المحرر موضوع: مقابلة خاصة: مع سيادة المطران مار يوسف توما حول الاحداث الاخيرة في كركوك وتحرير الطالبات من قبضة ارهابيي داعش يومي 21 – 22 تشرين الأول 2016  (زيارة 2530 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • *
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
مقابلة خاصة:
مع سيادة المطران مار يوسف توما
حول الاحداث الاخيرة في كركوك وتحرير الطالبات من ارهابيي داعش
يومي 21 – 22 تشرين الأول 2016

عنكاوا دوت كوم : أدي شامل

انتشر على الساحة الاعلامية في الايام الاخيرة خبر تحرير الطالبات المحتجزات لدى داعش في مقر سكناهم اثناء الهجمة الاخيرة على كركوك. لتسليط الضوء على هذا الخبر وما رافقه من احداث وتساؤلات عن اعدادهن واسباب تواجدهن في كركوك وفي هذا الحي من المدينة والجهة التي قامت بالإعداد والتهيئة لعملية التحرير وقضايا اخرى تهم مستقبل هؤلاء الطالبات، اجرينا لقاء مطولا مع رئيس اساقفة كركوك والسليمانية للكلدان المطران مار يوسف توما الذي احتضن الطالبات والطلاب منذ احداث 10حزيران 2014 ليؤمن لهم الملاذ الامن في كركوك، وتفضل سيادته باستقبالنا مشكورا في ديوان مطرانية كركوك وليجيب على اسئلتنا هذه موضحا للجميع كل مارافق هذه الاحداث.


س) كيف استقبلتم خبر احتجاز الطالبات وما كان رد فعلكم على ذلك؟

قبل الاحداث بيومين كنت قد غادرت كركوك للمشاركة في اللقاء 19 لتجمّع الأحزاب الشعبية الأوربية (EPP) السنوي، المنعقد مع الكنائس والمؤسسات الدينية في مدينة البندقية (فينسيا) – إيطاليا 20 – 21 تشرين الأول 2016 يتعلق بالحوار بين المؤسسات الدينية والمؤسسات والسياسية في الشرق الاوسط كان برعاية البرلمان الاوربي وخاصة من التيارات التي تنتمي التيارات المسيحية الديمقراطية وهذا يشمل حوالي ثلث برلمان الاتحاد الأوربي. وصلني الخبر بشكل غريب في الساعة 2 صباحا وانا استعد للسفر ليلة الجمعة على السبت 22/10 والمتحدث كان السيد عماد متي ( ابو دريد ) المعين مني لمتابعة شؤون الطلبة، أخبرني بالخبر وكان يبكي ثم انقطع الاتصال الهاتفي مما أدى أني بقيت في حال من القلق والحيرة، حاولت الاتصال لكني لم أصل الى نتيجة، أخيرا تمكنت من ذلك وانا في مطار فيينا (النمسا) ثم توالت الاتصالات وفي تمام الساعة 7 صباحا من يوم السبت بلغني بتحرير الطالبات وشرح لي القصة بشكل سريع عن الاحداث التي دارت في ذلك الوقت العصيب. كانت اتصالاتي معه متكررة لكوني كنت في حالة لا توصف من القلق. وهنا بالذات بدأت تتوارد الى ذهني كلمة " المعجزة " بعد أن أدركت خطورة الوضع والأحداث. كعادتي احاول أن أتوصل إلى معرفة ما جرى، وكان بمثابة امتحان يعزز ثقتي بالله، لأن هذا المشروع إنساني ومسكوني وخصوصا مجاني، وتذكرت أحد المرشدين في معهد مار يوحنا الحبيب كان يقول: "إن سلمتَ شيئا إلى الله فلا تخاف عليه". أي إن ما يحفظه الرب محفوظ كما يقول المزمور: "الرب راعي فلا يعوزني شيء".

