المحرر موضوع: لعنة بابل.. احتكار القوة!*  (زيارة 975 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل برهان الخطيب

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 40
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
لعنة بابل.. احتكار القوة!*
« في: 22:02 30/06/2016 »
لعنة بابل.. احتكار القوة!*

برهان الخطيب

 

 كارثة أو محنة منطقتنا الأوسطية وأبعد مستمرة أكثر من نصف قرن، تصل منعطفا يتبعه نصف قرن آخر إذا لا يعمل غيارى الأوطان على تداركها. كيف؟ كشف حقيقة الكارثة بداية الحل، تلك الحقيقة غير خفية، يكتب عنها أشراف، معروفة، لكن تُطمر تحت ركام لغو يبثه إعلام موجه من إلى كل الآفاق فوق أو خلال مختلف الأنفاق، تطل الحقيقة لا تقوى على الوقوف أو الانتشار، بلدوزر الإعلام  مدفوع الثمن من الخارج  يجرفها إلى هامش، هاوية، يعيد طمسها، تنهال عليها خناجر من متحمسين إلى أفكار ضيقة، من عملاء، من تجار فوضى، من أغبياء يُقدَّمون عباقرة، عودة إلى احتراب مزمن يتفاقم مع نزول قوات أجنبية في منطقتنا. أكرر: الكلام في التفاصيل يضيّع صورة أو حقيقة القضية الكبيرة، مفتاح الحل، تصير سلامة منطقة الشرق الأوسط كله، لا سلامة العراق وحده، لا سوريا فقط، لا لبنان، فلسطين، تركيا، إيران، لا مصر، السعودية، اليمن.. المنطقة كلها تحترق تدرون، الأهالي يدفعون الثمن من دمائهم، ذلك مفرح لمن يريد المنطقة في جيبه، له شأنه، للمنطقة شأنها يفتته أهل الانفعال وعشاق المال.

آلية كبيرة تشمل تسويق السلاح، الإعلام، الأحزاب، السلطة، المعارضة، الأفراد،  تحرك التفاصيل نحو ديمومة الاحتراب، النتيجة تصفية القوى الوطنية بعضها بعضا في مختلف ألوانها، دينية، قومية، لا دينية، لا قومية، تنصيب دمى جديدة، استمرار فصل جديد من الكارثة، احتراب يفرغ المنطقة كلها من قواها الذاتية، يحولها إلى تابع أبدي للخارج. الكل يعرف تلكم الحقيقة، العراك مستمر، لماذا؟ آلية العراك، أساسها فهرسة القوى الذاتية للمنطقة خطأ، عن عمد من جهة، عن غفلة من جهة أخرى، يستمر العراك لأننا نصنف أنفسنا، الأصح نتركهم يصنفوننا، في خانات خلقت لتستمر الكارثة.

يجب التوقف، البدء من الوضوح، من التعقل في بناء الدولة، من فكرة ملهمة تجمع المواطنين حولها، من صعود جلجامش إلى أعالي الفرات وعودته إلى أهله جنوب العراق، عابرا مساحة العراق العريق، حاملا سر السعادة: العائلة هي البداية. برزاني وغيره أظهروا أنفسهم وطنيين حتى عطّت يريدون تقسيم العراق حلا، لا يدري لا يدرون لو يقسّم المقسّم أصلا يجد الكل نفسه عبدا لسيد جديد قديم، فأية كرامة تتحقق لسادة فقّادة، للأهل أو القادة! الاتراك بعد التي والذي يدركون اليوم لا جدوى التحول إلى أفعى ذات رأسين، واحد إلى الاتحاد الأوربي، الثاني إلى الشرق، يكتشفون ضرورة التلاحم في المنطقة يقيمون منطقة تعاون  اقتصادي مع ايران، تلك لبنة أولى، حجر زاوية، نحو بداية استقرار المنطقة. يأتي سياسي يخرف يصرح إيران تدافع عن العراق لأجل عيونها لا عيون العراقيين لا ينتبه إلى ان العراق يدافع أيضا عن إيران لا من أجل عيونها بل من أجل عيون العراقيين. لماذا؟ الكل يعلم اليوم هناك مشروعان في العالم يتطاحنان في منطقتنا، أبعد، أهل منطقتنا يدفعون الثمن قلت، غالبا عن غفلة، عن إرغام، غيرهم يكسبون مؤقتا عن عمالة.. يستفيدون، يسمحون تمدد رقعة التطاحن إلينا. داعش لا تدري هي تخدم أهداف أعدائها، لو تتضح الصورة يُلقى السلاح، بل لا يصل إليها. هنا يلعب تشويش الصورة على تحقيق ذلك الهدف غير المعلن. كما تلغم الأشياء تلغم الأخبار تفجر في وعي المتلقي تتركه لا يعرف طريقه يسلّم للموجود.. طالب الهيمنة يملأ الفراغ. 

