رحلة فكرية على أجنحة عصفورة جان يلدا خوشابا:
-------------------------------
من أزقة منطقة كراج أمانة...
فالنادي الثقافي الآشوري في بغداد...
ثم إلى الكونفنشن الآشوري ألـ (83) في أريزونا
-------------------------------------------------------
فرضت عصفورة الأخ جان يلدا خوشابا – أنظر الرابط أدناه – من خلال موضوعه (العصفورة والأستاذ أبرم شبيرا ... ذكريات كي لا تنسى) ديناً ثقيلاً بعض الشيء على كتفي لأن الوعد الذي قطعته له بالرد والكتابة عن هذه الذكريات أصبحت فعلاً ديناً، والوعد كما يقال هو دينً على الإنسان الحر. تمثل صك هذا الدين في طلبه (أن تكتب لنا عن أيامك في كراج أمانة وقبلها ومن كان معك من الأصدقاء وعن ذكرياتك في النادي الثقافي الآثوري... وعن تعليمك والجامعة التي تخرجت منها وشهادتك المهنية ومن كان معك من أبناء شعبنا ومتى تركت الوطن وعن لندن وذكرياتك في أيامك الأولى فيها وأين تعمل وخاصة أنت المعروف عن السفر والترحال والنشاط ومحبة الفكر وإرتباط بالقلم).... يا سيدي العزيز جان هذه الأمور التي مر على بعضها أكثر من أربعين سنة تتطلب صفحات طويلة وطويلة وأنت تعرف الكثير من الأخوة القراء لا يستهضمون قراءة مثل هذه المواضيع الطويلة فيكف والحالة مع القلب الصغير لعصفورتك؟؟.
وحتى أخفف من ثقل هذا الدين فلا بد أن أشكر صديق العمر (داينمو القلم والفكر) المهندس خوشابا سولاقا الذي أوفى نيابة عني الجزء الأكبر من هذا الدين عندما كتب صفحات طويلة وبأجزاء عديدة عن النادي الثقافي الآشوري في بغداد وعن ذكرياته والتي هي في مجملها ذكريات مشتركة عشناها يوماً بيوم بمرارتها وحلاوتها. لهذا السبب لا أريد تكرار سرد تلك الذكريات وذكر أسماء الأصدقاء الأعزاء الذين عملوا معنا في مختلف الحقول القومية السياسية في تلك الفترة ولكن كل الذي أود قوله هو كنًا نحن سواء قبل تأسيس النادي أو بعده مجموعة شبابية مؤمنة إيماناً عميقاً أن لم يكن إيمانا "عمياوياً" بأمتنا الآشورية ونحن في مقتبل عمرنا الشبابي والعمل وبكل السبل والإمكانيات الشحيحة ومن دون أي إكتراث للمخاطر السياسية والإستبدادية المحيطة بنا وبهدف تعميم هذا الإيمان وترسيخه بين بقية شبابنا والذي توسع ليشمل مجموعة أكبر من الأسماء الذين ذكرهم صديقنا خوشابا. فكنًا بأوضح العبارة تنظيم فكري قومي وليس تنظيم هيكلي، تنظيم تجمعنا قوة الصداقة وتربطنا صفات النزاهة والثقة والإيمان المطلق بالمبادئ القومية الصميمية المشتركة متطهرين من أي مصلحة خاصة أو شهوة لكرسي أو منصب فكان وبحق العصر الذهبي لحياتنا ومنبع لفكرنا من تلك الفترة لحد هذا اليوم سائرين على خط واضح وصريح لا تشوبه شائبة ولا تغرينا مغرية.