س) مالذي دفعكم لاحتضان هذا العدد الكبير من الطلبة في كركوك؟

اكتشفت الحقيقة منذ حزيران 2014 لدى اجتياح داعش لمدينة الموصل، ثم خصوصا في ليلة 6-7 آب، لدى اجتياحهم لقرى ومدن سهل نينوى، بأن هذا الموضوع سيفرض نفسه علينا، وأنه أخطر مما تصوّر البعض. وفي شهر أيلول حضر إلى ابرشيتنا (142) طالبا وطالبة من جامعة الموصل من الطلبة المكملين، وطلبوا أن تستضيفهم جامعة كركوك ليكملوا دراستهم ولا يفقدوا تعب السنة السابقة، وفعلا وافقت جامعة كركوك، لكن فترة التحضير لأداء الامتحانات كانت حوالي ثلاثة أسابيع، فطلبوا منا أن نستقبلهم ونطعمهم ونسكنهم. وكان علينا أن نقوم بذلك، وبالفعل تم تأجير أحد الفنادق في كركوك، وطلبنا من العوائل المهجّرة ان تقوم باعداد الطعام لهم، وبذلك وفرنا لهم ما يلزم وهكذا استطعنا أن نحقق ذلك بفضل أصدقائنا في الداخل والخارج، الذين لم يبخلوا بدعمهم لنا بسرعة.

في الشهر العاشر 2014 عاد بحدود (70 ) طالبا وطالبة ، اي مع بداية السنة الدراسية  في حين اكتفى قسم من الطلبة آنذاك بالنجاح ولم يعودوا الى كركوك إما خوفا أو بسبب ضغوط عائلاتهم . القادمون طلبوا أن نكمل ما بدأنا به من توفير إقامة ومعيشة وحصلت موافقة جامعة كركوك على استضافتهم. لقد كانت السنة الاولى صعبة، مما تطلب استئجار منازل لهذا العدد، مما ولد بعض القلق والاستغراب لدى سكان الأحياء التي تم تأجير البيوت فيها، خصوصا تجاه الطلبة الشباب، لكن بالتعاون مع السلطات المحلية والمحافظة اطمأنت الناس، بل كانت عوائل الجيران تتبرع بالمساهمة في توفير بعض الحاجات والخدمات بعدما شاهدوا سلوك الشباب واحترامهم، كما طلبنا بدورنا من الطلبة الالتزام التام بالانضباط وعدم ازعاج الجيران. وقد نجحت الفكرة تماما واستطعنا أن ندبر الامور، وهذا ما شجع الكثيرين على التفكير بالمجيء في السنة التالية بعدما فقدوا سنة دراسية كاملة. إننا نعلم بالطبع أن هؤلاء من ابناء شعبنا المهجرين وهم لا يملكون شيئا لمواصلة دراستهم، ومن غير المنطقي أن ندير ظهرنا للذين يطرقون الباب في هذه الوقت الحرج، وهذه المرة لجأنا إلى مجلس اساقفة فرنسا وتم مخاطبتهم لتبني دعم هذا المشروع وفعلا تمت الموافقة بالإجماع من قبلهم عبر اجتماعهم في لورد في تشرين أول 2015 بتخصيص تبرعات الصوم الكبير لعام 2016 لنا، وشمرت وسائل الإعلام الكنسية عن ساعد الجد لجمع التبرعات للمشروع كما اهتمت بالقضية الصحافة الفرنسية وغطته بما يكفي بحيث نجحت منظمة "عمل الشرق" التي تبنت مساعدتنا منذ البداية  وطلبت من السفر لإجراء العديد من المقابلات وزيارات الأبرشيات ما عدا اللقاءات التلفزيونية او عبر الصحف الفرنسية المعروفة. ولحين اكتمال المبالغ تم اقتراض مبالغ من الاصدقاء للاستمرار بهذا المشروع الحيوي. وسرعان ما قمنا بتأجير وتجهيز عشرة بيوت بواقع خمسة للطالبات وخمسة للطلاب وتأثيثها وتجهيزها بكل مستلزمات الحياة من أسرّة، مطابخ، غسالات، أجهزة تبريد، حاسبات، مناضد للرسم الهندسي، ومدافئ، وإضافة عنابر لخزن الماء وبناء دورات مياه وغيرها ...الخ.

