المحرر موضوع: آخر سفراء نظام صدام في طهران يكشف خفايا تطبيع العلاقات بين العراق وإيران  (زيارة 1730 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31346
    • مشاهدة الملف الشخصي
آخر سفراء نظام صدام في طهران يكشف خفايا تطبيع العلاقات بين العراق وإيران
في 4 سبتمبر 1980 بدأت إيران عدوانها على العراق الذي رد عليه يوم 22 من الشهر نفسه ونتج عنه ما سمّي حرب الخليج الأولى التي دامت 8 سنوات، وقد سبقها تاريخ طويل من النزاعات الحدودية، ثم أعقبتها سنوات أطول من الخلافات التي دفعت إيران إلى التعاون مع الأميركيين الذين تلقبهم بـ”الشيطان الأكبر”، من أجل الإطاحة بالنظام في هذا البلد الذي يمثّل عند منظري الثورة الإيرانية الرأس العربي الذي تنبغي الإطاحة به أوّلا قبل الشروع في اجتياح الخليج العربي، والمضي قدما إلى اختراق مصر والوصول إلى شمال أفريقيا، وفق ما صرّح به الدبلوماسي العراقي عبدالستار الراوي، آخر سفراء نظام صدام حسين في إيران، كاشفا، في حوار مع “العرب” خفايا العلاقات بين العراق وإيران بعد حرب الثماني سنوات وكيف وصل الحال بالعراق إلى ما هو عليه اليوم من حرب أهلية وفوضى وانهيار وسيطرة إيران عليه. 
العرب سلام الشماع [نُشر في 2016/09/04، ]


جهود التقريب باءت بالفشل لأن إيران كانت تريد الاحتلال لا حسن الجوار
المنامة – كشف آخر سفراء نظام صدّام حسين في إيران عبدالستار الراوي عن أن العراق كانت لديه إرادة سياسية ورغبة حقيقية لإيجاد مخارج إيجابية لتطبيع العلاقات مع طهران بعد انتهاء الحرب التي دامت ثماني سنوات (1980- 1988) بينهما بقصد الوصول إلى اتفاقية سلام دائمة.

وقال، في حوار أجرته معه “العرب”، من مقر إقامته في العاصمة البحرينية المنامة، إنه تم تشكيل خمس لجان مشتركة تلتقي دوريا لحل ومعالجة الملفات العالقة بين البلدين، مشيرا إلى أن تلك اللجان قطعت شوطا في ذلك. وكان لقاء الرئيس الراحل صدام حسين وزير الخارجية كمال خرازي في بغداد في العام 2001 إيجابيا للغاية. واستغرق أكثر من ساعتين بحضور وزير خارجية العراق، آنذاك محمد سعيد الصحاف.

رفسنجاني يرفض التطبيع
أوضح السفير الراوي، الذي شهد عن قرب ولامس، بحكم تواجده في إيران، طبيعة سياساتها تجاه العراق، أنه بالقدر الذي كان فيه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي يبدي رغبة (وإن كانت مترددة أحيانا) لإنهاء الأزمة بين البلدين، كان التيار المحافظ يقف في السرّ والعلن ضد تطبيع العلاقات ويختلق الأزمات بين البلدين. وكان الحرس الثوري ووزارة الأمن يقفان أيضا مع التيار المحافظ لإعاقة أيّ تقدم أو تطوير للعلاقات الثنائية.

وكشف الراوي، الذي أمضى في وظيفته الدبلوماسية بطهران نحو أربع سنوات وسبعة أشهر (1998 - 2003)، أن هاشمي رفسنجاني تجاهل مذكرات السفارة العراقية المتكررة في تحقيق لقاء معه.

وأضاف قائلا “حضرت حفل استقبال أقامه الرئيس خاتمي لرؤساء الجامعات الإسلامية، وكنت برفقة الدكتور ناجح خليل الراوي، رئيس المجالس العلمية في العراق، وضمن المدعوين رأيت رفسنجاني وقدمت نفسي إليه، وأبديت رغبتي في لقائه، لكنه نظر إليّ بنصف ابتسامة وقال كلمتين ‘يصير خير’ وطبقا لمعلوماتي يعدّ رفسنجاني أحد الممانعين في قضية تطبيع العلاقات بين البلدين”.

