لكي لا نكون اسرى للخيال الجامح
تيري بطرس
خطابنا القومي، يتميز بانه يحتوي على متناقضات عديدة وفي ان واحد، ولكي نتوجه بهذا الخطاب الى الاخر، يجب ان يكون مفهوما وذو هدف واضح، ويتسق هذا الهدف مع الامكانيات والوقائع القائمة على الارض. في السطور التالية ساتطرق الى نقطة مثيرة وقد تثير حمية الكثيرين لنشر اتهامات شتى ، ولكن ان نعرف ماذا نريد، وان ندرك قدراتنا وامكانياتنا، افضل الف مرة من ان نعيش اسرى اوهام الخيال الجامح للبعض ممن يتلاعبون بمقدرات وبعواطف ابناء شعبنا، لا لغرض ما، الا لاشباع نرجسيتهم التي لن تنفعنا في شئ، غير الاصطدام بجدار الواقع والصحو على مرارته.
نحن في خطابنا القومي نقر بالعراق وطنا، ولم نحدد، ماهو موقعنا في الوطن، وحتى مطالبنا بقت بشكل ضبابي غير محدد لحد ان اي شئ يتم تقديمه يمكن ان يفسر على انه تحقيق لهذه المطالب. وبدون مواربة ومديح الذات والماضي، ارى بان افضل طرح قومي تم طرحه كان، رؤية اشورية نحو مستقبل العراق الموحد، التي نشرتها نخبة من المثقفين الاشوريين في منتصف تسعينيات القرن العشرين، لانها عالجت امور شعبنا بصورة شاملة في العراق ويمكن ان تكون مناسبة لواقع اقليم كوردستان ايضا،وهي المساواة القومية بين المكونات، مع الاحتفاظ بالية ديمقراطية الاكثرية بالمرور وان تاخذ دورها ايضا. كما ان هذه الرؤية اولت الاهمية الاكبر للانسان وثقافته او لمكونات هويته القومية وما يؤثر فيها اكثر مما اولته للارض. فهذه الرؤية حاولت التاسيس للنظر الى المكون الواحد على انه وحدة واحدة، اينما كان موقعه ومكانه على ارض العراق. ولكنها لم تجرده من هويته الوطنية والجغرافية والطبقية.
ان ايلاء الارض اهمية مبالغ فيها، في الوقت الذي بات ابناء شعبنا اقلية غير منظورة ويتم تجاهلها، باعتقادي هو الهاء، عن البحث عن حلول اخرى، وهو واجبنا اولا واخرا، لان الاخر سيرضى بهذا الالها، لانه يؤدي بالنهاية الى فقدان الامرين، الارض والتمتع بالحقوق الطبيعية لكل انسان ولكل مكون (قومي او ديني). اننا بمحاولتنا التركيز على الارض وما نقوله عن سرقتها واحتلالها، متناقضين في هذه الحالة فقط عن ما قرره المشرع العراقي حين تاسيس العراق، لهو ديماغوجية فارغة ولا معنى لها الا العيش في احلام الوردية.
ولاننا اكدنا على حقوق الانسان ايضا، فاود التأكيد، ان هذه المقالة وما فيها من رؤية للنقاش، تؤكد بان من واجبنا ومن حقنا رفض اي تجاوز على ممتلكاتنا الشخصية، واعتبار ذلك جريمة يجب ان يعاقب مقترفها باشد العقوبات، لان الغالبية من هذه التجاوزات تحدث بسبب استسهال مقترفها الافلات من العقاب وامكانية خروجه من جريمته بكسب ولو قليل لم يكن يمتلكه، باعتبار صاحب الحق ضعيف ويمكن مساومته على ممتلكاته. اننا هنا امام واجب المطالبة للاتيان بقضاء وقضاة وقانونين ينطبق عليهم شعار العدالة التي هي الميزان المتساوي والعيون المعصوبة، اي التي لا ترى في الخصوم الا قضايا وقانون واحد يطبق على الجميع بغض النظر عن الانتماء القومي والديني والعشائري.
