المحرر موضوع: رحلة تانيس إلى قرطاج  (زيارة 993 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سالي

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 33
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رحلة تانيس إلى قرطاج
« في: 08:06 03/08/2016 »
ديباجة:
أقصوصة  تتّحد فيها الوقائع التاريخية بأحداث خياليّة ،فيرتكم أبطال قرطاج
التاريخيين كمثل "هاميلكار برقه" و "حنبعل" مع شخصيات خاطها خيالي وهي شخصيات "أهيروم" و"ديلوس"و "سينوس"  فطافت بها الأحداث لتنفلج منها حكاية قرطاج
 خريدة لم تثقب و أطما لم يفتل.
وحوّمت حولها الإلهة الفينيقية القرطاجية طائرة الصيت  "تانيس" أو "تانيت" فوسمتها بميسم دلالات رمزية.




رحلة تانيس إلى قرطاج


نمنمت الجوناء السماء فتبلّجت عن بصوة مهيبة و ضرمة لهيبة و أطلّت" تانيس " من إفريز بتيراء ذكاء فلمحت بلاجا مليحا و جدّا فسيحا.
زأبت "تانيس" شواظ الصّقعاء و حطّت بجدّ الدأماء، في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بصيدا و صور مدينتي العبر و النور و نفخت بوحيها على بحارة فينيقيين أهصاء سرنديين، تمسّكوا بعروة قلاع فلكهم توقا لعوالم تقبع وراء البحار لا يعرفون لها اسما
و لا يحفظون لها رسما بيد أن الآلهة "تانيس" نفثت في تأمور كل فينيقي شغفا سحريا بما يقطن خلف المحيط.
عبّ الفينيقيون من مياه اليم و سكن فيهم كلف عظيم بالتّرحال فكان أن أقاموا محطات تجارية ومستوطنات صغيرة. و في سنة 814 قبل ميلاد يسوع منقذ الأنام القيام منهم والنيام، استوقروا حجارة عظيمة وشيّدوا مدينتهم "قريات حديثات" أي المدينة الجديدة بشبه جزيرة صغيرة مياهها غزيرة و خيراتها وفيرة .
  جذل الفينيقيون بمدينتهم الحسناء و نظروا إلى السماء الذكاء و هلّلوا:
"تانيس، تانيس،
أجديتنا من ذكوة ضرمتك مدينة حبلى بمياه غزيرة
فنمنم الريح الرمال خيرات كثيرة
حمدا لك
حمدا لك "
عندئذ، تكشّف البحر عن ألقة جليلة و تنفّس الموج عن حسناء جميلة صدحت في جموع فلذاتها :
هي مدينة الخصب أرفدتها لكم كلفا بكم ووجدا "
لتصنعوا منها دوحات لكم و مجدا "
اغتبط الفينيقيون بعطايا إلهتهم وسكن بهم مارج مشبوب يتّقد حماسة، فكان أن جعلوا من مدينتهم أكبر حاضرة تجارية على عراق البحر الأبيض المتوسط فأينعت تجارتهم وانتعشت صناعتهم و غدت  حاضرتهم بلدة شاسعة تمتد شرقا على طول الساحل حتى ليبيا
و برقة وغربا حتى الجزائر و المغرب.
 و  أضحت الأرض مزارع و ترصّعت بموانئ تجارية و أخرى حربية
و تبرّجت بمراسي للسفن، ثم أطمّ الفينيقيون حصونا شاهقة
 و أبراجا سامقة  للذّب عنهم ، وانتشرت الإسطبلات التي ضمت فيلة فطاحل
و خيولا بواسل و شيّدت ثكنات كانت أثيلا لجند ترتاح للندى
وتنشط إلى المعروف أشاوس غطاريف وأسّ الفينيقيون خندقا صلدا
وقلعة منيعة قنيمة بحمايتهم والذّود عنهم.
فاستبشرت إلهتهم "تانيس" و أفصحت عن نور الحكمة لأبنائها بعد أن أجدتهم بركة الخصب، فسهكت الريح و نمنمت الرمال نهى.
ترضّبت سلالة الآلهة "تانيس" مياه الحكمة فنحوا إلى التّنظم صلب تنظيم سياسي محكم 
وشرّعت القوانين للمدينة لتنظّم علاقة العاهل بالأفراد و علاقاتهم فيما بينهم .
فأنشد الفينيقيون "تانيس" "تانيس"
أجزلتنا حكمة عظيمة بها تفتّحت العقول و الألباب
و تعدّدت لسؤددنا الأسباب
حمدا لك حمدا لك "