للعمر أحكام قاسية منها حكم إمحاء بعض الذكريات التي مر عليها دهراً طويلاً، وما ذكره صديقنا خوشابا خضع جزء بسيط منه إلى هذا الحكم. ولكن كما يقال الشيء بالشئ يذكر، فما أن يحدث أمر أو لقاء مع بعض الأصدقاء المعنيين بالأمر حتى تقفز الذكريات المنسية من نطاق اللاوعي في الدماغ إلى نطاق الوعي فيبدأ شريط الذكريات بسرد أحداثه. وهناك الكثير من هذه الذكريات التي لم يذكرها صديقنا خوشابا لعصفورة الأخ جان، ومنها:
1. كلما أزور شمال الوطن ألتقي بالكثير من الأصدقاء ومنهم صديقنا الأديب الكبير د. عوديشو ملكو أشيتا الذي كان من احد عناصر تنظيمنا الفكري القومي فنتبادل الكثير من الأحاديث الماضية والمعاصرة الشيقة والمهمة. في شهر أيلول من العام الماضي 2015 كنت في عنكاوة أثناء فترة رسامة قداسة مار كوركيس الثالث صليوا كبطريرك لكنيسة المشرق الآشورية وككل مرة ألتقيت بالصديق د. عوديشو ملكو وتبادلنا الكثير من الأحاديث في باحة الكنيسة خاصة المتعلقة بموضوع سيامة البطاركة والمطارنة وما يتعلق بمجموعتنا، فحفز حديثنا دماغي وفتح باب الوعي لبعض من الذكريات المتعلقة بالموضوع. وأليك يا عصفورة بعض من هذه الذكريات التي كانت قادرة على الإنفلات من حكم العمر: ذات يوم، كان في السبعينيات من القرن الماضي، لا أتذكر بالضبط السنة والشهر، هرع د.عوديشو وطلب من مجموعتنا إجتماع فوري وعاجل لمناقشة موضوع مهم جداً، فتم الشمل في بيت صديقنا خوشابا فذكر بأن البطريرك مار دنخا الرابع (الراحل إلى الأخذار السماوية) أعلن ترشيحه ليكون مطراناً للكنسية في العراق بعد أن أنتقل المطران مار يوسف خنانيشو إلى جوار ربه. كان الموضوع بمثابة صدمة لنا ومثير لا بل ومحير أيضا لأنه كان أكبر بكثير من حجمنا الفكري لكي نتمكن من إتخاذ قرار بشأنه. غير أنه بعد مداولات ومناقشات طويلة واضعين بنظر الإعتبار جميع الظروف الموضوعية والفكرية خاصة فكرنا القومي التقليدي تجاه الكنيسة كان قرارنا بأن يرفض د. عوديشو الترشيح ولا يقبل بالدرجة الكهنوتية بمستوى مطران وهذا ما تم فعلاً. وبهذه المناسبة يجب أن أشيد بالفكر "الثوري" – أن الصح التعبير – لقداسة البطريرك الراحل الذي منذ تسنمه كرسي البطريركية دأب قداسته على أحداث تغييرات جذرية وبناء أسس موضوعية في إختيار الدرجات الكهنوتية العليا والتخلي عن النظام السابق القائم على تحديد هذه الدرجات وحصرها في عشيرة أو مجموعة معينة والذي كان قائماً في زمن حيكاري. فبنظرة موضوعية للواقع أعتمد قداسته على عشيرة تياري بإعتبارها أكبر العشائر الآشورية وعلى أشيتا باعتبارها أكبر أجزاءها لا بل أكثرها علماً ونباغة بالأمور اللغوية والتاريخية والكنسية، فعلى هذا الأساس كان إختيار قداسته لصديقنا عوديشو ملكو ومن ثم للأستاذ القس ورده صليوا الجالس حالياً ببركة الرب على كرسي البطريركية.
