لااحد يستطيع ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت.
بطرس نباتي
هذا القول (الحكمة) ليس لي طبعا انه للمناضل مارتن لوثر كنج وهو من الأصول الافريقية ناظل ضد التعصب العنصري في امريكا توفي في عام 1969 وكان قد قاد اشرس حملة كي يطهر امريكا من الحقد والتمييز العنصري بين البيض والسود وبعد نصف قرن من نظاله, ها هو احد السود من أصول أفريقية يصبح رئيسا لدولة عظمى ،كانت ولحد عام 1٩٧٢ تمنع في مدارسها من الاختلاط بين البيض والسود، وبعض او جل المطاعم والأماكن العامة تحمل يافطات تمنع السود من ارتدادها .
هذه المقولة أوردتها كي أبرهن مدى صحة قائلها ومدى تطابقها مع واقعنا في العراق و وضعنا نحن الكلدو آشوريين السريان منذ عهود خلت ، العديد من السلاطين والامراء الذين اصدروا فرمانات الإبادة وأمروا باضطهاد هذا الشعب منذ اعتناقه المسيحية لا زالت هذه الفرمانات فاعلة وحاضرة في اذهان وعقول الكثيرين ولحد الان ..
رغم التشاؤم والسوداوية الطاغية على ما سأكتبه ، والذي جاء نتيجة اطلاعي وعن كثب على نزيف الهجرة والتي تكاد تكون جماعية ،وخاصة لا فقط بين شباب مدينتي فحسب بل شملت عوائل كانت حتى الامس مستقرة في اختيارها البقاء داخل الوطن .. او من خلال الاّراء التي نطالعها على صفحات التواصل الاجتماعي التي تدعوا الى الهجرة والهروب من ما يطلق عليه الجحيم ،اي الوطن، فان معظم الذين التقيتهم في المهاجر يحملون تقريبا نفس التصور بأن الحياة في الوطن اصبحت جحيما لا يُطاق وانه من الأفضل لهم ان يكونوا بمأمن عن شرور هذا الجحيم ، ولكني وجدت في هذا الهروب شيء يدل على التخاذل امام الصعوبات والمعوقات وطبعا حالة التخاذل والهروب هذه لا يتحملها هولاء لوحدهم لان هناك عوامل داخلية وخارجية تحيط بِنَا وتجعل هذه الحالة تتفاقم عبر الزمن ..
إذن لنقف قليلا لنستقرا الماضي ..
الساسانيون عندما جاءوا للغزو احنينا لهم ظهورنا كانوا قلة من الفرسان لو كان من ذهبوا شهداء فقط من أبناء كرخ دسلوخ وحدياب من أبناء هذا الشعب قد حملوا حتى ولو بعض العصي او حجارة لتمكنوا من القضاء على جيش منهك قطع آلاف الاميال في سفر متعب على ظهور الفرس او سيرًا على الأقدام لكنهم تمكنوا من القضاء ابادة الكثيرين ، ورغم ذلك بقى من بقى صامدا محتفظا بإيمانه وقوميته وأراضي ابائه وأجداده ، ومرت تلك السحب السوداء وانقشعت ، بعدها جاء اليونانيين زحفوا كالجراد ثم الرومان والذين هم ايضا عاثوا في ارضنا فسادا وتقول كتب التاريخ عندما جاء العرب كغزات ايضا بحجة نشر الديانة الاسلامية رحب بهم المسيحيين ،واعتبروهم منقذين لهم من اضطهاد وجور الفرس والرومانيين وأنهم ابناء اسماعيل وسمًوا خليفتهم عمر بن الخطاب ب(پاروقا )ومعناها المخلص .
لكن سرعان ما انقلبوا عليهم وسفكوا من دمائهم اكثر من كل الأقوام الغازية وبدأت المذابح ، اقسى وأمر من تلك التي سبقها..
منذ أواسط الحكم العباسي ولغاية انتهاء الحربين الكونيتين وما رافقتها من الجرائم البشعة والتي اطلق عليها جريمة سيفو والتي مرت ذكراها الواحد بعد المائة قبل أشهر .
،ثم جائت جريمة سميل لتحصد المزيد من رؤوس أبناء شعبنا ولتهجر اخرين قسرا وبعدها ليتم افراغ بعض قرانا في محافظة دهوك واربيل خلال عمليات الانفال القذرة او بعملية التجاوزات المنظمة التي شهدتها القرى الاخرى منذ الستينات ولحد اليوم.