كانت البيوت عادية وضيقة لهذا العدد الكبير من الساكنين الذي يصل أحيانا إلى أربعين، لكن بالرغم من ذلك كان الشباب مسرورين، وقبل الجميع أن يعيشوا كإخوة وأخوات قادمين من أطياف العراق وإثنياته من كل الجماعات المسيحية والإيزيدية والصابئة والمسلمين. أي كانوا عراقا مصغرا، وانقضت السنة الدراسية بسلام وأمان وأسعدونا بنتائج نجاح باهرة بلغت 100%.  ولم يكن لدينا من رغبة سوى نجاحهم وتفوقهم واستعداهم أن يكونوا مستقبل العراق الواحد الموحد. في حين أن نسبة الكلدان من مجموع هؤلاء 400 طالب وطالبة لا يتجاوز 20%. أردنا أن تكزن ضيافتنا لهم متجردة من أي أفكار أو ترويج بل نحن نحترم انتماءاتهم لأن هذا هو أساس كل حركة مسكونية أو حوار أديان.

من جهة أخرى حاولنا في هذه البيوت أن نتجنب التكتلات القومية او الاثنية او العشائرية، أعني لا نقبل أن يسكنوا بحسب قراهم في الغرفة الواحدة، لكن نقبل أن يكونوا من نفس الاختصاص كطلاب الطب أو الهندسة. لم نقبل قط أن يكون المسيحيون في مكان والمسلمون أو الإيزيديين في بيت او حتى في غرفة، رفضنا هذه الفكرة منذ البداية. قلنا لهم بكل وضوح إن هذا التعايش هو صورة مستقبل العراق ونحن كطلاب وطالبات إذا لم نستطع ان نتعايش الآن في سكن نحن ضيوف فيه، كيف سنستطيع في المستقبل ان نتعامل ونتعايش في هذا الوطن، علينا أن نرفض مبدأ المحاصصة، التي ولدت الكثير من الأذى للعراق في السنوات الأخيرة. لا نرغب بوجود محاصصة بيننا وعندنا، والذي يرغب بهذا الشرط هو مرحب به. الجميل ان جميع الطلبة، في كل بيت ينتخبون المسؤول ونائبه عبر اختيارهم الشخص المناسب وكان كثير من المسؤولين مسلمون أو إيزيديون، وهذا أسعدنا بأن يكون الشخص المناسب في المكان المناسب، فيقوم بالخدمة تجاه الطلبة الاخرين من رعاية وعناية ومتابعة صحية او الانتباه عليه إذا غاب، بدون سبب او انقطع عن التواجد في الدار. ويذكر أيضا أننا احتوينا الخريجين والذين تم تعيينهم في كركوك، قبلناهم بسبب الضائقة المالية التي يمر بها بلدنا.

لم يكن نجاح هذا المشروع ممكنا لولا مساهمة الكثيرين وخصوصا منسق شؤون الطلبة السيد عماد متي، الذي أطلقوا عليه لقب "أبونا الثاني"، وهو لم يبخل بوقته ولا بالتعب حتى في ساعات الليل، عند حدوث عوارض صحية لديهم، تخيل العائلة التي لديها ثلاثة أولاد تكون حائرة بهم، فكيف لنا ونحن لدينا (400) شاب وشابة؟ لذلك لا أخفيك أني في هاتين السنتين كنت في حالة من الشد وأصلي دائما واقول "يا رب احفظهم!"، وخاصة في هذه المدينة الكبيرة التي استقبلت أكثر من 600 ألف مهجر، وصعوبة ظروفها الأمنية. لأن الحياة تفرض أيضا واقعها على هؤلاء الشباب، القادمين من أماكن مختلفة، ومنهم لا يزال بعد قريبا من سن المراهقة، أو جاءوا من القرية حيث الحياة تختلف بشكل كبير عن الحياة في المدينة، فلم نكن نسمح للطالبات الخروج للتسوق بشكل منفرد، بل كنا نلزمهم أن يخرجوا مجتمعات فنأخذ بالحسبان أي عارض أو مشكلة او مضايقة من أحد. الأمر نفسه بالنسبة إلى الشباب، أعنى لم نكن نسمح لهم بتضييع وقتهم في المدينة لساعات متاخرة من الليل، أو إزعاج الجيران، كان السيد عماد متي (أبو دريد) أحيانا كثيرة حازما معهم في هذه الأمور. وهذا الانضباط والالتزام والجدية مع كثير من الاحترام، كان أساس الثقة قد أتت بنتائج باهرة في الحادثة الاخيرة حين تعرضت الطالبات السبع إلى محنة دخول أربعة إرهابيين في بيتهم يوم الجمعة 21 تشرين أول الماضي وأستطاع من ثمة تحريرهم.