 

المشروع الأول مشروع (الدولة الأممية) وراءه بعض أوربا، بعض أمريكا، بعض بلدان أخرى، يعتمد في تحقيقه على (ثقافة القوة) متجسدة في حلف يتوسع تدريجيا، أقول بعض لأن قوى هناك لها وزن لا تريد المشروع الأممي، تحبذ الخصوصية، الحرية الحقيقية لا المقنّعة، القيم الخاصة، باختصار تريد مشروع (الدول الوطنية) المعتمد على (قوة الثقافة) في تحقيقه، الذي تتبعه روسيا، سوريا، مصر، العراق، إيران، الإمارات، فنزويلا، الهند، غيرها.. انكلترا تريد الخروج من فلكها الحالي، خرجت أمس، يصل الأمر إلى نحر سكاكين عندهم أيضا، رسالة واضحة مفادها سكاكين يستعملها معسكر "ثقافة القوة" يستطيع معسكر "قوة الثقافة" أيضا استعمالها، لأن الأمر يصل إلى نحر الثقافة أيضا بكل الوسائل، نرى ذلك واضحا في عالمنا العربي، إحلال ثقافة رأسمال متوحش، تجر إليها حتى رجال دين مسيحيين، مسلمين، نحر أو جر حتى الموروث الثقافي الإنساني تحويله إلى صراع طائفي، وإلاّ لماذا مقترح تبديل اسم محافظة بابل أم الدنيا بآخر يواصل فتنة، بابل التي شهدت نشوء أول شركة متعددة الجنسيات، أول القوانين، أول عدالة، أول كتابة، أول فن هندسة، أول الآداب، أول رصد فضاء.. بابل حضارتها التي تقدس الحياة، انظر إلى جنائنها المعلقة، يستنسخها حتى قيصر روسي يوما، خلاف حضارة وادي النيل التي تقدس الموت، تقيم الاهرامات معبدا أبديا، رغم ذلك تعاون بل تكامل الحضارتين جعلهما منارا للإنسانية..

 تبيّن الصورة واضحة يساعد العالم على عدم تفاقم أحواله إلى انفجار دولي كبير محتمل يقضي على الأرض كلها. السلام يتحقق في قبول ثنائية عالمنا، تعدده، تصفية التسابق النووي، ملاحقه قوة ناعمة غير ناعمة. حتى الكرة الأرضية لها قطب شمالي آخر جنوبي، الاستمرار على محاولة فرض أحادية القطب الواحد جنون يؤدي إلى ذروة الكارثة، اعتماد الاغتيالات لسحب فتيل انفجار، مواصلة الدفع من جانب واحد، قد يعجّل الانفجار. يا عسكر الأجانب اخرجوا من منطقة الشرق الأوسط جميعا، خطوة الحل الثانية. هكذا الوضع الدولي، الخارجي في رأي حريص على بلده، على السلم العالمي.

