المحرر موضوع: أمريكا تبحث عن "حصة في الانتصار" العراقي  (زيارة 952 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أمريكا تبحث عن "حصة في الانتصار" العراقي
عبد الحسين شعبان
أكاديمي ومفكّر عربي
بدأ وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر زيارته إلى بغداد في 11 يوليو (تموز) الجاري، ولم يُعلن عن تلك الزيارة من قبل، وهو ما جرت العادة عليه منذ الاحتلال الأمريكي للعراق العام 2003، حين يصل فجأة المسؤولون الأمريكيون إلى المطار، ليهرع إلى ملاقاتهم بعد ذلك بعض المسؤولين العراقيين، ولم يتغيّر شيء من ذلك التقليد المُـتّبع هذه المرّة، فحطّت طائرة آشتون كارتر في بغداد، وكان باستقباله عدد من طاقم السفارة الأمريكية، ثم جاءه المسؤولون السياسيون والعسكريون العراقيون، على جناح السرعة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الدفاع خالد العبيدي.
تأتي زيارة كارتر بعد استعادة القوات العراقية قاعدة القيّارة الجوية (تبعد 58 كيلومتراً عن الموصل)، وهي موقع استراتيجي شديد الأهمية، وكذلك بعد معركة تحرير الفلوجة ذات الرمزية الخاصة، الأمر الذي سيفتح الآفاق باتجاه تحرير الموصل. وبالطبع، لا يريد الأمريكان تجيير كل ذلك للقوات العراقية، بل يسعون للحصول على "نصيب" مما تحقق باعتبارهم "حلفاء" و"شركاء".
وقال كارتر إن بلاده سترسل 560 جندياً إضافياً إلى العراق استعداداً لمعركة الموصل التي يجري عزلها والضغط عليها، مشيراً إلى أن بعض جنوده سيذهب إلى قاعدة القيّارة، وأنها ستوفر أنشطة لدعم القوى الأمنية العراقية، بما فيها البنى التحتية والقدرات اللوجستية في القاعدة الجوية "القيّارة"، خصوصاً بعد السماح للقوات الأمريكية بالوجود فيها.
ويتردّد سؤال في الأوساط السياسية والدبلوماسية: ماذا يستهدف الأمريكان من الوجود العسكري الجديد في القيّارة؟ هل يريدون العودة إلى العراق وهم الذين اضطروا إلى الانسحاب منه العام 2011 بعد خسائر قدّرت بنحو 4800 جندي، وأكثر من 26.000 جريح ومعوّق، فضلاً عن حالات انتحار وأمراض نفسية؟ وفوق كل ذلك خسرت الولايات المتحدة سمعتها وزادت أعباءها المالية، حيث قدّرت المبالغ التي أنفقتها على الحرب ما يزيد عن تريليوني دولار أمريكي، الأمر الذي انفجر على نحو صارخ خلال الأزمة المالية والاقتصادية التي اندلعت في العام 2008 ولا تزال تأثيراتها مستمرة، ناهيك عن ضغط الرأي العام الأمريكي والعالمي، فلماذا تريد واشنطن العودة من الشّباك بعد أن خرجت من الباب؟
واشنطن لا تخفي قلقها من الوجود العسكري والاستخباري الإيراني في العراق، وهذا الأخير يحظى بتأييد "أصدقاء" إيران من التحالف الوطني (الشيعي)، ولا سيّما الحشد الشعبي، ولذلك فهي تسعى لمنع طهران من نشر مستشاريها العسكريين في مواقع ذات أهمية استراتيجية، ولا سيّما القاعدة الجوية في القيّارة، التي تعتبر منطقة تقاطع حساسة جغرافياً واستراتيجياً بين إيران والعراق وصولاً إلى سوريا، وهو ما يخشاه الأمريكان، حتى وإنْ كان الهدف هو محاربة داعش، لكنها تحسب حساباً لما بعد داعش.
ولهذا السبب لا يستبعد بعض المراقبين أن يتحوّل هذا الطلب بالوجود الأمريكي في قاعدة القيّارة، إلى أمر دائم، أي أن تكون قاعدة أمريكية بحكم تدفّق المستشارين، الذي يعطي انطباعاً أن مهمتهم ليست تحرير الموصل، بقدر ما قد تكون رغبة من جانب واشنطن في إعادة الانتشار من خلال مواقع استراتيجية جديدة تسهّل عمل القوات الأمريكية في هذه المعركة وفي المستقبل لضبط إيقاع أي حركة في المنطقة.
