المحرر موضوع: حواجز نفسية واجتماعية تعيق التبرع بالأعضاء في العالم العربي  (زيارة 1075 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31496
    • مشاهدة الملف الشخصي
حواجز نفسية واجتماعية تعيق التبرع بالأعضاء في العالم العربي
تتجه الأنظار بمناسبة إحياء اليوم الوطني للتوعية والتشجيع على التبرع بالأعضاء، موازاةً لإحيائه على الصعيد العالمي، صوب الآلاف من الأشخاص الذين ينتظرون “متبرعا” ينقذ حياتهم، ويعود النقاش ليطرح مجددا حول واقع هذه المبادرة الإنسانية بالمغرب والتي لا تزال رهينة حواجز نفسية واجتماعية.
العرب/ عنكاوا كوم [نُشر في 2016/10/18،

عبء مادي ونفسي ثقيل على المريض والأسرة

الرباط - على الرغم من الجهود التي بذلها المغرب على مستوى التشريع، وتحقيقه لإنجازات هامة في مجال زرع الأعضاء والأنسجة على المستوى العربي والمغاربي، فضلا عن مبادراته لترسيخ هذه الثقاقة إعلاميا واجتماعيا، إلا أن عدد المتبرعين لا يزال بعيدا عن تلبية الحاجة المتزايدة من الأعضاء والأنسجة الكفيلة بإنقاذ الحالات التي تعج بها المستشفيات.

بنبرة تشي بالكثير من الإصرار والعزم، تروي أمينة، سيدة في ربيعها الأربعين، معاناتها منذ ثلاث سنوات مع مرض القصور الكلوي الحاد الذي أنهك قواها الجسدية واستنفد إمكاناتها المالية، لكنه لم ينل قط من عزيمتها وتشبثها بأمل لا تخبو جذوته للعثور على متبرع يرأف بحالها.

وفي انتظار متبرع بكليته ينهي معاناتها مع المرض، تواظب أمينة مكرهة لا مخيرة على إجراء ثلاث حصص أسبوعية بأحد مراكز تصفية الدم بالرباط، وهي العملية التي تقول في حديثها لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنها أنهكت قواها وجعلتها عاجزة عن ممارسة أي نشاط، كما ألزمتها بوصفة طبية تكلفها قرابة 1500 درهم في الأسبوع.

أما وسام، الذي لم يتجاوز عمره الثلاثين، فقد تحقق الحلم الذي لطالما راوده منذ سنوات بإيجاد متبرع بالكلية ينهي معاناته مع مرض القصور الكلوي. ولم يكن المتبرع سوى والدته التي منحته كليتها بعد تفكير طويل في هذا القرار الذي لم يكن سهلا على الطرفين. ويتذكر وسام بألم شديد معاناته مدة ست سنوات بسبب مرض مثّل له عبئا ماديا ونفسيا ثقيلا عليه وعلى أفراد أسرته، واصفا أن عجزه عن القيام بأدنى مجهود جسدي في ريعان الشباب، وتعثر مساره الدراسي مما زاد من حدة المعاناة التي من الممكن أن تنتهي بمبادرة من متبرع.

وحسب الأستاذ الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا عياد أبلال، فإن موضوع التبرع بالأعضاء لا يزال موضوعا شائكا، إذ أن تحليل تمثلات المغاربة حول جسدهم كفيل بإضاءة مساحات الغموض والخوف من التبرع، ذلك أن المغربي له علاقة متوترة وحميمية في الوقت نفسه بجسده، “فهو يرفض أن يقترب منه أحد، ويعتبره ملكا له حتى بعد الممات”.

وأوضح الباحث، أن هناك لبس يتمثل في الخوف من انتزاع الأعضاء قبل الوفاة النهائية، خاصة وأن هناك العديد من الحالات التي استعادت وعيها بعد مدة طويلة من الموت السريري، داعيا في الوقت نفسه إلى تحليل المعطيات السوسيولوجية التي لا تشجع المغاربة على التبرع بالأعضاء ومن ثَمَّ المساهمة في بعث الحياة والأمل من جديد في جسم آخر.

