المحرر موضوع: مطاعم بلا عنوان في بغداد تبتكرها البطالة والتفجيرات  (زيارة 1674 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31484
    • مشاهدة الملف الشخصي
مطاعم بلا عنوان في بغداد تبتكرها البطالة والتفجيرات
انتشرت في الآونة الأخيرة المطاعم المتنقلة التي تقدم الوجبات السريعة في عدة مناطق في العاصمة العراقية بغداد، هذه المطاعم يديرها شباب خرّيجون أغلبهم يحملون شهادات عليا ارتأوا إنشاء هذه المشاريع الصغرى بعدما أصابهم اليأس من إمكانية الحصول على وظيفة بالاختصاص الذي درسوه في الجامعات. وهناك أيضا عمال مطاعم مسرحون من عملهم بعد موجة إغلاق المطاعم الراقية جراء الفوضى المنتشرة في المدينة اختاروا هذا المشروع هربا من البطالة القاتلة.

   
العرب [نُشر في 01/09/2016، ]

وجبة سريعة ونظيفة
بغداد - تنتشر ظاهرة المطاعم الصغيرة الجوالة بشكل كبير في العاصمة العراقية بغداد ويديرها شباب حصل أغلبهم على شهادات جامعية.
“الدكتور بركر” هو الاسم الذي أطلقه إبراهيم عبدالله، الشاب العراقي، على مطعمه المتنقل في شوارع ومناطق بغداد، يقدم فيه مختلف أنواع الوجبات السريعة، متحديا الأوضاع الأمنية السيئة أثناء تنقله بين الأحياء والشوارع.

إبراهيم لم يجد فرصة عمل مناسبة بعد تخرجه من الجامعة، ولم يكن لديه المال ليشتري درجة وظيفية في المؤسسات الحكومية، فلجأ إلى استغلال هوايته المفضلة، وهي الطبخ، في افتتاح مشروع المطعم المتنقل لمواجهة متطلبات الحياة.

وعن سبب تسمية مطعمه بـ“الدكتور بركر”، يقول إبراهيم إن هذا الاسم يعود إلى تخصصه في علم الأحياء والتحليلات المرضية، وبحكم دراسته تلك فإن إبراهيم يُخضع طعامه إلى فحوص خاصة لضمان سلامة زبائنه.

شحة فرص العمل والتوظيف في الدوائر والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص جعلت الشباب يعتمدون على أنفسهم في تحقيق مكاسب مادية تساعدهم على تحمل أعباء الحياة عبر ابتكار وسائل كسب جديدة ومنها إدارة المطاعم الجوالة التي ظهرت بكثرة في الآونة الأخيرة في بغداد.

وبدأت المطاعم الجوالة بالانتشار في البعض من مناطق العاصمة خلال العام الماضي ولقيت الأكلات الشعبية الشهية التي تقدمها وانخفاض أسعار الأكلات رواجا عند الكثير من الناس.

ومن يتجول في العاصمة العراقية يلحظ لدى مروره في الشوارع المغلقة والطرق الفرعية انتشار عربات المطاعم الجوالة ووقوفها على الأرصفة لتقديم الوجبات السريعة للزبائن.

البائع الجوّال لطيف كريم، هو شاب حاصل على شهادة جامعية لكنه لم يجد فرصة عمل في القطاع الحكومي والقطاع الخاص لممارسة اختصاصه، يقول لـ“نقاش” إن ارتفاع نسب البطالة بين الشباب وانحسار فرص العمل بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها البلاد كانا سببا في ابتكار وسائل جديدة للعيش.

ويواصل كريم قائلا إنه شرع مع صديقه الذي يحمل مثله شهادة جامعية في التفكير بشكل جدّي والبحث عن مصادر كسب تغني عن الحاجة إلى الآخرين.


مشروع صغير أفضل من سنوات بطالة
وأضاف أن فكرة المطعم الجوّال التي استقرا عليها بسبب قلة تكلفتها تتضمن حافلة لنقل الركاب قديمة حولها الحداد إلى مطعم صغير وتم صبغها من الخارج بألوان زاهية تسر الناظر. ويذكر كريم أنه يقوم مع صديقه بتقديم الأكلات الشعبية بأسعار تناسب أصحاب الدخل البسيط من المواطنين.