الوضع الداخلي عراقيا آخر، على المعارضين عموما، البعثيين خاصة، مراجعة موقفهم، تغييره لو يمكنهم، نبذ عملاء أو واهمين داخلهم، داخل كل الأحزاب الأخرى، صدام فعل الكثير في هذا الشأن، فشل لتفرده، لتركيز السلطة في شخصه، لخروجه عن الوطنية حين ضرب إيران والكويت رغم نواياه الوطنية. البلد يحتاج عقلا حصيفا مستقلا، قوة مستقلة تحميه، تجربة الحشد الشعبي محترمة، لم يتحرك الحشد عن دافع غير وطني، أو ينتهي البلد في أيدي الأجنبي تماما. أحزاب منها البعث لا تستطيع أن تلعب دورا وطنيا اليوم حين ترتهن إرادتها مع الإرادة الخارجية، رغم فعاليتها، حسمها، في وهم الحصول على دعم منها في صراع مع الخصوم في السلطة أو خارجها. مراجعة الموقف تتم بناء على استراتيجيا جديدة للحزب، تقام على استراتيجيا البلد العامة، استراتيجيا البلد حاليا موزعة حسب انتماءات الساسة، إلى غرب، أحادية القطب، أو شرق، ثنائية القطبين. تحديد أو تثبيت استراتيجيا الوطن لا على أهواء فعل أحزابنا سابقا، لا على عمالة، ظاهرة أو خفية أو مغفلة، بل على تشخيص هوية البلد، هوية لا رجعية جامدة، لا مغتربة فالتة، نحتاج هوية متحركة متطورة للبلد، تجمع الكل، تحقق السلم الأهلي، عليها تقام استراتيجيا البلد، نصادق الدول التي لها ذات المنهج، الاستراتيجيا، نحيد عن غيرها، يعني نقف مع استراتيجيا ثنائية القطب، تعدد الأقطاب، تقيم على ذلك الأحزاب برامجها أو هي خائنة، واهمة، قاصرة، ينبغي مساعدتها على بلوغ سن الرشد السياسي، أي الاعتراف بوجود الآخر، مرة أخرى.. الاعتراف بالثنائية القطبية، تعددية مكونات العالم، ضمن عالم يحكمه الاحترام المتبادل، عدم التدخل في شؤون الأفراد والدول.

تداخل العوامل المؤثرة في مشكلة يعيق حلها، يجب تفكيك تلك العوامل، توضيح صورة المشكلة أولا قلنا.

التغلب على بلد من الخارج يقتضي قيام حكم عملاء فيه، جنرال ثلج يطرد نابليون لا يطرد عملاءه، جنرال حر أيضا يطرد الأجانب لا عملاءه، يعني أول الاهتمام يجب صبه: يا عملاء العالم اتحدوا يكفي.. رجاء ابتعدوا.. نحن الوطنيين نخرج من أحزابنا الشائخة نتحد في حزب شاب جديد نلعب معكم أيضا طوبة، نكتشف نصفهم أو أكثر مدسوسين، مخربين، تبقى العلانية هي الحل. حرب أو حروب فرد، متوحدا في الميدان، ضد جماعة نهايتها هزيمته؟ تشخيص رواية "بابل الفيحاء" قبل أربعة عقود دقيق: "زمن المحنة تمحى مواقع الوسط. يبقى أمام ذوي العقل اختيار يكونوا أبطالا قديسين.. أو جبناء أنذالا".  ص 315 أو.. القهقرى، عودة الفرد إلى طائفته، عشيرته، من خلالها يدافع عن ذاته، عن الوطن، هكذا حتى يلتقي يسارها مع يمينها، التقاء يسار روسيا بوتين مع يمين  الغرب، مع انكلترة جديدة، مع ترامب، يكتمل سور دائري يذود عن الجميع، يؤثر في العامل الخارجي يوصل الوضع الدولي إلى توازن استقرار، ينعكس على الوضع المحلي يستقر معه.

كلا العاملين، الداخلي، الخارجي، له دور في تطور الأحداث محليا، عالميا. لكن الأكثر فعالية هو الأكثر انتباها، تحركا، ثروات.

نتيجة استفتاء الشعب البريطاني الجبار على مغادرة الاتحاد الأوربي تبيّن نحن في بداية التاريخ لا نهايته كما يدعي ضيق نظر. اليوم بانتصار مؤيدي مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوربي يتخلّق مؤثر على كل العالم لاحقا، تنتصر "قوة الثقافة" على "ثقافة القوة" تعود بريطانيا عظمى إلى عالم جديد ساهمت في خلق مدنيته ثقافته، اليوم تواصل المشوار، مستثمرة حسنا درس تجربتها، درس استقلالها عن الاتحاد، عن الغرب الضاري،  مؤكدة لا فائدة من احتكار القوة. بتوازن القوى، نووية ضمنا، حققت أوربا أجمل فترات السلام بعد الحرب الثانية، تلك نظرية المرأة الحديدية تاتشر، اسمعها منها في مؤتمر صحافي في موسكو منتصف الثمانينات ذكرتُ مرة، بعدها يشيع دعاة الحرب المرأة خرفت، أبدا.. امرأة حديدية مرة.. حديدية أبد الدهر! مع الاعتذار للمرحوم همنغواي على تحوير أو تطوير نظريته الصحيحة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عن صحيفة العالم. 28 حزيران 2016