المحرر موضوع: هل الديانة زي موحد؟  (زيارة 849 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عمانويل ريكاني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 147
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل الديانة زي موحد؟
« في: 17:02 25/11/2016 »
                       هل الديانة زي موحد ؟
                   بقلم عمانوئيل يونان الريكاني /العراق/استراليا
لو أستعرضنا واقع التاريخ البشري بكل أمانة كما هو دون زيادة أو نقصان وبلا أحكام مسبقة أو أفكار جاهزة ولو ألقينا نظرة سريعة وخاطفة الى سجل الأحداث الماضية في كل تراث الأنسانية بما فيه من غث وسمين وجيد ورديء نستثني منها النقاط المضيئة والأنجازات العظيمة هنا وهناك لا نتردد أبداً في أقرار معاً على أن الناس الذين ماتوا بسبب الله أو بالأحرى تصور مشوه عنه أكثر من الذين ماتوا بأسباب أخرى نتيجة الحروب الدينية والصراعات المذهبية والنزاعات الطائفية في الشرق والغرب التي أسدلت سواد لياليها على التاريخ ودمرت البنيان والأنسان وأحرقت الأخضر واليابس ودامت تلك الحروب قرون طويلة بين الاسلام والمسيحية وبين الهندوس والمسلمين وبين الكاثوليك والبروتستانت وأخيراً بين السنة والشيعة والتي لا زال منذ صدر الدعوة الاسلامية دودها لم يمت ونارها لم تنطفأ مما جعلت منطقة الشرق الأوسط مقبلة على كارثة أنسانية حقيقية.
كل الأديان بدون أستثناء إن لم تكن في تعاليم مؤسسيها أقلها في مسيرتها التاريخية فرضوا على أتباعهم حراس العقيدة وسدنة الهياكل ديكتاتورية الزِي الواحد والفكر الواحد واللون الواحد الذي تعتبر الأخرون هم الجحيم كما قال سارتر والأدعاء بأن دينهم هو الدين الحنيف وملاك الحقيقة المطلقة والفرقة الناجية وحزب الله وأبناء النور الذي لا يأتيهم الباطل من بين يديه ولا من خلفه .أما الأخرين دينهم محرف وباطل ومصيرهم الهلاك الأبدي ومن حزب الشيطان وأبناء الظلام وحدث ولا حرج عن الأتهامات المتبادلة بالتكفير والزندقة والجحود والشرك التي تكفي أحدها لألصاقها بالأخر كي يتم تصفيته جسدياً وتنظيم داعش والقاعدة والجماعات الأسلامية المتطرفة تتحفنا دوماً بهذا الفكر المنحرف والسلوك الأجرامي.
السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا في هذه السفرة القصيرة هل زي الديانة الموحد يعكس أرادة الله ويعبر عن حقيقة فكرية فلسفية علمية ؟من حقنا ان نطرح هذا السؤال الخطير لأنها مسألة حياة أو موت وجود أو لا وجود.
في الأثبات والنفي لن أستشهد بأيات من أي كتاب مقدس لأنني بصراحة أتجنب حرب النصوص لأنه من السهل أن تتم عملية أسقاط نفسية على النص ويصبح الله خادم لرغباتنا وكلامه كلامنا .لكن سأحاول توجيه أنظار القارئ من منطلق أخر على بطلان ديانة الزِي الموحد ولا أنسانيتها ولا حضاريتها.
من خلال التأمل العقلاني والصادق في الطبيعة والمخلوقات الحية التي هي خليقة الله .في كل مكان في الجو والبحر والبر نرى التنوع والتعدد والأختلاف والتلون سواء في النباتات أو الطيور أو الاسماك أو الحيوانات يكفي الأنبهار والدهشة التي يبعثها فينا عالم الورود بأشكاله الكثيرة وألوانه الجميلة التي تبعث في نفوسنا الراحة والطمأنينة ومن منا لا يستقطبه منظر قوس وقزح بألوانه الزاهية في كبد السماء ناهيك عن بصمة كل فرد منا التي لا تتكرر ولا تتشابه حتى في التوأم أليس هذا الأختلاف حكمة ربانية لمن يعقلون؟
إن هذه الرسائل التي بثها الله في الخليقة ما هي الا دعوة لتحفيز عقولنا على التفكير المنطقي على غرارها يتم إقامة المجتمع البشري المبني على التعدد والتنوع والأختلاف والعقل  والنسبية وحب الأخر وأحترام الغير التي هي من مبادئ التنوير والحداثة والعكس تكون العواقب وخيمة على الجميع كما نرى في مكانات كثيرة من العالم .