2. في شريط ذكريات صديقنا خوشابا ذكر التنظيم القومي الذي شمل الأخوة شليمون إيشو (حالياً كاهن رعية كنيسة المشرق الآشورية في سرسنك) وإسحاق أنويا أسي وكوركيس... وغيرهم، الذاكرة لا تسعفني لذكر غيرهم من الأخوة في التنظيم، وأعتقد كان أسم التنظيم "الحزب الآشوري الديموقراطي التقدمي" وكنًا في حينه، أي في السبعينيات من القرن الماضي، في إتصال وحوار معهم للتنسيق في العمل القومي وربما الإندماج معهم أو الإنضمام إليهم بعد أن عرضوا علينا النظام الداخلي للحزب وبعض البيانات المطبوعة. وكان الصديق آدم بتيو ججو قد كلف من جانبنا للحديث معهم في حين كنت أنا المستمع وذلك لغرض الوصول إلى بعض الإستنتاجات لمعرفة طبيعة تنظيمهم وأفكارهم. وفعلاً بعد عدة إجتماعات توصلنا إلى قناعة بوجود في هذا الحزب عنصر أو أكثر من الذين كانوا أعضاء في حزب البعث ثم أنظموا إلى هذا الحزب وبالفعل ثبت فيما بعد بأن هذا العنصر هو الذي وشى للجهات الأمنية وتم إعتقال أعضاء الحزب ومصادرة آلة الطابعة العربية التي كان يملكها الأخ إسحاق أنويا مع بعض البيانات والأوراق الحزبية ثم بعد عدة أسابيع تم إطلاق سراحهم... كما قلنا سابقا بأن الشيء بالشيء يذكر... وبينما أنا في شيكاغو في شهر آب الماضي لهذا العام وفي جلسة عائلية ومع بعض الأصدقاء في منزل شقيقتي، لا أدري بشكل أو بأخر ونحن نتطرق إلى المسائل القومية والحزبية وصلنا إلى سيرة تلك الأيام وظروف أعتقال أعضاء الحزب الآشوري الديموقراطي التقدمي فكان مفتاح صندوق ذكريات تلك الفترة بيد شقيقتي لينفتح وينطلق البعض منها حيث ذكرت بأنه بعد الإعتقال مباشرة جاء الصديق آدم بتيو ججو إلى منزلنا مسرعاً ومرتبكاً، حيث هرب من الجامعة (كان طالب في كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة بغداد) وكنت أنا أداوم في وظيفتي وخوشابا سولاقا طالب في كلية الهندسة، فصعد إلى غرفتي الخاصة يبحث في الصندوق والحقيبة المكتضة بالأوراق والكتب والمواضيع السياسية والحزبية وصور لزعماء وأبطال آشوريين أخذ البعض منها وأحرقها فوق سطح البيت أما الباقي والمهم منها خاصة الكتب المتعلقة بتاريخ الآشوريين مثل كتاب (الآشوريون في التاريخ – إيشو ماليك جوارو) و كتاب (تاريخ الآشوريين – البروفسور ماتييف بار متي) وبعض النسخ من مجلة (كوكبا آشوريا – الإتحاد الآشوري العالمي) وضعها في كيس وأعطاءها لشقيقتي التي بدورها أخذتها وخبئتها في منزل جارنا منو البيلاتي في أحدى أزقة منطقة كراج أمانة. وهذان الكتابان لا زالا بمعيتي وأثار عصرها في الكيس بادية عليهما. وبعد إطلاق سراح أعضاء الحزب أستمرت علاقتنا معهم ضمن إطار النادي الثقافي الآشوري خاصة مع الأخ شليمون أيشو الذي كان على رأس الحزب، كما اعتقد.