باحث يدعو إلى تحليل المعطيات السوسيولوجية التي لا تشجع على التبرع بالأعضاء ومن ثم المساهمة في بعث الحياة في جسم آخر
أما رئيس المجلس الاستشاري للتبرع بالأعضاء، الأستاذ بن يونس رمضاني، فيرى أن مسألة التبرع بالأعضاء شهدت تطورا مستمرا “بالرغم من أن الأرقام المسجلة لا تزال بعيدة عما نتطلع إلى تحقيقه سواء بالنسبة إلى عدد المتبرعين أو بخصوص ما تعلق بعمليات الزرع”.

وأكد رمضاني، أن قلة حملات التوعية وجهل أفراد المجتمع بالمستجدات التي طرأت على النص القانوني، وكذلك الجانب المتعلق بسجلات رفض وقبول التبرع، من بين أبرز العوامل التي تحد من عزيمة بعض المتبرعين، على الرغم من توفر الضمانات الطبية الكافية لإجراء عمليات الزرع سواء بالنسبة إلى المتبرعين الأحياء في حالة التبرع بالكلى، أو بالنسبة إلى أولئك المتواجدين في حالة موت دماغي أثناء إجراء عملية زرع الكبد والقلب وبعض الأنسجة.

كما أبرز أن نسبة نجاح هذه العمليات تقترب من مئة بالمئة بالنسبة إلى الكلى والقلب، و75 بالمئة بالنسبة إلى عمليات زرع الكبد، مشيرا إلى توفر إمكانيات تقنية وكفاءات بشرية مهمة في كل المستشفيات الجامعية والمستشفيات الجامعية العسكرية وكذلك المؤسسات الاستشفائية المرخص لها قانونيا.

وبدوره، أبرز محمد الحسن الطرابلسي المكلف بمهمة بالكتابة العامة في وزارة الصحة والمنسق السابق لملف التبرع بالأعضاء والأنسجة في الوزارة، أن 43 بالمئة من العدد الجملي لعمليات الزرع تمت في السنتين الأخيرتين، في وقت تنتظر فيه قرابة 20 ألف حالة في القطاعين العام والخاص في حالة مرضى الكلى على سبيل المثال، العثور على متبرع.

وسجل الدكتور الطرابلسي أن عملية التبرع سواء من الحي إلى الحي في حالة مرضى الكلى أو من الميت إلى الحي في باقي الحالات، تسبقها فحوصات وتجارب للتأكد من الانسجام والتطابق الجيني على مستوى الأنسجة، مؤكدا أنها عملية صعبة على المستوى التقني، تتطلب تجند فريقين يتكلف أحدهما بعملية النقل فيما يتكلف الآخر بعملية الزرع.

ومن الناحية الدينية، أكد عالم الدين الدكتور شفيق الإدريسي أنه رغم أن موقف الدين الإسلامي محسوم من قضية التبرع بالأعضاء مصداقا لقوله تعالى “فمن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا”، إلا أن الثقافة الدينية لم ترق بعد إلى فهم هذه الإشكالات في بعدها المقاصدي، معتبرا أن “التبرع بالأعضاء أمر مستحب ومن أعظم القربات إلى الله عز وجل، شريطة ألا يكون بمقابل مادي”.

ودعا الدكتور الإدريسي إلى توفير دورات تكوينية لفائدة الفقهاء التقليديين بالمشرق والمغرب ممن لازالوا يعتقدون أن الأمر غير جائز، وضرورة تبيان الجوانب التي غابت عنهم، حتى يصححوا هذه النظرة الضيقة التي لا صالح فيها للميت والحي، إلى جانب الجمهور العريض من الوعاظ وخطباء الجمعة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، والأسر والساسة وكل من يقتدى بهم ليكونوا المثال في هذا المجال.