المحرر موضوع: كَمْ نفْتَقَد "سفرطاس" * الزَّعِيم ؟  (زيارة 699 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 677
    • مشاهدة الملف الشخصي
كَمْ نفْتَقَد "سفرطاس" *  الزَّعِيم ؟
يوسف أبو الفوز
فتحت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 افاقا جديدة للشعب العراقي، في التطور على كل الاصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لم تكن ثورة 14 تموز حدثا عاديا في العراق وعموم المنطقة، فقد جاءت ردا محكما وجذريا ضد الصراع والتناقض الدائم ولعقود طويلة بين مصالح الحكام ، ومصالح الشعب، الذي عانى كثيرا من الفقر والجهل والمرض، فتراكم غضبه لعقود بسبب من حجم الانتهاكات المتكررة لكرامته وطمس حقوقه، على يد سياسيين ارتهنوا لمصالح قوى خارجية، هي قوى الاستعمار البريطاني ومصالح "حلف بغداد" سيىء الصيت.
ان اندلاع بركان غضب الشعب في 14 تموز، كان طوفانا اكتسح امامه كل البناء المهتريء القديم، وأسّس لبناء عراق، فتي، جديد، عبر سلسلة متواصلة من الاصلاحات والقرارات الجريئة في اعلان دستور عراقي مؤقت جديد  لدولة جمهورية خرجت من حلف بغداد، وسنت لمواطنيها قانونا متقدما في الاحوال الشخصية وسلسلة من القوانين التقدمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ان نظرة بسيطة لالبوم صور السنوات القصيرة لثورة 14 تموز، قبل ان يتم وأدها على يد البعثيين العفالقة ، من مجرمي 8 شباط ، بتوجيه ودعم من قوى مخابرات دولية ودول الاقليمية ، ومحاولة دراسة سلوك وعلاقة قادة الثورة مع ابناء الشعب من خلال هذه الصور والحكايات المنسوجه حولها، ستكشف وتبين لنا ان هذه العلاقة ، كم كانت استثنائية جدا وباهرة وبراقة.
من منا لم يسمع قصصا حقيقية ، او حتى مبالغ فيها، عن تواضع قادة الثورة وبساطتهم ونزاهتهم؟ حكايات وصور عن الزعيم عبد الكريم قاسم (1914 - 1963) ، ماجد محمد امين (  1922ـ 1963)، وصفي طاهر (1918 ــ 1963) ، فاضل عباس المهداوي (1915 ـ 1963) وغيرهم؟  حكايات عن زعيم الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي كان يتحرك وسط الناس بسيارته البسيطة بدون حمايات مشددة، معه فقط السائق او مرافق واحد، ويلتقي بسطاء الناس على نواصي الشوارع او في المطاعم الشعبية، حين يتناول طعامه احيانا. وكيف كانوا يجلبون له طعامه البسيط من بيت اخيه بـ "السِّفرطاس"، وكان يدفع لهم مبلغا شهريا من راتبه مقابل ذلك، وفي كل مرة كان يدعو الموجودين من حوله لمشاركته الطعام . وبسبب محبة الناس له راحوا ينسجون عنه القصص في هذا الامر، فظهر العشرات ممن أكلوا من "سِّفرطاس الزعيم" صدقا أو مبالغة ! وبعد استشهاده لم يورث شيئا ووجدوا في جيبه بضعة دنانير هي كل ما يملك، لا حسابات سرية ولا ارصدة خيالية، فلم يتمكن اعداؤه واعداء ثورة 14 تموز من ايجاد اي مجال في هذا الشأن لتشويه سمعة الزعيم ، فاستحق لحسن سيرته ونزاهته لقب "زعيم الفقراء" !
والحديث يتواصل عن بقية قيادات الثورة  من رجال عرفهم الناس وحفظ التاريخ سيرتهم الزاهية، وحيث يمكن ايراد عشرات القصص من الشواهد ، التي توثقها الصور وعشرات الشهود  عن تميز هؤلاء الناس في كل شيء ، لذا استحقوا حب واحترام الناس.
واذ تنظر من حولك الان تجد ما يشعرك بالخجل من سلوك سياسيين تبوأوا مواقعهم في الدولة، لاسباب ليس لها علاقة بآليات بناء دولة أو كفاءة أكاديمية أو سياسية، وإنما لمجرد كونهم محسوبين على ملاك الحزب الطائفي الفلاني او القومية الفلانية . واذ تنظر لسلوك أي واحد من هؤلاء السياسيين ، حتى تجد انه عزل نفسه عن الناس بسلسلة لا حد لها من الحمايات والحراس ومواكب سيارة خرافية، تحت حجج تردي الوضع الامني، ضاربا عرض الحائط باهمية ان يكون على تواصل مع ابناء شعبه الذين يفترض انه جاء لخدمتهم وتحقيق مطالبهم، ناهيك عن رائحة الفساد التي تزكم الانوف التي تفوح منه ومن بطانته التي لا تجيد سوى حرفة نهب أموال الشعب .
كأي مواطن عراقي، اتابع احيانا ما تنقله وسائل الاعلام من تقارير، بالصوت والصورة ، عن اجتماعات ولقاءات قادة سياسين عراقيين مع أمثالهم من الساسة ، او مع مريديهم وانصارهم، وارى حجم البذخ والترف الذي احاطوا به انفسهم، فيشعر المرء بالخجل لكل هذه الفخفخة الطاووسية، التي جلبت نقمة الناس اكثر من محبتهم، فيتسائل المرء : الهذه الدرجة يستخفون بابناء شعبهم ، دون الخوف من المحاسبة والعقاب ؟!
 ولكن التاريخ يعلمنا ان للشعب صبره، مهما طال الامد، والذي لابد ان ينفذ يوما، فتعمل طلائعه لتغيير كل الموازين لاجل استعادة كرامته ولاجل نيل وضمان حقوقه. وما حركة الاحتجاج السلمية ، المستمرة لاكثر من تسعة شهور سوى جرس انذار يرن كل يوم في ساحات الكرامة، اعلانا عن الحنين لايام يشاركهم فيها من يقود بلادهم بطعام سفرطاسه، بدون حواجز اوقيود .
ان ذلك لقريب !

*  سفرطاس : آنية من الموروثات الشعبية العراقية ، وهي عدة أواني بعضها فوق بعض مشكلة طبقات من الاواني، يوضع فيها الطعام ويرسل الى مكان خارج البيت . واصل الكلمة تركي ، ومن مقطعين "سفر" و" طاس" أي "ماعون السفر " ، ويسميها اهالي المناطق الغربية من العراق  : " المطبقية " .