3. صحيح هو أعتراف الصديق خوشابا بأن ذاكرته لم تسعفه لذكر كل الأسماء، وما أكثرها، التي كانت ضمن تنظيمنا الفكري، ومن بينهم الصديق سركون منصور كشتو.... مرة أخرى الشيء بالشيء يذكر... أثناء أيام إنعقاد الكونفشن الآشوري ألـ (83) للفترة من 1 – 5 أيلول من هذا العام في مدينة فينكس في ولاية أريزونا، تقدمت نحوي سيدة وقورة وقالت: إلا تعرفني؟ فقلت مع الأسف لا. فقالت أنا شقيقة سركون.. ثم أردفت وقالت: كيف تنسى الأيام الخوالي التي كنتم تجتمعون في منزلنا في منطقة الغدير وكنت أحضر لكم الشاي ولكن كان سركون يمنعني من الدخول فيأخذ صينة الشاي مني وأنا في الصالة لأنه لم يكن يرغب أن أسمع أحاديثكم ولكن كنتُ أنا ووالدتي نستطرق السمع من خلف الباب والدموع تنهمر في عيون والدتي خوفاً من الأحاديث السياسية والقومية اللهابة حيث كنتم تعتقدون بأن إنبعاث الإمبراطورية الآشورية اصبح قاب قوسين، فكنت كأخت أشاطر مخاوف والدتي على أبنها من ظلم وإستبداد النظام السياسي الجائر.
أكتفي بهذا القدر من الذكريات، وما أكثرها، في أزقة منطقة كراج أمانة لأنتقل إلى النادي الثقافي الآشوري في بغداد ولكن أين أضع نقطة بداية قلمي وأبدأ الكتابة والصديق خوشابا لم يترك شاردة ولا واردة إلا وذكرها بالتفصيل في بحثه عن تاريخ النادي الذي نشره على هذا الموقع بأربعة أجزاء وهو بحث يتماثل كما تتماثل أفكارنا وإيمانا مع الكتاب الذي كتبته عن النادي تحت عنوان (النادي الثقافي الآشوري – 1970 – 1980 – مسيرة تحديات وإنجازات) والذي نشر عام 1993 في الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا من الضروري على القارئ اللبيب أن يتطلع جيداً على عنوان هذا الكتاب. فبالنسبة لفترة عشر سنوات التي تناولها الكتاب تعتبر من أخطر وأهم فترات تاريخنا المعاصر وفيها أحداث سياسية وقومية مهمة جداً وتحديات مفعمة بالإنفعال والحركة والعمل الدؤوب التي أثرت وأنعكست على تطور الفكر القومي الآشوري وأثمرت بإنجازات عظيمة قلً مثيلها في تاريخنا المعاصر، وتفاصيلها مسطرة في كتابنا المذكور. فبالإضافة إلى التحديات الخارجية المتمثلة في السياسة الإستبدادية لنظام البعث وإلى سياسات غيره من الأحزاب العراقية التي كانت تحاول إستيعاب وكسب أعضاء لهم من أبناء أمتنا سواء بشكل مباشر أو عن طريق السيطرة على النادي فإن التحديات الداخلية كانت أيضا في وسط معركة الفكر القومي الآشوري التقدمي ومنها الأفكار والممارسات الطائفية والعشائرية التي كانت تمزق مجتمعنا إلى أوصال وشلل. وهنا أُذكر صديقنا خوشابا قبل تذكير عصفورة جان مسألة في هذا السياق لأن هو كان في قلب الحدث ولم يأتي ذكره في ذكرياته. في بداية قيام الجبهة المشؤومة لحزب البعث التي تورط فيها أيضا الحزب الشيوعي العراقي وبعض الأحزاب الكوردية كان بالمقابل تصاعد في الوعي الفكري القومي الآشوري نحو ممارسات ونشاطات قومية خاصة في طلاب الجامعات وشباب النادي الثقافي الآشوري. ففي حينها، أعتقد كانت بداية السبعينيات من القرن الماضي، منع نادي بابل الكلداني، الذي كان غالبية أعضاءه من قصبة ألقوش، منع طلاب الكلدان الجامعيين من إقامة حفلة تعارف على حدائق النادي، كما كان يفعل طلاب الآشوريين الجامعيين في كل سنة، وذلك ربما خوفاً من السلطات الأمنية أو إيمانا من بعض أعضاء النادي بأن حفلة طلاب الكلدان لها صفة عنصرية شوفينية، وهي الإسطوانة التي كان يكررها بعض أعضاء حزب الشيوعي العراقي. فلجأوا إلينا، بحكم الزمالة الجامعية التي كانت تربط بعض من أصدقائنا بهم. فبعد أخذ وعطاء ومشادات مع الهيئة الإدارية للنادي الثقافي الآشوري حصلنا الموافقة على أقامة حفلة تعارف للطلاب الكلدان الجامعيين على حدائق النادي وشاركنا فيها. وما ذكرني بهذا الحدث هو وجود لي صورة عن الحفلة وصديقنا خوشابا "يدبك" على رأس الخكا (دبكة) وأنا بجانبه مع أصدقاءنا الألقوشيين. أفرد هذا الحدث للمقارنة بين تلك الفترة، فترة العصر الذهبي للفكر القومي الذي لم يكن تنخر به مرض التسميات واللهوث خلف الكراسي والمناصب وبين الفكر القومي لهذا العصر الذي تقضم الطائفية والتحزبية والعشائرية أجزاء منه وتجعله بحكم المشلول.