 ثمّ نفذ القرطاجيون إلى طويّة الحقيقة الألمعية، قرطاج ستضحي أكبر امبراطورية على بلاج البحر الأبيض المتوسط،  فكان أن ضمّوا إلى الحاضرة المناطق المتاخمة على الساحل
وعلى ضفاف نهر مجردة، وهو ما تمخّض عنه أن توسّعت المدينة فضمّت تجارا أثرياء فلطحوا جيوشا قرطاجية عظيمة و أساطيل بحرية قادها أدميرالات أكماء حوّلوا البلدة إلى إمبراطورية شاسعة تمتّد على عدان البحر الأبيض الجنوبي من سيرنيكا إلى جبل طارق
 و ما بعده .
ثمّ دحوا سلطانهم على طارطوس و جابير و مدن اسبانية عديدة
و ضمت إليها جزر البليار
حتى أنها بلغت جزر ماديرا و مالطا و سردانيا و قورسقة و نصف صقلية الغربي.
فتخم القرطاجيون بعد أن نهلوا من معين ضرائب جمركية جمة و مصّروا المدينة فأشادوا قصورا عالية الجدران منمنمة بسحر الزخارف و البنيان.
و أشادوا أحواضا شاسعة وغدت فورتها في الأمصار شائعة.
و من ثمّ قرعوا طبول الملحة على حكام سراقوسة في صقلية فكان قتالا دام زهاء قرنين من الزمن وهو ما تمخّض عنه استعار بصوة الحرب بين قرطاج و روما فكان أن ضجّت في الأنام خيضعة مفزعة و أصلت الفرسان سيوفها و نصبت المنجنيقات
و جهجه هاميلكار برقة مرزبان الفرسان  فقاد الأساطيل
و سفع بالموقع المسيطر على الساحل الصقلي "أركته"
وأطمّ  الحصون و أغار على روما برا و بحرا.
و من ثمّ  وثن بجبل اريكس و لازإليه فأوغل في السير و أرقل،
و أهطع المضي و أجفل
 ورتا برأسه إلى جنده و لمع بسيفه و صاح:
"قرطاج ، قرطاج،
أسرجت بالمروءة سعوة في تأموري
 فسفعتني شمسك و أجدتني حلة من النور
لن يبيخ الرومان النار في جرشي
ولن يثلّوا  من رباطة جأشي
كبّى حافر جوادي نار عزيمتهم
و أبرمت مروءتي جند مدينتهم
صادف درء الرومان درء يدفعه في غور البحار
و تنزّى إلى القتال لايكهم عن نصرة الديار
فأبلست روما من سقوط حصون قرطاج العتيدة بيد أن الرومان  أثلوا أسطولا بحريا جديدا
وأرصن البحّارة في شقّ عباب البحر و ركوب أمواج الغمر، و في المقابل همدت في هاميلكار برقة و جنده ذكوة الحماسة و سعوة الكياسة فنحوا إلى إغفال أساطيلهم فراثت عن ركوب الندى و عست أخبارهم بعد أن نزعت روما إلى الحؤول دون تموين قلاع قرطاج
وبزبز هانوا أمير البحر القرطاجي إلى جزائر إيفادا لوصل هاميلكار بيد أن الأدميرال الروماني حال دون ذلك و زند الغريمان المتنازعان ذكوة الحرب التي انتهت بظفر الرومان فانتعف القرطاجيون حقوقهم في صقلية و جميع الجزر الواقعة بين صقلية و إفريقيا.
فصاحت "تانيس" في الفينيقيين:
"أقشع غيم الحرب عن جشع بكم يسكن
و عن مرتزقة تبتغي القصور بها تقعندد و تقطن     
صاف السهم عن الهدف و المرمى
وانتكف القرطاجيون  ينشدون حومة الوغى "
وجمت "تانيس" ووكمها جشع أبنائها الفينيقيين حيث كان جند قرطاج مرتزقة طويت بطونهم ضرما و سغبا وعاثوا في الترباء و البحار عبثا و شغبا.
ثم استعرت ضرمة الثورات بقرطاج و تزعّم جند المرتزقة القرطاجيين سبانديوس
و هانو،
ولئن أباخ هاميلكار نار الفتنة بيد أن بصوتها اضطرمت بمدينتي أوتيكا و هبرزاريوس ومرة أخرى كبّى هاميلكار سجر الفتن .
ومن نافل القول أن هذا القائد كان محنّكا مزيرا أحوس، جريئا على الأعداء أشوس.
وسط جهجهة الجند في ساحات القتال و خيضعة الحرب بين كرّ و فرّ و سجال، نشأ حنبعل ابن هاميلكار برقة وهو رجل أصيل المحتد من ضئضئ كريم ، طيب الأرومة ذو حذم عظيم .