ان ما اطرحه، ليس ورقة تفاوضية مع اي طرف، بل هو محاولة لتدوير خياراتنا، واختيار الافضل في وضعنا القائم، وبالتالي ليس له علاقة، بطرح يمكن المساومة عليه اثناء التفاوض، لانه لم يتم اختياري لان اقود اي تفاوض او حوار مع الاخر، انها افكار شخصية احاور ذاتي بها وحين تتبلور اخرجها للقراء للمشاركة والحوار حولها.
من هنا اود القول انه حان الوقت لمداورة خياراتنا، والبحث عن الافضل والاكثر قدرة على التطبيق، اننا باعتقادي كشعب اشوري، لازلنا قادرين على ان نكون الجزء الاكثر جراء على طرح حلول تخص كل العراق وكذلك الاقليم، لانه يهمنا جدا ان نكون وان تكون هذه الارض معطاة ومدار فخر كما كانت سابقا.
لقد تطور العالم، ليس اميركا وكندا واستراليا، هذه البلدان التي تعتبر اصلا بلاد الهجرة، بل حتى اوربا ام الفكر القومي والتعصب للعرق وللمورث الثقافي، بحيت باتت ليس كل مدينة بل احيانا اغلب القرى تضم خليطا واسعا من مختلف القوميات والاديان والاعراق البشرية. وان كل هؤلاء يعيشون في ظل قانون واحد يحمي المساواة والعدالة بينهم، ولا يميز بين القادم والوطني الاصيل. ان المسار التاريخي هو لهذا النموذج، لانه النموذج الاكثر تقبلا وتطورا. ونحن حتى في الوطن وفي المدن الكبيرة، بعد ان كنا خلال القرون الماضية، نعيش كل مكون في منطقة خاصة او غيتو خاص، فرض علينا العصر الاختلاط والتجاور والانفتاح.
بات علينا ان نعمل من اجل تاسيس الدولة المدنية، بالرغم من ان اغلب ابناء شعبنا مع هذا الخيار عاطفيا على الاقل، الا ان انخراطهم فيه نادر حقا. هذه الدولة التي تحمي مكوناتها وثقافتهم وحريتهم. وذلك من خلال اولا ان يكون كل المواطنين متساويين واحرار، يتمتعون بكل الحريات المنصوص عليها في شرعة حقوق الانسان. وان يحق للمواطنين من ابناء المكونات، التمثيل ليس فقط في المجالس التشريعية، بل ايضا ان يعاد النظر في المجالس الاتحادية، ويمكن التفكير في مجلس للاقليم يكون مساويا في صلاحياته لبرلمان اقليم كوردستان، يكون تمثيل المكونات متساويا مع الكورد والعرب، ولا يمكن تمرير قانون يعترض عليه اكثرية من ابناء مكون واحد. ويكون للمؤسسات الخاصة بالمكونات (او الاقليات) الدور الاكبر في تحديد السياسية الثقافية والتعليمية في مكونهم. ان ما نطرحه بالحقيقة لا يتعارض مع المطالب المحقة في الحكم الذاتي او المحافظة، فطرحنا يتعلق بصورة عامة من خلال العراق كمنظومة قانونية او اقليم كمنظومة قانونية قائمان بذاتهما يمكن ان تضما اقليات او مكونات او اشكال ادنى من المنظمومات مثل الحكم الذاتي او المحافظة. ان نشر مثل هذه الرؤية الغاية الاكثر اهمية لها، هي اعادة الاعتبار للواقع القائم واعتباره الاساس في بناء بلدنا، وعدم الذهاب بعيدا في رفض كل الاخرين، مما يجعلنا في الغالب غير قادرين على طرح رؤى واقعية سياسيا، يمكن تطبيقها وتحضى باحترام وتقدير الاخرين سوى من نتحاور معهم داخليا او خارجيا.
Teery.botros@yahoo.com