحرير جريدة "المدى" السيد فخري كريم في ألافتتاحية المعنونة " الدولة اللادولة" بتاريخ 28 نيسان 2016، "أن النظام العراقي بوضعه الحالي لا يؤسس لبديل مغاير ديمقراطي مدني، بل يكرس قواعد لاشكال اخرى تطيح فكرة الدولة وسياقاتها الديمقراطية ويضّعف تأسيس ثقافة البديل الديمقراطي باليات الديمقراطية وما تفرصه من بديل متوافق مع تطلعات الناس".
أذ للاسف الشديد ان انجازات التعددية السياسية في العراق الجديد رغم انها تحصيل حاصل نضال شاق ومرير ضد السياسات القمعية والدموية للنظم المركزية خلال أكثر من نصف قرن متواصل، لم ترتق الى مستوى الاهداف الوطنية النبيلة التي سال من أجلها دماء الالاف من الشهداء والمعتقلين بالجملة في سجون الجمهوريتين الاولى والثانية، بالاضافة الى حرق وتدمير الالاف من القرى والمدن العراقية بعد ترحيل الملايين من ابناء الشعوب العراقية وتحديدا أبناء الشعب الكوردي، الشيعي، التركماني وابناء شعبنا الكلدواشوري.
فبين ليلة وضحاها انفرط عقد التحالفات المبنيّة على قواعد طائفية ومذهبية تحت قبة البرلمان العراقي، بمجرد الاعلان والكشف عن أسماء لوزراء في حكومة "التكنوقراط" ضمن المبادرة الحكومية التي نعتت ب"الظرف المغلق"، طبقا لمقترح قدمه السيد حيدر العبادي الى رئاسة البرلمان. علما أن الاعتراض على مضمون الظرف المغلق لم يأت بسبب التحفظ على قدرة التكنوقراطيين كما يفترض، وانما لاعتبارات أخرى تتعلق ومصلحة الاقطاب المتحالفة في ضرورة الابقاء على نفس أليات العملية السياسية المبنية أصلا على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية التي باتت تدرعلى أصحابها المليارات من الدولارات المسروقة من مال وقوت الشعوب العراقية.
علما انه يفترض بالبرلماني أي برلماني خصص لها أو له مقعدا تحت قبة البرلمان الوطني في أي بلد من البلدان المستقلة، أن لا يقّر ولا يعترف بأي مرجعية باستثناء مرجعيته الدستورية والتشريعية وهي البرلمان. لآن التفويض الشعبي الذي حصل عليه ليس تكليفا حكوميا أو وظيفيا أو ما شابه، بل أنه مصدر سلطته ووظيفته الاساسية في تمثيل شعبه والدفاع عن حقوقه وواجباته من خلال المطالبة بالاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد بجميع أشكاله داخل المجتمع. وبسبب تداعيات الفساد الاداري والمالي وحتى الاخلاقي المستشري في جسد البرلمان الوطني ومؤسسات الدولة العراقية، بات من الصعب على المواطن العراقي الغيور أن ينتظرأو يتأمل غدا افضل ولاسيما بعدما حل الانتماء الطائفي والمرجعيات المذهبية محل المواطنة الحقيقية والانتماء الوطني النزيه ضمن عراق يلهث انفاسه الاخيرة.
ختاما أن العراق بحاجة اليوم أكثر من أي يوم مضى الى نخبة سياسية مثقفة ونزيهة من الوطنيين التكنوقراط ضمن هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق، تتولى مهمة أعادة صياغة بنود وفقرات أجندة المرجعيات السياسية ضمن عراق ديمقراطي وعلماني يتسع صدره لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم العرقي والمذهبي وحتى السياسي.