كل ما لحق بشعبنا من ماسي وآخرها الإبادة الجماعية على يد داعش واخواتها ، كانت نتيجة غياب القيادة الواعية الشجاعة التي تأبى الانحناء ، تابى ان يمتطيها احدا، مهما بلغ من القوة والحيلة والدهاء ،الانحناء لم يحدث من قبل شعبنا ولم يستطع احدا من امتطاء ظهره الا حينما فقد قيادة شجاعة اي ان الانحناء جاء من قادته هولاء علموا شعبنا لا فقط على الانحناء بل على الانبطاح ايضا
للقيادة دور مهم في حياة الشعوب ، آغا بطرس كان قائدا شهما خبر أساليب القتال والمجابهة، استطاع رغم المؤامرات الدولية ، ان يترك بصماته المميزة في حياة ونضالات شعبنا رغم مؤامرات الإنكليز المهيمن على المنطقة آنذاك ومعهم العديد من دول الجوار كانت كلها تريد النيل لا فقط من هوية شعبنا آنذاك ، بل تلك التي كانت ولا زالت تهدد وجوده لكنه استطاع ان يزرع بذرة المقاومة وروح التصدي في شعبنا ،هذا المثال القريب هو احد الشواهد القريبة من حيث الزمن على دور القيادة وأثرها في بث روح المقاومة والتصدي ، اما القيادة البائسة والمتخاذلة فهي التي تعزل نفسها عن الشعب او تغلف نفسها بهالة من الخطابات الجوفاء والتعالي حتى على مؤيديها واخطر شيء في القياديين ان يحترفوا الكذب والدجل على أبناء شعبهم ، تعد بعشرات الوعود رغم انها تعرف عدم تمكنها من الوفاء بما توعد حتى ولو بجزء منها .
في احدى المواقف لإحد قيادي احزاب شعبنا وموقفه هذا لا يمكنني نسيانه ، وكان ذلك خلال حملة الدعاية الانتخابية للقوائم وعد هذا المسؤول ، بانه سيحقق لاصحاب الاراضي في عنكاوا تعويضا مناسبا ،لما فقدوه من الاراضي الزراعية إن تم انتخابه ،وان لم تف به حكومة الإقليم فانه سيحققه لهم بأخذه من المنبع ولا ندري لحد الان من هو هذا المنبع ورغم مرور اكثر من دورتين انتخابيتين ولم نر هذا المسؤول لحد الان ولا نعلم ماذا نفعت لنا وعوده ..
واخطر شيء في القيادة عندما تعتقد بانها على حق في جميع تصرفاتها والجميع من حولها على خطأ، او تبرز نفسها بانها هي المنقذ والمخلص المنتظر ، ولكنها لا تفعل شيء اكثر من تحقيق بعض المصالح الانية سواء لنفسها او المحيطين بها ، للأسف أقول شعبنا الكلدو اشوري منذ قيادة آغا بطرس لم يُجد قادة حقيقيين لا على المستوى الحزبي ولا على مستويات اخرى .
وهناك اكثر من مثال حقيقي على دور القيادة المتميز في حياة الشعوب في امريكا لولا قيادة صاحب القول عنوان مقالنا اي المناظل مارتن لوثر كينغ لنظال الزنوج ضد التمييز العنصري لما حصل هذا التطور في العقلية الامريكية بحيث يتقبلوا برئاسة رئيس أمريكي من الأصول الافريقية ولما قبل البيض ان يدخل مطاعمهم وأنديتهم اشخاص من غير اللون .
ولولا مانديلا لما حصل هذا التبدل والنهوض في جنوب افريقيا ولولا غاندي وثورته ضد الفقر والاستعمار البريطاني لكانت الهند لحد الان ترزح تحت نير هذا الاستعمار ..
إذن لا يوجد شعب او أمة ترضى بان تنحني كي يعتليها احد ما ، ونستطيع ان نجزم ان القيادات او تلك التي تتولى القيادة هي التي تسمح بتخاذلها بان تجعل ممن تقودهم انهزاميين لا يقوون على المجابهة والصمود
..
