انظروا ماذا فعلت " الأسلمة "
يمكن ان يتحوّل الانسان السييء الى انسان جيد بين ليلة وضحاها ، بل ربما في لحظة او نتيجة موقف واحد يضعه على المحك لينهض ضميره الذي كان دائما ينازعه كثيرا على اخطائه ... ولنا في ذلك الكثير من الامثلة ... اما الذي مات ضميره وعمل هو على دفنه ، فإن امر إصلاحه يكاد يكون معدوما .
لكن من الصعب جدا ان يتحول الانسان الجيّد الى انسان سييء فجأة ، بل يكاد الأمر ان يكون مستحيلا في كثير من الأحيان ، فالذي لا يسرق ولا يقتل يكون مستعدا ان يموت جوعا وكمدا دون ان يخطر على باله أن يرتكب سرقة او قتل .
هل تحول العراقيون ( وعرب الربيع العربي ) الى وحوش مفترسة فجأة ؟ يقتلون ويتقاتلون وينهبون ويغتصبون ويهجّرون ؟ ... وليسأل كل واحد منا نفسه نفس السؤال : " هل باستطاعته ان يتحول فجأة الى وحش كاسر ينهب ويسرق ويسفك الدماء مهما تبدّلت الظروف ؟ " .... عندما يجيب على هذا السؤال الموجّه الى نفسه يكون قد فهم ما حدث .
خابرت صديقي في بغداد لأطمئن عليه بعد سقوط الدكتاتور ، قال لي ببالغ الحزن والأسى : " لم اكن اعرف ان العراقيين بهذا السوء " !!! ... لم تكن " القلّة " القليلة التي انطلقت تمارس الاجرام ... لو كانت قلّة ، لتصدّت لها غالبية الشعب وقمعتها كما فعلت شعوب اوربا الشرقية عندما ارادت المافيات الاجرامية ان تعيث في بلدانها فسادا بعد سقوط الانظمة الاشتراكية فيها .... لكن يبدو انها كانت الاكثرية في بلداننا !!!!
لم تتحوّل اخلاق الناس فأصبحت سيئة فجأة بعد التغيير ، إنما كانت قد تغيّرت على مدى سنوات طويلة وأجيال من السيطرة الدكتاتورية في جميع الوطن العربي والاسلامي . عانت فيها هذه المجتمعات من الفقر والمرض والجهل والحروب وغياب حرية التعبير، فتشوّهت الصفات التي كانت تحملها لتحل محلّها الانتهازية والنفعية والوصولية بأي ثمن فكان الطريق الى خراب النفوس ... وعند غياب السلطة القمعية والأمن ، جاهرت بحقيقتها التي كانت مكبوتة لتنفجر على نحو عشوائي .
كانت " الاسلمة " في المجتمعات العربية والاسلامية قد غزت البيوت والعقول ، بسلاح " أموال الخليج وتطرّف شيوخه " ، وبمباركة أو " غض الطرف " من الحكومات الدكتاتورية التي وجدت في أسلمة المجتمع " دواءً ناجعا " للقضاء نهائيا على الافكار العلمانية واليسارية . كان كل ما يهم الدكتاتور ( في كل بلد عربي او اسلامي ) هو إحاطة نفسه بالانتهازيين والنفعيين من كل حدب وصوب ، وتقوية جهازه القمعي للحفاظ على كرسي الحكم فقط .... له ولأولاده من بعده ..... ووجد ان ركوب " الموجة الاسلامية " ، او مجاراتها ، مفيد في مثل هذه الاحوال .
كيف تمّت أسلمة المجتمع المصري ؟ ، وماذا عن شمال افريقيا والسودان ؟ لماذا يفوز الاسلاميون في الاردن ؟ ، كيف يسيطر الاسلاميون على الوضع السياسي في لبنان ؟ كيف تفشّت " الأسلمة " في العراق وسوريا بمباركة الحكومتين البعثيتين ؟ ما الذي حدث في افغانستان وفي باكستان بعد إنقلاب محمد ضياء الحق ؟ ، ما الذي جعل المسلمين في جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا وفي البانيا والصرب ان يتحوّلوا من اناس علمانيين الى مسلمين متطرفين ؟..... اني لا أتحدث هنا عن السعودية ولا عن ايران..... الدولتان اللتان لا زالتا تعملان على النهوض بـ " الأسلمة " وتصديرها رغم كل البشاعة والمآسي التي ولّدتها ...
ان تحوّل الناس من مسالمين حالمين بِغد أفضل الى متطرفين يحلمون بتفجير انفسهم وسط ابرياء لينالوا " جنة الحوريات " في ألآخرة لم يحدث فجأة ، إنما " الأسلمة " هي التي صنعته على مدى اكثر من خمسين عاما ... وها نحن نحصد نتائجه ... ان تحوّل الانسان الاعتيادي الى ارهابي في هذه الدول حدث بطريقة " سهلة " الى حد ما ... لقد إستطاعت " ألأسلمة " ان تضيف مسحة " القداسة " على العمليات الجهادية التي أصبحت مرادفة للعمليات الارهابية . تقبلها عدد كبير من المسلمين الذين عانوا من الحكومات الفاسدة بـ " ضمير مرتاح " و متفائل الى حد ما !!! . لقد وجدوا فيها " الحل " لمشاكلهم المزمنة ، ولو بالآخرة !!! .
إن قاتل الدكتور فرج فودة عام 1992 كان أميا ، قتله بعد ان شنّت "جبهة علماء الأزهر " هجوما كبيرا عليه ثم أصدرت بيانا بتكفيره .
لكن " الأسلمة " لم تقف عند حدود تجنيد " الأميين " .. ولكي يسهل عليها تجنيد الشباب المتحمس ، كان يجب عليها ان تجند متعلمين يحملون شهادات جامعية او درجة دكتوراه ، واستطاعت ان تعثر على اولئك المتعلمين الذين وجدوا في ركوب الموجة الاسلامية اقصر الطرق لـ " الوصول" !!! .. في السعودية الكثير منهم .. وفي ايران كذلك ... وفي الحكومة العراقية أيضا وكذلك في المعارضة ...: هؤلاء الاسلاميون الذين يحملون شهادات دراسية عالية " هم الأخطر ... لأن تجنيد الاميين يحدث بسبب تنظيراتهم وقابلياتهم في التمويه والكذب والتخطيط .
قاتل الدكتور فرج فودة كان شابا فقيرا وأميا ...
لكن قاتل المرحوم ناهض حتر يحمل شهادة جامعية في " الهندسة " وفي التاسعة والاربعين من عمره .
لكني رغم كل ذلك متفائل ، الاسلام السياسي ظهر على حقيقته وفضح نفسه ، وهو في طريقه للزوال عاجلا ام آجلا ... غدا سيتعافى الجيل الصاعد وينفض غبار الماضي العفن عنه .