وتعتقد واشنطن أن قاعدة القيّارة الوسطية والمتقدّمة هي قاعدة مثالية، فهي قريبة من حلفائها الكرد وبعض العشائر العربية السنية التي انتظم بعضها في الحشد العشائري، إضافة إلى قوات الجيش العراقي التي لديها نفوذ كبير فيه، في إطار اتفاقية الإطار الاستراتيجي الذي وقعته بغداد مع واشنطن العام 2008. ومن جهة أخرى، فإن القيّارة بعيدة عن مناطق نفوذ الحشد الشعبي التقليدي، وبالتالي، فهي في مأمن من احتمالات هجوم مفاجىء لداعش. يضاف إلى ذلك أن منطقة القيّارة منطقة خالية نسبياً من السكان، مما يجعل الحركة الأمريكية منها وإليها بعيدة عن التهديدات التي يقوم بها داعش أو التنظيمات القريبة منه.
وستقيم القوات الأمريكية منصّة انطلاق ومركزاً لوجستي في القيّارة، لاستخدامهما في المعركة لتحرير الموصل. وأشار كارتر إلى أن القوات الأمريكية مستعدّة لمرافقة القوات العراقية إذا تطلّب الأمر أثناء تحرّكها باتجاه الموصل، ولكي يضمن مثل هذا الحضور الأمريكي الجديد، أجرى كارتر اتصالاً هاتفياً برئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني. وكانت واشنطن قد تعهّدت بدعم قوات البيشمركة وتقديم مساعدات تبلغ 415 مليون دولار، وذلك خلال زيارته السابقة.
جدير بالذكر أن قاعدة القيّارة كانت قد استُخدمت من قبل القوات الأمريكية، كمعسكر لها بعد الاحتلال، وقامت بترميم المدرج وبرج المراقبة، وهي تعرف قيمة موقعها الاستراتيجي، وقد سلّمتها في العام 2010 إلى القوات العراقية، واستمرّت بيدها، حتى احتلال داعش للموصل في 10 يونيو (حزيران) العام 2014، حين سقطت القاعدة دون قتال. وحسب مسؤول عراقي، فإن قاعدة القيّارة ستستخدم لتقديم الاسناد الجوي للوحدات البرية، كما أن تحريرها سيفصل بين مواقع داعش في الموصل ومواقعه في بقية المناطق سواء في الشرقاط والحويجة، وغيرها.
إن زيارة كارتر الثانية إلى بغداد (في غضون أقل من ثلاث أشهر)، هي خطوة جديدة قد تعقبها خطوات أخرى لإعادة ترتيب أوراق واشنطن إزاء العراق، بعد فشل سياساتها السابقة، فقد كان كارتر قد وصل العراق قبل ذلك في 18 أبريل (نيسان) 2016، لمنع حدوث فراغ سياسي، حيث كانت حركة الاحتجاج قد وصلت ذروتها والمطالبات ارتفعت بتغيير الرئاسات الثلاث، وترافق مع تلك الزيارة زيارتين خلال ثلاثة أسابيع، الأولى لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 8 أبريل (نيسان)، والثانية لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن في 28 أبريل (نيسان)، والزيارتان كانتا لنفس الأسباب ولذات الأهداف، وهي الأهداف التي بلورها اليوم آشتون كارتر بصورة عملية إثر التطور العسكري الذي حصل بعد تحرير الفلوجة واستعادة قاعدة القيّارة الجوية، موجّهاً رسالة جديدة تقضي بعدم السماح بإجراء تغييرات جوهرية، من شأنها تصديع العملية السياسية.
ولهذا أرادت واشنطن مثل هذا الحضور، كي لا تتوسع إيران في نفوذها، وكي لا يخرج العبادي من السيطرة لتحويل نتائج نصر الفلوجة وهرب داعش من القيّارة لصالحه وحده، فضلاً عن إحداث نوع من التوازن والحيلولة دون وقوع صدامات محتملة، في المناطق المتنازع عليها، أو التي سيتم تحريرها، وفي الوقت نفسه سيكون قاعدة للإجهاز على داعش من "الجبهة" العراقية، لكي لا ينفرد الروس وحدهم في جني مكاسب النصر على داعش في سوريا.