المحرر موضوع: الاستفتاء البريطاني يحبس أنفاس العالم  (زيارة 1077 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31440
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاستفتاء البريطاني يحبس أنفاس العالم
تخوف من تفكك الاتحاد البريطاني في حال مغادرة الاتحاد الأوروبي.
العرب [نُشر في 23/06/2016، ]


بوريس جونسون يوظف مصالح الصيادين كي يدفع البريطانيين إلى التصويت لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي
لندن - فيما يمارس البريطانيون اليوم اختبار الخيار ما بين البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، تنتظر أوروبا ما ستخرجه الصناديق لتحديد وجهة التموضع الجديد داخل الاتحاد.
ويرى المراقبون أن التقارب في استطلاعات الرأي بين وجهتي النظر داخل الكتلة الناخبة ترك القادة الأوروبيين مستسلمين لحكم اللحظات الأخيرة، فلم يصدر عنهم ما يكشف عن خطط ما بعد الاستفتاء، لا سيما إذا جاءت نتائجه لصالح معسكر “الخروج”.

لكن اللافت أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي كما زعماءه الذين عبّروا عن قلق من فقدان العضو البريطاني وحرص على الاحتفاظ به داخل الصرح الأوروبي، أفرجوا قبل بضعة أسابيع عن تقارير وتصاريح تستشرف مستقبل المشروع الأوروبي من دون بريطانيا، على النحو الذي أوحى للندن كما للمواطن البريطاني استعداد الأوروبيين للاستحقاق البريطاني وذهب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى اعتبار أن “رحيل بريطانيا لا رجعة فيه”.

لكن دبلوماسيين أوروبيين يلفتون إلى أن تصدعا ما سيصيب علاقة لندن بدول الاتحاد الأوروبي أيا تكن النتائج، ويعتبر هؤلاء أن الاستفتاء في حدّ ذاته، والذي كان يستخدم لدى دول أوروبية أخرى لتطوير الاتحاد، ارتكب في النسخة البريطانية أول ميل إلى الطلاق تعبّر عنه دولة عضو.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كررت الأربعاء تمنياتها ببقاء بريطانيا في الاتحاد، قد تساءلت في أحد تصريحاتها السابقة “لماذا هذا الاستفتاء أصلا”، ملمحة إلى مناورة الاستفتاء التي لجأ إليها ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، والتي عبّرت عن حسابات انتخابية ضيقة.

يتذكر العارفون أن مؤسسي المشروع الأوروبي في مطلع الخمسينات قد أجلوا انضمام بريطانيا إلى عام 1973، بسبب اعتبارها “حاملة طائرات أميركية داخل القارة الأوروبية”، وفق تعبير الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول. فيما تدفع الولايات المتحدة هذه الأيام في اتجاه بقاء الحليف البريطاني داخل الاتحاد إلى حد قيام الرئيس باراك أوباما بحمل نصائحه إلى بريطانيا في زيارة أغضبت معسكر “الخروج” في أبريل الماضي.

لكن اللافت أيضا أن الجدل البريطاني حول الاستفتاء أسقط محرّمات لم تكن لترتكبها النخب السياسية التقليدية قبل سنوات.


نعم أم لا
وأظهر شعار “بريطانيا أولا”، الذي صرخ به قاتل النائبة العمالية جو كوكس، تقدُّمَ ما كانت تصرّح به جماعات اليمين المتطرف بصفته أداء هامشيا مُدانا ليصبح عاديا في متن الجدل العام، بحيث لم يعد هناك من خطّ فاصل بين ما يقوله دعاة الخروج في الأحزاب التقليدية ونايجل فاراج الذي يمثّل اليمين المتطرف في بريطانيا ونظراءه داخل كل أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

ويأتي الجدل الحالي معاكسا للروح التي أتت بصادق خان أول رئيس بلدية مسلم لمدينة لندن في انتخابات مايو الماضي.

ويذهب الجدل في بريطانيا أكثر من ذلك في السعي لاستشراف مستقبل البلد دون الاتحاد الأوروبي ورصيد ذلك في حساب الأرباح والخسائر بالمعنى المادي، كما بمعناه السياسي والجيوسياسي.

ويعتبر بعض المراقبين البريطانيين أن لندن تقامر بوحدة بريطانيا نفسها، لا سيما في حال الخروج من الاتحاد الأوروبي، ذلك أن أسكتلندا التي اختارت بشقّ الأنفس البقاء داخل التاج البريطاني في استفتاء 2014، قد لا تجد ضرورة للاستمرار في العيش تحت سقف بريطانيا خارج أوروبا مثلا.

ويختصر بعض الخبثاء الحدث الذي يراقبه العالم أجمع على أنه مجرد مماحكة محلية بين ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين وبين بوريس جونسون، عمدة لندن السابق، والطامح إلى زعامة الحزب ومنصب رئاسة الوزراء.

ولكنّ في الأمر تعجّلا وتبسيطا، ذلك أن الجدل اخترق حدود النخب السياسية والاقتصادية والثقافية في اتجاه العائلات بمعناها الكبير والفردي، ولامس نقاشا عتيقا حول الهوية والانتماء، وهو نقاش سابق على تشكّل الاتحاد الأوروبي، وسابق على تشكّل الاتحاد البريطاني نفسه.

ولا يبدو العالم العربي معنيا بالحدث البريطاني هذا اليوم، ليس فقط لأن براكينه المحلية تشغله عن الإدلاء بدلو له طابع دولي، بل لأن الفكرة الأوروبية بمضامينها ومؤسساتها ومعاهداتها وما وصلت إليه لطالما اعتبرت منتوجا غربيا متقدما، وأحيانا غير مفهوم، لجهة إزالة الحدود وتحرير تنقل البضائع والأشخاص وقيام فضاء مرجعي قضائي وقيّمي لكل الأوروبيين المنضويين داخل الاتحاد.

وحدها الجالية العربية معنية مباشرة بالجدل البريطاني، ذلك أن وجودها في بريطانيا واكتسابها لحقوق المواطنة الكاملة، لطالما أتاحته تشريعات تأثّرت بتلك الأوروبية، وأن لخروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد تحررا من قيود قانونية سهّلت تواجد العرب وإقامتهم وتطوّر أجيالهم داخل فضاء يتجاوز حدود المملكة في اتجاه الحدود الأوسع لأوروبا.

ومن سخرية هذا الواقع أن جماعات من أولئك العرب المهاجرين - المواطنين تدافع بتعصّب بريطاني عتيق عن خيار الخروج من الاتحاد الأوروبي لحماية “بريطانيا العظمى”.