س) سيدنا سؤال يطرح نفسه وفق كلامكم هذا، لماذا لم يستقبل هؤلاء الطلبة في الاقسام الداخلية للطلبة؟

في بداية الاحداث قمت بزيارة رئيس جامعة كركوك وطلبنا منه ذلك، إلا ان رئاسة الجامعة اعتذرت بسبب عدم توفر الامكانات لاستقبال هذه الاعداد، والأقسام الداخلية لديهم مصممة لعدد محدود، لكن النازحين والمهجرين جاؤوا بخمسة اضعاف الإمكانيات المتوفرة في الاقسام الداخلية، كذلك عجز السلطات بسبب الضائقة المالية، لذلك أصبحنا ملزمين باحتضان هؤلاء الطلبة.

س) كيف يمكنكم تغطية نفقات الاقامة والطعام لهذا العدد وفي ظل الازمة الاقتصادية التي يمر بها البلد؟

نحن نوفر لهم ما يحتاجون إليه من مأكل ومشرب وبيوت مؤثثة وصحة، المبالغ جمعناها عن طريق جهد شخصي إبان العطل والسفر إلى أبرشيات الدول البعيدة والتقي برؤساء المجالس الابرشية مثل فرنسا وألقي المحاضرات حول المشروع، أمام آلاف المؤمنين، والمبالغ يتم جمعها عبر مؤسسات رسمية وبمنتهى الشفافية وما يتم صرفه بموجب وصولات رسمية. إن كلفة استضافة طالب واحد لدى ابرشيتنا في اليوم الواحد هي حوالي عشرة آلاف دينار عراقي، لكن مع العدد الكبير يصبح الموضوع ثقيلا، خصوصا عند المفاجآت الصحية لدى الحاجة إلى تدخل جراحي مثلا علينا أن نقوم به بدون تردد ونقول الله كريم. وما ذكرته في مقالتي الاخيرة بعد احداث يوم 21/10 الاخيرة في كركوك بعنوان "عندما تجتمع المحبة والشجاعة يحقق الرب المعجزة "، أقول بكل صدق إننا أحببنا هؤلاء الشباب وكنا دائما مستعدين لفعل أي شيء من اجل مستقبلهم ولم نرد أحدا، وهنا علي أن أقول أني حظيت دائما بتشجيع غبطة البطريرك مار لويس ساكو، لذا كان لديّ الثقة بأن الرب سوف يعيننا وفعلا كان الله كريما معنا في كل شيء.

إن بلدنا يمرّ في ضاقة كبيرة وأبناء البلد منذ 2003، ثم بعد أحداث 2014 المعاناة في جوانب عديدة خصوصا الجانب المادي. مع ذلك، لم يقصر أبناء أبرشيتنا في كركوك او السليمانية، في مختلف الخدمات والنشاطات وحبهم لكنيستهم وقربهم منها، هذا الازمات أسهمت في خلق التعاون في دعم الطلبة عبر حملات تقديم بعض الوجبات إبان الأعياد أو التبرع بالدجاج كي يشعر الطلبة أن لديهم أهل في كركوك.