ومن المآثر التاريخية في النادي الثقافي الاشوري نحو محاربة التصدع الطائفي في مجتمعنا هو تنظيم أول لقاء بين البطريركين مار دنخا الرابع، أسكنه الله فسيح جنانته، وما أدي الثاني، أطالة الله من عمره، وهو مأثر مسطر في كتابي أعلاه وأستطيع أن أستل منه بعض السطور. فالنادي لم يكن كيان للتجمع واللهو وقضاء الأماسي والثرثرة وأنما كان منظمة فكرية قومية شاملة لجميع الطوائف والعشائر دون أي تمييز. فقد كان أعضاءه الخيرين الواعيين يشعرون بمرارة التمزق الطائفي الذي أصيب به بعض أجزاء المجتمع الآشوري فحاولوا جاهدين التصدي لهذه الحالة وبكل الوسائل الممكنة سواء أكانت مباشرة عن طريق النادي أم بشكل غير مباشر عن طريق أعضاءه النشطين الواعين والذين كانوا يمثلون الطليعة المثقفة للمجتمع الآشوري قاطبة. وقد أدرك هؤلاء منذ الوهلة الأولى صعوبة لا بل وخطورة مهمة التصدي ومعالجة حالة التمزق هذه، إلا أن هذا لم يثن عزيمتهم في المضي قدما بمحاولة قد تكون البادرة الأولى على طريق إنعاش الآمال لإزالة الأحقاد وسوء الفهم القائم بين الأطراف المتنازعة. وفعلاً، ففي إحتفالات النادي بعيد الأول من نيسان عام 1977 دعي كل من قداسة البطريرك مار دنخا الرابع وقداسة مار أدي الثاني لحضور هذه الإحتفالات وللتصافح بينهما وإلقاء الكلمات أمام الجمهور الذي أمتلأت به حدائق النادي لإثارة الحماس والشعور القومي نحو إزالة الأحقاد التي تفشت في المجتمع الآشوري من جراء الإنقسام الحاصل في الكنيسة.
