المحرر موضوع: حياة العراقيين معلقة على حبل عشائري بغياب الدولة المدنية  (زيارة 841 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31322
    • مشاهدة الملف الشخصي
حياة العراقيين معلقة على حبل عشائري بغياب الدولة المدنية
محافظو المدن العراقية يحتمون بالعشائر في مواجهة قرارات الدولة وفي تغييب كامل لمؤسساتها.
العرب فاروق يوسف [نُشر في 2016/09/19، ]

مجالس العشائر تحكم المجتمع وتحل الخصومات

حين علق بول بريمير، الحاكم المدني باسم سلطة الاحتلال الأميركي في العراق عام 2003 العمل بالقوانين لمدة سنة، بدا واضحا أن المقصود من ذلك الإجراء إنهاء سلطة الدولة على المجتمع، وهو ما يسر لبريمير نفسه أن يصدر قراراته بحل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة الأخرى.

يومها كان الالتفات إلى مرحلة ما قبل الدولة هو الحل الوحيد الذي يضمن للمجتمع قدرته على تصريف شؤونه وحل مشكلاته والبت في الخلافات التي تنشأ بين أفراده. فكانت العودة إلى المجالس العشائرية تجسيدا لذلك الحل الاضطراري في انتظار انبعاث سلطة الدولة من جديد. وكما يبدو فإن العودة إلى عصر ما قبل الدولة لم تكن إجراء مؤقتا في ظل الغياب المتعمد للدولة، ذلك الغياب الذي عبر عن تجلياته استسلام الدوائر المدنية ومراكز الشرطة لمنطق الحلول العشائرية. الأمر الذي أدى إلى استقواء ذلك المنطق على القانون المدني في ظل تضخم ترسانة السلاح التي صارت العشائر تحتمي وراءها. بل إن الكتل السياسية الحاكمة نفسها صارت تلجأ إلى العشائر في مناسبات عديدة لتضعها في الواجهة.

كانت جولات نوري المالكي، وهو رئيس وزراء سابق وزعيم حالي لحزب الدعوة الحاكم، بين العشائر استعراضا مدفوع الثمن لسلطته في مواجهة اتهامات الفساد.

بمرور الوقت تمكنت المجالس العشائرية في جنوب العراق ووسطه من الدولة، فصارت تتحكم في مجالس المحافظات من خلال تسليم مرشحيها مناصب مهمة في الدولة، الأمر الذي دعا المحافظين غير مرة إلى الاحتماء بالعشائر في مواجهة قرارات الدولة. التي لم تعد قادرة على تنفيذ قراراتها أو حماية موظفيها.

غير أن الأنكى من ذلك تمثل في اتساع دائرة المنطق العشائري إلى درجة بات يهدد سلامة بنية المجتمع بطريقة متوحشة وبدائية. بحيث يجر أهل مريض مات أثناء إجراء عملية، الطبيب الذي قام بها إلى القضاء العشائري ليلزمه بدفع تعويضات أو يُحلّ خلاف ينشأ بين مهندس معماري وصاحب بيت بالطريقة نفسها وما إلى ذلك من حلول، تنطوي على قدر هائل من السخرية من القوانين المعلقة منذ عهد بريمير.

وكما يبدو فإن يأس العراقيين من إمكانية أن تستعيد الدولة سلطتها على المجتمع في ظل غياب تام للمشروع الوطني لدى الكتل والأحزاب الحاكمة قد دفع بهم إلى القبول ضمنيا بالمنطق العشائري والاستسلام له، لا إيمانا به بل خوفا منه، بعد أن تم تكريس ذلك المنطق الذي يعتمد بطريقة أو بأخرى على دعم مؤكد من قبل المؤسسة الدينية.

وليس غريبا أن تقوم المؤسسة الدينية بدعم المجالس العشائرية، فالجهتان تمثلان طرفي المعادلة التي تحكم حركة المجتمع في ظل غياب الدولة. وهو ما يضفي نوعا من القوة، يستفيد منه الطرفان في مواجهة أي محاولة للإخلال بتلك المعادلة من خلال الدعوة إلى إحياء القوانين التي تتبناها منظمات المجتمع المدني التي كانت ناشطة في ظل الاحتلال واضمحل دورها بعد أن بسطت الميليشيات المسلحة سيطرتها على معظم المدن العراقية.

ويتجلى الخطر الذي تمثله سلطة المجالس العشائرية عمليا في ضياع القيم المدنية التي تحكم حركة المجتمع وتوجهاته. وهو ما يشكل عائقا دون قيام دولة مدنية في العراق. ذلك الأمل الذي خبا في صدور العراقيين، فعادوا قدريين يرممون إرادتهم المستلبة بمزاج قبلي، خُيّل للكثيرين أن قيام الدولة العراقية منذ عشرينات القرن الماضي قد محا أثره من النفوس.