وعن أبرز الأكلات التي يقدمها مطعمه الجوال يوضح كريم بأنه يقدم الأكلات العراقية المعروفة وأبرزها الأكلة العراقية الشعبية واسعة الانتشار “الفلافل”، وهي أكلة زهيدة الثمن، إضافة إلى “الكبة مع الحساء”.

ويبدو أيضا أن الشباب العاملين في المطاعم الجوالة كانوا في الأصل عمالا في مطاعم فخمة لكن تم الاستغناء عن خدماتهم بعد إغلاق المطاعم التي كانوا يعملون فيها أو تم استبدالهم بعمال آخرين.

الشاب منصور الجبوري، وهو صاحب مطعم جوال في إحدى مناطق بغداد، أشار إلى أنه افتتح منذ عدة شهور مطعمه الجوال بعد إغلاق المطعم الذي كان يعمل فيه بأحد الأحياء الراقية في بغداد.

الجبوري أوضح أن سبب إغلاق المطعم هو قلة الإقبال عليه وارتفاع أسعار المأكولات وضعف الحالة المادية لمعظم شرائح المجتمع.

وأعرب الجبوري عن ارتياحه لافتتاح مطعمه الجوال الذي يوفر لقمة العيش له ولعائلته، غير أنه أسف لاستخدامه الرصيف مكانا لمطعمه، لأن الرصيف ملك عام ومن الخطأ استخدامه بصورة خاطئة، لكنه مضطر إلى فعل ذلك حسب ما قال.

سرعة التنقل
حول الأوضاع الأمنية والخطر الذي يداهم أصحاب المطاعم الجوالة جراء انفجار العبوات والسيارات المفخخة قال البائع الشاب حمزة العطواني إنه يترك المكان الذي يحصل فيه انفجار ويغادره إلى مكان آخر على الفور.

منتصر عبدالحي صاحب مطعم متنقل لبيع الهامبرغر والهوت دوغ كان يتحدث بفخر عن مأكولاته التي قال إنها أنظف من مأكولات مطاعم الدرجة الأولى والثانية وأنه حصل على إعجاب الكثير من الزبائن.

تتميز المطاعم المتنقلة في الأحياء الراقية خصوصا بتقديمها الأكلات الغربية مثل الهامبرغر والسكالوب والستيك
ويتفق العاملون في المطاعم المتنقلة في الشوارع على أنهم عرضة للمخاطر، وذلك بسبب المفخخات والتفجيرات التي تضرب المدينة باستمرار، مخلفة الدمار والخراب.

ويقول معتز الدليمي الذي يملك مطعمًا للكباب العراقي في الأعظمية في بغداد “أفترش الأرض منذ سنة وبضعة أشهر بعدما أغلق مطعمنا الراقي في المنصور إثر خطف مسلحين ابن صاحب المطعم”، مضيفًا “أنا مرتاح لأن هذا المطعم يوفر لقمة العيش لعائلتي وفي لحظة الخطر أتركه لأذهب إلى مكان آخر، وهذا الرصيف ملك لكل الناس ونحن لم نستثمره بصورة خاطئة”.

ويرى جاسم جليل الذي يملك كشكاً لبيع الفلافل والمقبلات في حي الكرادة التجاري، أن عمله ممتاز وأن الانفجارات التي تهز الحي بين حين وآخر لا تحول دون توارد الزبائن، لذلك افتتح محلا متنقلا لبيع الأكلات التي يحبها عامة العراقيين، فالأهم “أن نكون بعيدين عن أعين عصابات الخطف والسلب فمحالنا المتنقلة لا تلفت نظرهم”.

وتتميز المطاعم المتنقلة في الأحياء الراقية خصوصا بتقديمها الأكلات الغربية مثل الهامبرغر والسكالوب والستيك، وتتسع هذه المطاعم لأربعة عمال فقط بسبب مساحة العجلة الصغيرة.

بان حسن هي واحدة من زبائن المطاعم الجوالة ترى فيها فرصة حسنة لعمل الشباب لأنها تجنبهم دفع إيجارات المحلات، لكنها شكت من سوء استخدام الباعة للرصيف ووضع كراس لجلوس الزبائن فضلا عن الفضلات والأوساخ التي يتركها بعضهم على الأرصفة.

أحمد سالم زبون آخر يرتاد المطاعم الجوالة قال بأنها حالة حضارية منقولة عن البلدان الأوروبية، معللا إقبال الناس على هذه المطاعم بسرعة تقديم الوجبات وتواجد المطاعم المتنقلة في كل الأماكن إضافة إلى نظافة وجودة الأطعمة التي تقدمها.