وفعلاً لُبيت الدعوة من قبل الطرفين ووضعت الهيئة الإدارية، التي كانت برئاسة المرحوم روميل كوركيس الذي كان من أحد عناصر تنظيمنا الفكري، تفاصيل خطة اللقاء بينهما دون إثارة أية حساسية أو سوء فهم تمس قداستهما. وكانت الخطة تقوم على أساس قدوم قداسة مار أدي الثاني أولاً إلى النادي والجلوس في مقدمة المحتفلين في حدائق النادي، يليه قداسة مار دنخا الرابع والدخول إلى مبنى النادي وتفقد المكتبة وأسلوب تدريس اللغة الآشورية ومن ثم الخروج إلى حدائق النادي للتصافح والتعانق مع قداسة مار أدي أمام الجمهور والبدء بإلقاء الكلمات الترحيبة والمباشرة بفقرات الإحتفال. غير أن الخطة فشلت في تحقيق أهدافها السامية ففقدت الهيئة الإدارية السيطرة على الوضع بعد أن أصبح خارج نطاق قدرتها بسبب الدور الخبيث الذي لعبه البعض في إفشالها، فرجال الأمن والمتعاونون معهم وبعض أعضاء "اللجنة المركزية للطائفة الأثورية في العراق" أحاطوا بقداسته وطلبوا وبإلحاح عدم خروج قداسته إلى حدائق النادي والبدء بالإحتفالات مع قداسة البطريرك مار أدي الثاني إلا بعد حضور بعض المسؤولين في الدولة (أعتقد محافظ بغداد) لهذه الإحتفالات ومن ثم مرافقتهم له عند خروجه. غير أن الإنتظار لهذا المسؤول طال أكثر مما يجب وأخذت خيوط المؤامر لإفشال الخطة تظهر للحاضرين، فأثر هذا الإنتظار الطويل على حضور قداسة البطريرك مار أدي الثاني الذي ظل ينتظر في الحديقة لبدء الإحتفال، فأضطر تحت زخات المطر التي بدأت تساهم أيضا في إفشال هذا الهدف النبيل للنادي إلى المغادرة. بعد ذلك نهض العضو المهندس يوبرت بنيامين وصرخ صرخة مدوية في الحاضرين مستنكراً الإنشقاق الطائفي الذي يمزق الآشوريين وهتف عالياً بحياة الأمة الآشورية وبنضالها من أجل وحدة كافة طوائفها فنال إستحقاق الحاضرين. ويوبرت أستشهد في عام 1985 بعد أن اعدمه النظام العراقي الفاشي شنقاً حتى الموت بسبب إنتماءه للحركة الديموقراطية الآشورية.. رحمه الله.. ودمه على أعناقنا جميعاً للسير على طريق نضاله.
وبهذه المحاولة كان النادي قد أضاف إلى سجله الحافل بالإنجازات القومية تجرية رائدة على مستوى وحدة الأمة وظلت هذه التجربة في ذاكرة الأعضاء الخيرين يستذكرونها إينما كانوا بنوع من الإعتزاز والفخر للدور الواعي لهم والرائد في التوعية القومية وكذلك يستذكرونها بنوع من المرارة والتألم لفشل المحاولة في تحقيق أهدافها النبيلة. ليس هذا فحسب بل هناك العشرات من مثل هذه المبادرات القومية نحو وحدة الأمة ويكفي أن نقول بأن النادي كان فعلاً مدرسة لتخرج الكوادر القومية النبيلة والمناضلة فالكثيرون منهم اليوم هم مؤسسي وقادة أحزاب سياسية ومنظمات قومية وكبار المثقفين والكتاب وإختصاصين في الأدب واللغة ولا تكفي مئات الصفحات لتسطير أسماؤهم ومساهماتهم في المجتمع الآشوري فهم يؤدون دورهم ونشاطهم القومي الذي بدأوه في الأيام الأولى لإنتسابهم إلى النادي في خدمة الأمة الآشورية مستلهمين منها دروساً وعبر نافعة ومثمرة لمسيرتهم النضالية مكملين مسيرة التحديات والإنجازت التي قادها النادي الثقافي الآشوري لعقد من الزمن.
سرد الأحداث والتحديات والإنجازات للنادي الثقافي الآشوري عمل يقارب المستحيل ليس لكون بعضها قد دخل منطقة اللاوعي لأعضاءه بل لكونها كثيرة جداً ويصعب حصرها ولكن مع هذا فإن جزء من هذا البعض يبقى متحرراً من سجن اللاوعي وينتقل إلى منطقة الوعي وذلك لكونه مثيراً ونشاطاً رائداً ليس على مستوى النادي أو الآشوريين فحسب بل على مستوى العراق ككل. ومن هذا البعض أذكر مهرجان الشعر الشعبي العراقي الذي أقامه النادي على حدائقه والذي كان نشاط ثقافي أدبي الأول من نوعه في العراق حضره أكبر شعراء العراق الشعبيين ومن مختلف قطاعات الشعب العراقي وتوجهاته الفكرية والسياسية وأيضاً حشد كبير زاد عن الألف بحيث لم تكن حدائق النادي كافية لإستيعابه مما أضطر الكثيرون الجلوس على حائط سور النادي أو تسلوا الإشجار وجلسوا فيها. وكان الشعراء الشيوعيون المعرفون ببراعتهم في هذا المجال أكثر حضوراً وبروزاً ونشاطاً وإثارة لحماس الجمهور مما أثار ذلك غضب السلطات الأمنية فتم في اليوم التالي إستدعاء رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية إلى دائرة الأمن للمحاسبة والتوبيغ وتوجيه لهم تهمة إقامة مهرجان شعري للشيوعيين.