س) هل تعني سيدنا ان رؤساء الابرشيات التي ينتمي اليها الطلبة لم يكونوا على علاقة بالطلبة خلال فترة اقامتهم؟

بالحقيقة لم أطلب شيئا من تلك الابرشيات، وهم بدورهم لم يقترحوا شيئا لهذا الغرض، مرة واحدة فقط وردني طلب حول استعدادنا لتحمل مصاريف نقل الطلبة من اربيل الى كركوك يوميا بلا إقامة عندنا. لكنني رفضت الفكرة، بسبب خطورة الطريق، ونحن لا نتحمل سوى مسؤولية من يقيم عندنا فقط ومن ليس لديه أهل من المهجرين في كركوك، هؤلاء أيضا لدينا برنامج خاص لمساعدتهم في السلة الغذائية أو في المشاركة في الايجار ...الخ.

المهم أن لدينا برنامج نسير عليه حسب الضوابط وضعتها الأبرشية، وأكرر أننا لا نريد منهم سوى أن يفرحونا بنجاحهم وتفوقهم بالدراسة.

س) بماذا تصف ماقام به السيد عماد متى لإنقاذ الفتيات، وهل كان هنالك اشخاص آخرين ساعدوا على تحريرهن سواء من ضمن كنيسة كركوك او الابرشيات الاخرى؟

الخبر الذي انتشر في وسائل الاعلام ان وجبة من الآباء الكهنة السريان الكاثوليك جاءت من اربيل وساهمت في انقاذ الطالبات خبر عار عن الصحة .لان الذين قاموا بإنقاذ الطالبات كانوا يتكونون من (11) فردا فقط من افراد القوات الامنية ، اثنان منهم قاموا بإنقاذ الوجبة الاولى من الطالبات وعددهم (14) ، والوجبة الثانية متكوّنة من 9 افراد من قوات الطوارئ ساعدوا على انقاذ الطالبات السبع، من المنزل حيث دخل الإرهابيون الأربعة أما البقية الباقية من الطالبات وهن (40) فقد تم انقاذهن بدون مشكلة، لعدم وجود احتكاك في تلك البيوت مع الإرهابيين. طبعا تمت هذه العمليات جميعها بحضور قوات (السوات) والطوارئ وبوجود السيد عماد متي أثناء تنفيذ الحملة، والعملية كلها حصلت بالتنسيق والترتيب معه.

الاباء الكهنة القادمون من اربيل رافقوا الطلبة من مطرانية الكلدان إلى اربيل صباح يوم السبت وبعد انتهاء العمليات العسكرية. إني أرى أن الحقيقة هي بأن لولا وجود السيد عماد متي طوال الليل ومتابعته بالهاتف النقال كان له الدور المناسب في المكان المناسب واتخاذه قرار تحريرهم في لحظة حرجة، وكان صائبا وذا سرعة بديهة، فأسهم في تحرير الطالبات مع القوات الامنية بشجاعة فائقة، وهذا جاء نتيجة لمحبته لهؤلاء الفتيات ونظرته اليهم من منظور الابوة وثقتهم به كونه كان يعاني من آثار عملية جراحية معرضا حياته للخطر من أجلهن، وهنالك فيلم سجله أحد أفراد القوات المقتحمة في تلك الليلة يشهد على أنه كان قريبا ولم يغادر على انتهى كل شيء بسلام.


س) وصف غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الحدث بأنه كان معجزة. فهل بالامكان ان يؤخذ هذا الحدث كمعجزة ليس فقط للطالبات بل للعوائل الأخرى القاطنين في ذلك الحي؟