وزعم الراوي أن السفارة العراقية، طوال مدة عمله فيها سفيرا، كادت تكون من السفارات القليلة التي أشرعت أبوابها أمام مواطنيها من العراقيين كافة.

وقال إن الخارجية العراقية حذّرت البعثة الدبلوماسية في طهران من مغبة فتح باب السفارة، خشية اقتحام المعارضة للسفارة وتنفيذ عمل عدائي ضد رئيسها وأعضائها. لكن البعثة تمسّكت بموقفها، على الرغم من أنه سبق أن تعرضت لهجوم عنيف شارك فيه فيلق بدر والحرس الثوري في العام 1999.

وتحدث السفير الراوي عن قضيتين كانتا تؤرقان السفا، إثر حرب الثماني سنوات، هما عودة “أسرى الحرب العراقية الإيرانية” و”حل قضية اللاجئين” الذين تعرض الكثيرون منهم للمهانة والإذلال على يد القوات الأمنية ودائرة الإقامة، مشيرا إلى أن بعض اللاجئين كتب رسائل احتجاج على سوء المعاملة ونشرتها في حينها صحيفة “الوفاق” الإيرانية.

وورد في هذه الرسائل ندم العراقيين لأنهم تخلوا عن نصرة بلادهم أثناء الحرب ووقفوا يقاتلون إلى جانب القوات الإيرانية، وكانت مكافأتهم إما الانضمام إلى قوات بدر، أو السجن أو الطرد من البلاد. وقال الراوي “حين توضّحت هذه الحقيقة أصدر العراق عفوا غير مشروط بعودة كافة اللاجئين العراقيين إلى وطنهم. وكان من بين فقرات قرار العفو إصدار جوازات سفر جديدة بدلا من المزورة”.

العراق لدى منظري الثورة الإيرانية وقادتها يمثل الرأس العربي الذي تنبغي الإطاحة به أولا قبل الشروع في اجتياح الخليج العربي، والمضي قدما إلى اختراق مصر والوصول إلى شمال أفريقيا
وأضاف الدبلوماسي العراقي السابق “ردا على قرار العفو، ثارت ثائرة المجلس الأعلى، الذي كان يتزعمه محمد باقر الحكيم وقوات بدر ومنظمة العمل والدعوة وبعض التنظيمات الصغيرة، فشنوا عبر جرائدهم والإذاعة الموجهة حملة تشكيك إعلامية صاخبة ضد السفارة. وأصدروا بيانات يحذرون فيها العراقيين من التوجه إلى السفارة، لأنهم سيحملون في صناديق إلى بغداد”.

لكن “هذه الحملة لم تؤت أكلها” وفق الراوي، الذي يؤكد “حدث العكس فكان الإقبال على السفارة ملحوظا وأخذ يتضاعف يوما بعد يوم، وأشهد أن كافة موظفي السفارة كانوا على وعي تام بالمسؤولية، وأحسنوا معاملة جميع المواطنين، وكتبت الصحف الإيرانية والعربية عن ظاهرة إقبال العراقيين على سفارة بلادهم”.

واستحضر الراوي في هذا السياق ثلاثة أحداث “الأول أن أحد المواطنين كتب في جريدة الوفاق مدّعيا سوء معاملة أحد موظفي السفارة، فكتبت في اليوم التالي رسالة اعتذار له في الجريدة نفسها، والثاني أن السفارة جددت جواز سفر شقيقة السيد محمد باقر الحكيم، وجاء مندوب جريدة القبس الكويتية، وسأل السفير عن مدى صحة تجديد جواز السيدة من آل الحكيم؟ فأجابه السفير بالإيجاب، ثم ألقى ما في جعبته ‘هل تمنح السفارة السيد الحكيم جواز سفر في حال طلبه؟’ فأجاب السفير: نعم، إذا جلب معه الأوراق الثبوتية: (شهادة الجنسية والبطاقة الشخصية) حاله حال غيره من العراقيين، ونشرت القبس بالخط العريض صياغة مثيرة للخبر! أما الثالث، فقد تلقيت اتصالا هاتفيا من مواطن عراقي مقيم في مدينة يزد، أغرقني بالشتائم، وهو يهدد ويتوعد، وذكر بأنه ضابط في الجيش العراقي، ويبيع السجائر لكي يقيم أوده، وأنه يعلم أن قرار العفو مكيدة للإيقاع باللاجئين ولذلك فإنه على الرغم من حاجته إلى جواز سفر لن يجازف بحياته ويأتي إلى السفارة، فبادرته بالقول: ألست عراقيا كما تقول، فأجاب نعم، وهل تفتح باب بيتك إذا جاءك ضيف؟ فأجاب بالتأكيد، فقلت له ما رأيك لو أنني أرسلت إليك ابني لينزل ضيفا عليك، وتبقيه في يزد، وتأتي لانجاز معاملتك؟ وفي صباح اليوم التالي، اعترضني وأنا أهم بدخول السفارة، رجل في نحو الأربعين، وهو واقف على بابها وقال: أنا من كلمك مساء أمس وجئت أقدم اعتذاري ودخل وأنجز معاملته في أقل من ساعة، وهو يقسم أن يعود إلى الوطن”.