كان ينتعل الأرض و يتقلب في البلاد و يركب البحار من إسبانيا إلى إيطاليا
و آسيا الصغرى، قد أرصن فنون الحرب وورث مهاراته عن أبيه هاميلكار
و صهره أسد روبال.
قاد حنبعل فيالق الجيش وهو غطراف يافع، فكان ضرغامة كميّا، ينتكف من أرض إلى أرض لا يرفع العصا عن عاتقه و لا يتلد بمكان بيد أنه ثوى لمدة باسبانيا التي عرفت عصرئذ فورة اقتصادية  عظيمة و غدت مدينة قرطاجية  و هو ما تمخّض عنه
أن وجلت مدينة مرسيليا الفرنسية  من هذه الانتعاشة فكان أن اشتكت الحاضرة الاسبانية القرطاجية  إلى روما التي اقتنصت الفرصة لفرض اتفاق مع أسدرو بال صهرحنبعل يقضي  بعدم تجاوزه لنهر البيرو بيد أن روما نكثت عهدها فحين عبر حنبعل رفقة جنده نهر ساكنتوم ادعت أن هذه المنطقة هي الحد المتفق عليه وليس نهر البيرو
ودقت طبول الحرب.
فما كان من القائد القرطاجي إلا أن جاب و جنده أنهارا كثيرة مياهها وفيرة مثل نهر الرون واجتاز سلسلة من الجبال السامقة ذات السفوح الشاهقة قصد الوصول إلى إيطاليا براّ و في طريقه نحومقصده  سجّرت القبائل الاسبانية نار الفتنة شمال نهر ايبرو بيد أن حنبعل همّدها.
و من ثم جاء القائد القرطاجي على غبيراء الظهر إلى إيطاليا حيث ألقى عصاه سنوات طوال أثقب خلالها ذكوة الحرب ضد الرومان مرات عديدة راجيا أن يجرجم عرى الكنفدرالية الايطالية التي كانت روما زعيمتها  و كانت أهم المعارك التي خاضها هي معركة "كانه" التي وبق فيها جند الرومان برمته فأزعف قادته.
بعد كرّ و فرّ  بين الغريمين نجشت نيران الحرب بين القرطاجيين
و الرومان في زاما فرفع القائد حنبعل للحرب درفسا
و كان على عهده ضرغامة عملّسا.
و أقبل الجند القرطاجيون على فيلتهم و خيلهم بيد أن زعيق نفير الحرب أجفل فيلة القرطاجيين فنبت عن مهاجمة الرومان.و منيت قرطاج بهزيمة جرجمت جند ها على بكرة أبيهم خلا عدد من الأجناد عادت القهقرى من بينهم "أهيروم " الذي أهوى من على فيله  فبجس جرحه و بزغ جلده و نالت منه الوعثاء فتلد بالمكان ليستروح إلى أن أصاخ إلى صوت يترنّم بأهزوجة شجيّة فكان أن لمح صبيّة بهيّة تنتشك الكلام و يشده لسحرها الأنام ، سفعتها الشمس بأشعّتها فأقشع وبيصها عن ملاحتها.
كانت الصبية مزارعة تبذر القمح  في زريعة و تصدح بترنيمة. نحى أهيروم نحو الفتاة
و نشّم في الكلام قائلا: 
"شدهت بصوتك فكنت له أخيذا مبثورا
و أصفدت ملاحتك  جناني فغدوت به مسحورا "
علق أهيروم بالفتاة و تدعى" ديلوس" مذ أن ارتتقت نظرته بنظرتها و ظل ينتظر عودتها حتّى لمحها بعد أيام معدودات قادمة نحوالمحقلة  فقال :
"دمعت صبابتك في جأشي فزرمته خوفا عليه من التّرباء الخشّاء
و أرآني ديسم الأكمة أنك مقبلة مع تبلّج البتيراء الجوناء
مجّت الشّمس ريقها فسفعتني بدفئ مهيب
فازدقمت بصوة المهاة الذّكاء قبل أن تكرب للمغيب "
اغتبطت ديلوس بكلمات أهيروم و علقت به فارتتق العاشقان في الوجد صنوان تطوّقهم زأرة ملحاء إلى أن ارتكما على الزّواج فتأشّبا في بيت صغير في أرض تكاوس عشبها
وشمط شجرها.
بعد مدة أصبت "ديلوس" صبيا أسمته "سينوس" اخضوضل بندى الوثيمة و تعمّد بذكوة المهاة البتيراء فنار وجهه و حسن فما في المكان تدمريّ إلا وبه افتتن .
أسرج "سينوس" في جنان والديه مصباحا من الحب لا يهمد و صحت "ديلوس" في دهم الليل لصبيها تهجد