تكثر هذه الأيام التعاليق والردود في وسائل التواصل الاجتماعي او خلال المناقشات والمجالس ان ما يحدث لنا نحن الكلدو آشوريين في الوطن هو نتيجة ضعف ايداء سياسيينا وتشبثهم بكراسيهم وانهم لم يحققوا من خلال هذه الكراسي اي شيء لشعبهم وحتى لناخبيهم و ما يجري لهذا الشعب من تهميش واذلال سواء من خلال تشريعات البرلمان او حتى الحرمان من المناصب حسب الاستحقاق الانتخابي انما هو ناتج عن عدم الانسجام بينهم وتخبطهم ومزايداتهم على هذا المنصب جعلت مواقفهم هزيلة امام القوى الاخرى سواء في الحكومة المركزية او في الإقليم .
فمنذ استقالة مرشح المجلس الشعبي من الوزارة في الإقليم لم تناط أية وزارة اخرى لأحد أبناء شعبنا ولا زال منصب مدير عام الثقافة السريانية يدار بالوكالة منذ رحيل الكاتب والروائي الدكتور سعدي المالح منذ اكثر من سنتين ، ولا زالت القوانين التي سنت لتثبيت حقوق شعبنا ، غير منفذة رغم ما يوجد فيها من ثغرات ، اضافة الى ما لحق بفلاحي عنكاوا من غبن نتيجة المشاريع الاستثمارية ومطار أربيل الدولي وبقية المشاكل التي تعاني منها البلدة والتي تزداد سلبياتها باضطراد، اضافة الى ملف التجاوزات على قرانا وأراضيها وممتلكاتها
كما ان هذه الأحزاب وخاصة ممثليها في البرلمان لم يكن ادائها بشكل مرضي خلال مناقشة مسودة قانون البطاقة الموحدة ولم تتخذ أية احتياطات قبل مناقشة هذا القانون حيث جاءت بعض مواده مجحفة بحق أبناء شعبنا . رغم ذلك ورغم المطالبة بإعلان انسحابهم من العملية السياسية وتشكيل جبهة معارضة الا انهم اكتفوا بإصدار بيانات او تجاهل ما حدث ،وكان الامر لا يعنيهم لا من قريب او بعيد .
ربما يذهب البعض بتحميل الأحزاب الكوردية التي تقود العملية السياسية في الإقليم مسؤلية بعض من هذه الإخفاقات والمشاكل ، وهذا هو الواقع ولكن تبرئة ساحة الأحزاب السياسية الكلدو آشورية وما يعتري عملها في الساحة السياسية من تجاذبات وصراعات
بين هذه القوى وحتى بين رجال الكنائس للتنافس على المرشحين لبعض المناصب المحلية ، هي برأي احد الأسباب الرئيسية والمهمة في بقاء معظم هذه المشاكل بدون حلوا ، الأنكى من ذلك ،رغم الاجتماعات واللقاءات الودية وزيارات مسؤولي أحزابنا وممثلينا لبلدان الغرب معا حيث يتصور المرء بأنهم فعلا جسد واحد وعقل مدبر واحد ولكن سرعان ما نجدهم من خلال المواقف او في تصريحاتهم مختلفين متصارعين فيما بينهم لا يتفقون على موقف موحد ولا على فكرة معينة ، وإذا ما انفرد احدهم بالحديث للجمهور في ندوة او لقاء ما يبدأ اولا بالنيل من أصحابه متهما اياهم بأبشع التهم ، في احد المجالس يضم اثنان فقط من ممثلي شعبنا وقد فازا في عضويته كان أكبرهم سنا يشتكي بان زميله لا يتجاوب معه ،وحتى انه منقطع عن التحدث معه، لذلك يتعذر عليه ان يتخذا معاًموقفاً مشتركاً من القضايا التي تهم أبناء بلدته ، لان الاخر يعارضه في كل ما يطرحه .
يا ترى الى اين ستصل بِنَا حالة التشرذم والانقسام والتي يغذونها ادعياء السياسة وعلى رأسهم من يدعي خدمة شعبنا وتمثيله في المجالس والبرلمانات والأثر الخطير التي تتركه علينا وعلى وجودنا ، كل هذه الأمور وغيرها جعلتنا نعتقد او حتى نجزم بأننا كشعب لا فقط ،لا نملك أية قيادة واعية وجريئة بحيث يمكن الاعتماد عليها في عدم سماحنا لأية قوة او جهة تضغط علينا من اجل ان ننحني أمامها كما يحصل الان ، او ما حصل لنا في الماضي ايضا ، فقداننا لهذه الثقة جعلت من أبناء شعبنا يعيشون حالة انقسام حادة وضياع داخل البلد وانقسام حاد خارجه ..