هذا غيض من فيض... الفيض الذي لا تستطيع مئات الصفحات من إشباع متعبة القراء الأعزاء وبالأخص أعضاء النادي من قراءتها والإستمتاع بذكرياتها ولكن لتحقيق هذا الهدف هناك بعض الأفكار والمشاريع المستقبلية بخصوص هذا الموضوع تم تداولها مع الكثير من أعضاء النادي فإستحسنوها كثيرا وبتحمس، منها:
1. الكتاب الذي كتبته وبحث صديقنا المهندس خوشابا وغيرهما من المواضيع والمقالات عن النادي ليست بكافية بل وبدون شك فيها نواقص كثيرة لا يملئها إلا ذكريات العديد من أعضاء النادي. لهذا فقد تم الحديث والإتفاق مع بعض الأعضاء ذوي الإمكانيات على تأليف مجلد توثيقي ضخم عن النادي معتمدين على ما كتبه الصديق خوشابا وما ذكرته في كتابي كأساس لهذا المجلد.
2. الإتفاق على إعادة تجمع أو الإتحاد (Reunion) بين أعضاء النادي لعقد تجمع ومهرجان ثقافي فني إجتماعي كإعادة للأسبوع الثقافي الذي كان ينظمه النادي في السنوات الماضية ويقام مثل هذا التجمع والمهرجان في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوة وينظم ترتيباته خاصة للقادمين من خارج الوطن وبإدارة المهندس توما روئيل يوخنا الذي كان فعلاً المهندس البارع لمثل هذه التجمعات والنشاطات للنادي الثقافي الآشوري في بغداد واليوم يستعيد شبابه وبراعته في هذا المجال أيضا في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه. كان من المؤمل أن يعقد من هذا الإتحاد في هذا العام 2016 غير أن الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية في الوطن بيت نهرين حالت دون ذلك ومن المؤمل أن يتحقق هذا الحلم الجميل بعد أن تستقر الأوضاع في الوطن.
طلبات عصفورة الأخ جان يلدا كثيرة وحاولت بقدر المستطاع وبما تسمح به مساحة هذه السطور أن أشبع بعض من رغباتها عن ذكرياتنا في منطقة كراج أمانة وعن النادي الثقافي الآشوري في بغداد، ولكن يؤسفي القول بعدم تحقيق رغبة العصفورة فيما يخص مسائل "شخصية" وذلك خشية من تطبعها أو تفسيرها بنوع من النرجسية والإنانية خاصة وهي معروفة للعديد من الأصدقاء والقراء ولا يستوجب تكرارها. أما بخصوص حشر موضوع الكونفشن الآشوري ألـ (83) في عنوان هذا المقال هو لأنه جاء بسبب ركون العصفورة على رأسي وأنا أحضر الكونفشن لهذا رغبت أن أكشف بعض الأضواء على هذا التجمع الكبير في موضوع مستقل للأيام القادمة لأنني خشيت من أن عصفورة الأخ جان لا تتحمل أجنحتها المزيد من الصفحات هنا وبالتالي لا تستطيع الطيران وإيصال الأخبار إليكم.
مع تحياتي الحارة.
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,820413.msg7488296.html#msg7488296