توسيع رقعة الحلم الإيراني عن طريق القوة المسلحة بات عقيدة راسخة لدى طهران

السفير الفيلسوف والفنان
أكد عبد الستار الراوي أن البعثة الدبلوماسية العراقية في إيران، في تلك الفترة، عملت جاهدة على تخفيف التوتر لتوطيد أسس العلاقات بين البلدين على قاعدة الحوار العقلاني المتكافئ، وحلّ جميع الإشكاليات وفقا لمبادئ حسن الجوار والمصالح المشتركة، والكف عن التدخل بالشأن الوطني، تمهيدا لإقامة اتفاقية سلام حقيقية، ينصرف من خلالها البلدان إلى التنمية والبناء. وقال “صفتي كأكاديمي كانت تسبق أحيانا الصفة الدبلوماسية، فشاركت بصفتي الشخصية كباحث في مؤتمرات مركز ملا صدرا للدراسات الفلسفية، وقدمت بحوثا في طهران وأصفهان وكيش، وألقيت محاضرات في مركز حوار الحضارات، وقدمت دراسة لمؤتمر الفيروز أبادي الدولي بجامعة شيراز، وكتبت عن الشاعر العظيم سعدي شيرازي وعن مرثيته لبغداد، يوم كان يتلقى علومه في المدرسة المستنصرية، وكان شاهدا على سقوط بغداد على أيدي المغول في العام 1258”.

وأضاف الراوي “على القاعدة الثقافية نفسها بادرت إلى التنسيق مع بيت الحكمة في بغداد للمشاركة في المؤتمرات الفلسفية، وتمت بالفعل دعوة بعض الشخصيات من بينهم مهدي محقق، رئيس مركز المفاخر الثقافية في طهران، وفي الاتجاه نفسه وجدت أن الفضاء الثقافي بين البلدين يفوق السقف السياسي ويتجاوزه، ولذلك بادرت إلى إقامة معرضي الشخصي للفن التشكيلي في قاعة نياوران في طهران واخترت عنوانا متفائلا ‘الغد-فردا’ الذي لقي إقبالا من البعثات الدبلوماسية ومن المواطنين الإيرانيين، واحتفظ متحف نياوران للفن التشكيلي بلوحتين من أعمالي، وأهديت ثالثة للرئيس محمد خاتمي، والرابعة إلى مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للخارجية الإيرانية، ووجدت مكانا لها في مكتبة المركز، وقدمت اللوحة الخامسة إلى مركز الحوار بين الحضارات”.

واعترف الراوي، السفير الفيلسوف والفنان، أنه كان مدفوعا، لحظتها، بفضول الصحافي الذي يبحث في تعاكسات الأشياء وتناقضاتها، فجاءت المفارقة على درجات، إذ أن الفنان صاحب المعرض ليس عراقي الجنسية وحسب، وإنما القائم بأعمال سفارة بلده في طهران.

انتقد الراوي القيادة الإيرانية التي بدلا من أن تلتمس منهجا واقعيا في بناء وتوطيد العلاقات السوية وتبادل المصالح والمنافع واحترام خيارات الدول، حسب مبادئ القانون الدولي، الذي يحرّم اللجوء إلى استخدام العنف، أو اللجوء إلى القوة المسلحة لتسوية المنازعات أو الخلافات الثنائية فإنها تجاهلت القانون الدولي وأهملت الأعراف الدبلوماسية، فكان البديل هو النزوع إلى فرض أيديولوجية الولي الفقيه على دول الجوار العربي، وكان العراق في مقدمة أهداف المشروع التوسعي.

