قصة قصيرة جدا
مقبرة الأحياء
زاهر دودا
إنتظَرَتْهُ ، الى ان جاءَ بَعدَ بُزوغ الفَجرِ ، مُرهَقاً مَهزوماً مِن صراعٍ مَع الذاتِ، فاقِداً مِن وَجهِهِ روحَ الحياةِ ومَعنَى الوُجودَ في بلادِ الاغتِرابِ، الخُسارَةُ واضِحَةٌ في عَينَيهِ ، عائِداً من دَفنِ كل ما كانَ يَحمِلُهُ في مَقبَرَةِ (صالة) القُمارِ ، تَشاجَرَتْ مَع نَفسِها وَلَعَنَتْ يَومِها الذي رأتْ في وَجهِهِ هذا الانكِسار.
لم يُجادِلُها، لم يأبَه لِثَورَةِ غَضَبِها وتَهديدِها. دَخَلَ الى غُرفَتِهِ، رَمَى بفِكرِهِ العاري مَعَ جَسَدِهِ الشُبْهُ العاري فَوقَ السَريرِ .
كانَتْ تَتَكلّمُ مَعَ نَفسِها أثناءَ تَهيئَةَ هِندامِها للذهابِ الى الكَنيسَةِ للمُشارَكَةِ في قِدّاسِ الاولِ مِن يَومِ الأحَدِ للقيامةِ:
ــــ سَأَضَعُ حَدّاً لِهذِهِ المُصيبَةِ، لَنْ أسمَحْ بتِكرارِ الحالةِ مَرَةِ أخرَى ..!!
اثناءَ سَيرِها المُثقَلِ بالهُمومِ ومِن لَيلَتِها المُرهَقَةِ بِلا راحةٍ وَلا نَومٍ، كانَتْ تُرافِقُها الخَيالاتِ المُفزِعَةِ حَتَى وُصولِها وَدُخولِها الكَنيسَة .
انتَهى القِداس ، خَرَجَتْ وَقَدْ تَلاشَى مِنها اليَأسَ مَع القِيامَةِ ، والشَوقُ يَدفَعُ اقدامِها الخَفيفَةِ للوصولِ الى شَقَتِها .
لَمْ يَزَلْ يُعانِقُ الوِسَادَةَ ، مُتَكَوِراً مِن صَفَعاتِ البَردِ . وَضَعَتْ الغِطاءَ فَوقَ جِسمِهِ المَكشوفِ بِرفقٍ كي لا توقِظَ السكينَةَ مِن روحِها الساكِنَةِ فيهِ ..
انشَغَلَتْ بِحُدودِ الساعَةِ مِن الزَمَنِ ، بَعدَها دَخَلَتْ الى غُرفَتِهِ :
ــــ ابني ...! استَيقِظْ ابني، أعدَدْتُ أكلَتُكَ المُفَضّلة (الپاجه) ، قُم لِنَفطُرَ مَعاً . حاوَلَتْ مِراراً ايقاظِهِ بِمُختَلفِ الطُرُقِ، إلا انَهُ لَمْ يَكُنْ يَسمَعُها .
لحد هذا اليوم لا تَعرِفُ ماذا حَلَّ بِمَصيرِ الطعامِ الذي كانَ يَنتَظِرُهُما على المائدةِ في ذلك الصباح ..
6 ايلول 2016