لا ينبغي أن نبحث عن المعجزات طوال الوقت، ولكن عند حدوثها يجب ان نراها ونقدم الشكر للرب عليها. كما فعل أحد البرص العشرة في مثل الانجيل المقدس. البرص لم يتوقعوا أن يتم شفاؤهم، لكنهم شفوا في طريق العودة، بعد اللقاء بالمسيح، واحد منهم فقط رجع ليشكر. كذلك بخصوص ما حدث في كركوك قبل أيام، لدى استعراضي كل تفاصيلها من الاخوات الراهبات الدومنيكيات والفتيات الطالبات، عن الوضع في تلك اللحظات الخطرة، أو عندما التقيت مع افراد القوة الامنية التي ساهمت في العملية، ولدى زيارتي يوم السبت مساء إلى موقع الحدث، لاحظت لا يوجد مكان ولو صغير في جدران البنايات لم يتعرض للإطلاقات النارية، هؤلاء جميعهم لم يصابوا ولو بشظية او اطلاقة واحدة، خلال عملية الانقاذ او انفجار العبوات والرمانات ... كل هذا، مثل شريط يستعرض بثوانيه في ذاكرة السيد عماد متي أو مسؤولة البيت الطالبة (مونالي)، وهناك أيضا رسائل الـ ) SMS)، مسجلة أبلغها بضرورة مغادرة البيت خلال دقيقة واحدة مع زميلاتها حافيات القدمين، وفي ظلمة الليل والافراد الاربعة من عصابة داعش في الغرفة الثانية، وأحدهم مصاب، فخرجن بالرغم من الخوف وفتحن الباب الخلفي والاطلاقات مستمرة كالمطر من جميع الاطراف لإشغال الإرهابيين، ويتسلق احد افراد القوة الامنية (وهو ملازم اول) جدار المنزل لرفعهن فوق الجدار والعبور بهن الى المنزل الاخر... سؤالي هنا: "كيف يكون شكل المعجزة بعد كل هذا؟ إن لم تكن هذه هي المعجزة؟
من ناحية أخرى، بعد تمشيط المنطقة وحضور القوات الى موقع الحدث ومشاهدة الجثث الأربع وهي ممزقة وأشلاؤها مبعثرة على جدران الغرفة وعلى النوافذ والمروحة، نتيجة تفجير انفسهم، وبحسب اقوال الاخوات الراهبات بأن التفجير تم قبل الثالثة صباحا، وأن عملية الانقاذ تمت بعد الثانية والنصف، اذن هي معجزة حتى في التوقيت وتنفيذ العملية، كانت هنالك يد يحميهم وتقرر سير الأمور، وما تأثرت به انا شخصيا هو رباطة جأش الطالبات، فكن في حال من الانضباط ولم يصابوا بالذعر او الهستيريا او الصياح او البكاء، وبقين بعد ثمان ساعات متواصلة تحت الأسرّة، إنها  الثقة القوية بالسيد عماد متي وهو يلوح لهن عبر ضوء الهاتف النقال من وراء جدار المنزل الخلفي، لإعطائه التأكيد للطالبات على وجوده مع قوة الطوارئ، وكأن الإرهابيين أصيبوا بالعمى وهم وراء الشباك الكبير الذي يطل على الحديقة الخلفية التي خرجوا منها، أليس كل هذا ايضا معجزة؟
 
س) هل تتوقع ان هؤلاء الطلبة سيعودون مرة أخرى إلى كركوك. وأقصد بعد ما عانوا منه من أحداث. أين يكون موضع إقامتهم، وهل ستناط مهمة رعايتهم مرة اخرى الى السيد عماد متي؟

طبعا إذا وافق السيد عماد على ذلك فلن أجد أفضل منه، لأنه فدى حياته وعرضها للخطر في سبيل انقاذ الطالبات، وكانت زوجته في حالة قلق ورعب اثناء تنفيذ العملية، بل وان ابنه دريد كان يرغب بالحضور معه الى موقع الأحداث، الا ان أبوه طلب منه ان يبقى في المنزل لتفادي حدوث المحذور لا سمح الله. لم يكن في مقدور عماد عدم الاستجابة الى طلب الفتيات بإنقاذهن. فإذا كانت الامور في شد وتوتر حينذاك، لم يكن من مكان للتردد، وتتطلب الأمر الكثير من الشجاعة والرب استجاب لنا جميعا بشكل غير متوقع.