وبالقدر الذي حاولت فيه بغداد تصويب العلاقات بين البلدين على قاعدة حسن الجوار والمصالح المشتركة، فإن الجواب الإيراني كان للأسف قاطعا في سلبيّته، فالعراق لدى منظري الثورة وقادتها يمثل الرأس العربي الذي تنبغي الإطاحة به أولا، قبل الشروع في اجتياح الخليج العربي، للمضي إلى اختراق مصر والوصول إلى شمال أفريقيا.


أحلام صدام حسين بالزعامة العربية كلفت حربا باهظة يدفع ثمنها العراقيون إلى اليوم
واستشهد الراوي بما أكده علي يونسي، وزير الاستخبارات السابق ومستشار الرئيس روحاني في مؤتمر الهوية الإيرانية في 8 مارس 2015، بأن “كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية”، وأضاف في ذات المؤتمر “سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية”.

أشار الراوي إلى أن العقل السياسي قد تماهى في الانسياق الأيديولوجي إلى حد التصريح الفاضح بأن “بغداد أصبحت عاصمة للإمبراطورية الإيرانية”، كما جاء على لسان يونسي أيضا، والذي قال “جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد”، وأضاف “إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”.

العقيدة العسكرية للدولة الدينية
قال الراوي، في تعليقه على مثل هذه الأفكار، إن توسيع رقعة الحلم الإيراني عن طريق القوة المسلحة بات عقيدة راسخة في وجدان الطبقة الثيوقراطية الحاكمة، وألقت هذه العقيدة بظلالها من قبل على دستور الدولة، وأصبحت جزءا من عقيدة إيران العسكرية في الهيمنة والتوسع.

وأضاف “صوت إيران المجلجل بشعارات تحرير المسجد الأقصى والاحتفاء بيوم القدس العالمي، هو الصوت الذي سمعنا أصداءه على مشارف كابول مساندا للعدوان الأميركي. وعند غزو العراق لم تتردد الجمهورية الإسلامية في تسهيل مهام الولايات المتحدة”.

وأكد الراوي أن “إيران هي أول دولة في العالم الإسلامي سارعت قياداتها إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الأميركي، عن طريق اعترافها بحكومة المندوب السامي بول بريمر، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما قدمت دعمها السياسي اللامحدود لسلطة مجلس الحكم الانتقالي وأعلنت تأييدها لمشروع المحاصصة العرقية والطائفية”.

وتطرق السفير الراوي إلى الأساليب المتدنية التي اتّبعها حرس الثورة والتي عبّر عنها الانتقام الوحشي من كل عراقي شارك في الدفاع عن بلاده في حرب الثماني سنوات، “حيث جرى اغتيال أعداد غفيرة من منتسبي القوات المسلحة والقيادات المدنية، وانحدرت فرق الموت الإيرانية إلى قاع العالم السفلي في تواطئها مع المحتل الأميركي، وجرى تزويد الـ”سي أي إيه” بكل ما تحتاج إليه من معلومات تم وضع اليد عليها عبر أحزابها الموالية لتغذية النزعات الانقسامية وإيقاد نار الحرب الأهلية وتنفيذ سلسلة طويلة من عمليات التصفية الجسدية من اغتيال وقتل وإعدام، على وفق قاعدة معلومات تفصيلية أعدتها مؤسسة إطلاعات الإيرانية بمعاونة أحزابها التي تتربع على عرش الحكم في العراق”.

وختم عبد الستار الراوي حواره، مذكّرا بتأكيدات المنظمات الدولية وجمعيات حقوق الإنسان ومراكز الرصد الوطني بأن “عمليات تصفية الكفاءات العلمية تدل أرقامها وكيفياتها على تواطؤ قوات الولايات المتحدة مع جهاز الموساد الإسرائيلي والأحزاب الدينية، بتوفيرها الأجواء المناسبة أمام قوات حرس ولاية الفقيه في إعداد فرق الموت وتدريبها وتسليحها لاغتيال العلماء والأكاديميين وذوي الكفاءات المعرفية، لإفراغ البلاد من عناصر القوة القادرة على إعادة البناء والتنمية”.
كاتب عراقي