الفصل الأول
الرغيف الأسود
بعد انصرام سنوات عديدة أضحى الصبي حدثا  في العاشرة من عمره فأرن مقبلا على النهر الذي يشق الحقل الذي يطوّق بيته فكان يعبّ الماء من  جدول كان يسري في الغيضة الظليلة و يترضّب  من لجين مياه الخميلة فكان ينيخ بالودفة لساعات طوال ينأف من بصوة السنا المنتشر على ظلال اليعبوب فإن أكهم من السير و طلح آب إلى بيته ليلتقم من الحساء بلالة و من الرغيف ذمامة و يتغمّر كوبا من محقن اللبن .
فجذلت لمرآه أمه "ديلوس" واكتنفته بوجد بجنانها يأثل و فخر بصدرها يتزيّن
و يحفل.
وشدّ والده "أهييروم مئزره ليجدي ابنه كل ما كانت تعوزه إليه الحاجة .
وما زاد البشر بشرا أن "سينوس" كان ألمعيّا أريبا،حصيفا لبيبا ، كثير السؤال فلمّا تمعّن في البصرة الرّهاء التي وثن بها بيته كان يشخص بعينيه
و ينشّم في سؤال" ديلوس":
-أمي، هذه التّرباء وعيبة فلما شظّاها القوم فانجذمت ؟
- بني،انفصمت العروة الوثقى،انفصم الحب بين القوم ذاك القبس المهيب الذي أجدته "تانيس" لقوم الفينيقيين  ليعتصموابه  فيؤبّروا الزرع
و يسدوا بين القوم و يعمّروا البصرة.
- أهو ذاك الحب الذي يثقب في جناني حين تطوّقينني فأرفأ إليك أهو الذي أقلزه من ثدييك و لا أبتغي منه فطاما ؟.
-هوكل ذاك ،هذه الأرض ترشح بمعجزة خلق عظيم اخضوضلت به الترباء و سديت السماء فتبجّست
 منها ألقة جليلة، هو ذاك الحب بني.و ما هذه الأرض خلا رغيف أسود انتزت عليه كوكبة من القرطاجيين ونبت عن إرفاد خدنائها.
-أمي لما راقت الأرض للأنام وهي تشبه الرغيف الأسود فالأسود مثل الليل دلم أما أرأيتني أن السواد قبيح؟
- على سواده راق الرغيف للأنام فناشوا فتات كهبته و تعفّروا بريق تربته فغرغر ذا الريق في حلوقهم فإذ بهم ينازعون و عن الحياة يفرنقعون. الناس تنشد الحفير
و تنتعف النور.
احتار "سينوس" لقول "ديلوس "  وطمح إليها بعينيه وقال:       
-النور دسق يا أمي فلما لا ينشد القرطاجيون تألقه؟