ليس عيب أن يدعي كل دين أنه الحق وألا ما كان أمن به أتباعه لكن المشكلة تكمن عندما لا نرى الحقائق الروحية والقيم الأخلاقية الموجودة في الأديان الأخرى ونعتبرها باطلة ومكلفين سماوياً لأزالتها.
ينبغي علينا أن نتحرر من ذهنية القرون الوسطى ومن عقلية كان يا ما كان وأن نتعلم من ماضينا الأسود من اجل حاضر سعيد ومستقبل أفضل.
أن كلمة الله هي الحب ومن قال غير ذلك يجعل الله مجرماً قاتل غاصب عنصري شتام لعام يعمل كل الموبقات .كلنا ابنائه فهو يقف على مسافة واحدة من الجميع يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين ويفيض نعمه على الكل ويعمل في الأفراد والجماعات وفِي كل الشعوب من اجل ازالة الحواجز التي صنعها الانسان نتيجة خطيئته وضعفه وجهله لأقامة ملكه الذي هو غاية التاريخ.هذه هي هوية الله الحقيقية التي يمكن أختزالها في البعد الأفقي والعمودي للحب كما جاء في أنجيل لوقا 27:10 تحب الرب ألهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك ،وقريبك مثل نفسك " .
وقريبك هو أخوك في الأنسانية وليس في الدين فقط ولا من لحمك ودمك وفِي مثل السامري الصالح يعبر يسوع أصدق تعبير عن ان كل شخص يحتاج الى اعمال الرحمة بغض النظر عن دينه وقوميته وعرقه وأي ما كان أنتمائه هو قريبي.
اما بالنسبة للديانة المسيحية فالكنيسة تحت مطرقة التنوير والحداثة اعادت النظر في الأخطاء التي اقترفتها عبر التاريخ وعملت جاهدة في طَي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة امام الحاضر وتأقلمت مع الفكر المعاصر بعد ان تم تفكيك اللاهوت القروسطي وإعادة بناء لاهوت حداثي أنساني عقلاني وما مجمع الفاتيكاني الثاني 1962-1965 الا تتويج لهذه النية الصادقة في نقد الذات ومصالحة العالم وفتح باب الحوار على مصراعيه بين الكنائس والأديان .
لكن للأسف الشديد يوجد بعض الأفراد ومنهم رجال دين معروفين يحاولون وضع ترس في عجلة التقارب بين الكنائس المختلفة ويحاولوا بث التفرقة والشقاق بين المؤمنين من خلال أفكار باطلة وادعاءات كاذبة وإيهام تابعيهم بأنهم هم أبناء الملكوت والاخرين على ضلال وينصبوا أنفسهم ديانين على الآخرين وهذا يتنافى مع مبادئ المسيح وروح الإنجيل لكن لحسن الحظ أنهم قلة قليلة امام رغبة الأغلبية التي لن تتزعزع قناعاتها الإنجيلية التي تؤمن ان الخلاص هو بالمسيح وليس بأي مذهب أو طائفة طالما لنا نفس صورة الإيمان فتعدد التفاسير والمدارس اللاهوتية امر طبيعي لا غبار عليه.فالأب واحد والرب واحد والإيمان واحد ومهما اختلفت طرق التعبير عن الإيمان هذا شيء مشروع نتيجة اختلاف الثقافات والحضارات لكن تبقى كل الطرق تؤدي الى المسيح وهذا هو الأهم.