أما بالنسبة إلى عودة الطالبات والطلاب، فلا أحب ان اكون ادعائيا، ولكني اتصلت بالمسؤولين وأكدوا لي بأن عودة الجميع ممكنة خصوصا محافظ كركوك الدكتور نجم الدين كريم، أعطاني ملء الثقة بالسيطرة على الوضع في كركوك وعودة الامان للمدينة وسكانها والقوات الامنية بمختلف تشكيلاتها كلهم ساهرون على أمن وسلامة كركوك مدينة التآخي، وهنا يجب أن لا ننسى دور أهل هذه المدينة وتعاونهم مع جميع القوات الامنية في مهامها في الأحداث الاخيرة، إن ثقة أهل المدينة بالقائمين على امنها هي التي جعلت المأساة قصيرة والخسائر أقل بكثير مما كان ممكنا. وهذا سيؤكد لأهالي طلابنا الأعزاء بضرورة عودتهم، وشخصيا أتمنى أن يرجعوا إلى مقاعدهم الدراسية وسأعمل على إعادة تعمير المنازل المتضررة وصيانتها، مع ثقتي بأن من سيعود منهم سيفعل ذلك بملء حريته وبالشجاعة التي تميزت بها هذه الأيام.

س) ما تعتقد بشأن ايمان هؤلاء الفتيات، اقصد هل ان ايمانهم الروحي وتعلقهم بالكنيسة سوف يزداد او ينقص؟

 أرى أن الايمان هو قرارا شخصي، وهؤلاء هم كأولادي، وعلى الأولاد أن يعطوا حرية قرار حياتهم وإيمانهم. أما بخصوص هذا المشروع فهو إنساني ومسكوني، إنه مجرد ضيافة يطالبنا بها الرب، وفي الكتاب المقدس الضيافة مقدسة، كقول يسوع: "من قبلكم فقد قبلني ومن قبلني قبل الذي ارسلني". أحد الطلاب المسلمين المتخرجين في هذا السنة جاء ليشكرني فقلت له: "لا تشكرني، فالنهر لا يرجع للوراء، تذكر فقط انت في يوم ما ستكون انسانا ناجحا في الحياة، ولديك منزلة في المجتمع، إذا ما طرق بابك فقير أرجوك لا تردّه لكي يستمر الخير في الحياة". هذا المشروع تعليم أخلاقي لإنقاذ العراق، بدأنا به خارج الأطر السياسية أو المذهبية ولا هو ترويج لدين أو لمذهب معين، لأنني ضد المذهبية. أعتقد إنه مجرد برنامج إنساني نابع من قول الإنجيل: "مجانا اخذتم مجانا اعطوا". وهذه المبالغ التي يرسلها اصدقائي ويستقطعونها من حاجتهم هي مجانية، وعليها أن تعطى مجانا بلا غايات أخرى، أملي فقط أن أسهم في نضوج إنسانية هؤلاء الشباب، المهم أن لا يضيعوا وقتهم الذي نشتريه بمساعدتهم كي ينجحوا. حاولنا زرع هذا الحرص ونوع من الانضباط والتدبير، هنالك حزم في قواعد التعامل أيضا مع بقية زملائهم، وكان لهذا تأثير إيجابي على مسار دراستهم، وأعتقد أنهم فخورون الان بهذا الشيء خصوصا بعد نجاحهم في الدراسة. على كل انسان أن يعي مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الاخرين، والثقة التي وضعتها في السيد عماد متي كانت في مكانها وفي الزمان الصحيح، وهو قام بمهامه كمسؤول، بالرغم من عدم تواجدي شخصيا إبان وقت الحدث، استطاع أن يتخذ القرار اللازم وهذا هو أحسن تعريف لمهام كل مسؤول.


كلمة اخيرة سيدنا ماذا تحب ان تقول؟

 أشكر الله على كل شيء، فهذا حدث تاريخي، مسكوني، وعراقي بامتياز يُسجل في مدينة كركوك الرائعة، وقد جاءت نهاية الأمور إيجابية كنتيجة لوحدتنا وتلاحمنا ومحبتنا لبعضنا البعض، وعدم تعلق بأمور منافسة ثانوية لا طائل تحتها، لذا لم أرغب في الدخول او التعليق في المهاترات الاعلامية التي ظهرت بعد الحدث، يكفي أن نشكر الرب على نعمه وهذا خير ما نفعل.
كركوك 31 تشرين الأول 2016

أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية