الحزب الشيوعي العراقي
مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسودة موضوعات سياسية
للمؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي
(للمناقشة)
شرع الحزب بالتحضير لعقد مؤتمره الوطني العاشر خلال هذا العام وفقاً لما ينص عليه النظام الداخلي، وفي سياق التحضيرات هذه، نشرت "طريق الشعب" النظام الداخلي وبرنامج الحزب اللذين اقرهما المؤتمر الوطني التاسع عام 2012، بمثابة مشروعين للمناقشة والاقرار في المؤتمر القادم.
واليوم تنشر "طريق الشعب" مسودة موضوعات سياسية للمؤتمر الوطني العاشر للحزب، والهدف كما في المشاريع السابقة، هو توجيه دعوة عامة الى تقديم الملاحظات واقتراح التغييرات عليها وصولاً الى مناقشتها واقرارها من قبل المؤتمر الوطني العاشر.
ستفتح الجريدة، وسائر منابر الحزب الاعلامية الاخرى، صفحاتها لنشر المساهمات والكتابات التي تصلها شريطة التزامها بضوابط النشر المعروفة.
نتطلع الى مساهمة واسعة تغني المسودة وتدقق مضامينها، وتسهم في رسم الخط السياسي العام للحزب.
مسودة موضوعات سياسية للمؤتمر الوطني العاشر للحزب
1. شهدت بلادنا في السنوات الاربع التي مرت على انعقاد المؤتمر الوطني التاسع للحزب (ايار 2012) تطورات واحداثا مهمة، اشرت استمرار الازمة العامة وتعمقها وشمولها وتعدد تجلياتها.
2. وكان من مظاهر ذلك الفشل في تحقيق ما تطلع اليه العراقيون بعد التغيير في نيسان 2003، من اقامة بديل مدني ديمقراطي حقيقي للنظام الدكتاتوري المقبور، يقطع الطريق على اي مسعى لاعادة بناء نظام شمولي استبدادي قمعي تحت اية ذريعة او واجهة.
3. ان الازمة البنيوية التي تطحن بلادنا والمفتوحة على الاحتمالات كافة، ليست معزولة عن طريقة التغيير التي تمت عبر الحرب والاحتلال، او عن تركة النظام المباد الثقيلة، وطبيعة نظام الحكم ومنهجه الذي يعتمد المحاصصة الطائفية – الاثنية في الادارة وفي بناء مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، وتغليب الهويات الفرعية على حساب المواطنة العراقية الجامعة، كذلك ليست معزولة عن تسييس الدين وتوظيفه، وتفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وما تعرض اليه وطننا من عنف وتخريب وموجات ارهابية دامية، وفي ظل تعمق الطابع الريعي للاقتصاد الوطني واعتماد الليبرالية المنفلتة والسوق المفتوحة، وغياب رؤية استراتيجية متكاملة لتحقيق تنمية متوازنة مستدامة، بجانب تفشي الفساد في الدولة والمجتمع، واحتدام معركة شعبنا ضد الارهاب وداعش.
4. ويؤشر هذا كله وغيره استمرار احتدام الصراع على خيارات المستقبل وشكل الدولة وماهيتها، وطبيعة النظام السياسي والاقتصادي- الاجتماعي الجديد، فيما يواصل المتنفذون الفاسدون تعنتهم وتمسكهم بالمحاصصة تحت عناوين مختلفة، وتغليبهم مصالحهم الضيقة الانانية على مصالح الشعب والوطن.
5. ان بلادنا في حالة استعصاء سياسي ناجم عن الصراعات بين الكتل المتنفذة وفي داخلها، وهي التي تعاني من التشظي والتشرذم، وعن التشنج في علاقة الحكومة الاتحادية مع حكومة الاقليم من جهة، ومع الحكومات المحلية من جهة ثانية، فيما يتسم اداء الدولة ومؤسساتها بالشلل والعجز عن تلبية حاجات الناس، وتتفاقم الازمة المالية الاقتصادية، ويشتد التوتر الاجتماعي، ويضرب الفساد اطنابه في الدولة والمجتمع، ويبرز الفشل في توفير الخدمات، والتدهور في المستوى المعيشي لفئات اجتماعية واسعة، خاصة من الكادحين وذوي الدخل المحدود، بل حتى من الفئات الوسطى، فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر.
6. وقد ولدت اوضاع البلد المأزومة سخطا وتذمرا واسعين، وحراكا سلميا يكفله الدستور، ويجسد رفض جماهير وفئات اجتماعية متنوعة لاستمرار مسلسل الازمات وتحمل تبعاته، ويضغط باتجاه تحقيق الاصلاح والتغيير الذي غدا مطلبا جماهيريا ملحا، بعد الفشل المتتالي للسلطات التنفيذية والتشريعية واخفاق منهجها المعتمد ونمط تفكيرها، وغاية ذلك هي اصلاح العملية السياسية وتصحيح مسارها، بما يفضي الى فتح فضاءات جديدة، وتغيير موازين القوى لصالح اصطفاف مدني ديمقراطي واسع، ونشوء كتلة وطنية اصلاحية مؤثرة وفاعلة، تقود البلد الى شاطىء الامان والاستقرار، ونحو اقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية على قاعدة العدالة الاجتماعية، دولة المؤسسات والقانون كاملة السيادة.
مظاهر الازمة الشاملة في بلادنا ومآل العملية السياسية
7. تشهد الاوضاع في بلدنا مزيدا من التعقيد والتشابك والتدهور، وتتكاثر المشاكل مستعصية الحل في اطار منظومة الحكم القائمة ونهجها، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية – الاجتماعية، لتصبح ازمة شاملة ذات ابعاد بنيوية وسياسية، وقد تعمقت هذه الازمة بجوانبها المتعددة وتجلت كأزمة نظام حكم وحكومة، وبالتالي ازمة علاقات وثقة متبادلة بين القوى والكتل المتنفذة، واخذ مسار الاحداث وتداعياتها يثيران قلقا متناميا داخل العراق وفي البعدين الاقليمي والدولي، ليس فقط على مسار العملية السياسية ووصولها الى غايتها المرجوة في اقامة الدولة الديمقراطية الاتحادية المزدهرة، بل وعلى الدولة العراقية ككيان موحد.
8. ومع اشتداد وتعمق الأزمة الشاملة للحكم، باتت تطرح أسئلة مشروعة بشأن مآل العملية السياسية في البلاد، والتي انطلقت بعد عام 2003، بل ان بعض القيادات السياسية البارزة المشاركة فيها أعلنت احتضارها وموتها، ومن جانب آخر برزت الحاجة الى وقفة جادة عند الفجوة المتزايدة الاتساع بين الأهداف المرجوة منها والآمال التي كانت معقودة عليها، وبين ما آلت اليه الأوضاع من تدهور.
9. من جانبنا تعاملنا مع العملية السياسية كعملية انتقال سلمي نحو عراق ديمقراطي موحد وفق ما نص عليه الدستور، من خلال تصفية مخلفات النظام الدكتاتوري وإرساء وتثبيت أركان النظام الديمقراطي الاتحادي، قانونيا ومؤسسيا وفكرا ونهجا، واستكمال السيادة الوطنية وإعادة الاعمار، ووضع العراق على طريق البناء والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وكنا قد اشرنا ان العملية السياسية تواجه أعداء يتمثلون في البعث الصدامي والمتضررين من سقوط النظام الدكتاتوري داخليا وخارجيا، الى جانب ما في داخلها من تناقضات بين القوى المساهمة فيها، وقد نبهنا منذ سنوات إلى أن المحاصصة الطائفية والأثنية التي بنيت عليها العملية السياسية تحرف مسارها وتجهض أهدافها، وطالبنا وعملنا من أجل مراجعة بنائها وتخليصها من علة اخفاقاتها ومصدر أزماتها، إلا أن القوى المتنفذة واصلت تشبثها بالمحاصصة وبالامتيازات التي توفرها لها على حساب مصالح الشعب والوطن.
10. نعم، لم تحقق العملية السياسية الأهداف المرجوة منها والتي لا تزال قائمة وتحتفظ براهنيتها، ذلك ان أزمة عميقة تلف هذه العملية بسبب نهج المحاصصة وسوء ادارة البلد، ومن هنا ضرورة مواصلة العمل للخلاص من هذا النهج وتصحيح المسار.
11. ويظل إصلاح العملية السياسية مطلبا ملحا طالما لم يحسم الصراع مع اعدائها الذين يريدون إعادة البلاد إلى عهد الحكم الاستبدادي.
12. ان القوى المتنفذة والمتشبثة بالسلطة لم تنجح في الوصول الى حلول تخرج البلد من ازماته، بسبب طبيعتها، وبقائها اسيرة لنمط تفكيرها اللاديمقراطي وآليات عملها وادارتها للسلطة، وعدم ابدائها الاستعداد للحوار البناء والجاد ولتقديم التنازلات المتقابلة، وعدم تحليها بالمرونة المطلوبة في العمل السياسي، وتمسكها بنظام المحاصصة والطائفية السياسية. لذلك تلجأ الى سياسة المناورة والتسويف وعقد الصفقات وتفضل ذلك على المنهج السليم الدستوري الديمقراطي، لاخراج البلد مما هو عليه من سوء الحال والتردي.
13. وتتجلى ازمة الحكم في مظاهر عدة، منها الادارة غير الكفوءة لمؤسسات الدولة، والعاجزة عن القيام بواجباتها، بسبب بنائها وفق منهج يفرط بالطاقات والكفاءات الوطنية، لحساب تجميع الانصار والمريدين والمطبلين، وانتهاج سياسة التفرد والاعتماد على الدائرة الضيقة من المقربين، ما ادى الى تعمق مظاهر التمييز على اساس الموالاة والتحزب الضيق، وتفاقم المعاناة من اعتماد المحاصصة على حساب الكفاءة والمهنية والنزاهة في اسناد الوظيفة العامة، ومن تدخلات العناصر المسلحة خارج ضوابط الدولة، وفي ظل غياب الرؤية الاستراتيجية المتكاملة لبناء الدولة، واللجوء بدل هذا الى اجراءات غير مدروسة ومبتسرة وترقيعية، جرى تبديد المال العام والوقت والجهد.
14. كذلك عدم قيام مجلس النواب بمهامه التشريعية والرقابية على نحو مقنع، وعدم تشريعه العديد من القوانين المهمة والمنتظرة مثل قانون النفط والغاز، وقانون الموارد المالية، وتعديل قانون التقاعد الموحد، وقانون الخدمة العسكرية الالزامية، ومراجعة مشروع قانون الحرس الوطني، وتعديل قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، وقانون الحصول على المعلومة، وقانون عفو عام يستثني من ثبت ارتكابه جرائم ارهاب وتورط في سرقة المال العام، وقانون مجلس الاتحاد، وإعادة النظر في قانون مكافحة الارهاب وقانون هيئة المساءلة والعدالة، ومعلوم ان اخطبوط المحاصصة امتد ايضا الى اللجان البرلمانية التي صار المتحاصصون يتقاسمون رئاستها، ما اثر سلبا على اداء تلك اللجان وعملها، وهذا ينطبق الى حد كبير على عمل واداء الحكومات المحلية ومجالس المحافظات.
15. وجرى التفريط بمبدأ الفصل بين السلطات فتداخلت الصلاحيات، ما اربك العمل وعرقله، فيما اثير العديد من الاسئلة بشأن عدد من الاجراءات والمواقف التي اتخذتها السلطات القضائية العليا، ومدى ما اتسمت به من حيادية واستقلالية، هذا الى جانب التدخلات الفظة في عمل الهيئات المستقلة، وتشكيلها وفقا للمحاصصة ولارادة المتنفذين وبما يخدم مصالحهم، ما اضعف كثيرا دورها المسند لها دستوريا وشوهه.
16. وتجلت الازمة ايضا في سعة الخلافات وعمقها بين الكتل المتنفذة المتحاصصة في جميع مفاصل الدولة، وفي فقدان الثقة بين اطرافها، ومواصلتها المناكدات والتراشق الاعلامي والتسقيط السياسي والاجتماعي، فضلا عن ارتهان العديد من القوى والشخصيات المؤثرة في الكتل المتنفذة الى دول وقوى خارجية، وخضوعها الى اجنداتها، وبقاء العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم على تأزمها.
17. كما تواصلت، باشكال متنوعة، حالات التضييق على الحريات العامة والخاصة، ومساعي تقزيم الديمقراطية، والحد من النشاط المهني والنقابي، لا سيما في مؤسسات الدولة، والتضييق على وسائل الاعلام والانشطة الثقافية وحرية التعبير والحصول على المعلومة.
18. وكشفت الهزيمة السياسية والعسكرية في الموصل (حزيران 2014) وتمدد داعش، وتواصل الخروقات الامنية، سوء بناء مؤسسات الدولة العسكرية والامنية واختيار قادتها، وفشل السياسة والاداء اللذين قادا الى هذا الانهيار، وما زال شعار حصر السلاح بيد الدولة بعيدا عن التطبيق، في ظل ظهور مؤسسات عسكرية غير نظامية ( ميليشيات).
19. وجاء الانخفاض الحاد في اسعار النفط عالميا منذ اواخر 2014، وتأثيره الكبير على العائدات النفطية، وما نجم عن ذلك من صعوبات اقتصادية ومالية جمة، ليبين الوهن الذي اصاب اقتصادنا والشلل وتعمق طابعه الريعي، وكل ذلك بسبب سوء الادارة، وعدم التخطيط والتوجه الجاد الى تنمية قاعدة اقتصادية انتاجية.
20. ونشأ تشابك مريب بين مؤسسة الفساد والمتنفذين الفاسدين في اجهزة الدولة ومؤسساتها من جهة، وفئات البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية واوساط من التجار الكومبرادور وبعض اصحاب المصارف والمتاجرين بالعملة ومالكي الفضائيات، وتوسعت هذه الظاهرة لتكتسب ابعادا مجتمعية.
21. وانعكس هذا وامثاله بحدة على حياة الناس ومستوى معيشتهم، وتجلى في انخفاض قدرتهم الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، وفي سوء الخدمات، والازمات في الكهرباء والماء والنقل والسكن والتعليم والصحة، وتصاعد نسبة من هم تحت خط الفقر.
فشل نظام المحاصصة
22. ان السبب الرئيسي لهذه الازمات المتتالية هو اعتماد نظام المحاصصة الطائفية – الاثنية، الذي ساهم المحتلون في ترسيخه، والمستفيدون منه في إدامته، والذي يتمسك المتنفذون به رغم ما جلب لبلادنا من مشاكل وصعوبات، ورغم فشله في تقديم حلول لمعضلات الوطن. وقد استمرأت القوى المتنفذة ذلك بسبب اختزاله المكون او الطائفة التي تدعي تمثيلها الى كتلتها السياسية، واتاحته تجيير ذلك لمصالح افراد، وتوفيره اساسا وغطاء لادامة مصالحها واستحواذها على المناصب، ولتقاسمها النفوذ مع بقية المتحاصصين والهيمنة على القرار.
23. وقد جاء توقيع وثيقة الاصلاح الوطني في ١٥ نيسان ٢٠١٦، بصورة مموهة في قائمة الترشيحات الوزارية الثانية لتشكيل الحكومة الجديدة، ليكرس نهج المحاصصة السىء ويؤكد اصرار المتنفذين على التمسك به.
24. ولم تتمكن السلطة القائمة من معالجة مشاكل البلد المتعددة المشار اليها، ولا من منع تفاقمها واستفحالها، حتى استحالت مؤسسات الدولة هياكلا واطرا هشة، جراء عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وما يعنيه ذلك من اقصاء متعمد للعناصر الوطنية الكفوءة والنزيهة عن مواقع المسؤولية، ومن غياب الرؤى الاستراتيجية لادارة البلد في الجوانب كافة. كما ان اعتماد المحاصصة عرقل اقامة دولة المؤسسات والقانون، ووفر في المقابل غطاء للفاسدين وحماية لهم من المساءلة والمحاسبة القانونيتين.
25. على ان الاخطر يكمن في تجاهل مبدأ المواطنة، وعدم التعامل مع العراقيين على قدم المساواة من دون تمييز بغض النظر عن قومياتهم وطوائفهم واديانهم ومواقعهم الاجتماعية، ويدفع كثير من المتنفذين نحو تكريس التعامل معهم كممثلي مكونات - ولا احد يعرف من انتخبهم لهذه المهمة!- في مسعى للهرب الى امام من استحقاق الخلاص من المحاصصة وتجنب شرورها، ومن المطالبة المتسعة بذلك.
26. ان من شأن تكريس مفهوم دولة المكونات، واستمرار المحاصصة، ان يقودا الى المزيد من التشظي المجتمعي واضعاف الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي، وقد يكون ذلك مقدمات وممهدات الى تقسيم الدولة، او في احسن الاحوال الى الابقاء عليها كيانا موحدا شكلا، فيما هي في الواقع تحكم وتدار من قبل ادعياء تمثيل المكونات والطوائف.
27. لقد اعتمد المتنفذون اسوأ منهج في الادارة السياسية، وهوالمحاصصة الطائفية، هذا المنهج الذي لم ينجح في مكان من العالم، ولا ينتج الا الازمات والخصام والا الفساد وحماية الفاسدين، ويشوه الديمقراطية ومعانيها، ويحط من قيمة المواطنة، صحيح انه يؤمّن لمتبنيه مصالحه الخاصة، لكنه يفرز دورياً متغيرات في ميزان القوى، تؤدي الى انتاج ازمات جديدة. وهذا ما يحصل في لبنان مثلاً، وفي كل مكان طبق فيه.
28. ان تجربة السنوات السابقة لم تزكّ هذا النموذج في ادارة الحكم، واذا كان مريدوه يحسبون انه مصمم لتحقيق الامن والاستقرار في بلد كالعراق متعدد القوميات والاديان والطوائف والمذاهب، ويوفر الاطار المناسب لتعايش اطياف الشعب بسلام وامان، فان الوقائع على الارض تشير الى عكس ذلك تماما.
29. ان المحاصصة الطائفية الاثنية هي أس أزمة النظام السياسي وفشله البيّن في مختلف المجالات، لذا لا بد ان يكون هدف الخلاص منها وإعلاء شأن المواطنة، اساسا لاقامة الدولة المدنية الديمقراطية، وعنصرا رئيسا في اية رؤية جدية الى عملية الأصلاح والتغيير.
الطريق الى الخلاص من المحاصصة
30. لقد واجه منطق المحاصصة اول الامتحانات الصعبة امام حركة الجماهير وضغطها، فتعرض جداره الى هزة قوية، لكنه لم يسقط بعد، ويحتاج الامر كما يبدو الى وقت قد يطول او يقصر، وفقا لشدة الضغط، ولقوة دفع العوامل الداخلية الفاعلة والداعمة، وللقدرة على تحييد العامل الخارجي او اضعاف تاثيره عبر اصطفاف داخلي فاعل، يتجه نحو الاصلاح وينبذ ويزيل العقبة الاساس: منهج ونمط التفكير المحاصصاتي.
31. هل تكشفت على نحو كاف عورات هذا النظام المعتمد في ادارة البلد؟ يبدو الان، وبفعل عوامل عدة في مقدمتها ضغط الجماهير، ان من الصعوبة العثور على من يدافع عنه علنا، ويلجأ البعض المستفيد الى مختلف الاساليب الملتوية للحفاظ عليه، ما يستدعي التعرية المتواصلة والمكثفة لعيوب هذا المنهج وسوءاته.
32. ويمكن التخلص من المحاصصة بصيغ متدرجة، ولكن في حزمة واحدة متكاملة، ويأتي في المقدمة راهنا تشكيل حكومة الكفاءات واختيار العناصر النزيهة والمؤهلة لتأخذ مواقعها فيها ضمن خطة ومنهج متكاملين، وبسقوف زمنية محددة، على ان يشمل ذلك الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة.
33. ومن الخطوات المنتظرة على هذا الصعيد تشكيل مجلس الخدمة، ليمارس دوره في اختيار شاغلي الوظيفة العامة وفق معايير النزاهة والتحصيل العلمي والخبرة والكفاءة، ومن الضروري هنا التشديد على التعامل مع جميع العراقيين من دون تمييز، وعلى اساس المواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة.
34. ويبقى اساسيا مراعاة كل ذلك في اعادة هيكلة مؤسسات الدولة المختلفة، وعلى وجه الخصوص ابعاد الجيش والمؤسسات الامنية على اختلاف تشكيلاتها عن المحاصصة، وهي التي مرت بتجارب مريرة اشرت هشاشة بنائها.
35. وفي هذا السياق يمكن تشكيل احزاب وكتل سياسية وبرلمانية عابرة للطوائف والعناوين الفرعية، تأخذ بالمواطنة وتتحرك وفقا لبرامج سياسية تغطي مساحة الوطن، ولا تكون محض عناوين طائفية ومذهبية وقومية ودينية، وان النجاح في هذا وتكريسه سيكون عاملا مهما في التخلي عن المحاصصة المطبقة حاليا، ويفتح الطريق الى تشكيل ائتلافات سياسية حاكمة على وفق برامج تسهل متابعة تنفيذها، مقارنة بحكومات تقام على "توافقات" "وترضيات" واعتبارات اخرى، فضلا عن تدخلات خارجية فاقمت المشهد السياسي وعمقت ازمته.
مكافحة الارهاب وداعش
إحتلال أراضينا من قبل داعش.. الاسباب والمسؤولية
36. في العاشر من حزيران ٢٠١٤ اجتاحت عصابات الدولة الاسلامية (داعش) مدينة الموصل، واحتلتها دون مقاومة تذكر إثر انهيار القوات العسكرية المكلفة بحماية المحافظة والادارات الحكومية في المدينة، وتمددت العصابات الارهابية خلال الاشهر اللاحقة الى محافظات ومدن اخرى في صلاح الدين وكركوك وديالى والانبار.
37. وارتكبت تلك العصابات جرائم شنيعة ضد السكان من مختلف القوميات والاديان، وخربت الحياة العامة فيها، وطالت جرائمها الاثار ودور العبادة والمؤسسات العلمية والمكتبات.
38. وادى احتلال مناطق واسعة في هذه المحافظات الى دخول بلادنا مرحلة جديدة ومختلفة، احتلت الصدارة فيها مهمة وطنية عاجلة، تتمثل في وقف توسع داعش وقهرها ومباشرة معركة قد تطول لاقتلاع جذور الارهاب من وطننا.
39. ولكن تكرر المشهد بالسقوط المفاجيء لمدينة الرمادي على يد داعش في شهر ايار ٢٠١٥، وشكل ذلك انتكاسة جديدة صادمة للقوات المسلحة العراقية ولعمليات قوات التحالف وخططها، واعاد انسحاب القوات المكلفة بحماية مدينة الرمادي والدفاع عنها من دون مقاومة تذكر، طرح التساؤلات بشأن الحالة المعنوية لهذه القوات ومدى استعدادها، وبشأن وجود تواطؤات او اختراقات.
40. وقد شكلت هذه الاحداث منعطفا خطيرا في الوضع السياسي العام في البلاد، كانت له تداعياته العسكرية - الامنية، والسياسية - الاجتماعية والاقتصادية، والمعنوية - النفسية على المواطنين، وعلى المجتمع بعمومه.
41. لم يكن ما حصل في الموصل وتداعياته بعيدا عن اوضاع البلد العامة عشية اجتياح داعش المدينة، ولا عن سوء الادارة حينذاك وسلوك الحكام ومنهجهم المفرّق والاقصائي والمتسم بهوس الهيمنة والفردية، وحالة الاستعصاء في العلاقة بين الكتل السياسة الحاكمة والمتنفذة، والمناكدات في ما بينها وحتى بين اطراف الكتلة الواحدة، وتغليبها مصالحها الخاصة على مصلحة الوطن في مواجهة ما يحيط به من مخاطر، كذلك العلاقة المتشنجة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وبين الاولى وبقية محافظات العراق، هذا فضلا عن التآمر الداخلي المدعوم من قوى اقليمية ودولية، وهو اساسا من طرف بقايا النظام السابق والمتضررين من التغيير سنة 2003، الذين اتخذوا موقفا معاديا للعملية السياسية، ومارسوا التخريب بكل اشكاله ضدها ولاضعاف قدرات البلاد واشاعة اجواء عدم الاستقرار، وقد تشكلت من هؤلاء وغيرهم، بفعل العوامل المشاراليها اعلاه، حواضن اجتماعية سهلت مهمة الدواعش في السيطرة على اراضي واسعة في بلدنا.
42. كما تبقى ساطعة حقيقة ان بناء القوات المسلحة على الاسس الخاطئة ذاتها المعتمدة في الحكم وفي بناء مؤسسات الدولة الاخرى، وهي اسس المحاصصة وشراء الذمم والولاءات والسعي الى تكوين مراكز قوى يمكن استخدامها في المعارك السياسية، ان ذلك شكل عاملا اساسيا في الانهيارات العسكرية التي شهدتها الموصل وتكريت والرمادي والمدن الاخرى.
43. في آب ٢٠١٥ جاءت بعض الاجابات عن اسئلة سقوط الموصل وغيرها من المدن، التي طرحتها اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في الامر، وقدمت اللجنة تقريرا نهائيا إلى رئاسة مجلس النواب، تضمن توجيه الاتهام الى 35 شخصية مدنية وعسكرية من المسؤولين الكبار ذوي العلاقة بالأحداث، بعد ان حملتهم مسؤولية الانهيار الأمني الذي شهدته البلاد، وأثار تقرير اللجنة ردود أفعال غاضبة من كل الأطراف التي اورد أسماء منتسبين إليها أو إلى كتلها، ما دفع رئيس البرلمان الى اقتراح التصويت على إرساله إلى الجهات القضائية من دون قراءته علنا. ولم تتخذ السلطة القضائية حتى الان أي اجراء بشأن هذا الملف المهم، وفي هذا ما يشير الى الضغوط الكبيرة التي يتعرض اليها القضاء من جانب الكتل المتنفذة، وتلح الحاجة اليوم على القضاء ليشرع فورا باتخاذ كافة الاجراءات القانونية ضد من شخصتهم لجنة التحقيق البرلمانية، لينالوا جزاءهم العادل لقاء ما تسببوا به من استشهاد آلاف المواطنين وسبي كثيرين آخرين ونزوح الملايين، ومن دمار وخراب العديد من المدن والقصبات.
القوات المسلحة العراقية ودورها راهنا ومستقبلا. الخدمة الالزامية
44. دللت الانتصارات العسكرية المحرزة في الفترات الاخيرة على الامكانيات الكبيرة التي تمتلكها قواتنا المسلحة والقوى المساندة لها، اذا ما توفرت الادارة الكفوءة للمعارك، وتمت تسوية التقاطعات السياسية لصالح دعم المقاتلين في الجبهات، واذا ما تم التوظيف السليم للعوامل الضرورية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، بما فيها الدعم الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة بالتصدي للارهاب ومحاصرته وتجفيف منابعه، وقبل هذا وذاك، تأمين التنسيق الفاعل بين الاطراف التي تتصدى لداعش: القوات المسلحة، البيشمركة، المتطوعون في الحشد الشعبي، وابناء العشائر والمناطق المحتلة من طرف داعش.
45. وارتباطا بذلك تبقى مواصلة تطوير امكانيات القوات المسلحة مهمة لا تقبل التأجيل، الى جانب اعادة بناء الجيش والشرطة والقوات الامنية على اسس المهنية والكفاءة والنزاهة، والاخلاص للديمقراطية ولمصالح الشعب والوطن، وابعادها عن المحاصصة الطائفية – والاثنية المقيتة، وتخليصها من "الفضائيين" والفاسدين والمرتشين، ومواصلة تعزيز قدراتها تدريبا وتسليحا، وتطبيق التجنيد الالزامي بضوابط جديدة، ومن المهم التشديد على حصر مهام القوات المسلحة بما جرى تحديده لها دستوريا، في ظل قيادة موحدة تنسق الجهود الوطنية المتعددة في سياق الخطة العامة للدولة، والحؤول دون توظيفها لتحقيق اهداف ومآرب سياسية داخلية، او استخدامها ضد الشعب تحت اية ذريعة كانت.
46. وتبقى القوات المسلحة العراقية الاساس في محاربة داعش وقوى الارهاب الاخرى، وصيانة ارض الوطن، والحفاظ على الامن والاستقرار الداخليين. فهذه المسؤولية يجب ان لا ترحّل الى اية جهة اخرى، ومن هنا ضرورة مواصلة تطويرهذه القوات.
الحشد الشعبي، الميليشيات، وحصر السلاح بيد الدولة
47. نهض المتطوعون في الحشد الشعبي، بعد نداء المرجعية العليا، بمهام كبيرة في لحظات حساسة، وقدموا التضحيات والشهداء في معارك التصدي لداعش والاسهام في تحرير عدد من المدن من قبضته، وتأتي مهام الحشد مكملة لمهام الجيش والقوات المسلحة الاخرى، ولا يفترض ان يوضع في تعارض معها، علما انه بحاجة الى تأطير عمله وضمان حقوق منتسبيه وواجباتهم، وان مهماته كمؤسسة مؤقتة تنتهي مع استكمال دحر داعش الارهابي.
48. ان الانتصار على الارهاب وداعش يتطلب ردم كافة الثغرات التي يمكن ان يستغلها اعداء العراق وامنه واستقراره، ومن ذلك ضبط حركة الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي وغيره، والاشراف على عملها، وعزل العناصر المسيئة والمثيرة للنعرات الطائفية والتصدي بحزم لافعالها الخارجة عن القانون، كذلك ان يجيء عمل الفصائل في سياق الخطة العامة للدولة والحكومة، كي يصار في نهاية المطاف الى حصر السلاح بيد الدولة.
49. ويكتسب العمل الجدي والملموس من أجل هذه الغاية، بما يعنيه من وضع حد لظاهرة وجود جماعات مسلحة وميليشيات تعمل خارج اطار الدولة وضوابطها، والذي ينص عليه البرنامج الحكومي، أهمية سياسية وعسكرية وامنية خاصة في ظل الأوضاع الراهنة الحرجة للبلاد. فمن الضروري ان يشعر المواطن، فعلا وقولا، بان الدولة لا غيرها هي من يحميه، كما يتوجب اتخاذ الخطوات الرادعة لأي تمرد على سلطة الدولة وهيبتها، ولأي مسعى يستهدف اضعافها، بما في ذلك التصدي بحزم لجماعات الجريمة المنظمة وعصابات السطو المسلح واختطاف المواطنين.
تطورات المعركة ضد داعش والارهاب
50. في مجرى التصدي للتنظيم الارهابي جرى استنهاض الهمم وجمع صفوف القوات المسلحة وابعاد بعض القيادات عنها، وتطوع الآلاف ضمن الحشد الشعبي وتشكيلات ابناء العشائر، وبدأ تنسيق افضل مع قوات البيشمركة، فيما حظيت المعركة ضد داعش بدعم خارجي كبير، تجسد قبل كل شيء في صدور قرارات مجلس الامن لتجفيف منابع داعش بشريا وماديا، وفي قيام التحالف الدولي ضد الارهاب. وتحققت انتصارات عدة بفضل تضحيات مختلف الاطراف وبطولات منتسبيها، وتقديمها الشهداء، وقد اسهم ذلك في رفع المعنويات، وفنّد اسطورة داعش التي لا تقهر، فتم تحرير مناطق واسعة في محافظة ديالى ومدن في صلاح الدين، وفي حزام بغداد وسنجار وربيعة وفي جنوب كركوك، ومؤخرا تم تحرير الرمادي والبغدادي وكبيسة وهيت والرطبة والفلوجة في الانبار.
51. وحسبما اعلن وزير الدفاع فان داعش تمكن من احتلال 40 في المائة من الاراضي العراقية، وقد تم حتى منتصف حزيران 2016 تحرير 25 في المائة من اراضينا.
52. وتؤكد مصادر دولية واقليمية ان نسبة الملتحقين العرب والاجانب بداعش في العراق وسوريا انخفضت في السنة الاخيرة قياسا الى السنوات السابقة، بينما ارتفعت اعداد الارهابيين الذين يعودون الى بلدانهم، ولم يحدث ذلك بمعزل عن صمود شعبي البلدين وانتصارات قواتهما المسلحة والتغيير في ميزان القوى العسكري الذي ادخله الدعم الجوي الروسي للقوات السورية في النصف الثاني من العام 2015، فضلا عن التغيير في مواقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوربي باتجاه المزيد من معارضة داعش ومواجهتها.
53. ان ما تحقق في بلادنا من انجازات على طريق هزيمة داعش هو موضع اعتزاز وتقدير، لكنه ليس الانتصار النهائي بعد، ولا يفترض ان تؤدي النجاحات المحرزة الى الخدر وعدم اليقظة.
تحديات تنتظر بلادنا بعد داعش
54. شكلت الانتصارات التي شهدتها الفترة الاخيرة انعطافة مهمة في الحرب على داعش وتحرير المناطق التي سيطر عليها منذ احتلاله الموصل.
55. لكن ذلك كله يظل غير كاف ما لم يتم اعتماد خطة متكاملة متعددة الجوانب: سياسية واقتصادية واجتماعية واعلامية وثقافية ونفسية، تنسق جهود كافة الاطراف والجهات، وتتصدرها قيادة موحدة وفقا للدستور، توفر الاجواء السياسية الداخلية المناسبة، وتوظف عناصر الدعم والاسناد الدوليين على نحو افضل بالاستناد الى قرارات مجلس الامن، وتواصل نهج الانفتاح على دول الجوار والخارج وتحسين العلاقات معها. الى جانب النأي ببلدنا عن كل ما يضعف وحدته الوطنية وعناصر قوته، والعمل الحثيث على ان تكون المعركة ضد داعش هما وطنيا مشتركا، يحول في المستقبل دون عودة هذا الطاعون بمسمى آخر او باساليب جديدة.
56. ان الانتصارات المتحققة خطوات مهمة على طريق تحرير كافة مدننا ومناطقنا من رجس الارهابيين، وتحقيق الامن والاستقرار، وتأمين عودة النازحين والمهجرين الى مدنهم وبيوتهم، والحفاظ على ارواحهم وممتلكاتهم، واعادة الاوضاع الطبيعية الى ربوع الوطن.
الهجرة، النازحون، إعادة اعمار المناطق المحررة
57. الى جانب مواصلة الدعم والعون لملايين النازحين والمهجرين والتخفيف من معاناتهم، واعارة اهتمام خاص لاوضاع ضحايا الارهاب، تبرز مهمة مسك الاراضي المحررة وعدم السماح لداعش بالعودة اليها، كذلك مهمة اعادة اعمارها وتنسيق الجهد الوطني والدولي لانجاز ذلك، لا سيما توفير الخدمات الاساسية على نحو عاجل، واعادة عمل مؤسسات الحكم المحلي والدوائر الحكومية الاخرى، وقبل هذا وذاك، يتوجب تسهيل عودة النازحين الى ديارهم وتذليل كل ما يعيق ذلك، وعدم اخضاعه لاية اعتبارات طائفية او اثنية او اجندات سياسية، والحفاظ على الطابع الديموغرافي للمناطق المحررة من قبضة الارهاب.
58. ومن الضروري الانتباه هنا الى ما ولده داعش، في المناطق التي سيطر عليها، من حساسيات واحتقانات وكراهيات سيسعى دائما الى استغلالها، فلا بد من تفويت الفرصة على مراميه الخبيثة، الى جانب رفض اية تجاوزات وانتهاكات لحقوق الانسان من اية جهة جاءت.
59. وطبيعي ان الحكومة ومؤسساتها معنية ايضا بمعالجة ظاهرة الهجرة عموما، سواء داخل البلد او خارجه، والتي يقرب حجمها من اربعة ملايين مواطن.
المصالحة الوطنية
60. في الظروف السياسية والامنية- العسكرية الراهنة التي تمر بها بلادنا، يكتسب موضوع المصالحة الوطنية وبناء الوحدة الوطنية اهمية متزايدة، فمن شأن احراز تقدم في هذا الملف الحساس ان يوفر مستلزمات دحر داعش وكل اشكال الارهاب، واستعادة الامن والاستقرار والحياة الطبيعية، واطلاق عملية الاعمار والبناء، والسير بثبات نحو بناء مؤسسات الدولة.
61. ان المصالحة نهج ونمط تفكير وطريقة اداء واجراءات عملية وبناء اجواء ثقة، وكنا، في سياق السعي الى ذلك، قد دعونا الى عقد مؤتمر وطني شامل، بعيدا عن الاستعراضات الخطابية والاعلامية، تشارك فيه القوى والاحزاب المؤسسة للعملية السياسية والمشاركة فيها، سواء كانت مساهمة في الحكومة او هي خارجها، وقلنا بامكان توسيعه ليشمل قوى وشخصيات ومنظمات اخرى، واوضحنا ان نجاح مؤتمر كهذا يتطلب تحضيرا جيدا له عبر لقاءات ومداولات ثنائية وجماعية، تسهم في خلق الأجواء المناسبة وتقريب وجهات النظر لإنضاج المقترحات والحلول، وان تتمثل مهمة المؤتمر الاساسية في تصحيح مسار العملية السياسية ووضعها على السكة السليمة، بما يفضي الى الخلاص من المحاصصة الطائفية - الاثنية، والتوجه نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
حدود المصالحة
62. تمثل المصالحة الوطنية نمطا جديدا من التفكير السياسي الناضج والمستوعب لدروس التاريخ وخبرته، وتفاعلا مع حقائق الواقع، لهذا فلا بد من توسيع دائرة المتحاورين، والسعي الى ضم اوسع من يمكن من القوى ذات التوجه الحقيقي لإعادة بناء العراق على أسس ديمقراطية حديثة عادلة ومتوافقة مع مباديء الدستور والبناء الاتحادي للدولة، وعلى وفق معايير واضحة مرنة وقادرة على استيعاب التنوع.
63. والمصالحة لا تشمل قانونا، وفي اية حال من تلطخت ايديهم بدماء العراقيين، ومن يتمسكون بنهج حزب البعث الصدامي، ومن لهم صلة من قريب او بعيد بالارهابيين، لكنها تشمل جميع من يؤمنون بالعملية السياسية بآفاقها الديمقراطية، وبالعمل السلمي والدستوري.
قضايا عقدية في المصالحة الوطنية
64. أكدت تجربة السنوات الماضية مجموعة من القضايا العقدية، التي تفرض نفسها على الطاولة وهي:
- توفير المناخ السياسي الملائم لإنجاح المصالحة الوطنية، وضبط الخطاب السياسي، والحؤول دون المحرض منه، والاستفزازي، المتشنج، المؤجج للعداوات القومية والفتن الطائفية، وللنزعات العنصرية والتكفيرية، والالتزام بأعلى درجات الحذر والدقة في تناول القضايا العامة، خصوصا المختلف عليها، لخلق مناخ وطني نظيف يعتمد لغة الحوار والمكاشفة وتشخيص مواطن الخلل.
- المعالجة الجادة والمسؤولة لقضية التشكيلات المسلحة والميليشيات غير النظامية، وفقا لما نص عليه الدستور، وتفعيل القرارات والاوامر الصادرة في هذا الشان، واتخاذ كل الإجراءات الفعالة التي تؤدي، في النهاية، الى حصر السلاح والعمليات المسلحة بيد الدولة وأجهزتها المخولة.
- إعادة النظر في وضع هيئة المساءلة والعدالة بروح الانصاف والمصالحة الوطنية، وتعديل قانونها ووضع سقف زمني لانهاء العمل بموجبه، خصوصا وقد مر على تشريعه والعمل به اكثر من عشر سنوات، مما يسهل إعادة دمج أعداد كبيرة من المواطنين الذين لم يرتكبوا جرائم ضد الشعب، وان تحال جميع القضايا ذات العلاقة الى القضاء، لحسم ما تبقى من قضايا الجرائم والتجاوزات التي اقترفها النظام الدكتاتوري المباد.
- التفكير الجدي في اصدار عفو عام او خاص، ومعالجة ملف السجناء والمعتقلين والهاربين في اطار القانون والدستور.
- الحاجة الى اعادة قراءة قانون مكافحة الارهاب،وتكييف او تدقيق مواده بما يساعد على خلق اجواء ايجابية للحوار والتفاهم.
- تفعيل دور القضاء العراقي واحترام استقلاليته.
- انصاف اسر شهداء وضحايا النظام الدكتاتوري السابق وأسر ضحايا الإرهاب، وتقديم كل اشكال الدعم المعنوي والمادي لها تقديرا للتضحيات الكبيرة التي قدمتها من اجل العراق.
- الحاجة لاتخاذ اجراءات جدية من شأنها استعادة وتعزيز التلاحم الوطني، من خلال مراعاة حقيقة ان الـمأساة الوطنية التي سببتها العمليات الارهابية طـالت عموم ابناء شعبنا، واعاقت بناء الوحدة الوطنية، ومسّت بشكل مباشر أو غير مباشر حـيـاة الـملاييـن من الـمواطنيـن، لذا فان الواجب الوطني يفرض استبعاد نشوء الشعور بالإقصاء في نفوس الـمواطنيـن غير الـمسؤوليـن عـما أقدم عليه ذووهم من خروج على الدولة والقانون، ومن هنا ضرورة الاهتمام، في اطار المصالحة الوطنية، بالاسر التي كان لافراد فيها ضلع في ممارسة الارهاب.
- مواصلة الخطى على طريق العفو عمن لم تثبت إدانتهم، ومنع أية إجراءات لحرمان المواطنين من فرص التعيين أو الترقي الإداري على وفق مفاهيم المحاصصة الطائفية المقيتة ولاعتبارات غير مشروعة، ورعاية المهجرين والعمل على إعادتهم الى أماكن سكنهم التي هجروا منها قسرا، وتأمين حياتهم وممتلكاتهم.
- بعد ثلاث عشرة سنة من التغيير، وهي فترة طويلة نسبيا، بات من الضروري استيعاب العناصر الوطنية من الجيش والشرطة المنحلتين في اجهزة الدولة.
- تعزيز الانسجام والتنسيق بين مواقف الرئاسات الثلاث، وفي ادائها الخاص بموضوع المصالحة الوطنية.
- ضبط التوجهات والخطاب في علاقاتنا الخارجية: الاقليمية والدولية لمنع التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية.
- ضبط ادارة المعارك مع داعش ومنع الاختراقات والممارسات المسيئة للمواطنين.
- توجيه رسائل تطمين إلى ابناء المناطق المكتوية بنار داعش، ومد الجسور نحوهم، وتشجيع روح المقاومة المتنامية في صفوفهم.
- تبديد قلق ابناء المناطق التي تتحرر من قبضة داعش ومخاوفهم من الوقوع تحت أي تهديد، أيّا كان مسماه، وضمان سلامتهم مع ممتلكاتهم وبيوتهم، وهذا يستوجب ايضا البحث، وعلى نطاق عالمي، في اعادة اعمار هذه المناطق وتحريك العجلة الاقتصادية بزخم اكبر فيها.
- مواصلة تحسين العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، ومع الحكومات المحلية في المحافظات.
- تكوين الظروف والأجواء اللازمة لتفعيل المساهمة الشعبية وتعبئة الجماهير، وتحويل المصالحة الوطنية الى تيار شعبي وطني جارف.
- تفعيل دور المنظمات الجماهيرية والشعبية في تقريب وجهات نظر الاطراف المختلفة لتقليل الاحتقان الطائفي وتمتين الوحدة الوطنية وتذليل الصعاب ومشاركة الجميع في صنع القراراتن ولا بد ايضا من انصاف اسر منتسبي قواتنا العسكرية والامنية والحشد الشعبي والبيشمركة وابناء العشائر واسر ضحايا العمليات العسكرية وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لهم.
65. ان تحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ أسسها ونشر معانيها،، ليس مهمة الحكومة وحدها، وإنما هي مهمة أساسية ورئيسة للأحزاب والقوى السياسية جميعا، ولجماهيرها وكل مواطني بلدنا.
مكافحة الفساد المالي والاداري
66. بات الفساد بما يعنيه من "إساءة استخدام السلطة لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة"، وتمظهره بانحرافات واختلاسات واحتكارات ورشوة وتربح وإهدار للمال العام يشكل ظاهرة متفشية في بلادنا على صعيدي الدولة والمجتمع، وتهديدا جديا وخطيرا لكيان البلاد واستقرارها السياسي والاجتماعي.
67. ويشكل تنامي التحالف غير الشرعي والخطير بين السلطة والمال، وشيوع الغنى الفاحش والمفاجئ للنخب المتنفذة، والاستيلاء على الممتلكات العامة واراضي الدولة، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص في اشغال الوظائف والمناصب العامة، وبيع هذه الوظائف، وشيوع ظاهرة الرشى، والنهب المنظم للمال العام، وتزوير الشهادات الدراسية والوثائق الرسمية، يشكل ابرز مظاهر الفساد وتجلياته في بلادنا.
68. ومما ساعد على اتساع هذه الظاهرة الخطيرة وتفشيها في مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية، اخفاق المنظومة الرقابية المعنية بمحاربة الفساد والحد منه ومعاقبة الفاسدين، في انجاز مهمتها في حماية المال العام وصيانة حرمته، وعجزها عن ردع المفسدين ومنعهم من التطاول عليه.
69. ومن مظاهر الفساد ما يخص تزوير الشهادات والوثائق والكتب الرسمية، وقد ادخلت الوزارات تدابير جديدة تعاقب فيها المواطن بدلا من المتجاوزين على الاجراءات والسياقات القانونية والادارية المتبعة، ومن هذه التدابير استصدار "كتب صحة صدور" واستخدام "المعتمد" لنقل البريد الذي يخص المواطن نفسه، بذريعة التقليل من التزوير، وبهذا تحول الامر الى نقمة على المواطن، اولا بتأخير انجاز معاملته الذي قد يصل الى عدة اشهر، وثانيا بادخال هذه الاجراءات منظومة جديدة من الرشى والفساد المبطن، حيث تشكلت في معظم دوائر الدولة مافيات "صحة الصدور" و"المعتمدين" وبالتنسيق مع اعلى المسؤولين في الدائرة المعنية، في حين ان القضاء على التزوير يتحقق بتحسين الرقابة وتقديم المزورين الى القضاء ليكونوا عبرة لغيرهم.
70. ويمثل سوء استخدام الاموال وسوء التخطيط للمشاريع شكلا آخر خطيرا للفساد في البلاد. وقد تراكم لدى وزارة التخطيط حوالي 9000 مشروع معطل، تقدر قيمها بـ 300 مليار دولار، ونسب التنفيذ فيها ما بين 5 و90 في المائة، فهي لم تنجز في مواعيدها، ومعظمها تأخر لسنوات، مما سبب ويسبب خسارة وتجميدا وتآكلا وعدم استفادة من اموال هائلة، ضائعة او معلقة بين المحاكم والمصارف، والدعاوى المتبادلة بين دوائر الدولة والشركات والمقاولين.
71. وتعرض اللجنة المالية البرلمانية وهيئة النزاهة ارقاما وممارسات فساد مفزعة من جانب كبار المسؤولين في دولة النفوذ والتحكم بالثروة، القائمة على التحازب والمحاصصة الطائفية الاثنية. وتذكر هيئة النزاهة انها استطاعت حسمَ 13,067 إبلاغاً وإخباراً وقضيةً جزائيةً، من مجموعِ القضايا التي نظرت فيها في العامِ 2015 والبالغ عددها 18,969 قضيةً. والسؤال هنا: كيف حسمت هذه القضايا؟!
72. ويتجلى الفساد الاداري بشكل واضح في نسبة البطالة المتزايدة في المجتمع، خصوصا بين الشباب، وفي مظاهر التفاوت في الاجور والمخصصات، الناجم عن وجود مستويات عدة لتصنيف العاملين في مؤسسات الدولة ووزاراتها. فهناك اجهزة درجة اولى وسيادية ودرجات وظيفية خاصة واخرى متوسطة وثالثة متدنية تضم النسبة الغالبة من الموظفين.
73. في ضوء ذلك شكلت محاربة الفساد وفضح ومحاسبة رؤوسه، ولا تزال، مطلبا اساسيا ملحا من مطالب الحراك الجماهيري، وعنصرا رئيسا في الاصلاح والتغيير المطلوبين. وبات التصدي للفساد المالي والإداري المستشري في عموم مفاصل الدولة، أولوية لا ريب فيها، إلى جانب مواجهة الإرهاب وأعوانه، وتحرير المدن المستباحة، وفرض سيادة القانون في عموم البلد. كما بات بديهيا ان يتحسس حتى المواطن البسيط كون الإرهاب والفساد وجهين لعملة رديئة واحدة، وحليفين متلازمين في تخريب الوطن.
74. ولقد طالبت الجماهير المنتفضة بالكشف عن كبار الفاسدين واقصائهم عن مواقع المسؤولية واحالتهم الى القضاء. وهي لا تكف عن التساؤل لماذا لم يتم التوجه حتى الآن الى فتح ملفات الفساد الاساسية؟ ويقيناً ان المصالح المتشابكة للكتل المتنفذة هي السبب الرئيسي في عدم تحقيق ذلك.
75. ان مهمة مكافحة الفساد ليست سهلة، وهي تتطلب قبل كل شيء ارادة سياسية حازمة، وعملاً متكاملا ذا أبعاد سياسية وتشريعية وقانونية وإدارية وتنظيمية، وانسجاماً بين مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث. الامر الذي يتطلب إصلاح هذه المؤسسات، وتحويل مهامها الى عناصر وطنية مخلصة اثبتت نزاهتها وقدرتها على حماية نفسها من اغراءات المال والسلطة.
76. كما اصبح واضحا الآن ان المكافحة الجدية لا بد ان تبدأ من قمة السلطة، وان تشمل جميع المسيئين والمتلاعبين بالمال العام بغض النظر عن مواقعهم الوظيفية ومسؤولياتهم السياسية والاجتماعية والدينية.
77. ولا بد من الاشارة هنا الى ان جهات رسمية ومجتمعية عدة يقع على عاتقها الاسهام في انجاز هذه المهمة الخطيرة؛ فالى جانب ادوار ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمفتشين العموميين في الوزارات والسلطات القضائية، يتوجب منح العملية بعدا مجتمعيا من خلال استنهاض دور الرقابة الشعبية، وهو دور اساسي وفعال ينبغي ان تشارك فيه وسائل الاعلام والجمعيات والاتحادات النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني الى جانب الاحزاب السياسية.
78. ونظرا الى الترابط العضوي بين منظومات الفساد والجريمة المنظمة على الصعيدين الاقليمي والدولي، فاننا بحاجة الى التعاون وتنسيق الجهود مع الحكومات والجهات الرسمية المختلفة والجهات الرقابية العالمية، لكشف الفاسدين وتيسير مهمة القبض على المتهمين الهاربين بسبب قضايا فساد وتسليمهم الى العراق واستعادة الاموال المسروقة والمهربة.
الحراك الاحتجاجي الجماهيري
الأسباب الأساسية للحراك
79. تشكل الحراك الاجتماعي الراهن على خلفية الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، المتجلية خصوصا في تعمق الفوارق الاجتماعية بفعل الاستقطاب الكبير في توزيع الدخل والثروة، وان الحراك الحالي هو احدث صور الاحتجاج على الأوضاع المزرية التي يعيشها العراقيون، ويعد مؤشرا واضحا على رفضهم نظام المحاصصة الطائفية والفساد، وسخطهم خاصة على نهج اقتسام الغنائم الذي هو أساس بناء النظام السياسي والإداري بعد نيسان 2003. حيث تمترس الفساد في مؤسسات الدولة واستباح ثروات العراق وبددها، وتسبب في تدهور الوضع الأمني ووقوع ثلث مساحة العراق تحت احتلال تنظيم (داعش)، وفي تكوين الميليشيات وانتشار السلاح خارج المؤسسات العسكرية والامنية للدولة.
الأسباب المباشرة للحراك الاحتجاجي
80. لقد كان من مظاهر ازمة النظام عجز الحكومة عن دفع رواتب عدد من المؤسسات في مواعيدها، والتلكؤ في صرف رواتب عمال شركات التمويل الذاتي، واتساع البطالة بين الشباب خاصة من الخريجين، وعدم القدرة على توفير الخدمات للمواطنين، وكان النقص في تجهيز الكهرباء في صيف 2015 الذي ارتفعت درجات الحرارة فيه إلى أكثر من 50 درجة مئوية، بمثابة الشرارة التي ادت الى اندلاع التظاهرات، بدءا من محافظة البصرة. وقد جوبهت باستخدام العنف المفرط في محاولة لقمعها، ما يبين عجز السلطات عن إقناع