ويرى سالم أن أناقة الشباب العاملين في هذه المطاعم وحسن تعاملهم مع الزبائن ونظافتهم كانت وراء الشعبية المتزايدة التي تحظى بها هذه المطاعم ويعتبر أنها أفضل حل للقضاء على البطالة بين الشباب.


الهامبرغر للميسورين
ويبدو أن الكلفة الزهيدة نسبيا لمشروع المطاعم الجوالة شجعت الشباب على مزاولة العمل فيها، كما أوضح الشاب سلمان طاهر أنه اعتمد مع أصدقائه مشروع مطعم جوال لبيع “سندويشات” بثمن زهيد ولاقى المشروع رواجا كبيرا مكنهم من جمع المال.

وأضاف أنه يتم إعداد “السندويشات” في المطعم الجوال طبق المواصفات العالمية وبطريقة صحية وأسعار منافسة للمطاعم الفخمة، كما أن كلفة إنشاء مشروع المطعم الجوال لا تتجاوز عشرة ملايين دينار عراقي أي تقريبا ثمانية آلاف دولار فقط، وهذا المبلغ يمكن أن يتعاون الأصدقاء على جمعه لافتتاح المشروع.

السلطات لا تعترض
حكومة بغداد اعتبرت ظاهرة انتشار المطاعم الجوالة في العاصمة مشروعا حضاريا، كما كشفت عن خطة مشابهة لتشغيل الشباب العاطلين عن العمل.

وقال علي جاسم رئيس لجنة الخدمات في مجلس محافظة بغداد إن لدى المحافظة خطة مشابهة لمشروع المطاعم المتنقلة بالعجلات لمعالجة البطالة تتلخص في استيراد المركبات وبيعها للمواطنين بالتقسيط من أجل خفض نسب البطالة المرتفعة في البلاد.

جاسم أكد أيضا أنه لا يوجد لدى محافظة بغداد أي اعتراض على ظاهرة انتشار المطاعم الجوالة شريطة استيفاء هذه المطاعم للشروط الصحية وعدم الانتصاب في الأماكن العامة، كما أبدى استعداد المحافظة للتعاون مع أصحاب المطاعم الجوالة في حال تعرضهم للضغوط أو الابتزاز.


إقبال كبير على الظاهرة المنقولة عن الغرب
وزارة الصحة حذرت من تناول الأطعمة الملوثة وغير النظيفة والتي تسبب حالات من التسمم الغذائي. وأكد مصدر مسؤول في الوزارة “أن فرقنا الصحية باتت تنتشر في جميع أنحاء العاصمة وتعمل على مراقبة جميع الأطعمة في الأسواق إضافة إلى محاسبة الباعة المتجولين الذين لا تتوفر في عرباتهم وسائل النظافة”.

ويقول سعد صاحب مطعم متنقل في منطقة كراج العلاوي “نحن نعمل في هذه المهنة منذ سنوات وهناك من يحاربنا في أرزاقنا ويدعي أن مطاعمنا تؤثر سلبا على من يستهلك طعامها وأننا لا نراعي الشروط الصحية، أقول إن ذلك غيرصحيح وأجزم بأن مطاعمنا أنظف من الكثير من المطاعم الأخرى والدليل هو وفرة الزبائن الذين يقصدون مطاعمنا المتنقلة. كما أن هذه المطاعم تعد منقذاً للكثير من الشباب من دائرة البطالة التي يعانونها”.

ويؤكد معتز الدليمي صاحب أحد المطاعم المتنقلة لبيع “الهامبرغر” و”الهوت دوغ” على أن مأكولاته أنظف من مأكولات مطاعم الدرجة الأولى والثانية مشككا بأن هذه المطاعم تشتري اللحوم الرخيصة.

ظاهرة المطاعم الجوالة لم تعد مشاريع صغيرة لتشغيل الشباب، فقد أثبتت نجاحها في مدة قصيرة جدا، بل هي في الوقت ذاته وفرت الوقت والمال لأصحاب المحال التجارية القريبة منها؛ وذلك بتوفير الوجبات الرئيسية لهم أثناء العمل بعدما كانوا يقصدون مطاعم بعيدة عنهم لتناول وجبة الغداء.