- درأ ت "تانيس"  دوحة للقرطاجيين  بها يتأبّدون بيد أن الأنام رمّست النور
و دفنته في صدر الأرض فكان أن اعتلّت الترباء
 و غدت دهمة تطمر أجسادهم المسجّاة على حفيرها،
وبزرت الإلهة في جنان كل قرطاجي بذرة من الحب تعتضد بها الروح كلما جثم عليها   الشقاء فلنرفع أعيننا إليها و فلنصلي حتى تدجّ شغاف القلوب فتتبجس بصوة النور

الفصل الثاني
المزارع الشقي

أصحى الثرى الأرض النائمة   فقطّت قطرات النور على وجه"سينوس " صرمة من الظل الخفيف فاستيقظ و أرقل  نحو الغضاة يستحمّ ببلالتها و يتزين بعبهرها .
اصطحب "سينوس" "ديلوس" في نزهة في الحصيدة المتاخمة حيث سقطت رجم الشمس على المزارعين فشزنوا و شدّوا مآزرهم لرعاية الأرض وزراعتها فلم تكن تحميهم من فيح الرّمضاء خلا جلودهم التي بزغها الإعياء فنزّت بالدّم وانهمر عرقهم
و امتزج بالناجود فازداد سواد الترباء و تشقّقت شفاههم إذ لثّها ريقهم المرّ
وامتحقت وجوههم ووقب كل معنى في عيونهم.
تلد المزارعون في الحاكورة  لساعات طوال تخالها لا تنتهي فإذا كربت الشمس للمغيب، خمصت بطونهم، وعاذوا إلى كرمة يستذرون بها و يقتسمون فتات خبز أسمر
ويتوجّرون كوبا من لبن، فلم يتمّوا أكلهم بعد حتى غشي مالك الحقل المكان
 بعد أن نئف من الأكل ما لذ و طاب فسنق و تثاقلت خطواته
سيما وقد احتسى باطية من الخمر
و كان يرتدي ثيابا من الإبر يسم المخطوط بكتابة من الذهب الخالص.
كان مالك الزريعة يحمل عصا ينخس بها المزارعين الأشقياء
كي يتمّوا عملهم فيتجرّعون غيظهم
و يتندّى ريقهم بسيلة يغصّون بها.
فتهزّع "سينوس" و نخسه إحساس مرير بالقهرواستند إلى جنبة،
ثم طمح بعينين اغرورقتا حيرة و تيها
وقال:
-هل انحسر ذاك الحب المهيب الذي تنضّح من سعوة نور" تانيس"  التي طرت في جنان القرطاجيين ؟
-انغاضت فسيلة ذاك الوجد الجليل فنضت الترباء و غارت حتى غدت رغيفا أسود.

الفصل الثالث
العاهل المقيت

درّت السماء بخطوط الصّبح الأولى جزعا ينظّم جوهر الكون و طلّ الثرى الأرض فأرنت" ديلوس " رفقة "سينوس" إلى المشارة فاستوقرت شقاءها فقد بلمت شفتاها واسمعدّت أناملها.
خبعت "ديلوس" و "سينوس" حذو مرواح للقمح.بيد أن سدفة الدّلسة سقطت على الحصيدة فنفتت الترباء نجوجا لعينا، وتختّر العاهل نحو الحقل صحبة كوكبة من حذمه قداستعجمت مذاهبهم فكانوا مخاتلين، في ودهم مماذقين .
طاف العاهل و عترته بالمرج يسفعون بالحنطة و يملقون الكروم،
ووثنوا بالأرض المضلّة ينأفون الوليمة فما تركوا منها حذامة.
فتصرّمت نعماء "تانيس" على ترباء قرطاج و غشمتها لعنة دهماء و تهزّع بشيش الأرض
 و سحم فغدت المدينة موطنا لجثل مفزع يغور في الأرض يرتشف ماءها و يطمر نورها .
أمقل "سينوس" "ديلوس" بعينين تغرغرتا فانسجل منهما ارتباك شديد ومن ثم قال:
-انصدع نور "تانيس" على ىبشيش  قرطاج،
فكانت للقرطاجيين ودفة ظليلة يستذرون بها فلما ازدرد العاهل
و كوكبته جميع حنطتها و كرومها
 فكشرت الحياة فيها عن ملاشاة رهيبة؟
-سهمة المزارع الشقي من قرطاج زهيدة بيد أن له في السماء ردءا رغوثا لا يكهم عن نصرته.
ستنيخ اللعنة في هذه المدينة مادام يوطّن بها عاهل مقيت ينتزي
و حذمه على الرغيف الأسود فيصنعون به شقاء المزارعين
 بيد أنه لابد من تكشّف الأنام يوما عن حس بديع.

الفصل الرابع
الحس البديع

انبجست السحب فتكشّفت عن ألقة نمنمت السماء فدرّت تبرا ابتردت به مفاصل الأرض فاستبشر"سينوس" باغتسال الترباء من غين أسود ندلت به فهبّ من نومه
و أرن نحو "ديلوس" ليشهدا معا عرس  طهارةها فهما في الرحلة صنوان لا يرتبثان.
بزبزت"ديلوس" رفقة "سينوس"نحو جعفر أقشع عن صريم نهار يتطهّر من حندس الليل
و يستعجم قتام الحفير فامتدّ فيح بصوة "تانيس" المهيب
و أقشع عن حسّ بديع إنها صلاة الروح تستروح روحها ،
والنفس تتنفس في نفسها، إنه هجوع الحلول في أقنوم الروح المطلق.